عربي دولي

إيران تغيب عن «كرنفال» شرم الشيخ: «دبلوماسية المقاومة» حاضرة

إيران تغيب عن «كرنفال» شرم الشيخ: «دبلوماسية المقاومة» حاضرة

ترفض إيران المشاركة في قمّة شرم الشيخ، متمسّكة بـ«ديبلوماسية المقاومة» لتأكيد حضورها الإقليمي ورفض أيّ تسوية تُقصي محورها أو تُضعف موقعه.

طهران | عشيّة انعقاد «قمّة شرم الشيخ للسلام» في مصر، ومع دخول التهدئة في غزة حيّز التطبيق، بموجب الاتفاق الذي اختطّه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تكثّف الدول المنخرطة في هذه العملية الترويج لما تسمّيه مستقبلاً جديداً في غزة، وربّما في عموم الشرق الأوسط. إلا أنه من منظور المراقبين الإيرانيين، فإن أيّ محاولة لإرساء نظام إقليمي جديد، من دون الأخذ في الاعتبار دور المقاومة، ستكون منقوصة ومفتقرة إلى المصداقية؛ ومن هنا يُفهم إعلان طهران امتناعها عن المشاركة في تلك القمة.

فإذا كان هدف هذا المؤتمر، في الظاهر، هو «السلام وإعادة الإعمار»، فإن القضيّة، من وجهة النظر الإيرانية، تتخطّى بكثير مسألة إعادة الإعمار؛ ذلك أن القوى الإقليمية والدولية تبدو في صدد إعادة تعريف «الجغرافيا السياسية للمقاومة»، فيما تدرك إيران أن نتيجة هكذا مؤتمرات يمكن أن تؤدّي إلى تقويض موقع محور المقاومة، أو تثبيته، في السنوات المقبلة.

ومن هذا المنطلق، تكتسي التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أول من أمس، معنى واضحاً؛ إذ قال، في حوار تلفزيوني، إن بلاده ستردّ على أيّ تهديد أو هجوم «ردّاً مماثلاً وفوريّاً»، في نبرة حاسمة، هي في الظاهر ذات طابع عسكري، لكنها تستبطن في العمق، رسالة سياسية مفادها أن إيران لن تشارك في أيّ عملية سلام من موقع الضعف، بل لتثبيت موقعها كقوّة رادعة.

وفي الوقت ذاته، تدرك إيران أن استمرار التصعيد على جميع الجبهات، وبالتحديد بعد عودة العقوبات الأممية في أيلول الماضي، وما نتج منها من ضغوط اقتصادية متزايدة، يمكن أن يكلّفها كثيراً. ومن هنا، بدأ يتبلور داخل الدولة إجماع تدريجي حول ضرورة الموازنة بين المقاومة والدبلوماسية، أي إنه «لا مساومة ولا مواجهة كاملة». بعبارة أخرى، تريد إيران في موازاة الحفاظ على العلاقات التي تربطها بـ»حماس» و»حزب الله» وباقي مجموعات المقاومة، استخدام الوسائل الدبلوماسية لإدارة الأزمات المستقبلية.

تسعى إيران إلى تقديم نفسها كلاعب لا يمكن أن تتحقّق من دونه أيّ معادلة سلام في الشرق الأوسط

وفي الداخل الإيراني، تتّجه الأنظار نحو قمّة شرم الشيخ، التي يرى قطاع واسع من المحافظين أنها «فخ لاحتواء المقاومة»، معتبراً أن انخراط إيران في هكذا مسار أو حتى تأييده، يعني إضفاء الشرعية على الخطط الغربية. وفي المقابل، تعتبر التيارات الأكثر اعتدالاً وبعض الأوساط القريبة من حكومة مسعود بزشكيان، أن المشاركة الانتقائية والهادفة في اجتماعات من هذا النوع، يمكن أن تساعد في ترسيخ دور طهران في المعادلات الإقليمية، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن خطوطها الحمر.

وفي ظل هذه الأجواء، تبدو الجمهورية الإسلامية متّجهة نحو نوع من «الدبلوماسية المتعددة الطبقات»، بمعنى التحرّك بالتوازي في مسارَي المقاومة والحوار، إذ ستقوم إيران على الأرجح بتثبيت دورها على هامش القمّة عن طريق الدبلوماسية الخفيّة، والتواصل مع اللاعبين غير الغربيين، بمن فيهم روسيا والصين وقطر، من دون أن تشارك فيها مباشرة. وهذا التوجه، يتيح لها إمكانية تقديم نفسها كداعم للمقاومة من جهة، مع الإبقاء على طريق العودة إلى الصفقات الإقليمية مفتوحاً، من جهة أخرى.

وإذ ستدرج «مشاركتها الانتقائية» في إطار «دعم حقوق الفلسطينيين»، فهي ستسعى أيضاً إلى استخدام نفوذها لدى «حماس» للحصول على حصّة في عملية إعادة إعمار غزة، بما يمكن أن يضمن استمرار مشاركتها في هيكلية السلطة الجديدة في القطاع.

وعلى الصعيد الدولي، يمكن مشاركة إيران في هذه العملية، أن تُفسّر بأشكال متناقضة. فبالنسبة إلى بعض اللاعبين، من مثل مصر وقطر، ستعطي مشاركة طهران إشارة إلى ما يسمّونه «عودة العقلانية» إلى السياسة الإقليمية. أمّا بالنسبة إلى أميركا واسرائيل، فقد تُفسّر بمزيد من النفوذ الإيراني في الملف الفلسطيني.

وبشكل عام، تتعامل إيران مع قمّة شرم الشيخ بحذر، إذ هي في صدد استخدام الوسائل الدبلوماسية لمنع استبدال النظام القائم بنظام مناهض لها. وفي الوقت ذاته، تسعى إلى تقديم نفسها كلاعب لا يمكن أن تتحقّق من دونه أيّ معادلة استقرار في الشرق الأوسط.

الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب