27 عاما على هبّة الروحة: سامي عسلية يروي قصة الألم والنضال

27 عاما على هبّة الروحة: سامي عسلية يروي قصة الألم والنضال
مرّ 27 عاما على هبّة الروحة التي اندلعت أحداثها في 27 أيلول 1998م، احتج فيها أصحاب الأراضي وسكان منطقة وادي عارة على إصدار أمر عسكري من قبل السلطات الإسرائيلية يقضي بإغلاق أراضي الروحة بحجة تحويلها لمنطقة تدريب عسكرية.
لا يزال سامي حسين عسلية (51 عامًا)، من مدينة أم الفحم، يعاني جروحه، على الرغم من مرور نحو 27 عامًا على هبة الروحة التي اندلعت في 27 أيلول/ سبتمبر 1998، وذلك بعد إصابته برصاصة من قبل الشرطة الإسرائيلية آنذاك، عقب اعتدائها على الأهالي في أم الفحم، ووادي عارة، والروحة، وقرية معاوية، إثر احتجاجهم على مصادرة أراضيهم في منطقة الروحة، وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة، ومنعهم من دخولها.
أُصيب عسلية برصاصة أطلقتها الشرطة وقوات “حرس الحدود” الإسرائيلية، وكان حينها يبلغ من العمر 24 عامًا، إلى جانب إصابة أكثر من 600 مواطن في ظل اعتداء الشرطة على الأهالي في خيمة الاعتصام المقامة في أراضي الروحة، وكذلك المدرسة الثانوية الشاملة في المدينة، حيث اقتحمت الشرطة المدرسة واعتدت على الطلاب داخلها باستخدام الرصاص المغلف بالمطاط، والغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية، والهراوات.
جريح هبة الروحة سامي عسلية من أم الفحم يروي لـ"عرب 48" تفاصيل إصابته برصاص الشرطة الإسرائيلية بعد مرور 27 عاما والتي كانت قد اندلعت في 27 أيلول/ سبتمبر 1998 إثر احتجاج الأهالي في وادي عارة على مصادرة أراضيهم في منطقة الروحة وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة
تقرير: أمير بويرات (عرب… pic.twitter.com/b1F3il1hbo
— موقع عرب 48 (@arab48website) September 26, 2025
وبفضل النضال الشعبي والإضراب الذي عم البلاد، إضافة إلى جزء من الضفة الغربية وغزة، والاحتجاجات التي استمرت عدة أيام في وادي عارة، تمكّن الأهالي من إلغاء مخطط مصادرة الأراضي وبناء معسكرات للجيش الإسرائيلي في منطقة الروحة، واستعادة أكثر من 12 ألف دونم كانت مهددة بالمصادرة.
ولا يزال قسم من أراضي الروحة مهددًا بسبب خط الكهرباء القطري الذي تقيمه الدولة بالتعاون مع شركة الكهرباء، حيث يهدد هذا الخط نحو 20% من أراضي المواطنين في الروحة. ولا يزال باب الاعتراض على المشروع مفتوحًا، وتعمل لجنة الدفاع عن أراضي الروحة والسلطات العربية المحلية على تقديم اعتراضات رسمية لوقف المخطط.
يقول جريح هبة الروحة، سامي حسين عسلية، لـ”عرب 48″ إنه “أُصبتُ برصاص الشرطة خلال أحداث هبة الروحة عندما كنت أبلغ من العمر 24 عامًا، كنت شابًا في مقتبل العمر. في ذلك اليوم، اقتحمت الشرطة مدينتنا أم الفحم، وخيمة الاعتصام في الروحة، والمدرسة الثانوية الشاملة في أم الفحم. كنت في طريقي إلى عملي في وسط البلاد، لكن بعد سماع الأنباء، عدنا أدراجنا إلى المدينة، وهناك أُصبت، ولا زلت أعاني من آثار الإصابة حتى اليوم، بسبب وجود الرصاص في ذراعي منذ ذلك الحين”.
ويضيف عسلية: “عندما عدت من عملي إلى المدينة، أطلقت الشرطة النار علينا فور وصولنا، فأُصبت برصاصة في أعلى ذراعي. نُقلت أولًا إلى عيادة الحياة في أم الفحم، ثم إلى المستشفى، حيث مكثت نحو ثمانية أيام، وخضعت لعدة عمليات جراحية بسبب إصابتي برصاصة أطلقتها الشرطة وقوات حرس الحدود”.
ويستذكر عسلية فترة ما بعد إصابته، قائلًا: “بعد إصابتي، بدأت رحلة طويلة من المعاناة، إذ لم أتمكن من العمل لمدة عامين كاملين، وقضيت تلك الفترة في المنزل. كان والداي، رحمهما الله، السند والعون لي طوال هذه المرحلة الصعبة”.
وعن أهمية أراضي الروحة لأهالي أم الفحم ووادي عارة، يقول عسلية: “نحن نؤمن بأن الأرض هي العرض، فما بالك بأرض الروحة، أرض الأجداد التي ورثناها عنهم؟ فهي ليست مجرد قضية أرض، بل قضية وطنية بالأساس، خاصة أن أراضي الروحة هُجِّرت منها عائلاتنا”.
عضو لجنة الدفاع عن أراضي الروحة وعضو لجنة المهجرين القطرية، محمد طميش، يروي لـ"عرب 48" تفاصيل الهبة التي كانت قد اندلعت في 27 أيلول/ سبتمبر 1998 إثر احتجاج الأهالي في وادي عارة على مصادرة أراضيهم في منطقة الروحة وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة
تقرير: أمير بويرات (عرب 48) pic.twitter.com/zlXNgUiEme
— موقع عرب 48 (@arab48website) September 26, 2025
ومن جانبه، يقول المهندس محمد هاني طميش، عضو لجنة الدفاع عن أراضي الروحة وعضو لجنة المهجّرين القطرية، في حديثه لـ”عرب 48″ إن “أحداث هبة الروحة اندلعت عام 1998، إثر إغلاق ثلاث مناطق في الروحة أُطلق عليها أرقام 105، 107، 109، الأولى قرب كفر قرع، والثانية خلف منطقة عين إبراهيم التابعة لمدينة أم الفحم، والثالثة تمتد إلى أراضي اللجون المهجّرة. وقد كانت السلطات الإسرائيلية تنوي تحويل هذه المناطق إلى مساحات عسكرية مغلقة، وإنشاء معسكرات جديدة للجيش، على حساب أراضي المواطنين العرب في وادي عارة”.
ويضيف طميش: “بين المنطقتين الواقعتين قرب أم الفحم وكفر قرع في منطقة الروحة، كانت هناك أراضٍ فارغة أُطلق عليها اسم 107، قررت الدولة السيطرة عليها ومصادرتها، ما أدى إلى اندلاع هبة الروحة، احتجاجًا على مصادرة أراضي المواطنين الأصليين”.
ويتابع: “عندما حاولت السلطات الإسرائيلية مصادرة أراضي المنطقة 107، والتي تبلغ مساحتها نحو 500 دونم، اندلعت الشرارة التي أطلقت هبة الروحة، ما أسفر عن استرجاع الأراضي المصادرة. وتمكّنا من تحرير أراضٍ إضافية تجاوزت 500 دونم، بفضل الحراك الشعبي، كما تم إلغاء مخطط إقامة معسكر للجيش كان من المفترض أن يمتد من خلف منطقة عين إبراهيم وصولًا إلى اللجون المهجّرة”.
ويُشير طميش إلى أن “لجنة الدفاع عن أراضي الروحة تأسست وتعززت بشكل كبير بعد طرح مخطط ‘النجوم السبعة’ من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلي سابقا، أريئيل شارون، وكان يهدف تعزيز الاستيطان اليهودي في منطقة الروحة ووادي عارة”.
ويقول طميش: “فور الإعلان عن المخطط، شرعت اللجنة في توعية الأهالي بكل ما يتعلق بالقضية، والتحذير من مصادرة الأراضي وإغلاقها تمهيدًا للاستيلاء عليها، رغم أن الأراضي التي أُغلقت وحُوِّلت إلى مناطق عسكرية مغلقة تعود ملكيتها الخاصة لمواطنين من وادي عارة”.
ويضيف أنه “بعد إثارة القضية، بدأت احتجاجات صغيرة في منطقة وادي عارة، ثم شُكِّلت اللجنة رسميًا، وضمت 34 فردًا من أبناء المنطقة. بعدها تقرر إقامة خيمة اعتصام على الأراضي المهددة بالمصادرة في الروحة، ومن هناك انطلقت سلسلة من الاحتجاجات المتنوعة. تواجد الأهالي في الخيمة على مدار الساعة، وشكّلت الخيمة حسًا وطنيًا مميزًا، ما أثار غضب الشرطة والدولة، التي أمرت باقتحامها، وكذلك المدرسة”.
ويستذكر طميش اقتحام خيمة الاعتصام والمدرسة الثانوية الشاملة في أم الفحم من قبل الشرطة، قائلًا: “شكّلت خيمة الاعتصام حالة وطنية مميزة، ولاقت التفافًا شعبيًا واسعًا، ما أغضب الجهات الإسرائيلية، فقامت باقتحام الخيمة وتخريب محتوياتها، بالإضافة إلى اعتقال المعتصمين بعد الاعتداء عليهم”.
ويوّضح أنه “بعد اقتحام الخيمة، توجهت الشرطة وقوات حرس الحدود إلى المدرسة الثانوية الشاملة في أم الفحم، واعتدت على الطلاب والهيئة التدريسية باستخدام الرصاص المطاطي والحي، بالإضافة إلى قنابل الصوت والغاز. وأسفر الاعتداء عن إصابة أكثر من 600 طالب ومواطن، ووصفت العشرات من الإصابات بالخطيرة نتيجة العنف المفرط”.
ويُشير طميش إلى إغلاق شارع وادي عارة الرئيسي بعد اعتداء الشرطة، قائلًا إنه “عقب الاعتداءات التي ارتكبتها الشرطة في المدرسة وخيمة الاعتصام وأصيب فيها المئات، أُغلق شارع وادي عارة لمدة ثلاثة أيام متواصلة، نتيجة للاحتجاجات الشعبية المستمرة”.
ويتابع: “عقب النضال الشعبي، والجريمة التي ارتكبتها شرطة إسرائيل بحق المواطنين العزّل، تقرر اختيار خمسة مندوبين من أعضاء لجنة الروحة الـ34، وكنت من بينهم، حيث استمرت المفاوضات نحو عامين ونصف، وأسفرت عن إلغاء إقامة المعسكر قرب عين إبراهيم، وتغيير موقع معسكر كفر قرع، واستُعيدت الأراضي المهددة بالمصادرة”.
ويؤكد طميش على أنه “قبل تحرير الأراضي، كان الأهالي يدخلون إليها بطرق التفافية وكأنهم لصوص، في ظل تصنيفها كمناطق عسكرية مغلقة، وهو ما كان يشكّل مخاطرة. أما اليوم، وبعد تحرير الأراضي، بات الأهالي يدخلون إليها بحرية، ويزرعونها، وبعضها حصل على تراخيص للبناء، وهو أمر لم يكن ممكنًا من قبل. كل ذلك تحقق بفضل النضال الشعبي”.
وعن مخطط خط الكهرباء الذي يهدد أراضي الروحة في الوقت الحالي، يوضح طميش: “بدأنا العمل على هذا الملف عام 2013، عندما علمنا بالمشروع عن طريق الصدفة، وليس بشكل رسمي، رغم أن التخطيط له بدأ منذ عام 2008. وعندما علمنا به، كان يتبقى أسبوعان فقط لتقديم الاعتراضات، فطالبنا بتمديد المهلة، وأطلقنا حراكًا شعبيًا أدى إلى وقف المشروع من عام 2013 وحتى عام 2023”.
ويلفت إلى أن “المخطط الجاري تنفيذه اليوم يشكّل تهديدًا لنحو 20% من أراضي المواطنين في منطقة الروحة، بعد أن تم تخفيض نسبة التهديد من 100% إلى 20%. وقد تمكّنا من حماية جزء كبير من الأراضي بفضل الاعتراضات التي قدّمها الأهالي، إذ إنّ موقفنا واضح: نرفض مصادرة أي جزء من أراضينا، ونعمل على تقديم اعتراضات إضافية لحماية ما تبقّى منها”.
ويختتم طميش حديثه بالتأكيد على رمزية الأرض، قائلاً إن “أراضي الروحة تعني الكثير لأهالي أم الفحم ووادي عارة، فهي المكان الذي يردّ أرواحنا، ويجتمع فيه الأهالي في نهاية الأسبوع وفي المناسبات. والإنسان بلا أرض لا قيمة له، لذلك تسعى الدولة باستمرار إلى تهجيرنا وإبعادنا عن أراضينا. ولهذا، فإن وعينا وارتباطنا بالأرض أمر جوهري. أراضي الروحة تمتد على مساحة تصل إلى نصف مليون دونم”.