لوموند: الدبلوماسية الدولية تتحرّك لتثبيت الخطة الأمريكية بعد الاتفاق بين إسرائيل وحماس

لوموند: الدبلوماسية الدولية تتحرّك لتثبيت الخطة الأمريكية بعد الاتفاق بين إسرائيل وحماس
باريس-
قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن تركيا قد تلعب دورًا رئيسيًا في قوة الاستقرار التي ستتولى نزع سلاح الحركة الفلسطينية، فيما عقدت فرنسا في باريس مؤتمرًا حول “اليوم التالي”.
وأشارت إلى الضغط الأمريكي على بنيامين نتنياهو لتطبيق إرادة دونالد ترامب من خلال إقرار اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل له في منجع شرم الشيخ بمصر. وأن مبعوث الرئيس ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر، قد حضرا اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي، الذي انتهى بالموافقة على الخطة في وقت متأخر من ليلة الخميس إلى الجمعة.
وأكدت أن الأمريكيين قد تدخلوا بالفعل في المفاوضات في مصر لإقناع إسرائيل بالتوقيع على النص، بعد يومين من المراوغات غير المثمرة.أنه منذ يوم الاثنين، تناوب المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون، دون أن يلتقوا وجهًا لوجه، في مكتب واسع يتوسطه وسطاء مصريون وقطريون وأتراك. ووفق الصحيفة فلإثبات حسن نيتها، بدأت حماس منذ يوم الثلاثاء بجمع جثامين الرهائن الذين قُتلوا في قطاع غزة. ومع ذلك، لم يكن الطرفان يتفقان على شيء تقريبًا، وفقًا لمصدر قريب من المفاوضات، الذي خشي آنذاك من عدم التوصل إلى اتفاق قبل يوم الأحد.
وفي يوم الأربعاء، وصل ويتكوف وكوشنر إلى مصر، برفقة كبار الوسطاء، ومنهم رئيس الوزراء القطري ورئيس الاستخبارات التركية. ركز الأمريكيون على الممثل الإسرائيلي رون ديرمر، أحد أقرب المقربين من نتنياهو، والذي ساهم في إفشال اتفاق وقف إطلاق النار السابق في يناير وقطع التواصل مع الوسيط القطري. وقال الباحث الإسرائيلي غرشون باسكين، الذي أدار حوارًا غير رسمي مع حماس والإدارة الأمريكية منذ عام 2024 : “إدخال كوشنر في المرحلة النهائية من المفاوضات كان خطوة ذكية لتحييد دور ديرمر الذي كان يسعى لعرقلة أي فرصة لإنهاء الحرب”.
المنهج الأمريكي
ووفق التقرير فقد انتهى الأمر خلال بضع ساعات مساء الأربعاء، وقد تخلت حماس عن ربط إطلاق سراح آخر رهائنه بانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع. وكان من المقرر أن تبدأ العمليتان يوم السبت وتنتهيا خلال ثلاثة أيام. عند هذه النقطة، كان الجيش الإسرائيلي قد انسحب إلى “الخط الأصفر”، الذي حددته واشنطن وتل أبيب في سبتمبر، والذي يتيح لإسرائيل السيطرة على نصف غزة، بما في ذلك الحدود المصرية. وطُلب من حماس ألا تحتفل بخروج الرهائن، في حين وافقت إسرائيل على تسلم جثث القتلى منهم في نهاية الأيام الثلاثة. وبحي التقرير فقد رأت حماس في ذلك ضمانة لوصول المساعدات الإنسانية، التي غابت خلال الهدنة السابقة.
الحصول على “نعم” أولًا ثم تسوية التفاصيل لاحقاً كانت هذه هي الطريقة الأمريكية. فقد حدد المفاوضون، مساء الأربعاء، الخطوط العريضة لقائمة الأسرى الفلسطينيين الذين ستفرج عنهم إسرائيل. وبقيت الأسماء قيد النقاش يوم الخميس، لكن المبدأ أُقر: لم يُمارس أي ضغط دولي للإفراج عن زعيم فتح مروان البرغوثي، الشخصية الجامعة للفلسطينيين. وقال مصدر آخر قريب من المفاوضات: “كان يمكن توقيع هذا الاتفاق قبل فترة طويلة، فقد وافق حماس على الجوهر منذ يناير، لكن كان يجب ممارسة الضغط نفسه على الإسرائيليين”.
وأكدت أن تلك الغارات قد دمرت الثقة لدى حماس، التي اعتقدت أن ترامب وافق عليها. لكن هذه الثقة، وفقها، أعيد بناؤها عندما أجبر الرئيس الأمريكي نتنياهو على تقديم اعتذار علني لأمير قطر. وقالت المصادر المقربة من المفاوضات: “بمجرد أن يضع ترامب خطًا أحمر علنيًا، يصبح من الصعب تجاوزه”.
التخلي عن الأسلحة الثقيلة
وبحسب الصحيفة فبالنسبة للرئيس الأمريكي، لم يكن ما تم التوصل إليه مجرد وقف لإطلاق النار في مصر: “لقد أنهينا الحرب في غزة، وفعليًا، على نطاق أوسع، صنعنا السلام. أعتقد أنه سيكون سلامًا دائمًا، سلامًا أبديًا”، قال يوم الخميس. وبعد مغادرته المفاوضات، قال كبير مفاوضي حماس، خليل الحية، إن واشنطن والوسطاء أكدوا له أن “الحرب انتهت تمامًا”، صحيفة لوموند.
تبقى المرحلة الثانية من المفاوضات لتحديد نزع سلاح حماس، حيث يُعرض على ضباطها عفو إذا غادروا القطاع. كما يجب تحديد انسحاب الجيش الإسرائيلي، بالتوازي مع إنشاء إدارة فلسطينية غير سياسية في غزة. وبحسب الصحيفة قال مصدر مطلع: “الخوف الرئيسي لدى حماس هو أن تسلم أسلحتها ثم تستأنف إسرائيل الحرب وترتكب مجزرة. ويبدو أن الحركة مستعدة للتخلي عن أسلحتها الثقيلة، لكنها تريد تسليمها رمزيًا لإدارة فلسطينية، التي قد يتأخر تشكيلها، وكذلك انسحاب إسرائيل”.
ولسد هذه الفجوة، تنص خطة ترامب على تشكيل قوة استقرار دولية يمكن أن تلعب تركيا فيها دورًا رئيسيًا.. وقد أعرب الرئيس أردوغان، يوم الخميس، عن رغبته في المشاركة وإرسال قوات. وقد تم قبول أنقرة كوسيط في شرم الشيخ، وأصبحت بذلك ضامنة للاتفاق. وبحسب لوموند يقال إنها ضغطت بالفعل على حماس في الأسابيع الأخيرة، مطالبة قادة مكتبها السياسي بمغادرة إسطنبول.
وذكرت أنه في غزة، قد يكون للجنود الأتراك دور حاسم في إقناع حماس بنزع سلاحها، “خصوصًا أن إنشاء قوة عربية يبدو صعبًا: لا أحد يريد أن يرى جنوده يحرسون الفلسطينيين من نيران الجيش الإسرائيلي”، بحسب المصدر نفسه. وإلى جانب إندونيسيا، قد ترسل أذربيجان أيضًا قوات، وفقًا لمعلومات الصحيفة.
أي مسار للدولة الفلسطينية
ويذكر التقرير فبعد ساعات قليلة من إعلان “الاتفاق” يوم الخميس، انضم ممثلو ثلاث دول وسيطة إلى وزارة الخارجية الفرنسية في باريس، في اجتماع نظمّه إيمانويل ماكرون لمناقشة “اليوم التالي”، بمشاركة عدد من المسؤولين العرب والأوروبيين. وأُبلغت إسرائيل بالاجتماع لكنها لم تُدعَ إليه. وقال دبلوماسي إسرائيلي: “هناك خطة ترامب، وهذه ليست خطة فرنسا. فرنسا تخلق واقعًا بديلاً”. وقد انسحب وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، في اللحظة الأخيرة، تتابع صحيفة لوموند.
وأكد الرئيس الفرنسي أن مبادرته “تكمّل” خطة ترامب، التي أشاد بها جميع الحاضرين، مشيدين بدور الرئيس الأمريكي، الذي قد يزور الأسبوع المقبل إسرائيل ومصر. لكن فرنسا وشركاءها يعملون في الكواليس على سد الثغرات في الخطة الأمريكية، لمنع إسرائيل من استغلالها لتقويض المفاوضات وعرقلة أي مسار نحو إنشاء دولة فلسطينية. وقال ماكرون: “يجب ألا تبقى وحدة غزة والضفة الغربية أفقًا غامضًا”. وشددت الوفود على أهمية منح قوة الاستقرار تفويضًا من مجلس الأمن الدولي.
وتواصلًا لهذا المسار، تخطط مصر لعقد اجتماع للمانحين الدوليين في القاهرة بمجرد استقرار وقف إطلاق النار. وقد عرضت خطة لإعادة إعمار غزة في ربيع 2025، بعد أن اقترح ترامب بناء “ريفييرا الشرق الأوسط” هناك، مقابل احتمال تهجير السكان. وقد تبنت الجامعة العربية هذه الخطة في مارس 2025، لكن إسرائيل رفضتها رفضًا قاطعًا. وتخشى مصر، التي شاركت طويلاً في إدارة الحصار على غزة عبر حدودها، أن تُجبر على تحمل مسؤوليات متزايدة إذا استمرت حالة “اللا حرب واللا سلم”.
وقال الدبلوماسي المصري المتقاعد أيمن زين الدين، المساهم في مجلة The Cairo Review of Global Affairs “لا ترغب القاهرة في إدارة الوضع الأمني في غزة كوسيلة لحماية إسرائيل، التي ستكون سعيدة برؤية مصر تقوم بدور الشرطي وتحمل مسؤولية أي مشاكل مستقبلية”. وكالأوروبيين، ترغب القاهرة في رؤية “إصلاح” للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس ومشاركتها في المرحلة المقبلة من المفاوضات.
“القدس العربي”: