تحقيقات وتقارير

حادثة عارضة ألهبت نقاشات الأردنيين: لافتة «ممنوع المرور» ضد «تحويل الزحام الشخصي» إلى خلاف عشائري

حادثة عارضة ألهبت نقاشات الأردنيين: لافتة «ممنوع المرور» ضد «تحويل الزحام الشخصي» إلى خلاف عشائري

بسام البدارين

تصلح واقعة حي المقابلين لإعادة ضبط الإعدادات والبرمجة برسم نزع أي فتيل يمكن أن يهدد استقرار المجتمع عبر من يحملون الألقاب أو يتحدثون بإسم عشائرهم.

عمان ـ :عالج الأمن الأردني بحكمة وسرعة حادثة عرضية مرتبطة بخلاف عشائري طارئ الأسبوع الماضي، بطريقة جديدة لفتت الأنظار وانطوت على توجيه رسائل أمنية مكثفة عندما يتعلق الأمر بسعي أي طرف لتضخيم وتأزيم خلاف شخصي أو فردي ومنحه الإطار العشائري. تلك الحادثة العارضة تستحق تأملها قليلا لأن كيفية تصرف المؤسسة الأمنية مع تداعياتها قد يكون أهم منها بكثير، علما بأن التداعيات تم احتوائها ووجهت رسائل من المستشارية العشائرية في السياق لجميع الأطراف ذات بعد تحذيري صارم تؤكد بأن الدولة والنظام القانوني لن يسمحا بتأزيم حوادث صغيرة تمس بسمعة العشائر وأولادها قبل أي اعتبار آخر.
تفاصيل الحادثة ليست كثيرة وبدأت من تزاحم رجلين على بوابة إحدى المضافات بعنوان من سيدخل قبل الآخر أحدهما بطبيعة الحال من شيوخ عشيرته. لوحظ بإنصاف أن أحد الرجلين زاحم الآخر بطريقة تخالف الأعراف والتقاليد الاجتماعية وبحركة استعراضية على بوابة المضيف.
التصرف بحد ذاته لا يألفه الأردنيون الذين يكرمون بعضهم البعض بالعادة عند الدخول والخروج.
لكن تصرف بعض أقارب وأنصار الطرف الآخر سجل مخالفات قانونية أيضا، فقد انتهت الإشكالية الصغيرة بعنوان «من يدخل قبل الآخر؟».
بعد تبادل نظرات حادة بين الفردين حصل تداول سريع وكثيف لشريط فيديو يظهر فيه بعض أقارب أحد الرجلين وهم يضربون في الشارع العام رجلا لأنه اعتدى على شيخهم ورمزهم وزاحمه في واقعة الدخول قبله.
مشهد الاعتداء والضرب كان مؤذيا جدا وانطوى على إهانة سرعان ما توسع نطاق التفاعل الجماهيري عبر المنصات معها.
لاحقا شوهد بعض أبناء العشيرة يحملون شيخهم على الأكتاف في الشارع العام ونشرت لقطات فيها استعراض عشائري بالحضور في ضاحية المقابلين شرقي العاصمة عمان، واضطرت الدوريات الأمنية للتواجد ثم تدخلت السلطات بقوة لاحتواء الموقف حتى لا يتوسع أكثر.
طريقة التدخل وتقنيتها كانت بمثابة رسالة ردع لكل من يحاول الاستخفاف بهيبة القانون واللجوء إلى تأزيم عشائري ومناطقي الطابع، فقد جمع الشيوخ الوسطاء ومن يمثلون الطرفين داخل المركز الأمني وبإشراف الشرطة وتم الإعلان بالصوت والصورة عن توقيع صك صلح عشائري.
انتهت القصة علنيا بين عشيرتين عند تلك الحدود رغم قناعة أصحاب الخبرة بأن من تلقى الضرب والاعتداء بدأ الاستفزاز في واقعة التزاحم. لكن بدأت لاحقا حدود الرسائل الصارمة من جهة الدولة لأن المصالحات العشائرية بالعادة تتم في المقرات والمضافات العشائرية وليس في المراكز الأمنية.
المقصود تماما من الجهات المختصة الإشارة إلى أن المؤسسات الرسمية جاهزة للتدخل وبصرامة عندما يرغب أي طرف في نقل خلاف شخصي أو فردي إلى دوائر عشائرية فيما يستمر التحقيق باسم الحق العام.
الأهم أن الواقعة العرضية فتحت مجددا الباب على مصراعيه أمام كل تساؤلات الشارع عبر منصات التواصل حول ظاهرة التقاليد العشائرية ودورها بعدما كانت طوال عقود من أهم عناصر الاستقرار ودعم سلطة القانون وليس العكس.
طالب أردنيون بالمئات بوقف صرف لقب ورتبة «الشيخ» أو بوضع آلية قانونية واضحة تمنح اللقب لمن يستحقه فعلا وحقا وسلطت الأضواء على ظواهر مستجدة من بينها وجود أشخاص بزعم المشيخة.
حادثة منطقة المقابلين هنا تسمح للطاقم الجريء في وزارة الداخلية وفي المستشارية الملكية بفرض خطوة تنظيم جديدة والتفكير مرة أخرى بما ينبغي فعله أو وقفه ليس في سياق الألقاب والأوصاف فقط ولكن في سياق إعادة الاعتبار لرموز العشائر الأصليين والحقيقيين الذين يقول الجمهور اليوم أن بعضهم تعرض للإقصاء.
الحادثة أثارت بعض الشجون البيروقراطية والسياسية، وطرحت على الحكومة بعض الأسئلة.
السبب في التحرك الأمني السريع للاحتواء والذي أعقبته رسالة صارمة بإجبار الطرفين على المصالحة داخل المركز الأمني من الخشية من تسلل أجندات لتوسيع خلافات وتجاذبات ذات بعد مناطقي أو عشائري في العمق الاجتماعي.
قال أردنيون بالمئات انهم يريدون الاحتكام للقوانين المدنية.
ونشرت مئات التعليقات التي تطالب بالحد من ظاهرة تعدد المرجعيات العشائرية والسمة الغالبة على النقاشات كانت تلك التي تفترض بأن الظروف دقيقة وصعبة أصلا في المنطقة والإقليم.والوضع الاقتصادي المحلي لا يسمح باحتقانات ذات بعد تجاذبي عشائري، فيما يحترم الأردنيون بالمجمل تقاليد وأعراف أبناء العشائر التي خالفها بوضوح أحد الطرفين في حادثة التزاحم على الدخول قبل ظهور ردود فعل اعتدت عليه وضربته وأهانته بصيغة مخالفة للقانون أيضا من الطرف الآخر.
تصلح واقعة حي المقابلين شرقي العاصمة عمان سياسيا وقانونيا لإعادة ضبط الإعدادات والبرمجة برسم نزع أي فتيل يمكن أن يهدد استقرار المجتمع عبر من يحملون الألقاب أو يتحدثون بإسم عشائرهم ضمن مبالغات درامية إجتماعية لا بد من السيطرة عليها.
الخبراء في الملف العشائري يشيرون لوزارة الداخلية دوما باعتبارها الطرف الأساسي في إعادة التوازن لمعادلة اختلت بوضوح في السنوات الأخيرة وذلك على الأرجح ما سيحصل لاحقا.

«القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب