كتب

أطفال غزة والسودان خارج النظام التعليمي  بقلم نعمت بيان

بقلم نعمت بيان -طليعة لبنان -

في اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات،
الواقع التعليمي في بعض الدول العربية يتآكل بنار الحروب
أطفال غزة والسودان خارج النظام التعليمي
 بقلم نعمت بيان -طليعة لبنان –
9/9/2025
على الرغم من أن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان الذي رعته وأكدته الشرائع والمواثيق والقوانين الدولية ، إلا أنّ هناك ملايين الأطفال في أنحاء العالم قد حُرموا من حقهم في التعليم نتيجة الحروب والأزمات والكوارث الطبيعية والأوبئة، فيما تبدو المنطقة العربية من أكثر المناطق تضرراً في مجال التعليم نتيجة الصراعات والحروب منذ عقود.
إن القطاع التعليمي في الوطن العربي الذي يواجه تحديات كبيرة مثل التغيير في مضمون المناهج المدرسية ، التي تعاني سلفا” نقص في التنوع، وصعوبة في الوصول إلى شبكات الأنترنت في بعض المناطق مما يسبب نقص في فرص التعليم المتكافئة، حيث تُظهر فجوة في ما يقدمه التعليم من احتياجات سوق العمل، إضافة إلى عدم وجود استراتيجيات طويلة الأمد لتطوير المناهج المدرسية، ونقص التمويل، لتأتي الحروب وتقض مضاجع هذا القطاع الذي يُعتبر الحجر الأساس في بناء مجتمعات متطورة. والأرقام التي بينتها التقارير الدولية تُظهر مدة الخطورة على مستقبل الأطفال الدراسي، الذي سينعكس حكما” على التنمية المستدامة.
فقد أدت الصراعات والحروب إلى نزوح أكثر من 30 مليون طفل؛ يتعرض كثيرون منهم للاستعباد والاتجار وسوء المعاملة والاستغلال والحرمان من حقوقهم الأساسية بما فيها التعليم والرعاية الصحية، من أفغانستان إلى مالي، إلى السودان واليمن وسوريا وفلسطين وغيرها الكثير من البلدان.
على الصعيد العربي، ومع بداية العام الدراسي 2025/2026، سيكون ملايين الأطفال في العديد من الدول العربية خارج المدارس كأقرانهم في دول العالم.
فحسب تقرير لمنظمة اليونيسيف الذي صدر في أيلول/سبتمبر 2024، وتقرير مجموعة التعليم الدولية صادر في آب/أغسطس 2024 ( هي آلية تنسيقية تجمع بين المنظمات والوكالات لتلبية احتياجات التعليم أثناء الأزمات الإنسانية)، نشرته الـ بي بي سي والذي سلط الضوء على تأثير الحرب والصراع على التعليم في لبنان وليبيا والأراضي الفلسطينية والسودان وسوريا واليمن، أن ملايين الأطفال يواجهون تعطلا” حادا” في تعليمهم نتيجة الصراعات والحروب التي تدمر البينة التحتية التعليمية، وتحدُ من الوصول إليها. وحذر التقرير من العواقب طويلة الأمد، والوصول إلى ما تم وصفه بكارثة “عابرة للأجيال” إذا لم يُتخذ إجراءات عاجلة. هذا ويعاني أكثر من نصف الأطفال في المنطقة العربية من ” فقر التعلم”، إذ لا يستطيعون القراءة أو فهم نص مناسب لأعمارهم بحول سن العاشرة. ويُقدّر حسب التقرير أن 15 مليون طفل في سن الدراسة ( من 5 إلى 14 عاما”) هم خارج المدرسة، و10 ملايين طفل آخر معرضون لخطر الإنقطاع عن التعليم. وحسب خبيرة التعليم في اليونيسيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أفرديتا سباهيو، أن الوضع التعليمي في كلٍ من غزة والسودان يتطلب بذل جهود مكثفة لتوفير الاستجابة الإنسانية الفورية وخدمات التعليم، بما في ذلك الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي.
أدناه، نعرض بشكل موجز الواقع التعليمي الحالي في اربعة دول عربية، وهو على الشكل التالي:
فلسطين
يشهد القطاع التعليمي في فلسطين مثله كمثل باقي القطاعات انتهاكات جسيمة وتدمير ممنهج الذي يهدد مستقبل جيل بأكمله. ففي غزة ومنذ الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر 2023، شهد القطاع التعليمي انهيارا” شبه كاملا” نتيجة استهداف العدو للمدارس والمعاهد والجامعات التي فقدت أكثر من 18877 من طلبتها وكوادرها التعليمية، إضافة إلى 33652 جريحا” (الجزيرة).
هذا العدوان الهمجي تسبب في حرمان أكثر من 660.000 طفل في سن الدراسة من التعليم للعام الثالث على التوالي، فقد تعرض من يقرب 93% من مدارس القطاع البالغ عددها 564 لأضرار بالغة حسب تقرير منظمة اليونيسيف، التي أنشأت حوالي 80 مركزا” للتعليم المؤقت، يستوعب نحو 80 الف طفل، بهدف إعادة إحياء المهارات التعليمية الأساسية، إلا أن استمرار العدوان على القطاع حوّل هذه الأمكنة إلى أماكن نزوح التي تعرضت بدورها للقصف . إضافة إلى عدم تمكن نحو 21000 معلم من العمل بسبب استهداف هذه الأماكن الغير آمنة.
أما في الضفة الغربية، فالوضع ليس بأفضل حال، حيث يتم استهداف المعلمين والطلاب خاصة من قِبل المستوطنين، وتدمير المرافق التعليمية، وفرض القيود على حركة التنقل، وقد بلغ عدد الشهداء برصاص الاحتلال 108 طلاب وجرح 741، واعتقال أكثر من 379 طالبا”. أما بما يخص الجامعات فبلغ إجمالي عدد الشهداء من الطلبة والكادر التعليمي ما يقرب 1532، وعدد الجرحى 4335، بلغ عدد الطلبة الشهداء من جامعات غزة 1271 والجرحى 2683. يُشار إلى أن الأونروا لم تعد تستطيع القيام بدورها التعليمي نتيجة التضييق على نشاطها من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، ووقف بعض الدول المساعدت المالية للمؤسسةـ، عِدا عن استهداف العاملين لديها.
السودان
الواقع التعليمي في السودان لا يقل مأساوية عما يشهده قطاع التعليم في فلسطين، حيث يواجه نظام التعليم في السودان شبح الانهيار التام ، إذ هناك أكثر من 19 مليون طفل خارج المدرسة، منهم 12.5 مليون نزحوا حديثا”. هذا وقد طالت تداعيات الحرب ما يزيد عن 10.000 مدرسة في 12 ولاية حسب التقديرات الأممية، وجزء كبير من المدارس التي لم تُدمر، استخدمت كثكنات عسكرية، أو أماكن نزوح، أو بعضها استخدم كمخازن للمسروقات. حتى الجامعات لم تسلم من الاستهداف والتي اضحت معظمها خرابا”، كما تعرضت لعمليات نهب ممنهج وحرق متعمد طالت المقار الرسمية وبيانات الطلاب. هذا وقد طُرحت حلول بديلة مثل إنشاء مدارس مؤقتة أو فصول دراسية متنقلة أو التعليم عن بُعد، لكنها لم تحقق النجاح المطلوب. وتقول خبيرة التعليم في اليونيسيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، “أنه إذا لم يتم اتخاذ اجراءات عاجلة وفورية، قد تصل خسائر التعلم والقدرة على الكسب لهذا الجيل إلى 26 مليار دولار سنويا””.
اليمن
إن اليمن الذي يشهد منذ سنوات حربا” قتلت عشرات الآلاف وجوّعت الملايين، حيث وبحسب الأمم المتحدة، تُعد الأزمة الإنسانية في اليمن من بين الأسوأ على مستوى العالم، حيث يحتاج أكثر من نصف السكان والبالغ عددهم حوالي 33 مليون نسمة إلى المساعدات الإنسانية من أجل الإستمرار والبقاء على قيد الحياة. والقطاع التعليمي هو من بين القطاعات الأساسية التي تضررت جراء الحرب العبثية. فحسب تقرير منظمة اليونيسيف، فإن نظام التعليم في اليمن بات منهكا” بشدة، حيث أن 2.7 مليون طفل خارج النظام التعليمي، بينما يحتاج 8.6 مليون إلى دعم لمواصلة تعليمهم، مع تعرّض ما يقرب 2800 مدرسة للتدمير أو الضرر أو إعادة الاستخدام لأغراض غير تعليمية. يُشار إلى أنه بالرغم من انخفاض حدة الأعمال العدائية وأعداد الضحايا بين المدنيين، إلا أن الأزمة اتسمت بالنزوح المطول على نطاق واسع، والتهميش والأعراف التمييزية، التي لا تزال لها عميق الأثر على الناس في كافة أنحاء البلاد.
ليبيا
إن عدم الإستقرار المستمر منذ سنوات في ليبيا، أدى إلى فجوات كبيرة في قطاع التعليم، وخاصة بين الأطفال والمراهقين. ويشير التقرير إلى أن تراجع الالتحاق بالمدارس خاصة بين الأطفال النازحين داخليا”، أصبح شائعا” بشكل ملفت، حيث أبلغ 11% من الأسر أن أطفالها في سن الدراسة لم يُسجلوا في التعليم الرسمي خلال العالم الدراسي 2021/2022، إضافة إلى أن 111.400 طفل على وشك فقدان إمكانية الوصول إلى الفرص التعليمية إذا لم يتم توسيع نطاق المساعدات الانسانية.
هذا غيض من فيض لما يتعرض له القطاع التعليمي من انتهاكات جسيمة في العديد من الدول العربية التي تقبع تحت نير الاحتلات أو تشهد حروب ونزاعات داخلية، مهددة بذلك ملايين الأطفال من الحرمان من التحصيل العلمي خاصة في المراحل الأساسية. لهذا أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 9/9 اليوم الدولي لوقف الهجمات على المدارس، حيث دعت اليونيسكو واليونيسيف إلى إذكاء الوعي بمعاناة ملايين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تفتقد الآمان نتيجة الحروب. ويؤكد قرار الجمعية أن على الحكومات المسؤولية الأولى في توفير الحماية وضمان التعليم الجيد المنصف والشامل على جميع المستويات ، كما يشدد على ضرورة تكثيف الجهود وزيادة التمويل لتعزيز بيئة مدرسية آمنة في حالات الطوارىء الإنسانية، عبر اتخاذ جميع التدابير المُتاحة والممكنة لحماية كل من المدارس والتلاميذ والكادر التعليمي من الهجمات، ومنع أي أعمال تعيق وصول الأطفال إلى المدارس.
كما المطلوب من المنظمة العربية للتربية والعلوم ( الالكسو) التابعة لجامعة الدول العربية القيام بخطوات واتخاذ اجراءات أكثر فعالية لحماية االقطاع التعليمي في الدول التي تعاني الحروب من الانهيار لما له من تداعيات على مستقبل أجيال كاملة، إذا لا يمكن ضمان حق الطفل في التعليم في مناطق النزاعات دون حماية هذا القطاع الأساسي، فالأطفال في مناطق النزاعات الغير ملتحقين بالمدارس، ويفتقدون الحماية، هم معرضون ويصبحون هدفا” سهلا” للإستغلال والتجنيد في االمجموعات المسلحة . لذا ينبغي توفير مكانا” آمنا” للمدارس حيث يتمتع الأطفال بالحماية من التهديدات. ولهذا تم الإعلان في العاصمة النروجية، أوسلو في آيار/مايو 2015 عن “إعلان المدارس الآمنة”، وهو التزام سياسي لتوفير حماية أفضل للطلاب والمعلمين والمدارس والجامعات أثناء النزاعات المسلحة، إضافة إلى مواصلة دعم التعليم أثناء الحرب، ووضع إجراءات ملموسة لردع الاستخدام العسكري للمدارس.
إن “إعلان المدارس الآمنة” الذي صادقت عليه 121 دولة، مع تعهد هذه الدول باتخاذ خطوات تتضمن توفير مساعدة لضحايا الهجمات، والتحقيق في مزاعم انتهاكات القانون الوطني والقانون الدولي وملاحقة مرتكبيها أمام المحاكم الدولية، لم يستطع حماية القطاع التعليمي ولم يوفر آليات لتطبيق الخطوات التي أُقرت في الإعلان.
في المحصلة، ورغم كل الجهود الدولية لحماية القطاع التعليمي من الهجمات، إلا أنها في الواقع لم تصل إلى نتائج ملموسة، فاذا لم تتوقف الحروب، ويٌعاد بناء البنى التحتية، ويتم وضع خطط طوارىء على الصعيد الوطني، ويُمنع استخدام المدارس والجامعات لأغراض غير تعليمية، وتخصيص ميزانيات تلبي الحاجات التعليمية، وتعزيز الشراكات مع خلال العمل والتعاون من الحكومات والمنظمات المحلية والعربية والدولية لتطوير برامج مشتركة لضمان السلامة والأمن للطلاب والكادر التعليمي والمؤسسات التربوية، سيبقى هذا القطاع عُرضة للإنتهاكات، ويكون له تداعيات خطيرة على بنية المجتمعات.
2. الأمم -المتحدة- اليوم -الدولي-لحماية -التعليم من الهجمات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب