تلويح بعودة مشروطة: الصدر نحو كسر المقاطعة؟

تلويح بعودة مشروطة: الصدر نحو كسر المقاطعة؟
يثبّت مقتدى الصدر خيار المقاطعة ويربط العودة للانتخابات بشروط «التغيير الشامل» ومواجهة الفساد، ما يضع التيار في قلب المشهد السياسي المقبل.
بغداد | أعاد المنشور الأخير لصالح محمد العراقي، الملقّب بـ«وزير القائد» والمقرّب من زعيم «التيار الوطني الشيعي»، مقتدى الصدر، الحديث مجدّداً عن موقف الأخير من الانتخابات التشريعية المقرّرة في تشرين الثاني المقبل. فبعد أكثر من سنتين على انسحاب التيار من العملية السياسية ومقاطعته الاستحقاقات الانتخابية، جاءت الرسائل الأخيرة حاملة إشارات مزدوجة: من جهة، تأكيد خيار المقاطعة؛ ومن جهة أخرى، التلويح بإمكانية العودة إذا توفّرت شروط «التغيير الشامل» و«إسقاط الصماخات» (رؤوس الفساد) التي حمّلها الصدر مسؤولية الخراب والفساد.
وفتحت مواقف الصدر الأخيرة باب التكهّنات من جديد حول ما إذا كان التيار يستعدّ لمفاجأة انتخابية، في وقت يتحسّب فيه «الإطار التنسيقي»، الخصم الأبرز له، لعودته، وذلك بسبب ثقل شعبيته القادر على إحداث اختراق في أي اقتراع مقبل. على أنّ قيادياً ونائباً سابقاً في «الوطني الشيعي» أكّد، لـ«الأخبار»، أنّ «قرار الصدر بالمقاطعة لا يزال قائماً، ومن المستبعد العودة إلى الانتخابات في الوقت الراهن، رغم أنّ القرار كله بيده وحده». ويشير إلى أنّ «شروط الصدر تحتاج إلى وقت وصبر كبيرين، في ظلّ اكتساح جهات فاسدة تمتلك سلاحاً خارج إطار الدولة ولا تؤمن بالتعدّدية الوطنية»، مشدّداً على أنّ «المقاطعة خيار ديمقراطي لتصحيح المسار من خارج العملية السياسية، لأننا لم نشارك فيها أصلاً».
وكان أعلن الصدر، في حزيران 2022، انسحابه الكامل من العملية السياسية، وأمر نوّابه الـ73 بالاستقالة من البرلمان، مؤكّداً أنه «لا يريد أن يكون شريكاً مع الفاسدين». ومنذ ذلك الحين، رفع التيار لوحات «مقاطعون» في الشوارع، وتحوّلت المقاطعة إلى شعار مركزي لأنصاره. وفي آذار الماضي، جدّد الصدر التأكيد أنه «ما دام الفساد موجوداً، فلن أشارك في عملية انتخابية عرجاء».
بعض مراجع النجف أبدى تفهّماً لموقف الصدر باعتبار أنّ «المقاطعة نوع من المقاومة السياسية»
ومن جهته، يقول القيادي في «الإطار التنسيقي»، علي الموسوي، لـ«الأخبار»، إنّ «التيار الصدري جزء مهم من البيت الشيعي ولديه ثقل جماهيري كبير»، لافتاً إلى أنّ «قوى الإطار وجّهت دعوات متكرّرة إلى الصدر، بل وأرسلت وفوداً إلى الحنانة منذ سنتين من أجل التراجع عن قرار المقاطعة، لكننا في النهاية نحترم قناعاته». ويشدّد على أنّ «الانتخابات استحقاق وطني يجب أن يُجرى تكريساً لشرعية المنظومة السياسية، وهناك أحزاب مؤمنة بالعمل السياسي تريد المشاركة من أجل جماهيرها».
وعلى أي حال، يرى مراقبون أنّ رسائل الصدر الأخيرة قد لا تعني بالضرورة التراجع عن قرار المقاطعة، بل هي رسائل «تذكيرية» لجمهوره بضرورة التمسّك بخيار «الإصلاح والضغط الشعبي»، مع التأكيد أنّ التيار لا يزال قوة قائمة حتى من خارج العملية السياسية. وبحسب مصادر مقرّبة من التيار، فإنّ بعض المراجع الدينية في النجف أبدت تفهّماً لهذا الموقف، معتبرة أنّ «المقاطعة نوع من المقاومة السياسية».
ويرى الباحث السياسي المقرّب من «الوطني الشيعي»، مجاشع التميمي، أنّ «مواقف الصدر الأخيرة تعكس حجم التحدّيات التي تمرّ بها البلاد، من الفساد والمحسوبية إلى الضغوط الإقليمية والجفاف الذي ضرب العراق». ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «الصدر يمارس نقداً عميقاً للسلطة التي لا تؤمن بالوطنية الشاملة، ومن هنا تبدو مواقفه منسجمة مع رؤية إصلاحية تعزّز قناعته بأنّ العملية السياسية الحالية واقعة تحت ضغوط هائلة».
وبين المقاطعة والعودة المشروطة، يبقى موقف الصدر عنواناً أساسياً في المشهد الانتخابي المقبل. ومع كل منشور أو بيان يصدر عن «وزير القائد»، يعود السؤال نفسه إلى الواجهة: هل يكتفي الصدر بالضغط من خارج العملية السياسية، أم يفاجئ خصومه بالعودة إلى صناديق الاقتراع؟
وفي هذا الإطار، يقول النائب المستقلّ في البرلمان، عامر عبد الجبار، في تصريح لـ«الأخبار»: «لا أستبعد عودة الصدر إذا توفّرت الشروط الإصلاحية التي ينادي بها، وهو الذي ضحّى بأكثر من 70 مقعداً نيابياً من أجل مشروعه الإصلاحي». ويعتبر عبد الجبار، أنّ «السيد مقتدى يمثّل معارضة حقيقية للنظام والطبقة السياسية الحالية، وفي مقدّمها قوى الإطار التنسيقي التي تدير المشهد وفق مبدأ التوافقات والمحاصصة». ويضيف أنّ «للصدر مشروعاً وطنياً واضحاً، وهو لا يريد أن يغامر بتطلّعات جماهيره ورغباته، فيما يخشى الإطار التنسيقي من عودته بسبب قوته وتأثيره وقدرته على تغيير المعادلة الانتخابية والانفراد بالسلطة».