الصحافه

أيهما تنتصر… “قنبلة سموتريتش” بإنهاء السلطة أم “دبلوماسية فرنسا” في نيويورك؟

أيهما تنتصر… “قنبلة سموتريتش” بإنهاء السلطة أم “دبلوماسية فرنسا” في نيويورك؟

ليزا روزوفسكي

 

لكونهم أحفاد تراث متشعب من العلاقات الخارجية والتحالفات، لدى الفرنسيين إيمان كبير بالدبلوماسية. الرئيس إيمانويل ماكرون، أثبت ذلك: مستشارون وعاملون في الخارجية الفرنسية، يعملون في ظله، قالوا: دائماً معني بالتحدث”. كان هذا صحيحاً في بداية شباط 2022 عندما كان ماكرون الزعيم الغربي الأخير الذي وصل إلى موسكو بجهد بائس لمنع الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي أيلول 2025 أيضاً. رغم إهانات نتنياهو المتكررة وأبناء عائلته والمقربين منه، يواصل ماكرون محاولة أن يصالح نظيره الإسرائيلي وإقناعه بأن المبادرة الفرنسية – السعودية، باعتراف الدول الغربية بالدولة الفلسطينية، ليست خطوة معادية ضد إسرائيل. الفرنسيون، وماكرون على رأسهم، يحاولون التوجه أيضاً إلى الجمهور الإسرائيلي بنفس الرسالة.

التعبير عن هذه المحاولة ظهر الجمعة، عندما أعلن ماكرون عن اعتقال (وتسليم) المتهم بتورطه في العملية في مطعم يهودي في باريس في عام 1982 التي قتل فيها ستة أشخاص. حتى إن ماكرون أكد أن المشتبه فيه، الذي حسب مصادر فرنسية، ساهم في تخطيط العملية، واعتقلته السلطة الفلسطينية. وأكد المصدر أن جهود القنصلية الفرنسية في القدس – التي نوقش إغلاقها في إحدى جلسات الحكومة الأخيرة، كانت في تعاون مع السلطة، وكلتاهما ساهمتا في الاعتقال. وتؤكد فرنسا أنها والسلطة الفلسطينية ليستا أعداء لإسرائيل، بل شركاء، حتى في مكافحة الإرهاب. لا يبدو أن الرسالة تجد أذناً مصغية في محيط نتنياهو، لكن الفرنسيين يواصلون المحاولة.

مؤتمر حل الدولتين الذي سيبدأ بلقاء الزعماء في الجمعية العمومية للأمم المتحدة هذا الأسبوع، دليل على أن الدبلوماسية الفرنسية تحقق النجاحات في كل مرة. وحسب أقوال دبلوماسيين غربيين، فإن الوثيقة الفرنسية – السعودية التي تطرح تحقيق حلم الدولتين كهدف يتحقق في “زمن محدد”، هي الوثيقة الوحيدة ذات العلاقة في هذا الشأن. لذلك، حظيت الأسبوع الماضي على دعم جارف في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

الاعتراف الغربي الجماعي بالدولة الفلسطينية – الذي طرحه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتطوع ماكرون ليكون المقدم له – هو المبادرة العلنية الوحيدة التي تبدو كوزن مضاد للحرب الخالدة التي تشنها إسرائيل في غزة

والاعتراف الغربي الجماعي بالدولة الفلسطينية – الذي طرحه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتطوع ماكرون ليكون المقدم له – هو المبادرة العلنية الوحيدة التي تبدو كوزن مضاد للحرب الخالدة التي تشنها إسرائيل في غزة. في السنة الماضية، أعلنت إسبانيا والنرويج وأيرلندا وسلوفانيا، عن اعترافها بالدولة الفلسطينية، وفي هذه السنة انضمت فرنسا وأستراليا وكندا ومالطا والبرتغال. أما في بريطانيا فطرح رئيس الحكومة كير ستارمر شروطاً للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكن الـ “بي.بي.سي” نشرت بأنه قد يتم التوقيع على هذا القرار اليوم. في بلجيكا أعلن وزير الخارجية أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد إعادة جميع المخطوفين، وبشرط ألا تكون حماس ذراعاً حاكماً في غزة. ونيوزيلندا ولوكسمبورغ أعلنتا فحص الانضمام.

الإعلان الفرنسي – السعودي، يعد عدة خطوات في الطريق لإقامة الدولة الفلسطينية: إنهاء الحرب، وتحرير المخطوفين، وانسحاب الجيش الإسرائيلي بالكامل، وتسليم سلاح حماس للسلطة الفلسطينية، ووضع قوة دولية في مناطق الدولة الفلسطينية المستقبلية، وإصلاحات وانتخابات ديمقراطية في السلطة بدون حماس. وذكر في هذا البيان أيضاً نقل صلاحيات الأونروا إلى السلطة الفلسطينية لـ “حل عادل” لمشكلة اللاجئين.

الكثير من الخطوات، لا سيما عندما يتم جمعها معاً، لا يظهر أنها قابلة للتنفيذ قريباً. واعتراف الدول الغربية بالدولة الفلسطينية لا يتوقع أن يثمر نتائج عملية ما دام هذا مرهوناً بسياسة، وما دامت إسرائيل غير معنية أي خطوات. لا يتوقع أن تفتح الدول الغربية سفارات لها في رام الله قريباً. بهذا المعنى، فإن نجاح فرنسا هو على الأكثر نجاح رمزي. ولكن عندما تنتهي الحرب في غزة، ستكون المبادرة الفرنسية – السعودية “الوثيقة الموجودة على الطاولة”، والمدعومة بتأييد دولي شامل. والولايات المتحدة لن تستطيع تجاهلها. وعندها، بأثر رجعي، يمكن تتويج الجهود الفرنسية باعتبارها نجاحاً دبلوماسياً حقيقياً.

 

بأيد فارغة

في هذه الأثناء، ينتظر العالم الخطوات المضادة التي وعدت بها إسرائيل، بدءاً بضم أجزاء في الضفة الغربية، وحتى خطوات عقابية خاصة ضد الدول التي ستعترف بفلسطين. هكذا مثلاً، طردت إسرائيل دبلوماسيين من أستراليا والنرويج ومسؤولين عن العلاقات مع السلطة الفلسطينية. يدرك العالم جيداً أنه حتى بدون خطوات رسمية، ستزداد وتيرة الضم لأجزاء في الضفة الغربية. لذلك، فإن كثيرين لا ينوون الجلوس مكتوفي الأيدي. حتى خطوة تبدو بعيدة عن الواقع مثل تقليص اتفاق التجارة الحرة مع أوروبا، فالمتوقع انتقاص مئات ملايين اليورو من خزينة الدولة، وهي خطوة تبدو الآن أكثر من مرجحة. أعلنت ألمانيا بأنها منفتحة على مناقشة ذلك، وقالت إيطاليا إنها ستكون مستعدة لذلك شريطة ألا يضر بـ “السكان المدنيين” الإسرائيليين.

ماذا ستفعل أوروبا ودول غربية أخرى إذا ضمت إسرائيل أجزاء في الضفة رسمياً؟ من المرجح أن الغرب سيبتلع جزءاً من حبة الدواء المرة بدون تحطيم الأدوات. مثلاً، ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة، لكن خطوات أخرى قد تكون مشكلة خطيرة. دبلوماسي غربي كبير سبق ووصف تهديد وزير المالية سموتريتش بفصل البنوك الفلسطينية عن المنظومة الاقتصادية في إسرائيل بـ “قنبلة نووية”. في محادثة مع مراسلين، قال هذا الدبلوماسي إنها “خطوة ستدمر السلطة الفلسطينية، وسيكون لهذا تداعيات سياسية وأمنية خطيرة على إسرائيل”.

مع ذلك، من غير الواضح إذا كانت التداعيات هي أن إسرائيل ستسلم بالفوضى الأمنية التي ستترتب على ذلك، أو ستتضرر من العقوبات التي ستفرضها الدول الغربية. شيء واحد مؤكد هناك، وهو أن فرنسا ودولاً أخرى لن تمر مر الكرام على خطوات “عقابية” مباشرة توجه إليها. وإذا تم إغلاق القنصلية الفرنسية، فستقلص الدولة الخدمات القنصلية للإسرائيليين – الفرنسيين من سكان القدس، وباحتمالية عالية أيضاً سكان المستوطنات.

قد يلقي نتنياهو خطاباً في الأمم المتحدة في نهاية لقاء القادة، حيث معظمهم سيكون قد غادروا نيويورك. سيكون في القاعة ممثلو البعثات بمستوى متدن. من المرجح أن دولاً مشبوهة، مثل إيران والجزائر، ستقاطع الخطاب بشكل تظاهري، لكن من غير الواضح إذا كانت دول أخرى ستتخذ الخطوة ذاتها. واضح أن الخطاب سيشمل توبيخاً يتهم المجتمع الدولي بالنفاق والمعايير المزدوجة تجاه إسرائيل. ولكن هل سينطوي على رسالة حتى لو كانت جزئية، تقدم إسرائيل كدولة مستعدة للمصالحة؟

في الفترة الأخيرة، تلمح إسرائيل بأنها تبذل جهوداً كي لا يذهب نتنياهو إلى الأمم المتحدة بأيد فارغة تماماً. إذا لم يتم وقف النار في غزة، فعلى الأقل سيكون اتفاق أمني مع سوريا. في هذه الأثناء، يبدو هذا الاتفاق صعباً على التحقق. من ناحية، يصعب تصديق أن إسرائيل ستوافق على الانسحاب من المنطقة العازلة التي احتلتها. ومن غير المعقول أيضاً أن تتنازل بسهولة عن احتمالية ضرب أهداف في سوريا مقابل سحب دبابات نظام الشرع من المنطقة التي طالب نتنياهو بنزع سلاحها في جنوب دمشق.

من جهة أخرى، على فرض أن نتنياهو يستمع إلى ما تفكر به الطائفة الدرزية في إسرائيل، إلا أنهم يظهرون خطاً متشككاً، وحتى عدائياً ضد نظام الشرع، وهم يريدون أن تأخذ إسرائيل الدروز في محافظة السويداء تحت جناحها ليحصلوا على الاستقلال. حسب مصادر في محيط الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، فإن الشيخ السوري حكمت الهجري الذي يمثل معظم دروز السويداء، غير مستعد لتسوية مع نظام الشرع، ويطالب بحكم ذاتي واسع للدروز. حسب بعض التقارير، رفض الهجري طرح حل الأزمة في المحافظة، الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة ونظام الشرع والأردن. الفترة القريبة ستنبئنا إذا كان سيواصل التمسك بموقفه.

سيصل نتنياهو إلى الأمم المتحدة في حضيض غير مسبوق لصورته في العالم ولصورة إسرائيل. سيمثل في اجتماع زعماء العالم في انفصال ذهني عميق عن الكرة الأرضية. هو يعتبر نفسه المدافع عن إسرائيل، لكن المواطنين في أوروبا وأمريكا اللاتينية والدول العربية، الذين يشاهدون الصور من غزة، يعتبرونه مجرم حرب، وحشياً وساخراً. ولكن بين الرأي العام العالمي وسياسة معظم الحكومات فجوة كبيرة. رغم الأقوال القاسية والخطوات الرمزية، إلا أن النشاطات العملية بقيت محدودة وحذرة جداً. العالم ينتظر رد نتنياهو من أجل التفكير فيما سيحدث في هذا المسار – هل سيؤدي إلى تحطم آخر مؤلم جداً، أو مواصلة الخوض في المياه الضحلة، أو ربما بداية التعافي؟ أوروبا ودول الخليج تلمح إلى أنها لا تحمل أي ضغينة لمن يعيشون في صهيون، بل لزعيمهم فقط.

“اتفاقات إبراهيم هي في قسم العلاج المستعجل، وهي في وضع حرج”، قال للصحيفة المحلل البحريني عبد الله الجنيد. “لكن دول الخليج لن تفصلها عن الأجهزة”. طلب الجنيد من الإسرائيليين رؤية “اليوم التالي لنتنياهو”، والاهتمام بأن دول الخليج لن تكون الوحيدة التي تحافظ على الاتفاقات. مصادر في إسرائيل أكدت أن حكام الإمارات والسعودية والبحرين، يجدون صعوبة في الجسر بين البراغماتية وطموحهم إلى شرق اوسط مستقر وبين ما تفكر فيه الجماهير التي تشاهد القتل في القطاع. ورغم ذلك فإن الخط الاحمر الوحيد الذي تمده الإمارات والسعودية يتعلق بإبقاء ثغرة لإقامة دولة فلسطينية. عمليا، هذه الدول لا تستخدم كل ثقلها لوقف الحرب في غزة، وهكذا أيضاً الدول الاوروبية.

في حين ان نتنياهو يقوم بإعداد شعب إسرائيل ليعيش وحيدا، فإن الخلاصة المفاجئة هي أنه بعد سنتين على الحرب الدموية وعديمة الأفق السياسي، وقائمة طويلة من التصريحات والتجارب العنيفة والإهانة للجيران والشركاء، العالم ما زال بعيدا عن إحراق الجسور مع إسرائيل. الجمعية العمومية للأمم المتحدة ستوفر لنتنياهو فرصة أخرى للإصلاح، لكن مشكوك فيه ان يستغلها.

هآرتس 21/9/2025

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب