تحقيقات وتقارير

كيف أصبحت إسبانيا صوتا معبرا عن الشعوب العربية في الدفاع عن القضية الفلسطينية؟

كيف أصبحت إسبانيا صوتا معبرا عن الشعوب العربية في الدفاع عن القضية الفلسطينية؟

حسين مجدوبي

برزت إسبانيا بشكل ملفت على المستوى العالمي بمواقفها في المنتديات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي والعالمية مثل الأمم المتحدة في الدفاع عن الفلسطينيين في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية ضدهم التي بلغت مستوى حرب الإبادة. وتنوعت من الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى ما يشبه قطع العلاقات مع الكيان، ثم توفير الحماية العسكرية لأسطول الصمود الرامي إلى فك العزلة عن قطاع غزة.

وكان رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز من أوائل المنددين بهجمات حماس يوم 7 أكتوبر 2023، غير أنه في الوقت ذاته، شدد على أن هذا الهجوم لا يمكنه أن يواجه بالعنف بل بالإسراع لحل القضية الفلسطينية على مبدأ الدولتين، فلسطينية وأخرى إسرائيلية. ويمكن رصد تطورات الموقف الإسباني بمفهوم التصعيد ضد إسرائيل عبر محطات أساسية وذات رمزية كبرى وهي:
أولا، يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر: قام رئيس حكومة إسبانيا بزيارة إلى إسرائيل وتضامن معها بسبب هجمات 7 أكتوبر لكنه قال أمام نظيره الإسرائيلي نتنياهو بأن عدد الضحايا في غزة «لا يطاق»، وبعد توجهه إلى معبر رفح نادى علنا بحل الدولتين. وقررت إسرائيل استدعاء سفيرتها في مدريد للتشاور. ثانيا، يوم 16 اذار/مارس 2024: قررت حكومة مدريد منع رسو سفينة تجارية محملة بأسلحة موجهة إلى إسرائيل في ميناء كارتاخينا المتوسطي، في خطوة تمثل سياسة نشطة لرفض رسو السفن المحملة بأسلحة موجهة إلى إسرائيل وتطورت إلى منع مرور الطائرات المحملة بالسلاح نحو إسرائيل.
ثالثا، منذ نيسان/أبريل، كثف سانشيز خطابه المؤيد للفلسطينيين ونسق مع أيرلندا ومالطا وسلوفينيا خطة الاعتراف بالدولة الفلسطينية «عندما تكون الظروف مناسبة». وأشار علناً إلى أن ذلك سيكون قبل تموز/يوليو. وعمليا، يوم 27 تموز/يوليو سيدلي ببيان مؤسسي أمام المجلس الحكومي أن «إسبانيا ستنضم إلى أكثر من 140 دولة تعترف بالفعل بفلسطين كدولة. إنه قرار تاريخي يهدف فقط إلى المساعدة في تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين». ويؤكد أن القرار «لا يستهدف أحداً، ولا سيما إسرائيل»، ويطالب بحل الدولتين على أساس حدود عام 1967، مع القدس الشرقية عاصمةً للفلسطينيين والسلطة الوطنية الفلسطينية كحكومة شرعية. رابعا، وفي خطوة ملفتة، وبينما غالبية الدول الأوروبية تتردد في اتخاذ إجراءات قوية ضد إسرائيل، أعلنت مدريد خلال حزيران/يونيو 2024 رسميًا التدخل أمام محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بشأن تطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في غزة، بموجب المادة 63 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. وهذا يعني أن إسبانيا تنضم إلى دول أخرى في الدفاع عن الولاية القضائية الدولية في القضية الفلسطينية، دفاعًا عن القانون الدولي وسلطة محكمة العدل الدولية.
خامسا، وفي خطوة رمزية جدا لاسيما في ظل غياب الجامعة العربية، ستستضيف العاصمة مدريد يوم 13 ايلول/سبتمبر من السنة الماضية، الاجتماع الأول لمجموعة الاتصال العربية الإسلامية حول غزة، من أجل دفع جدول أعمال الدولتين.
سادسا، وبعد مرور قرابة سنة على بدء الحرب، سيعلن سانشيز يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر الماضي في بروكسل وأمام القادة الأوروبيين والعرب وقف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل. واستمرت سياسة مدريد المناهضة لحرب الإبادة، وجرى تتويجها يوم 7-8 ايلول/سبتمبر الجاري بإعلان تسعة إجراءات للضغط على إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية في غزة، من بينها حظر دخول السفن والطائرات المتجهة إلى إسرائيل أو أراضيها المحتلة، وفرض قيود على الواردات من المناطق الخاضعة للاحتلال وتجميد التعاون العسكري والصادرات والواردات من الأسلحة.
وفي إجراء رمزي وعملي هو قرار النيابة العامة يوم 18 ايلول/سبتمبر الجاري في إسبانيا فتح تحقيق في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين لاسيما بعدما اعترفت الدولة الإسبانية أن الأمر يتعلق بحرب إبادة. وآخر إجراء حتى الآن هو إرسال إسبانيا يوم الجمعة من الأسبوع الجاري فرقاطة عسكرية «فورور» نحو شرق المتوسط لمساعدة 50 سفينة من أسطول الصمود في حالة تعرضت لهجمات إذا اقتربت من المياه الفلسطينية. وتقوم بالمهمة رفقة فرقاطة إيطالية أخرى.
هناك عوامل متعددة لسياسة إسبانيا المتشددة تجاه إسرائيل وعلى رأسها:
العامل التاريخي: تعتبر إسبانيا من الدول الأوروبية التي تعاطفت مع القضية الفلسطينية منذ عهد الجنرال فرانسيسكو فرانكو. وكان اليمين الإسباني بزعامة خوسي ماريا أثنار من المؤيدين لفلسطين إلى مستوى أنه رفض في التسعينات استقبال بنيامين نتنياهو. غير أن اليمين المحافظ غير رأيه في الوقت الراهن بسبب إيمانه بالصراع الديني.
العامل الشعبي: يأتي الشعب الإسباني على رأس الشعوب الأوروبية الأكثر تضامنا على القضية الفلسطينية. في هذا الصدد، سجلت وتسجل إسبانيا أعلى نسبة من التظاهرات منذ 7 أكتوبر. كشفت دراسة استقصائية أجراها معهد ريال إلكانو وجرى نشر نتائجها الأسبوع الماضي أن 82 في المئة من الإسبان يعتبرون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وهي أعلى نسبة في أوروبا. وقامت عدد من البلديات بقطع العلاقات مع نظيرتها الإسرائيلية، والأمر نفسه فيما يخص الجامعات.
العامل السياسي الدولي: تستمد مدريد سياستها تجاه فلسطين من إرث دبلوماسي دولي ساهمت فيه بفعالية. فقد احتضنت في الفترة من 30 تشرين الأول/أكتوبر إلى 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1991، منتدى برعاية إسبانيا والولايات المتحدة (جورج بوش) والاتحاد السوفييتي (ميخائيل غورباتشوف). كانت هذه هي المرة الأولى التي يجلس فيها الإسرائيليون والفلسطينيون في نفس المنتدى، على الرغم من أن الوفد الفلسطيني كان جزءًا من وفد مشترك مع الأردن، حيث لم تقبل إسرائيل المشاركة الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وكانت القمة تمهيدا لاتفاقيات أوسلو حول حل الدولتين. في الوقت ذاته، بادرت إسبانيا بمشروع قمة برشلونة سنة 1995 الذي سيتحول إلى الاتحاد من أجل المتوسط، وكان هدف مدريد هو إعداد الجانب المالي والاجتماعي كتكملة لقمة مدريد واتفاقيات أوسلو وهذه المرة بمشاركة دول البحر المتوسط في إطار تعاون شامل.
في غضون ذلك، تحولت القرارات المتعددة والجريئة لحكومة إسبانيا المدافعة عن الحق الفلسطيني، واستنادا إلى التعليق في شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي ومقالات صحافية كثيرة، إلى الناطق والمعبر عن موقف الشعوب العربية في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين. وكم من تعليق كتب منبهرا بمواقف رئيس الحكومة سانشيز، فهل تجري في دمائه غيرة الأندلسيين الأوائل الذين شيدوا حضارة كبرى؟

ـ «القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب