تحقيقات وتقارير

السودان: الفاشر تحت الحصار… الجيش يتعهد بفك الطوق والقيادات تحذر من إبادة جماعية

السودان: الفاشر تحت الحصار… الجيش يتعهد بفك الطوق والقيادات تحذر من إبادة جماعية

ميعاد مبارك

أكثر من نصف مليون مدني محاصرون داخل الفاشر، ويواجهون يوميًا خطر الموت نتيجة القصف المستمر، ونقص الغذاء، وانعدام المساعدات الإنسانية، وسط عجز المجتمع الدولي عن التدخل.

الخرطوم  أكد عضو مجلس السيادة، قائد ثاني الجيش السوداني، الفريق أول شمس الدين الكباشي، أن الجيش السوداني عازم على التقدم العسكري لفك الحصار المفروض على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مشددًا خلال مخاطبته الجنود في ولايات كردفان، على أن «ما يجري في دارفور، وتحديدًا في الفاشر، لن يُترك ليكون أمرًا واقعًا». وجاءت تصريحات كباشي وسط تحذيرات أطلقها حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، الذي قال إن الوضع في الفاشر تجاوز الكارثة، محذرًا من «عملية إبادة جماعية ذات طابع إثني تنفذ أمام أنظار الجميع، وسط صمت محلي ودولي مشين». وأكد مناوي أن «المدينة تستهدف في وجودها وسكانها، عبر الحصار والتجويع والقصف الممنهج»، مطالبًا الدولة السودانية والقوات المسلحة بـ«تحرك فوري لإنقاذ الفاشر قبل فوات الأوان».

وتأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أعنف مراحل الحرب السودانية المستمرة، حيث تحاصرها قوات «الدعم السريع» منذ أكثر من عام، وسط تقارير متزايدة عن جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمة ترتكب بحق السكان المدنيين، ما دفع منظمات حقوقية وأممية إلى دق ناقوس الخطر.

مطالبات بتفعيل سلاح الجو

وفي بيان صادر عن تنسيقية لجان المقاومة، أكدت فيه أن الوضع الميداني في الفاشر يتطلب تحركًا عاجلًا، مشيرة إلى أن «الطريق إلى النصر ليس سهلاً، بل يتطلب تضحيات كبيرة». وأضاف البيان: «لا يجب أن نسمح للفاشر أن تقاتل وحدها أو تبقى محاصرة بينما هناك إمكانية حقيقية لاستعادة الأمن والاستقرار». وشددت التنسيقية على أن الدعم العسكري للمدينة بات «ضرورة لا مفر منها»، مشيرة إلى أن معركة الفاشر تمثل «معركة دفاع عن الوطن، وكل سلاح يستخدم فيها هو دفاع عن الأرض والكرامة».
لكن، وعلى الرغم من تلك الدعوات، فإن تفعيل سلاح الجو يواجه عقبات كبيرة، إذ تعرضت عدة طائرات عسكرية للإسقاط في محيط الفاشر، في ظل تقارير تتحدث عن وصول منظومات دفاع جوي ومضادات طائرات حديثة إلى قوات الدعم السريع. ما يضع الجيش السوداني أمام معضلة حقيقية، حيث إن استخدام الطيران في هذه الظروف قد يكون مكلفًا للغاية على مستوى الأرواح والمعدات.

مشهد إنساني كارثي

على الصعيد الإنساني، وصف المتحدث باسم شبكة أطباء السودان د. أحمد النور، ما يجري في الفاشر بأنه «عملية إبادة جماعية مكتملة الأركان»، مؤكدًا أن تعريف اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة ينطبق على ما يحدث حاليًا في المدينة.
وأشار النور إلى أن أكثر من نصف مليون مدني محاصرون داخل الفاشر، ويواجهون يوميًا خطر الموت نتيجة القصف المستمر، ونقص الغذاء، وانعدام المساعدات الإنسانية، وسط عجز المجتمع الدولي عن التدخل.
وحملت شبكة أطباء السودان المسؤولية الكاملة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي، متهمة إياهم بالتقاعس والتواطؤ الصامت في وجه الجرائم المستمرة، ومشددة على أن الصمت الدولي يشجع الجناة على الاستمرار في ارتكاب المزيد من الفظائع.

قصف يومي واستهداف للمخيمات

قالت لجان مقاومة الفاشر إن المدينة «تعيش تحت رحمة الموت اليومي»، ووصفت المجازر المتكررة بأنها «جريمة ضد الإنسانية». وأضافت: نتعرض لقصف مدفعي يومي من جانب قوات الدعم السريع يستهدف الأعيان المدنية، خاصة في مخيم أبوشوك شمالي المدينة، حيث يسكن آلاف النازحين».
وأعربت الأمم المتحدة بدورها عن «قلق بالغ» بشأن الوضع في الفاشر، وأكد المتحدث باسمها ستيفان دوجاريك أن «المدنيين لا يزالون عالقين في المدينة المحاصرة، دون وجود ممرات آمنة للفرار».
وأضاف دوجاريك أن صور الأقمار الاصطناعية الحديثة أظهرت جدرانًا ترابية بطول 30 كيلومترًا تقريبًا تطوق المدينة، ما يزيد من صعوبة الحركة ويمنع المدنيين من الهروب من ويلات القتال.
وفي تقرير بعنوان «حرب الفظائع»، قدمته بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في السودان إلى مجلس حقوق الإنسان، الجمعة الماضية، وثقت مجزرة مروعة وقعت في مخيم زمزم بالفاشر في نيسان/أبريل الماضي، أسفرت عن مقتل نحو 1500 مدني، معظمهم من النساء والأطفال. وأوضح رئيس البعثة، محمد شاندي عثمان، أن استهداف المدنيين ومصادر حياتهم كان «استراتيجية متعمدة لا أعمالًا عرضية»، مشيرًا إلى أن قوات الدعم السريع استخدمت الحصار كسلاح حرب عبر استهداف المنشآت الطبية والأسواق ومصادر المياه والمخابز.

عنف جنسي ممنهج وانتهاكات داخل المعتقلات

كشف التقرير الأممي عن وجود أكثر من 100 مركز اعتقال أنشأها الجيش السوداني داخل ثكناته العسكرية، فيما وصف أوضاع المحتجزين لدى قوات الدعم السريع بـ«المأساوية». وتحدث التقرير عن تعذيب، إعدامات من دون محاكمة، وابتزاز للأسر لدفع فدية مقابل الإفراج عن ذويهم.
كما وثق التقرير حالات عنف جنسي ممنهج من قبل عناصر الدعم السريع، شملت الاغتصاب، الزواج القسري، والاستعباد الجنسي، استهدفت نساء وفتيات بعضهن لا تتجاوز أعمارهن الثانية عشرة.

انهيار الخدمات ومقتل عمال الإغاثة

أشار التقرير إلى مقتل أكثر من 84 من العاملين في المجال الإنساني خلال الفترة من نيسان/أبريل 2023 وحتى نيسان/أبريل 2025، مع اعتقال آخرين تعسفًا، واستهداف مباشر لقوافل الإغاثة وعرقلة وصول المساعدات.
وأكد أن أكثر من 12.1 مليون شخص نزحوا بسبب الحرب، فيما يعاني أكثر من نصف سكان السودان من انعدام الأمن الغذائي، مع انهيار شبه تام للنظام الصحي في معظم أنحاء البلاد.

ـ «القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب