الصحافه

الغارديان: ترامب ليس زعيما قويا وبوتين ونتنياهو يخلقان الفوضى في فراغ تركه رئيس أمريكي ضعيف

الغارديان: ترامب ليس زعيما قويا وبوتين ونتنياهو يخلقان الفوضى في فراغ تركه رئيس أمريكي ضعيف

نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للمعلق سايمون تيسدال، قال فيه إن الرئيس الأمريكي، ليس زعيما “قويا” عندما يتعلق الأمر بروسيا وإسرائيل، ولو لم تحشد الديمقراطيات الأخرى قواها، فستسود الفوضى.

ورأى تيسدال أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخلقان الفوضى في فراغ تركه زعيم أمريكي ضعيف.

وقال إنه من السهل جدا إلقاء اللوم على ترامب في كل ما يحدث بالعالم من مشاكل. فكثيرا ما تتم المبالغة في تقدير قدرة أي رئيس أمريكي على تغيير سلوك القوى الكبرى الأخرى جذريا أو التحكم فيه. إلا أن ترامب، بتظاهره بأنه ملك عالمي غير متوج، ووسيط لا منازع له في الحرب والسلام، يعمل على تأكيد أوهام الهيمنة الأمريكية والقدرة المطلقة والحق الإلهي.

فقبل توليه المنصب الرئاسي، تعهد بأناه المتضخمة بأنه سينهي الحرب في أوكرانيا وغزة بسرعة، مؤكدا أنه لو كان رئيسا لما حدث أي منهما. وربما قاده غروره وفقط غروره للاعتقاد بأنه قادر على عمل هذا.

وبعد ثمانية أشهر، يحدث العكس تماما، كلتا الأزمتين تتوسعان وتتصاعدان. فقد انفجرت الفقاعة وانكشفت خدعة ترامب وبات الإمبراطور عاريا. ولا شك أن ترامب بمهادنته وتبريره وتشجيعه للشريرين الرئيسيين في هاتين المأساتين: بوتين ونتنياهو، هو المسؤول الأكبر.

فالتوغلات الروسية المتعددة بطائرات بدون طيار في بولندا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الأسبوع الماضي، والتي وصفها المسؤولون البولنديون، عن حق، بأنها متعمدة، تهدد بتحويل حرب أوكرانيا إلى صراع أوروبي شامل. وبالمثل، فإن الغارة الجوية الإسرائيلية المتهورة وغير القانونية ضد قطر، والتي نسفت عملية السلام في غزة، ماديا ومجازيا، زادت من التوترات الإقليمية.

ويقول تيسدال إن العامل المشترك في كلا التطورين هو الضعف الأمريكي، بمعنى ضعف ترامب. والسؤال: هل كرس أي رئيس أمريكي آخر كل هذا الجهد ليظهر نفسه قائدا قويا بينما يفشل فشلا ذريعا في التصرف كقائد عند الضرورة؟

فالكثير مما يفعله، سواء كان توقيع أوامر تنفيذية غير قانونية أو إقالة كبار المسؤولين أو التنمر على الجيران والمهاجرين العزل أو إرسال القوات إلى شوارع المدن الأمريكية أو دعم زعيم انقلاب في البرازيل أو إثارة الخلافات مع القضاة ووسائل الإعلام المستقلة، يهدف إلى تعزيز صورة ترامب كرجل قوي.

ومع ذلك فالواقع مختلف، فعندما يواجه ترامب خصوما أقوياء لا يحيدون عن مواقفهم، يتراجع ويستسلم. وقد أدرك الرئيس الروسي بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو هذا الأمر منذ زمن بعيد. فكلاهما يعاملانه كزعيم ساذج ويتملقان له وينشران الأكاذيب حول رغبتهما في السلام. كما يعرضان عليه انتصارات سهلة، ثم يغادران اللقاءات معه، كما حدث مع بوتين بعد قمة ألاسكا المحرجة الشهر الماضي، ويواصلان فعل ما يحلو لهما، وعادة ما ينطوي على عنف أكبر.

وعندما يتصل ترامب الغاضب ليشتكي، كما حدث بعد غارة نتنياهو على قطر، ويتذمر بشكل مثير للشفقة بأنه “غير سعيد”، فإنه يؤكد على ضعفه ويتم تجاهله.

والنتيجة هي أنه بدلا من العمل على فتح الطريق لإنهاء هذه الحروب، أصبح ترامب عقبة رئيسية أمام السلام. فتدخلاته غير المدروسة واستعراضاته وانحيازه تزيد الأمور سوءا وتطيل أمد الصراعين. كما أن افتقاره إلى مهارات القيادة، إلى جانب افتقاره إلى النزاهة والحس السليم، أمر صادم للأوروبيين، الذين اعتادوا التعامل مع رؤساء عقلانيين في الغالب، وأصحاب كفاءة نسبيا. وقد أدى عداء ترامب للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وحروبه الجمركية ومؤامراته المناهضة للديمقراطية، إلى مزيد من تقويض التماسك والثقة الغربية وتعزيز الأنظمة الاستبدادية.

ومن عرينه في الكرملين، يراقب بوتين كل هذا ويتصرف بناء على ذلك، فلم يكن توغل الطائرات المسيرة في بولندا الأول، بل الأكبر بدون شك، وكان اختبارا محسوبا لردود فعل الناتو ووحدته.

ولا بد أنه شعر بالارتياح لنقاط الضعف الدفاعية التي كشفها، وللرد السياسي غير المتكافئ. ولم يقل ترامب الكثير حتى الآن، ولم يفعل شيئا وصمته واضح. وبالتأكيد لن يعترف بأن خضوعه للتملق لبوتين قد أتى بنتائج عكسية ومروعة. ولن تواتيه الشجاعة أو القوة، رغم الأسلحة العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية العديدة المتاحة له، لاتخاذ موقف. وبهذا يحصل بوتين على تصريح مجاني مرة أخرى. في المرة القادمة قد يكون الوضع أسوأ.

ماذا لو، لنقل، هددت روسيا فنلندا مباشرة، أو ألمانيا؟ ماذا سيفعل ترامب حينها؟ بناء على الأدلة حتى الآن: ليس كثيرا. ورغم الانتقادات الشديدة التي تعرض لها الرئيس السابق جو بايدن، وهي في مكانها، بسبب الحذر تجاه أوكرانيا، إلا أن ترامب يبدو وبالكاد غير مهتم باللعبة.

ومن هنا، يجب على بريطانيا ودول الناتو الأوروبية التوقف عن الخضوع لواشنطن وخلع القفازات وتحديد خط فاصل وواضح لموسكو. أي إنشاء منطقة حظر جوي محمية فوق المناطق غير المحتلة في أوكرانيا وتوسيع نطاق المساعدات العسكرية ووقف جميع واردات الطاقة الروسية ومصادرة أموال الكرملين المجمدة وعزل البنوك الروسية والصينية التي تخرق العقوبات، وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع نظام بوتين أو قطعها وإذا لزم الأمر، ويجب على الجيوش الأوروبية أن تكون مستعدة للرد. فانتظار ترامب لا طائل منه، فهو مثل انتظار غودو في المسرحية الشهيرة للكاتب المسرحي بيكيت.

ويواجه القادة العرب المجتمعون هذا الأسبوع في الدوحة ضغوطًا مماثلة للانفصال عن الولايات المتحدة بعد أن جلس ترامب المهمش جانبا، بينما أضاف نتنياهو قطر، حليفة الولايات المتحدة، إلى القائمة الطويلة للدول التي هاجمتها إسرائيل بطائرات وقنابل أمريكية الصنع منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

والسؤال هو: ما ثمن خطته الضخمة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الآن؟ الجواب هو أن السياسة الأمريكية باتت رهينة لتطرف نتنياهو العدمي، مما يعني أنه يجب اتخاذ إجراءات مثل قطع إمدادات الأسلحة الأمريكية عن إسرائيل وتجميد المساعدات المالية الثنائية وفرض عقوبات ودعم ملاحقة قادة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب والاعتراف بدولة فلسطين المستقلة. وأي رئيس أمريكي عادي قد يفعل بعضا من هذا أو كله. لكن ترامب ليس رئيسا طبيعيا، فهو شاذ ولا يملك القدرات لعمل هذا، وفق قول الكاتب.

ويقول تيسدال إن الإخفاقات التاريخية للقيادة الدولية، أصبحت شائعة جدا في عالم القرن الحادي والعشرين الممزق. وكان أحدها القرار الأمريكي البريطاني بغزو العراق عام 2003. والآخر هو الفشل في معالجة حالة الطوارئ المناخية بشكل فعال.

والآن تلوح في الأفق كارثتان أخريان وعلى قاعدة ملحمية ومماثلتان في الوقت نفسه، فلو سمحت الأمم المتحدة، التي تعقد اجتماعها السنوي هذا الشهر، وسمحت أوروبا والغرب عامة، لروسيا وإسرائيل بمواصلة عدوانهما القاتل وغير القانوني وغير الأخلاقي والمتنامي باستمرار، فقد لا يكون هناك ما يوقف الانحدار المتسارع نحو الفوضى العالمية. وما لم تتحد الدول الديمقراطية لضمان وقف سريع لهذه الحروب، باستخدام جميع الوسائل اللازمة بما في ذلك القوة العسكرية، فإن كوارث أكبر ستتبع بالتأكيد.

لكنكم لا تعتمدون على الولايات المتحدة كي تتولى زمام المبادرة، ولا تعتمدون على ترامب ومحاولة إضعافه، فهو جزء من المشكلة، لقد انتهى أمره، بحسب الكاتب.

– “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب