مقالات

“خطة ترمب المعدّلة: بين فخّ التسوية واستحقاق الوحدة الوطنية”

“خطة ترمب المعدّلة: بين فخّ التسوية واستحقاق الوحدة الوطنية”

المحامي علي أبو حبلة

تشكل “خطة ترمب” بعد إدخال تعديلات نتنياهو عليها محطة مفصلية وخطيرة في مسار القضية الفلسطينية. فهي ليست مجرد وثيقة سياسية؛ بل محاولة لإعادة صياغة مستقبل فلسطين وفق منظور إسرائيلي أمريكي يتجاهل قرارات الشرعية الدولية ويختزل جوهر الصراع إلى ترتيبات أمنية واقتصادية مؤقتة. ومع ذلك، فإن التعاطي معها لا يمكن أن يكون بالرفض أو القبول المجردين؛ بل يحتاج إلى قراءة استراتيجية متأنية تراعي التوازنات الدولية والإقليمية، وتحفظ وحدة الصف الفلسطيني كشرط أساسي لصمود القضية.

أولاً: أبعاد الخطة وتداعياتها

الثغرات الجوهرية: تجاهل الخطة للقدس وحق العودة، وتعاطيها مع غزة ككيان منفصل أو تحت وصاية أمنية، يجعلها أقرب إلى وصفة لتصفية القضية وليس لحلّها.

البعد القانوني: الخطة تتعارض صراحة مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خاصة القرار 242 و338 و2334، وتنسف مبدأ “عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة”.

البعد الاستراتيجي: قبول الخطة بشروطها يعني تحييد المقاومة وشرعنة الاستيطان، بينما رفضها دون بدائل وطنية موحدة قد يعمّق الانقسام ويمنح إسرائيل فرصة لاستمرار سياساتها التوسعية.

ثانياً: الميزان الوطني في صناعة القرار

الميزان الحقيقي أمام القيادة الفلسطينية ليس حسابات الربح والخسارة الآنية، بل حجم الاقتراب الوطني العام. فالاقتراب الوطني الشامل بين الفصائل ومؤسسات الشعب الفلسطيني يشكل طوق النجاة الأول للقضية. أي قرار يُتخذ دون وحدة داخلية واسعة سيكون هشاً ومعرّضاً للانهيار أمام الضغوط الإقليمية والدولية.

ثالثاً: الأولويات الفلسطينية الملحّة

  1. غزة أولوية قصوى: وقف العدوان، رفع الحصار، وتأمين “استراحة الشعب” بعد مذبحة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر.
  2. تعزيز الاعتراف الدولي: استثمار الاعترافات المتزايدة بدولة فلسطين من أوروبا وأمريكا الجنوبية، وربطها بخطوات عملية لإنهاء الاحتلال.
  3. الرواية الوطنية: تثبيت السردية الفلسطينية العادلة كجزء من معركة الوعي الدولي، من خلال الإعلام، القانون الدولي، والمؤسسات الأممية.
  4. احتضان الاستقلال كخيار جامع: بما في ذلك إدماج القوى السياسية كافة — حتى حماس بلبوس جديد — في مشروع الدولة، على غرار تجارب حركات تحرر اندمجت في أنظمة سياسية دون أن تفقد جوهر الفكرة.

رابعاً: آليات التحرك الاستراتيجي

لقاء فصائلي جامع: تدعو فيه حماس وفتح وبقية القوى لاجتماع عاجل لبحث الخطة ووضع موقف وطني موحد يكشف ثغراتها ويضع بدائل مقبولة.

موقف قانوني موحد: تفعيل أدوات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لتثبيت عدم شرعية أي تسوية تنتقص من حق تقرير المصير.

شبكة أمان شعبية: تعزيز الدور الجماهيري كطوق النجاة الأهم في اللحظة الراهنة، وضمان مشاركة الشارع في القرار الوطني.

بدائل تفاوضية: صياغة ثلاثة مسارات واضحة: (أ) رفض كامل، (ب) قبول مشروط بضمانات دولية، (ج) موقف تفاوضي مبني على الشرعية الدولية.

خامساً: بين اللحظة الأمريكية والتحولات الدولية

اللحظة الأمريكية تبدو طاغية اليوم بفعل انخراط العديد من الدول العربية والإسلامية في مقاربات واشنطن، لكن ذلك لا يمنع أن موازين القوى الدولية تتغير. كتابات عدد من المفكرين الأميركيين أنفسهم تؤكد أن الهيمنة الأمريكية في طريقها للأفول التدريجي، وأن أقصى ما يمكن فعله هو تأخير هذا المسار لا منعه. من هنا تأتي أهمية الاستثمار في صعود قوى أخرى، وتعزيز التحالفات مع أطراف دولية داعمة للحق الفلسطيني.

خاتمة

الخلاصة أن “خطة ترمب” المعدلة تمثل فخّاً سياسياً يهدد بتصفية القضية إن عولجت بخيارات فردية أو انقسامية. لكنها قد تتحول إلى فرصة إن استُخدمت كمنطلق لإعادة بناء الوحدة الوطنية، وتعزيز الموقف القانوني الدولي، ورفع مكانة الجماهير كصاحبة القرار الأول والأخير. الحرب جولات، وفلسطين باقية، لكن الشرط الجوهري للانتصار المستقبلي هو أن نحسن التقاط اللحظة الراهنة بوعي وطني جامع، يوازن بين السياسة والقانون والمقاومة المشروعة، ويصون دماء شعبنا من العبث والتوظيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب