تحقيقات وتقارير

قراءات إسرائيلية لتبعات الهجوم على الدوحة: الاعتداء على الضيوف والمضيفين تحرّكه أيضاً رغبة نتنياهو بالانتقام من قطر

قراءات إسرائيلية لتبعات الهجوم على الدوحة: الاعتداء على الضيوف والمضيفين تحرّكه أيضاً رغبة نتنياهو بالانتقام من قطر

الناصره / وديع عواودة

على غرار معظم رؤساء المؤسسة الأمنية، يواصل مراقبون في إسرائيل التحفّظ على توقيت هجمتها العدوانية على قطر، والتساؤل عن تبعاتها، وسط جدل: هل تقرّب الصفقة وتنهي الحرب؟ أم العكس؟

بعد ساعة من تحفّظ الرئيس الأمريكي علنًا من الاعتداء، عاد رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو وهدّد أن يفعلها ثانية، محاولًا إسباغ الشرعية عليها بالتذكير بما فعلته الولايات المتحدة في عدة مناطق في العالم.

ماتسليح: نتنياهو يجرّ الإسرائيليين للمجهول، متشجّعًا بأن الانتقادات الأوروبية حتى الآن دون “أسنان”، وعندما تصل إلى الأمم المتحدة يسقطها الفيتو الأمريكي

نتنياهو، الذي فاخَرَ، في البداية، بـ “العملية الناجحة” بدا محبطًا من اتضاح فشلها وهو يهدّد باستهداف قيادة “حماس” حتى في قطر، ويبدو أن هناك محفّزات وحسابات عميقة لديه ترتبط بتحامله على الدوحة والرغبة بالانتقام منها لدورها في تعزيز قوة “حماس” برفدها بميزانيات ضخمة مكّنتها من تنفيذ “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر، والذي أغرقه بالإهانة وقَلَبَ الطاولة على رأسه، وهو صاحب “الأنا” المتضخمة، والزاعم دومًا أنه “سيّد الأمن” و”تشرتشل الإسرائيلي”، والآن يصارع من أجل البقاء في الحكم وفي ذاكرة الإسرائيليين.

كما أن هذا التحامل، الذي دفع لانتهاك سيادة قطر بشكل سافر وفظ وإجرامي، ينبع من الرغبة بالانتقام على خلفية أخرى، بعد نجاح قطر في اختراق ديوانه بتشغيل عدد من موظفيه في خدمة مصالحها في ذروة حرب، ما دفع أوساطًا إسرائيلية واسعة لاعتبار ذلك فضيحة له شخصيًا.

هذا إلى جانب الطمع في حسم المواجهة المفتوحة المربكة والمكلفة مع “حماس” بالضربة القاضية على شكل “اصطياد” قيادة “حماس”، مراهِنًا على أن ذلك سيزعزع الحركة ويدفعها لرفع الراية البيضاء وإنهاء الحرب بصورة “انتصار مطلق”. وربما نجح في إقناع ترامب بتأييد هذه الضربة عمليًا من خلال هذا الرهان الذي ظنّ أنه سيريحه من أعباء وأثمان محتملة للحملة العسكرية الشاملة على مدينة غزة.

يشار إلى أن إسرائيل طالما بحثت عن حسم الصراع مع المقاومة الفلسطينية بأجيالها ورجالها، عبر فترات مختلفة، ومنذ كانت حركة “فتح” وبقية الفصائل في الواجهة بـ “النوك أوت”. فقد سبق واغتالت مئات من القيادات منذ تفجّر الصراع، بل حاولت القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في صاروخ واحد أُطلق عام 2003 نحو شقة في غزة اجتمعت فيها قيادات الحركة التي نجت تمامًا. لا شك أن هذا الاعتداء غير المسبوق، الذي يحوّل العالم إلى غابة حقيقية، قد نمّ أيضًا عن جنون العظمة، وعن سكرة القوة الملازمة لساسة إسرائيل، بعد كل ما قامت به في لبنان وإيران وسوريا واليمن، وعن رغبة في صياغة “شرق أوسط جديد” تكون فيه إسرائيل هي زعيمته. نتنياهو بمثل هذه العملية، التي أعقبتها ضربات عنيفة في اليمن أيضًا، يبحث عن ترسيخ “الزمن الإسرائيلي” الجديد.

تبعات العدوان

اليوم، وعلى مسافة يومين من العدوان، تتواصل الانتقادات في إسرائيل على “التوقيت”، وليس على السؤال المبدئي المرتبط بهوية المستهدفين ومكان الاستهداف، وتزداد التساؤلات فيها أيضًا عن تبعاتها.

ضمن انتقاداتها للعملية تقول المعلّقة السياسية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ميراف بطيطو إن نتائج المحاولة غير واضحة، ولا تبعاتها المتنوعة، لكن الواضح أنها وقعت في أسوأ توقيت، فالحكومة تجاهلت عشر سنوات من التعاون بين قطر وبين “حماس”. وتشدد بطيطو على أن الهدف الأساس من الضربة في الدوحة تغييب المخطوفين”. وهذا ما يؤكده المعلّق محرّر الشؤون الاستخباراتية في الصحيفة ذاتها رونين بيرغمان، معتبرًا أن الهجمة أثبتت أن المخطوفين خارج سلّم أولويات نتنياهو، الذي لم يكترث برأي المؤسسة الأمنية. ويسخر بيرغمان من الرهان على أن اغتيال القيادة المتشددة لـ “حماس” في الدوحة سيشقّ الطريق لصفقة، لأن المسؤول الوحيد سيبقى عز الدين حدادين “المتزن والمعتدل”.

 التحامل، الذي دفع لانتهاك سيادة قطر، ينبع من الرغبة بالانتقام على خلفية أخرى، بعد نجاحها باختراق ديوانه

من أجل دحض هذه الفكرة وهذا الرهان ينقل بيرغمان عن مصدر أمني إسرائيلي كبير قوله إن العكس هو الصحيح، فقادة الخارج أكثر اعتدالًا من قادة الداخل. ويتساءل بيرغمان ومراقبون إسرائيليون آخرون: لماذا أبلغ ترامب قطر بنيّة إسرائيل القيام بعملية؟ وكيف أثّر ذلك على فشلها لا على نجاحها؟

وعلّقت المعلّقة السياسية في الإذاعة العبرية الرسمية رينا ماتسليح بالقول إن نتنياهو يجرّ الإسرائيليين للمجهول، متشجّعًا بأن الانتقادات الأوروبية حتى الآن دون “أسنان”، وتبقى لفظية، ومحط خلاف داخل الاتحاد الأوروبي، وعندما تصل إلى الأمم المتحدة يسقطها الفيتو الأمريكي.

كما قالت ماتسليح إن نتنياهو لا يكترث بردود فعل عربية، ويراهن على أن دول الخليج لن تذهب بعيدًا في الرد على العملية في الدوحة نظرًا لعدة أسباب، منها الاستعانة بالإدارة الأمريكية، التي سبق أن وافقت على اغتيال حسن نصر الله في بيروت.

وتتساءل عن تبعات العملية الفاشلة: ماذا ستفعل إسرائيل لو بادرت دول عربية إلى قطع علاقاتها ووقف التطبيع معها؟ منوّهة إلى تصعيد قطر لهجتها ضد إسرائيل وحكومتها، غير مستبعدة ردًا عربيًا عمليًا قويًا، لأن الاكتفاء برد محتمل سيدفع نتنياهو لتكرار الكرة، وقد قال ذلك مهددًا من جديد بنفسه، أمس، دون اهتمام بالنزيف الدبلوماسي الذي نحن فيه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب