تحقيقات وتقارير

الجولان المحتل: الهوية الوطنية السورية بين التآكل الطائفي وأطماع إسرائيل

الجولان المحتل: الهوية الوطنية السورية بين التآكل الطائفي وأطماع إسرائيل

ألقت الأزمة السورية المستمرة منذ 14 عامًا، بتداعياتها سلبًا على النسيج الاجتماعي والتماسك الوطني، في ظل تصاعد التحديات بفعل أحداث السويداء، والعدوان الإسرائيلي، والتدخلات الإقليمية والدولية.

تأثّر الجولان العربي السوري المحتل بتداعيات الأزمة السورية الممتدة منذ أكثر من أربعة عشر عامًا، حيث ألقت بظلالها على النسيج الاجتماعي والوطني للأهالي، وفرضت على مسيرتهم الوطنية تحديات كبيرة، ازدادت حدّتها مع أحداث السويداء الدامية، والعدوان الإسرائيلي، والتدخلات الإقليمية والدولية.

يتميز الجولان المحتل بخصوصية نابعة من جغرافيته وعدد سكانه القليل، حيث لا يتجاوز 27 ألف نسمة موزعين على خمس قرى: مجدل شمس، بقعاثا، مسعدة، عين قنية، والغجر، إذ بلغ عدد سكان هذه القرى قبل حرب 1967 نحو 8322 نسمة.

مجدل شمس كبرى قرى الجولان المحتلة الأقرب جغرافيا للوطن الأم سورية

سقوط نظام بشار الأسد، وترك سورية معرّضة “للغرق في الفوضى”، مع تدخلات إقليمية ودولية على المشهد، وتولي النظام الجديد برئاسة أحمد الشرع زمام السلطة، دون أن يقدم رؤى ديمقراطية واضحة، ساهم في ارتفاع نزعات طائفية ومناطقية.

يرى ناشطون في الجولان المحتل أن الأزمة السورية الحالية لا تقتصر على الصراع السياسي والعسكري، بل تهدد الهوية الوطنية السورية، وتربك الروابط المجتمعية، خاصة في حال اشتد تنامي النزعات الطائفية والمناطقية في أنحاء سورية.

في هذا السياق، يشير ناشطون في الجولان المحتل التقاهم “عرب 48“، إلى أهمية ما يصفونه بـ”إعادة استنهاض الوعي الجمعي” في أوساط الأهالي، وتعزيز مفهوم الانتماء للشعب السوري، والولاء للدولة السورية، والحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة، خصوصا بين الجيل الجديد الذي يواجه أسئلة حول الوطن والانتماء في ظل الاحتلال والأحداث الإقليمية.

قرى الجولان المحتل تعاني الحصار ومنع التمدد والتوسع على أراضيها

يؤكد الخبراء أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل هذه الانقسامات لتعزيز مصالحه، سواء عبر محاولات “الأسرلة”، أو التدخل المباشر في مناطق النزاع، مستهدفا إرباك النسيج الوطني السوري، وخلق وقائع جديدة على الأرض، في حين يمثل تمسك أهالي الجولان بالأرض والهوية الوطنية صمام أمان لمواجهة هذه المشاريع.

تجمع هذه الرؤى على أن “الصمود في الجولان ليس مجرد شعار، بل فعل يومي يقوم على حماية الأرض، وتعزيز الانتماء الوطني، بحيث يبقى مصير الجولان مرتبطا بشكل وثيق باستقرار سورية ووحدة أراضيها، وفي الوقت ذاته يعكس قدرة الأهالي على مواجهة التحديات والتشبث بحقهم في الحرية والتحرر”.

الجولان في قلب العاصفة

يرى الناشط السياسي والاجتماعي، سلمان فخر الدين، أن “سورية التي يعرفها السوريون قبل عقود لم تعد كما كانت، فقد أنهكتها أربعة عشر عاما من الحرب المدمرة، وتركت الوطن جريحا، والشعب ممزقا بين القتل والتهجير والنجاة من الموت بأي ثمن”.

اكتظاظ سكاني خانق في مجدل شمس وسط شح الأراضي المعدة للبناء

ويقول إن رأس النظام السابق بشار الأسد “هرب في النهاية، تاركا سورية تنزف، بينما تحوّلت البلاد إلى ساحة مفتوحة لتدخلات إقليمية ودولية، استُخدم فيها الشعب وقودا لصراعات الآخرين”.

الأزمة الطويلة، بحسب فخر الدين، لم تكن مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل فتكت بالنسيج الاجتماعي والاقتصادي والقيمي، فحين يصبح البقاء على قيد الحياة هو الهدف الوحيد، تتحول المجتمعات إلى “غابة”، تنهار فيها القيم الأخلاقية والوطنية، وتتراجع روح الانتماء لصالح الطوائف والعشائر والهويات الضيقة.

سلمان فخر الدين من شباك منزله يطل على الجزء الآخر من الوطن الأم: سورية تتآكل بين الطائفية والتفكك

الجولان مرآة سورية المنهكة

أبناء الجولان المحتل، يقول فخر الدين، “شأنهم شأن بقية السوريين”، تأثروا عميقا بتداعيات الحرب وتبدلات المشهد في عهد الشرع؛ “فبدلا من تعزيز الهوية الوطنية الجامعة، تسود حالة من الإحباط والانكفاء نحو الطائفية، خاصة في السويداء، وسط أخطار تهدد حياة الناس ووجودهم”.

ويضيف فخر الدين أن إسرائيل بدورها تستغل هذا الوضع، وتغذي الانقسامات الطائفية في سورية، وتواصل اعتداءاتها على الأراضي السورية، حتى أنها تهدد بنقل “نموذج غزة” إلى الداخل السوري.

وفي ظل هذا المشهد، فإن “أي قبول من النظام الجديد بحوار أو تسويات مع إسرائيل”، كما يشير فخر الدين، “زاد من خيبة أمل السوريين الذين يرون أن أي تقارب مع تل أبيب سيترك جرحا عميقا”.

العلم الإسرائيلي يرفع على أسقف المباني العامة والمؤسسات الحكومية للاحتلال في الجولان

مستقبل غامض ومخاوف التقسيم

يتحدث فخر الدين بمرارة عن “الحاضر التعيس” الذي يعيشه السوريون، سواء في الجولان أو الداخل، “حيث بات من الصعب الحديث عن قيم سياسية ووطنية وسط ضغوط اقتصادية وسياسية خانقة، وتراجع في الانتماء الوطني”.

وعلى الرغم من ذلك، يؤكد أن “المستقبل الوحيد الممكن لسورية يجب أن يكون عبر وحدة الأرض والشعب والتحول الديمقراطي”، محذرا في الوقت نفسه من “البذور العلنية للتقسيم التي تتكشف ملامحها في الأقاليم الطائفية والمناطق الكردية والساحل، في ظل الأطماع الإسرائيلية في جبل الشيخ والمناطق الحدودية مع الأردن والعراق”.

مجلس محلي مجدل شمس الذي شيدته وزارة الداخلية الإسرائيلية

في قراءة موقفه، يظهر أن فخر الدين لا ينطلق فقط من تجربة شخصية في الجولان المحتل، بل يعكس حالة عامة حيث “القيم السياسية والأخلاقية تنهار في مواجهة الواقع الوحشي، سواء بفعل آلة الحرب الداخلية أو التدخلات الإسرائيلية والإقليمية”.

ورغم قتامة المشهد، يتمسك بدعوة مركزية: “التشبث بالهوية الوطنية السورية الجامعة كطوق نجاة، للحفاظ على ما تبقى من وجود وإنسانية في مواجهة التفكك والتوحش”.

يرى فخر الدين أن الحديث عن “أسرلة أهالي الجولان” المحتل ليس توصيفا واقعيا. فإسرائيل، كما يوضح، لا تسعى إلى دمج سكان الجولان أو غيرهم من “الأغيار” داخل نسيجها، بل تعمل على الحفاظ على نقاء الهوية اليهودية.

تماثيل مجدل شمس تحتفي بتاريخ الثوار، تمثال أسعد كنج أبو صالح ورفاقه أقيم في تسعينيات القرن الماضي تخليدا لذكرى قائد الثورة السورية (1925) ضد المستعمر الفرنسي في الجولان

ويؤكد فخر الدين أن إسرائيل تستغل ذرائع “حماية الدروز والأقليات” للتدخل في سورية، بل ولشن هجمات على السويداء، ما يمكنها من توسيع سيطرتها على الأراضي السورية، “حتى باتت تهيمن على ربع مساحة الجنوب السوري”. في نظره، هذه السياسات تهدف إلى “إسكات الأصوات المناهضة لها وفرض وقائع جديدة على الأرض”.

الأرض… مفتاح الصمود

على الرغم من التحديات الوجودية، يطرح فخر الدين مقاربة ترتكز على التنمية والتمسك بالأرض. فهو يرى أن “تطوير الزراعة والحفاظ على الأرض يعنيان القيام بالواجب الأول تجاه الوطن والأجيال الصاعدة”.

ويضيف أن أهالي الجولان، منذ احتلال أرضهم عام 1967، “أثبتوا قدرتهم على مواجهة مشاريع إسرائيل، فبقوا متمسكين بكرامتهم وانتمائهم، ورفضوا السقوط طوعا أمام الإغراءات أو الضغوط، حتى في أصعب الظروف”، ويشدد هنا على أن “الصمود ليس شعارا سياسيا فقط، بل فعل يومي يقوم على التمسك بالأرض واحترام الذات والهوية، ورفض الانصهار القسري في المشروع الإسرائيلي”.

في دوار النافورة بمجدل شمس، تم تدشين نصب تذكاري لتخليد ذكرى الأطفال الـ12 الذين استشهدوا جراء سقوط صاروخ على البلدة، خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان

بهذا الطرح، يميز فخر الدين بين “الهوية السورية الممزقة تحت الحرب”، وبين “تماسك أهالي الجولان الذين ما زالوا، رغم كل الضغوط، يضعون الانتماء والكرامة فوق كل اعتبار”.

المرحلة الراهنة تفرض على الأهالي استخلاص العبر

قدم رئيس جمعية الجولان للتنمية، د. يوسف أبو صالح، قراءة معمقة لواقع الجولان المحتل وصلته المباشرة بما يجري في سورية والمنطقة، مؤكدا أن المرحلة الراهنة تفرض على الأهالي “استخلاص العبر ومضاعفة الجهد الوطني والاجتماعي والسياسي، في مواجهة أطماع الاحتلال الإسرائيلي”.

رئيس جمعية الجولان للتنمية، د. يوسف أبو صالح: حاجة لتعزيز المجتمع المدني والتمسك بالأرض

يرى أبو صالح أن “ما نشهده اليوم من تحولات في سورية، وكذلك في بلدات الجولان، ليس وليد اللحظة، بل نتيجة مسار تراكمي امتد لعقود طويلة تأثر فيه المجتمع المحلي بالداخل السوري وبالمحيط الإقليمي”.

وعلى الرغم من شح الإمكانيات وغياب الأطر التنظيمية المستدامة أثبتت الناس في الجولان قدرتها على الصمود في وجه الاحتلال، إذ قاومت بقوة وعزيمة، معتمدة على الأرض والزراعة كركيزة للثبات وتعزيز الهوية الوطنية.

ويشير إلى أن “غياب الاستقرار السياسي في سورية، يلقى بظلاله على الجولان، ويبقي على العمل النضالي تحت الاحتلال عرضة للقمع”، لافتا إلى “محطات مفصلية في مسيرة الصمود، أبرزها الإضراب العام عام 1982، الذي استمر ستة أشهر رفضا للجنسية الإسرائيلية ولقانون ضم الهضبة، وكان منطلقا لتأسيس أطر وجمعيات محلية لعبت دورا محوريا في تعزيز التماسك المجتمعي، مستندة إلى التمويل الداخلي ورفض المساعدات الخارجية”، وهو ما اعتبره أبو صالح أحد أسرار نجاح التجربة الجولانية.

أطماع إسرائيلية في المياه الجوفية ومنابع المياه قلب الأراضي الزراعية لأهالي الجولان المحتل

ويرى أن التحديات الراهنة “أكبر من أي وقت مضى، خصوصا مع ما تشهده سورية من فوضى سياسية واجتماعية”، انعكست سلبا على الجولان، “حيث طغت الفردانية على حساب روح الجماعة، وبرزت نزعات أنانية تهدد القيم العامة ووحدة المجتمع”.

لذلك، يدعو أبو صالح إلى “إعادة تمتين المجتمع السوري في الجولان المحتل على أسس قيمية وسياسية تعزز الهوية الوطنية الجامعة، وتحول دون تفكك النسيج الاجتماعي”.

مقومات الصمود والاستمرارية

وعلى الرغم من “سوداوية المشهد”، يؤكد أن الجولانيين “يملكون مقومات الصمود والاستمرارية، نظرا إلى تاريخهم النضالي المتجذر، ولأن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، القمعية والجشعة، لا تترك للأهالي خيارا سوى المقاومة والتشبث بالأرض”.

ويعتبر أن تمسك المزارعين بأرضهم “كان وما يزال صمام الأمان لبقاء المجتمع الجولاني صامدا في وجه مشاريع المصادرة”، ومنها “مشروع المراوح” الأخير الذي يعكس أطماع الاحتلال.

إعادة بناء الجدار الأمني الفاصل عند خط وقف إطلاق النار في الأراضي الزراعية بالجولان المحتل

وبحسب قراءته، فإن مستقبل الجولان لا ينفصل عن مستقبل سورية والمنطقة، إذ إن استقرار سورية يمثل حجر الزاوية لاستقرار الإقليم بأسره، ومن دون ذلك ستبقى المنطقة رهينة للفوضى والصراعات.

وعلى الرغم من كل الأزمات، يعرب أبو صالح عن تفاؤله بالمستقبل، مؤكدا أن أهالي الجولان “لا يمكن أن يفقدوا البوصلة”، وأنهم سيواصلون الحفاظ على “خصوصيتهم الوطنية بدافع ذاتي وبفعل سياسات الاحتلال” التي تدفعهم دوما إلى المقاومة والتمسك بحقهم في التحرر.

ما يجري في الوطن الأم ألقى بظلال ثقيلة على المجتمع الجولاني

بدوره، يقدم، مدير المرصد – المركز العربي لحقوق الإنسان في الجولان، د. نزار أيوب، وهو باحث مختص في القانون الدولي، قراءة نقدية معمقة لواقع الجولان المحتل وصلته بالأحداث في سورية.

برأيه، فإن “ما يجري في الوطن الأم ألقى بظلال ثقيلة على المجتمع الجولاني، سواء عبر الانقسامات الداخلية أو من خلال المواقف المتباينة تجاه النظام الجديد، مع وجود إجماع عام على رفض ما تتعرض له سورية من استهداف يطاول الشعب بأسره، وقناعة راسخة بأن لإسرائيل دورا مباشرا فيما يحدث”.

الجدار الأمني متاخم للأحياء السكنية ولمنازل بلدة مجدل شمس

يوضح أيوب أن الجولان، “رغم مساحته الصغيرة وخصوصيته الديموغرافية كأقلية مذهبية، ظل عبر عقود مرآة تعكس المشهد السوري العام. فمنذ عهد البعث والتيار الناصري والحركة الوطنية، حافظ أهالي الجولان على تماسكهم وهويتهم الوطنية، رافضين محاولات الأسرلة والتجهيل”.

وعلى الرغم من الضغوط والمخططات الإسرائيلية، “ظل الإجماع الجولاني ثابتا: نحن عرب سوريون”، سواء أكانوا مؤيدين للنظام أم معارضين له.

الدولة السورية وقعت في فخ إسرائيلي

المشهد تعقد مع سقوط نظام الأسد وصعود النظام الجديد برئاسة أحمد الشرع، الذي، بحسب أيوب، “ارتكب سلسلة أخطاء إستراتيجية”.

“تل الصيحات” أو “تل الصراخ” المنطقة التي يتبادل فيها أهالي الجولان الحديث عبر مكبرات الصوت مع أقربائهم في سورية

واستعرض أيوب أبرز هذه الأخطاء التي تلخصت بـ”التعامل مع مؤسسات الدولة كحزب أو أقلية طائفية”، و”التورط في لقاءات مشبوهة مثل اجتماع باكو مع الإسرائيليين، ما حفز بعض الأقليات إلى المطالبة بالانسلاخ عن الدولة”.

كما أن سماح الشرع، بحسب أيوب، لوفود دينية درزية بزيارة إسرائيل “بعث برسائل خاطئة، وألحق الضرر المباشر بأبناء الطائفة في الجولان وسورية على حد سواء”.

يرى أيوب أن الدولة السورية “وقعت في فخ إسرائيلي”، وأن هذا الفخ يهدد بتكرار تجربة “جيش لحد” في جنوبي لبنان، لكن هذه المرة في جنوبي سورية.

ويشير إلى أن إسرائيل “ليست حامية للأقليات كما تدعي، بل دولة مصالح براغماتية، تستخدم الأقليات كورقة ضغط ثم تتخلى عنها بمجرد تحقيق أهدافها”.

من هنا، يحمل أيوب الدولة السورية “المسؤولية الأساسية في احتواء الأزمات الداخلية ومعالجة المخاوف الشعبية. فبناء مؤسسات ديمقراطية، وضمان الحقوق الجماعية والفردية، وصون الكرامة، وتعزيز التعددية والحريات، كلها خطوات ضرورية للحفاظ على وحدة الدولة السورية واستقرارها”.

وبرأيه، فإن “الكرة اليوم في ملعب النظام السوري، المطالب باستعادة ثقة مواطنيه ومنع الانزلاق نحو مشاريع إسرائيلية تستهدف تمزيق النسيج الوطني”.

مدير المرصد – المركز العربي لحقوق الإنسان في الجولان، د. نزار أيوب: مسؤولية الدولة بناء مؤسسات ديمقراطية جامعة

وفي النهاية، يؤكد أيوب أن أهالي الجولان، “الذين صمدوا لعقود في مواجهة الاحتلال، ما زالوا متمسكين بعروبتهم وهويتهم الوطنية السورية، وينتظرون لحظة التحرر وعودة الراية السورية إلى كامل الأرض المحتلة”.

الوقوف عند التاريخ والتجربة الوطنية للجولان

وقدّم الفنان التشكيلي والناشط الثقافي، وائل طربيه، قراءة تحليلية دقيقة لما يحدث في السويداء عبر رصد الواقع الجولاني والحالة السورية ككل، مؤكدا أن فهم الأحداث الراهنة يستلزم الوقوف عند التاريخ والتجربة الوطنية للجولان.

يشير طربيه إلى أن “المرحلة الحالية أسوأ من مجرد حالة ضياع، بل تمثل إفلاسا للحركة الوطنية” بالجولان المحتل، إذ “أنجر الكثيرون لطائفية مقيتة، متجاهلين المحطات الوطنية للجولانيين بعد الاحتلال الإسرائيلي للجولان الذي شهد أكبر تطهير عرقي”.

ويضيف أن إسرائيل “استغلت الانقسامات الطائفية، والأقلية الدرزية، لتطبيق مخططها التقسيمي في سورية تحت ذريعة حماية الأقليات”، مستهدفة منابع المياه في منطقة حوران و”السعي، مجددا، لإنشاء دولة للدروز تمتد بين فلسطين ولبنان وسورية” بما يخدم مصالحها.

ويرى طربيه أن أهالي الجولان، “منذ بداية الاحتلال، تصدوا لهذه المخططات عبر تأسيس خط وطني سوري والتواصل مع الفصائل الفلسطينية والأسرى في السجون الإسرائيلية، رافضين أي محاولة لإخضاعهم عبر الانتعاش الاقتصادي المقدم من الاحتلال، ما تجلى في انتفاضة الهوية والإضراب الكبير في الثمانينيات، الذي أعاد صياغة الهوية الوطنية للجولانيين بعيدا عن الانتماءات الدينية والطائفية، مؤسسا لبوصلة النضال والمقاومة”.

الأحداث في السويداء جزء من لعبة أكبر للتقسيم والسيطرة

يقول طربيه إنه “اصطدم هذا المشروع الوطني للأهالي بظهور شرخ داخلي خلال الثورة السورية عام 2011، ما استغله الاحتلال الإسرائيلي لتعزيز مخططاته وشراء ولاءات محلية”.

ويؤكد أن ما شهدته السويداء “ليس حدثا عفويا، بل نتيجة تراكمية لمخططات مدروسة خرجت إلى العلن في شكل خطاب تحريضي يرفض الحوار السياسي، ويستغل المساعدات والزيارات الدينية كأدوات ابتزاز وتأجيج، رغم مسؤولية الحكومة السورية في دمشق بعدم تدارك الموقف ومنع التصعيد”.

الفنان التشكيلي والناشط الثقافي وائل طربيه: السويداء في قلب مخطط التقسيم الإسرائيلي

خلاصة القراءة التحليلية لطربيه: “الأحداث في السويداء، والتي هي جزء من لعبة أكبر للتقسيم والسيطرة، أثرت على الجولان المحتل، وهو الذي يشكل نموذجا تاريخيا للصمود الوطني”.

وشدد هنا على أن “الحفاظ على الهوية الوطنية في أوساط الجولانيين، وتمتين الوعي الجماعي بالهوية، يبقى الخط الدفاعي الأول أمام محاولات الاحتلال الإسرائيلي لزعزعة الاستقرار المجتمعي” بالجولان المحتل.

تحديات المرحلة الراهنة وضرورة إعادة البناء الوطني

يصف مدير جمعية الجولان لتنمية القرى العربية، د. ثائر أبو صالح، الوضع الحالي في هضبة الجولان بأنه “مرحلة صعبة للغاية، ربما الأصعب منذ الاحتلال، حيث يعيش الأهالي أزمة قيمية وفكرية عميقة”.

ويشير أبو صالح إلى أن “الانهيار الذي شهده المجتمع السوري بعد سقوط نظام الأسد كشف هشاشة البنية الوطنية، إذ تبين أن الشعب السوري لم يكن متماسكا كما يجب، وأن الطوائف كانت أقوى من الانتماء الوطني الجامع”.

ويضيف أبو صالح أن الأحداث الأخيرة “أكدت الحاجة الملحة لإعادة بناء الوعي الجمعي، وإعادة صياغة مفهوم الدولة بعيدا عن الانقسامات الطائفية والدينية، بحيث يكون الدين مقصورا على علاقة الإنسان بخالقه، وليس أداة لتقسيم المجتمع”.

ويرى أن “الهدم الشامل للبنية الوطنية القديمة قد يكون ضروريا لإعادة البناء من جديد، لضمان استقرار الجيل الجديد وتوجيهه نحو قيم وطنية سليمة”.

ويعبّر أبو صالح عن قلقه على الجيل الجديد في الجولان المحتل، مشيرا إلى تساؤلاتهم حول مفهوم الوطن في ظل الأحداث الجارية.

ويؤكد أن “القيم الوطنية التي تربى عليها هذا الجيل باتت مفقودة أمام الوقائع على الأرض، ما يجعل مهمة تثبيت الهوية الوطنية أصعب، لكنها ليست مستحيلة بالوعي والصبر”.

تأثير أحداث السويداء على أهالي الجولان

ويستعرض أبو صالح تأثير أحداث السويداء على أهالي الجولان، “حيث أدى القتل المنهجي وتعزيز الحس الطائفي إلى فقدان البوصلة، رغم إدراك الأهالي أن هذه الأحداث جزء من مخطط إسرائيلي لاستغلال الانقسامات الداخلية”.

مدير جمعية الجولان لتنمية القرى العربية، د. ثائر أبو صالح: انهيار القيم الوطنية وأخطار فقدان البوصلة

ويشير إلى أن السويداء، “رغم دعمها للثورة السورية، ورفضها إرسال أبنائها للجيش النظامي، عانت من خذلان كبير على مستوى القيادة والشعب، ما ترك جروحا عميقة في نسيج المجتمع”.

ويحلل أبو صالح الأبعاد السياسية لهذه الأحداث، مشيرا إلى أن تدخل إسرائيل المباشر عبر قصف مبنى هيئة الأركان في دمشق “أضعف التيار الوطني الذي يسعى لحلول ضمن وحدة الأراضي السورية، وعزز نفوذ التيارات الطائفية”، وأعتبر أن القيادة السورية الجديدة “لم تستطع حماية المجتمع المحلي من الانزلاقات الطائفية”.

ويختتم أبو صالح حديثه بالتأكيد على أن “التحديات الراهنة تتطلب وعيا جماعيا وحفاظا على الهوية الوطنية”، وأن “الحل الأمثل يكمن في استقرار سورية ومعالجة أزمة السويداء، لأن أي تأثير على أهالي الجولان سيكون مرتبطا مباشرة بكيفية إدارة هذه الملفات الوطنية الكبرى، كما أن الصبر والوعي الوطني يمثلان السبيل لتجاوز هذه المرحلة الصعبة، مع الحفاظ على قيم الجولان وهويته الوطنية”.

سورية لا يمكن أن تحكم بعقلية الإقصاء والتفرد

أكد الأسير المحرر، عصام الصفدي، أن أهالي الجولان “لا يمكنهم التخلي عن عروبتهم أو الانفصال عن وطنهم الأم سورية مهما كانت الظروف”، مشددا على أن “واقع الجولان كأرض محتلة لم يغير من نهجهم العروبي ولا من تمسكهم بهويتهم الوطنية”.

وأشار الصفدي إلى أن “النظام الجديد في دمشق، برئاسة أحمد الشرع، إذا استمر بذات العقلية والسلوكيات الحالية، فلن يكون قادرا على الاستمرار طويلا”، مؤكدا أن سورية “لا يمكن أن تحكم بعقلية الإقصاء والتفرد، وما وقع في السويداء من أحداث دامية وغدر يستوجب من النظام مراجعة توجهاته وتصحيح مساره”.

ووصف الصفدي رفع العلم الإسرائيلي في السويداء بأنه “نقطة سوداء في تاريخ جبل العرب الذي ارتبط دوما بتاريخ سلطان باشا الأطرش ورموز الثورة السورية الكبرى”. وأكد أن السويداء “لا يمكن أن تكون إلا جزءا من سورية الموحدة والشعب السوري الواحد”.

الأسير المحرر عصام الصفدي: رفع العلم الإسرائيلي في السويداء نقطة سوداء

وشدد على أن ما يجري من محاولات لتقسيم سورية وإقامة “دولة درزية” تحت ذريعة حماية الأقليات هو “مشروع إسرائيلي قديم متجدد، رفض في الماضي من قبل الوطنيين، ويرفضه الجولان اليوم بكل وضوح”.

الدروز جزء أصيل من الأمة العربية والإسلامية

واعتبر الصفدي أن ما يجري في السويداء “يترك أثره على الجولان، لكن الأنظمة زائلة بينما الشعوب باقية، وأهل الجولان جزء لا يتجزأ من الشعب السوري”.

كما حمّل الصفدي النظام الجديد “جزءا من المسؤولية عما يحدث”، مشددا على رفض مسوغات وتبريرات “الاستعانة بإسرائيل أو رفع علمها”.

وبخصوص “واقع الحال الراهن في المجتمع الجولاني” أضاف أن المشروع الإسرائيلي “لن يتمدد في الجولان، فالتوجه الوطني العام للأهالي لم يتغير رغم الجراح والمجازر، والبوصلة ستظل موجهة نحو سورية”.

تعزيز الصمود بالجولان عبر التمسك بالزراعة والتجذر بالأراض والعيش من ثمارها وحصادها

وختم الصفدي بالتأكيد على أن “من تحالف مع إسرائيل وقع في فخ خطير تحت شعار حماية الأقليات، بينما المطلوب، بدلاً من الاستقواء بالاحتلال الإسرائيلي، هو نضال وطني سوري وحدوي وشامل، يجبر النظام الجديد على تصحيح سلوكه والاستجابة لتطلعات الشعب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب