الصحافه

هل كانت قمة الدوحة موجهة إلى الولايات المتحدة؟

هل كانت قمة الدوحة موجهة إلى الولايات المتحدة؟

تسفي برئيل

القمة العربية – الاسلامية في قطر، التي شارك فيها زعماء حوالي 75 دولة، كانت اجتماعاً طارئاً، لف قطر بعباءة تضامن ثقيلة، لكنه استهدف أولاً وقبل كل شيء تحديد الخطر الذي -حسب الزعماء- يحلق فوق دولهم. “إسرائيل تحلم في أن يكون الشرق الأوسط منطقة نفوذ إسرائيلية”، عبر أمس أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وعبر بكلماته عن قلق متزايد من سيطرة إسرائيل على الفضاء بدعم الولايات المتحدة. في الوقت الذي يعرض فيه نتنياهو الهجوم في الدوحة كـ “نجاح”، لأنه نقل “رسالة”، فإن قطر والدول العربية ردت بالمثل. رسالتها، التي هي غير موجهة فقط لإسرائيل، وضعتها الآن في عزلة دولية حتى قبل القمة. حتى إن نتنياهو أصبح يعترف بذلك الآن.

تشخص واشنطن التهديد المتزايد على موقفها في الشرق الأوسط. يصعب عدم ملاحظة الاستهانة الكبيرة لنتنياهو بعلاقات الولايات المتحدة الحيوية مع دول المنطقة، لا سيما دول الخليج. يظهر للعيان أيضاً العلاقة الفكرية المباشرة بين مواقف زعماء الدول العربية، والروح الانتقادية الشديدة التي تسمع تجاه إسرائيل من دوائر الحزب الجمهوري ومن قاعدة ترامب. الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى تحذيرات الرئيس المصري السيسي، الذي اتهم إسرائيل بأنها تضر باتفاقات السلام القائمة وباستقرار المنطقة.

التوتر في العلاقات بين إسرائيل ومصر وبين إسرائيل والأردن، تفاقم ووصل إلى ذروة غير مسبوقة؛ والتطبيع المأمول مع السعودية دفن منذ سنتين تقريباً؛ واحتمالية توسيع اتفاقات إبراهيم، نتاج ترامب، تحول إلى كتلة ملح.

في الوقت نفسه، “اختبار النتيجة” أو التوقع المتوتر لخطوات عملية ومحددة تنتج عن القمة العربية، خيبت أمل من أمل أن “ستكون هناك أفعال لا أقوال”. الطلبات التي أسمعها الزعماء والإحاطات التي نقلتها شخصيات رفيعة، خلقت توقعات بتجميد اتفاقات السلام أو إلغائها أو فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل، لكنها توقعات تلاشت. اتفاقات السلام ما زالت تعتبر ذخراً استراتيجياً مهماً للزعماء العرب، أكثر مما هي لإسرائيل. ليس لأن هؤلاء الزعماء يعتقدون أن فيها ما يمكنه التأثير على سلوك إسرائيل، بل لأنها أداة تأثير سياسية على الولايات المتحدة، وفي ظل الهجوم على قطر – تعد أيضاً درعاً ضد مهاجمة إسرائيل لأراضيها.

لكن الافتراض القائل بأن إسرائيل لن تهاجم دولة لها علاقات سياسية معها، يتعرض للتهديد بالذات من ناحية نتنياهو، الذي تعهد بضرب “أعداء إسرائيل” في أي مكان. ومصر والأردن وتركيا تدخل دائرة أي مكان أيضاً، التي رغم الشرخ العميق لم تقطع علاقاتها مع إسرائيل رسمياً، وليس فقط سوريا أو لبنان أو إيران، التي أصبحت ملعباً مفتوحاً لإسرائيل.

الهجوم في قطر يشبه بالضبط “خط الفصل” بين الدول التي تحظى بالرعاية وتحالف مصالح مع الولايات المتحدة وبين الدول التي ليست كذلك. قطر في الواقع ليست عضوة في “اتفاقات إبراهيم”، ولم توقع على اتفاق سلام مع إسرائيل، لكنها عضوة كبيرة في مجلس التعاون الخليجي، الذي يقتضي، على الأقل على الورق، الدفاع عن أي دولة من هذه الدول في حالة تعرضها لهجوم. وقطر مستثمرة رئيسية في الولايات المتحدة، وتستضيف القاعدة الأمريكية العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط، وهي حتى الوسيط، ليس فقط في صفقة تحرير المخطوفين الإسرائيليين، بل أيضاً في صفقات تحرير السجناء الأمريكيين في إيران، وكانت شريكة في صياغة اتفاق بين الولايات المتحدة و”طالبان”، سواء في ولاية ترامب الأولى أو في ولاية بايدن.

شبيهة بقطر، فإن دول الخليج والأردن ومصر، أعضاء في “النادي المؤيد لأمريكا”، وتوقعاتها أن تحصل على مظلة أمان توفرها الولايات المتحدة. زعماء هذه الدول ليسوا ساذجين ليعتقدوا أن نتنياهو سيتأثر من هذه الإعلانات اللاذعة أو التنديدات الشديدة التي سمعت في القمة. التحدي الذي يواجهونه هو كيفية ردع إسرائيل وبناء منظومة دفاع ضد ما يعتبرونه تهديداً مباشراً وفورياً. مثلاً، أحد اقتراحات القمة هو تشكيل قوة دفاع عربية، وتفعيل آلية تنسيق النشاطات العسكرية، باختصار تشكيل قوة رد ودفاع لردع إسرائيل. هي ليست فكرة جديدة؛ فالرئيس المصري السيسي اقترح ذلك في 2015 في إطار خطوة إقليمية لمحاربة الإرهاب و”داعش”. وحتى إنه حدد عدد الجنود في هذه القوة (حوالي 20 ألف)، ومن سيقود هذه القوة هو “جنرال مصري”، وماذا ستكون طريقة التنسيق. ولكن الفكرة مثلما كان يمكن توقع ذلك، بقيت على الورق. والآن، مشكوك فيه أنها فكرة ستنجح في اختراق خطوط الانقسام والتشكك وعدم الثقة واختلاف المصالح العميق الذي يفصل دول المنطقة. هذه الدول لم تنجح في تشكيل تحالف عسكري ضد الحوثيين، والاتفاق على طريقة العمل في السودان أو التعاون لمنع المذبحة التي ارتكبها نظام الأسد في سوريا.

من ناحية المشاركين، فإن المسار الآمن، وربما الأكثر نجاعة، موجود في الحقل السياسي والدبلوماسي الذي سجل فيه نجاح من قبل. الاعتراف الجارف للجمعية العمومية للأمم المتحدة بدولة فلسطين، هو وليد نشاطات دبلوماسية مصممة وكثيفة من قبل السعودية وفرنسا، وبدعم دول الخليج ومصر. هذه المبادرة ولدت في القمة العربية – الإسلامية التي عقدت في الرياض قبل سنة، ووجدت لها تسارعاً دولياً تغذى على قتل جماعي وتدمير قطاع غزة. في الوقت نفسه، أدت إلى موجة العقوبات الاقتصادية والثقافية والسياسية، التي فرضت على إسرائيل. إضافة إلى ذلك، يجب التذكر أنه بعد مهاجمة قطر، لم يعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية فقط بادرة حسن نية للشعب الفلسطيني أو حلماً لـ “اليوم التالي” في غزة وفي فلسطين كلها بشكل عام؛ لهذا الاعتراف رسالة استراتيجية، ودوره هو الدفاع عن دول المنطقة. هذا ما اقترحه شابل في مقاله بعنوان “العقوبة الأكثر نجاعة ضد مغامرات نتنياهو هي الاستخدام الحكيم والناجع للمجتمعين في الدوحة لأدوات الضغط الكثيرة التي لديهم من أجل إقناع الغرب، لا سيما الولايات المتحدة في عهد ترامب، بأن الدولة الفلسطينية هي المسار الحيوي للحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط وعلى المصالح الأمريكية فيه”، كتب. “ليس سوى حل الدولتين ما سيعيد إسرائيل إلى إسرائيل، وسيعيد جنودها من أراضي جيرانها، وسيعيد طائراتها من سماء دول المنطقة”.

لكن هناك عقبات متشابكة غير قابلة للاجتياز تظهر الآن وتغلق المسار: الأولى، الاستعداد لاستخدام أدوات الضغط العربية. والثانية هي الرئيس الأمريكي ترامب. عملياً، السعودية والإمارات وقطر، هي التي تتحكم بهذه “الأدوات”، بعد أن تعهدت باستثمار 3.5 تريليون دولار في الولايات المتحدة في عهد ترامب.. وهي جزء من صفقة ثنائية تضمن فيها دول الخليج لنفسها مظلة دفاع أمريكية، التي لا بديل واقعياً لها الآن، سواء من الصين أو روسيا، أو حتى أوروبا التي تحاول بناء قوة دفاع غير مرتبطة بالولايات المتحدة.

المشكلة الأخرى هي الدعم شبه المطلق لإسرائيل من ترامب، الذي حتى الهجوم على قطر، الذي نفذ كما يبدو بدون تنسيقه معه وخلافاً لموقفه، لم يقوض هذا الدعم. ترامب “أعطى” محمد بن سلمان هدية سياسية مهمة على شكل الاعتراف بحاكم سوريا أحمد الشرع، واحتضن حاكم قطر الذي اعتبر دولته “حليفة كبيرة”، وحاكمها “إنساناً رائعاً”. ولكن حتى تعليماته لإسرائيل بأن تكون “حذرة جداً” بالصورة التي تتعامل فيها مع قطر، لن تكفي حلفاءه العرب لتضمن لهم ألا تحول إسرائيل أراضيهم إلى منطقة نيران.

هآرتس 16/9/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب