دراساتمقالات

الدَّولَة الوَطَنِيَّة العَرَبِيَّة بَيْنَ الانهيار وإِعَادَةِ البِنَاء الحلقة الثانية (2/2)  بقلم حسن خليل غريب

 بقلم حسن خليل غريب

الدَّولَة الوَطَنِيَّة العَرَبِيَّة بَيْنَ الانهيار وإِعَادَةِ البِنَاء
الحلقة الثانية (2/2)
الشَّرْق الأوسَط الجَدِيد وَإِعَادَة إِنْتَاجِ التَّبَعِيَّة
 بقلم حسن خليل غريب
في الجزء السابق تم استعراض اهم مقومات الدولة الوطنية والتحديات التي تواجهها في هذه المرحلة من حياة الامة العربية. كما تم استعراض اهميتها الى المشروع القومي العربي كمشروع نهضوي تحرري. في هذا الجزء سيتم تناول أكبر تحدي يواجهه المشروع القومي العربي واهم مقومات ووسائل الانتصار عليه.
عرض مختصر لأطروحات برنارد لويس والشرق الأوسط الجديد:
إن أطروحات برنارد لويس حول “الشرق الأوسط الجديد” تمثل مشروعًا استعماريًا يستهدف تفكيك الأمة العربية وتحويلها إلى كيانات طائفية ومذهبية وجهوية متنازعة. وهذا المشروع لا يسعى إلى تحديث المنطقة أو دعم الديمقراطية كما يزعم، بل إلى إعادة تشكيلها بما يخدم مصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ويُضعف الدول العربية الكبرى التي كانت تشكل ركيزة للمشروع القومي العربي.
وقد بدأ تنفيذ المشروع فعليًا باحتلال العراق عام 2003، ثم تسارع مع استغلال الحراك الشعبي الذي اندلع خلال (الربيع العربي) عام 2011. مما يؤكد أن هذا الاستغلال وحرف الحراك عن اهدافه الحقيقية لم يكن عفويا، بل جاء ضمن خطة مدروسة لإسقاط الأنظمة الوطنية دون بناء بديل وطني جامع، مما أدى إلى
انهيار الدولة الوطنية في بعض الاقطار العربية وصعود الحركات الطائفية والميليشيات المرتبطة بالخارج.
إن هذا المشروع أدى إلى تراجع العلاقات الأميركية مع بعض الدول العربية، وفتح الباب لتقوية تحالفات دولية جديدة، مثل تقوية التحالف الروسي–الصيني، الذي يسعى إلى بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، في مواجهة الهيمنة الأميركية.
ولذلك يجب على العرب أن يُحذروا من تبعات هذا المشروع على الدولة الوطنية وعلى اي امكانية للتنسيق والتكامل العربي، وأن يبادروا إلى التأسيس لمشروع قومي عربي مضاد، يستند إلى بناء الدولة الوطنية الحديثة، واستعادة القرار العربي المستقل.
من أهم العوامل التي ساعدت على تنفيذ المشروع الاستعماري الجديد هي:
1- استغلال الحراك الشعبي العربي وتوظيفه الخارجي:
إن الحراك الشعبي العربي الذي اندلع في عام 2011 لم يُترك ليعبّر عن إرادة الشعب في التغيير، بل تم استغلاله بهدف توظيفه خارجيًا ضمن مشاريع دولية وإقليمية. فبينما انطلقت الاحتجاجات الجماهيرية بمطالب مشروعة تتعلق بالحرية والعدالة الاجتماعية، سرعان ما اختُطفت من قبل قوى داخلية مرتبطة بالخارج، مثل الأحزاب الطائفية والحركات الدينية المدعومة سياسيًا وماليًا من دول إقليمية، ما أدى إلى حرف مسارها عن أهدافها الأصلية.
وقد استغلت الولايات المتحدة هذا الحراك لتنفيذ مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، في حين استغلت إيران الفوضى لتوسيع نفوذها عبر دعم ميليشيات طائفية في العراق وسوريا واليمن ولبنان. هذا التوظيف الخارجي أدى إلى إضعاف الهوية الوطنية الجامعة، واستبدالها بانتماءات ضيقة، حيث بات المواطن العربي يشعر بالانتماء للطائفة أو المذهب او المنطقة أكثر من انتمائه للوطن. ولذلك يقتضي هذا التحليل إلى قراءة نقدية للحراك العربي، تُبرز كيف تحوّل من فرصة للتغيير إلى أداة لإعادة إنتاج التبعية والانقسام، داعيًا إلى استعادة الدولة الوطنية كشرط أساسي لأي مشروع نهضوي عربي.
دور القوى الغربية والإقليمية في تفكيك بعض الدول العربية:
لعبت القوى الغربية والإقليمية دورًا محوريًا في تفكيك الدولة في بعض الاقطار العربية، من خلال مشاريع استراتيجية تستهدف إسقاط الدولة وتحويل المجتمعات إلى كيانات طائفية ومذهبية متنازعة. وتتحمّل الولايات المتحدة مسؤولية قيادة مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، الذي بدأ فعليًا باحتلال العراق عام 2003، حيث تم تفكيك مؤسسات الدولة وتسليم السلطة إلى قوى طائفية مرتبطة بإيران، تحت غطاء نشر الديمقراطية. كما استغلَّت إيران الفوضى الناتجة عن هذا المشروع لتوسيع نفوذها الإقليمي عبر دعم ميليشيات مذهبية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مما ساهم في إضعاف الهوية الوطنية الجامعة. ولن نغفل التدخل التركي، في محاولة لإحياء النزعة العثمانية عبر دعم جماعات إسلامية سياسية، خصوصًا في سوريا وليبيا، ما أدى إلى تعميق الانقسامات الداخلية.
استقواء بعض القوى المعارضة بالخارج:
وفي دراسة تم تقديمها أمام مؤتمر عقد في مدينة صور جنوب لبنان في حزيران من العام 2003، وصفنا فيها قوى المعارضة العراقية، التي استقوت بأميركا وإيران وغيرهما من الدول الأجنبية، بارتكاب الخيانة العظمى لتعاونها مع دول أجنبية ضد أمن الدولة الوطنية، بحيث لا تبرر أخطاء النظام السياسي ارتكاب تلك الجريمة. وبشكل عام لا يمكن للمعارضة التي تستقوي بالخارج أن تبني وطنًا، بل تُعيد إنتاج التبعية والانقسام، وتُحوّل الوطن إلى ساحة صراع بين القوى الدولية. ان قيام قوى دولية وإقليمية بدعم أطرافًا محلية على أسس طائفية ومذهبية، أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة وتكريس الانقسام الداخلي.
ونتوقف عند بعض التدخلات، ومن أهمها:
• الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية تفكيك العراق بعد احتلاله عام 2003، من خلال دعمها لقوى مذهبية وطائفية وكردية وعرقية وتسليمها السلطة، ما أدى إلى نشوء نظام محاصصة طائفية وعرقية يُضعف الهوية الوطنية تمهيدا لتقسيم العراق.
• الدور الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث دعمت طهران ميليشيات مذهبية مثل الحشد الشعبي وحزب الله والحوثي، ما أدى إلى تقويض سلطة الدولة المركزية وتحويل هذه البلدان إلى ساحات نفوذ إيراني.
• التدخل التركي في ليبيا، حيث دعمت أنقرة جماعات إسلامية سياسية، ما ساهم في تعميق الانقسام وتحويل الصراع إلى حرب بالوكالة. ويصف هذا التدخل بأنه جزء من مشروع إيديولوجي يسعى إلى استعادة النفوذ العثماني عبر وكلاء محليين.
2-العوامل العربية الداخلية التي ساعدت على تنفيذ المشروع:
هناك عوامل داخلية تساعد على تنفيذ المشروع نذكر منها ما يلي:
أ-غياب او ضعف مفهوم الدولة الجامعة: ترتبط هذه بعاملين رئيسين، وهما:
– غياب المواطنة وصعود الطائفية: أن تغييب الوعي الشعبي بمفاهيم المواطنة يشكل عائقًا بنيويًا أمام بناء الدولة الوطنية، ويُسهم في ترسيخ الانقسامات الطائفية والمذهبية التي تُستخدم كأدوات فعّالة لتفكيك المجتمعات العربية. فبدلًا من أن يكون المواطن فاعلًا سياسيًا في دولة مدنية حديثة، يتحول إلى تابع للطائفة أو المذهب، مما يُضعف الانتماء الوطني ويُكرّس الولاءات الضيقة. ولهذا نعتبر أن هذا الانحراف في الوعي الشعبي لم يكن عفويًا، بل نتيجة تراكمات تاريخية وسياسات ممنهجة غذّتها الأنظمة الاستبدادية والقوى الخارجية، بهدف إضعاف فكرة الدولة الجامعة.
أن التغييب المقصود للوعي الشعبي بالمواطنة، والغرق في الطائفية والمذهبية، يُعدان من أخطر أدوات تفكيك الدولة، ويستدعيان مشروعًا نهضويًا يعيد بناء الإنسان قبل الدولة.
– فشل النخب الحاكمة في بناء دولة تتجاوز الانقسامات: النخب السياسية والدينية تتحمل مسؤولية تكريس هذا الانقسام، من خلال خطاب تعبوي يُغذّي الانتماءات الضيقة، ويُقصي فكرة المواطنة المتساوية. كما يرى أن استعادة الوعي الوطني
لا يمكن أن تتم إلا عبر مشروع تربوي وثقافي شامل، يُعيد الاعتبار للهوية الوطنية الجامعة، ويُرسّخ قيم المواطنة والعدالة والحرية.
– فشل الأنظمة الرسمية: أن فشل الأنظمة الرسمية العربية في ترسيخ مفاهيم المواطنة وبناء الدولة الوطنية الحديثة لا يعود فقط إلى ضعف الأداء أو غياب الرؤية، بل إلى تبني سياسات ممنهجة تُكرّس الانقسام الطائفي والمذهبي، وتُضعف الهوية الوطنية الجامعة. ويعتبر أن هذه الأنظمة، بدلًا من أن تكون حامية للوحدة الوطنية، تحوّلت إلى أدوات لإعادة إنتاج التبعية، سواء عبر الارتهان للخارج أو عبر التحالف مع قوى داخلية طائفية تُقوّض فكرة المواطنة المتساوية.
لذلك تتحمل هذه الأنظمة مسؤولية تغييب الوعي الشعبي، من خلال مؤسسات تعليمية وإعلامية تُروّج للولاءات الضيقة، وتُقصي الخطاب الوطني الجامع. كما يرى أن هذه الأنظمة لم تُنتج مشروعًا سياسيًا أو ثقافيًا يُرسّخ قيم الدولة المدنية، بل اكتفت بإدارة التوازنات الطائفية لضمان بقائها في السلطة، مما أدى إلى تفكك الدولة وانهيار مؤسساتها.
“إن الأنظمة الرسمية لم تكن ضحية للمشروع التفتيتي، بل كانت شريكة فيه، حين تخلّت عن مشروع الدولة الوطنية، وارتضت أن تحكم باسم الطائفة أو العشيرة أو المذهب، لا باسم الوطن.” لذلك كله نعتبر أن غياب الإرادة السياسية لبناء دولة المواطنة كان سببًا جوهريًا في انهيار الدولة الوطنية، ولهذا يجب الدعوة إلى مشروع بديل يُعيد الاعتبار للهوية الجامعة والمؤسسات المدنية ومعالجة أسباب ضعفها من أجل أن تقوم بالإصلاح الحقيقي.
-غياب الوعي القومي ، كيف ساهم غياب المشروع القومي في تسهيل الانهيار:
غياب المشروع القومي العربي باعتباره أحد الأسباب الجوهرية لانهيار الدولة الوطنية في العالم العربي، حيث أدى هذا الغياب إلى فقدان البوصلة الفكرية والسياسية التي كانت من شأنها أن تُوحّد الشعب العربي حول أهداف مشتركة، وتُحصّنها ضد مشاريع التفتيت والتبعية.
وتتحمل القوى القومية مسؤولية كبرى في هذا المجال لأنها فشلت في تطمين او اقناع الدولة الوطنية بان المشروع القومي العربي هو ليس ضدها، بل داعم للوحدة الوطنية ولدولة المؤسسات باعتبارها ركيزة من ركائز وحدة الامة وقوتها. أن غياب هذا المشروع أفسح المجال أمام صعود الانتماءات الطائفية والمذهبية، التي تحوّلت إلى بدائل مشوّهة للهوية الوطنية، مما سهّل اختراق المجتمعات من قبل قوى إقليمية ودولية.
أن المشروع القومي العربي، لو كان حاضرًا وفاعلًا، لكان قادرًا على تقديم رؤية وحدوية تحررية تُعيد بناء الدولة على أسس مدنية حديثة، وتُواجه التدخلات الخارجية والمشاريع الطائفية. ولكن الأنظمة الرسمية والنخب السياسية تخلّت عن هذا المشروع، إما بسبب تبعيتها للخارج أو بسبب مصالحها الضيقة، ما جعل الساحة مفتوحة أمام مشاريع مثل “الشرق الأوسط الجديد” و”ولاية الفقيه”، التي استغلت الانقسام الداخلي لتكريس نفوذها.
الحل في الدعوة إلى ربيع عربي مقاوم:
إن الحراك الذي انطلق في عام 2011، رغم شرعية مطالبه، تم توظيفه خارجيًا واختطافه داخليًا، فتحوّل إلى أداة لتفكيك الدولة الوطنية، لا لإصلاحها. ولكي يكون فاعلًا ومثمرًا، يجب أن يتحرر من الارتهان الطائفي والمذهبي، وأن يرتبط بمشروع قومي عربي تحرري يُعيد الاعتبار للدولة الوطنية الحديثة.
ومن هنا، كان “لا بد من ربيع قومي مقاوم، يُعيد الاعتبار للمشروع القومي العربي، ويُواجه مشاريع التفتيت الطائفية والمذهبية، ويُؤسس لوحدة وطنية حقيقية تكون قاعدة للوحدة القومية.” مع التأكيد على أن هذا الربيع لا يمكن أن يتحقق إلا عبر استعادة الوعي الشعبي بمفاهيم المواطنة، وتحرير الدولة من التبعية، وبناء مؤسسات حديثة تُعبّر عن الإرادة الوطنية المستقلة.
ثورة الشباب التي ابتدأت في العراق منذ العام 2019، بداية للربيع العربي المقاوم:
إن ثورة الشباب في العراق التي انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر 2019 تمثل نواة حقيقية لربيع قومي مقاوم، على النقيض مما يُسمَّى “الربيع المصطنع” الذي اختُطف من قبل مشاريع خارجية وطائفية. لأن الثورة العراقية تعبِّر تعبيرًا صادقًا عن إرادة شعبية وطنية، خرجت من خارج الاصطفافات الحزبية والطائفية، وواجهت منظومة الفساد والارتهان، سواء في الداخل أو من القوى الإقليمية والدولية.
إن ثورة الشباب العراقي التي انطلقت في تشرين الأول من عام 2019 لحظة مفصلية في مسار النضال العربي، وهي بداية فعلية لـ(الربيع القومي المقاوم) فهذه الثورة لم تكن امتدادًا للربيع العربي الذي اختُطف من قبل قوى الإسلام السياسي والطائفية، بل كانت انتفاضة شعبية وطنية خالصة، واجهت منظومة الفساد والارتهان التي تحكم العراق منذ الاحتلال الأميركي عام 2003.
ولذا يمكننا الإشادة بصمود الشباب العراقي في وجه آلة القمع، واعتبارها كسرت حاجز الخوف، وأعادت الاعتبار لفكرة القرار الوطني المستقل، وواجهت بشكل مباشر نفوذ نظام ولاية الفقيه الإيراني، الذي يُعدُّ أبرز أدوات تفكيك الدولة العراقية.
“إن ثورة العراق التي انطلقت في الفاتح من تشرين الأول 2019، هي ثورة تعيد الحياة للعراق، وتُرغم من خانوا وطنهم على الهروب، وتُعيد الاعتبار للكرامة الوطنية التي لا تُباع بكل ثروات العالم.” وإنها رغم التضحيات الجسيمة، تمثل بداية لمرحلة جديدة من الوعي الشعبي، تُعيد بناء الهوية الوطنية على أسس مدنية، وتُمهّد الطريق لمشروع قومي عربي مقاوم، يُواجه مشاريع التفتيت والتبعية، ويُعيد الاعتبار لفكرة الدولة الجامعة.
رابعاً: الخاتمة والتوصيات
1- دعوة لإعادة بناء الدولة الوطنية على أسس المقاومة والوحدة:
سبق وان تم التأكيد على ان “ثورات الشباب العربي بعد العام 2019 تُعبّر عن وعي جديد، لكنها تحتاج إلى مشروع قومي جامع، وإلى قيادة وطنية مستقلة، كي لا تُختطف كما اختُطفت سابقاتها.” لقد شهد العام 2019 موجة جديدة من الحراك الشعبي العربي، قادها الشباب في عدد من الاقطار مثل العراق، لبنان، الجزائر، والسودان. ويُعد هذا الحراك امتدادًا للثورات التي اندلعت عام 2011، لكنه تميز بوعي أكثر نضجًا، ورفض واضح للمنظومات الحزبية والطائفية التي ساهمت في تفكيك الدولة الوطنية. في هذا السياق، نرى أن حراك الشباب يُعبّر عن محاولة جديدة لاستعادة القرار الوطني، مع التحذير من مخاطر الاحتواء الداخلي والخارجي التي قد تُعيد إنتاج الانقسام والتبعية.
وهنا نخصُّ حراك العراق بوصفه النموذج الأكثر نضجًا، حيث خرج الشباب من خارج الاصطفافات الطائفية، وواجهوا منظومة الفساد والارتهان، ورفعوا شعارات وطنية جامعة، ما جعله نواة فعلية لربيع قومي مقاوم. أما في لبنان والجزائر والسودان، فنرى أن الحراك الشعبي ما يزال يُصارع بين الإرادة الشعبية الصادقة وبين محاولات الالتفاف عليه من قبل النخب التقليدية أو القوى الخارجية. وباختصار، يمكن وصف انتفاضات ما بعد العام 2019، بأنها لحظات احتجاجية صادقة، لكنها غير مكتملة، وتحتاج إلى تأطير فكري وسياسي يُحوّلها من رد فعل إلى مشروع تحرري، يُعيد بناء الدولة الوطنية على أسس مدنية مستقلة، ويُحصّنها ضد مشاريع التفتيت والارتهان.
لذلك، واستناداً إلى أهمية منطلقات الحراك الشبابي العربي بعد العام 2019، يصبح من الأهمية بمكان أن تلقى التشجيع والمشاركة والاحتضان على صعيد كل قطر عربي من جهة، والعمل على تعميق أواصرها على المستوى القومي من جهة أخرى.
2-أهمية المشروع القومي العربي كبديل استراتيجي:
لقد استغلت القوى الإقليمية والدولية غياب المشروع القومي لتكريس نفوذها، عبر دعم وكلاء محليين يُعيدون إنتاج الانقسام والتبعية. لهذا السبب يُمثّل المشروع القومي العربي البديل الاستراتيجي الضروري لمواجهة التحديات البنيوية التي تعصف بالعالم العربي، وعلى رأسها التفكك الداخلي، والارتهان للخارج، وانهيار الدولة الوطنية. وأهمية هذا المشروع بكونه الإطار الوحيد القادر على توحيد الشعب العربي حول أهداف مشتركة، وتحرير القرار السياسي من الهيمنة الأجنبية، وبناء دولة مدنية حديثة تُرسّخ قيم المواطنة والعدالة والحرية.
3-التكاملية بين الدورين الرسمي والشعبي العربي:
لا يمكن مواجهة مشاريع التفتيت إلا بتكامل الدورين الرسمي والشعبي، فالشعب وحده لا يبني دولة، والنظام وحده لا يصنع وحدة، بل لا بد من مشروع قومي يُعيد اللحمة بينهما. لذلك علينا التشديد على أهمية التكامل بين الدورين الرسمي والشعبي العربي كمدخل إلزامي لاستعادة الوحدة الجغرافية والسياسية للأقطار العربية التي تعرضت للتفكيك بفعل التدخلات الخارجية، وعلى رأسها مشروع “الشرق الأوسط الجديد”.
وإن الأنظمة الرسمية، رغم مسؤوليتها التاريخية عن التراجع القومي، لا تزال أولاً تمتلك أدوات مؤسساتية يمكن توظيفها في مشروع وحدوي، إذا ما اقترنت بإرادة شعبية واعية ومتحررة من الولاءات الطائفية والمذهبية. كما أننا ثانياً نعتبر أن الحراك الشعبي، مهما بلغ من الزخم، يبقى عاجزًا عن تحقيق أهدافه دون غطاء رسمي يُترجم المطالب إلى سياسات وطنية.
والسبب من وراء هذه الرؤية هو أن القوى الخارجية نجحت في تفكيك الدول العربية عبر ضرب العلاقة بين الشعب والدولة، وتحويل الأنظمة إلى أدوات قمع، والشعوب إلى ساحات احتجاج غير مؤطرة. لذلك، فإن استعادة هذه العلاقة التكاملية يُعدّ ضرورة استراتيجية، لا مجرد خيار تنظيري، من أجل بناء مشروع قومي مقاوم يُعيد توحيد الأقطار العربية على أسس وطنية مستقلة.
4-التكاملية بين الأمنين العربي والإقليمي:
إن الدعوة إلى وحدة عربية بين أقطار مفتتة جغرافياً ومجتمعياً وثقافياً، أصبحت تبدو وكأنها دعوة رومانسية في ظل تغييب تفعيل مقوماتها العملية الموجودة مكامنها اصلا في الواقع. فلا بد من أن تبدأ من إعادة التوحيد الجغرافي والسياسي والثقافي لتك الأقطار كما كان حاصلاً قبل (الربيع العربي) في العام 2011 من جهة، كما أن الأمن العربي لا يُبنى في عزلة عن الإقليم المجاور جغرافياً، على ألا يُختزل في تحالفات تُدار من خارج الإرادة الوطنية. فالتكامل مع المحيط الإقليمي يجب أن يكون على قاعدة الاستقلال التام والارادة الوطنية والقومية الصلبة والندية، لا التبعية.
إن التكاملية بين الأمن العربي والأمن الإقليمي ضرورة استراتيجية لا يمكن تجاهلها في ظل التحديات الجيوسياسية التي تواجه العالم العربي. على أن هذه التكاملية يجب أن تكون مشروطة بالاستقلالية الوطنية، وألا تتحوّل إلى غطاء للتبعية أو لتدخلات خارجية تُقوّض السيادة. وألا يُختزل في تحالفات ظرفية تخدم مصالح غير عربية. واستناداً إلى هذا المفهوم يجب التشديد على أن أي مشروع للأمن العربي يجب أن ينطلق أولاً من وحدة القرار الوطني، ومن رؤية قومية تُحصّن الداخل قبل أن تنفتح على الخارج. وإن يقوم التكامل الأمني مع دول الإقليم الجغرافي على الاستقلال، والندية، والتعاون القومي، ويجب الحذر من تحويل الأمن الإقليمي إلى أداة اختراق سياسي أو طائفي، تُعيد إنتاج الانقسام بدلًا من مواجهته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب