«لد» فيلم يوقظ ماضي مدينة عربية عمّها الازدهار

«لد» فيلم يوقظ ماضي مدينة عربية عمّها الازدهار
زهرة مرعي
بيروت – «لد» إنها قصة مدينة كانت يوماً ما صلة الوصل بين فلسطين والعالم. إنه فيلم «لد» يفتح للمدينة وعنها سردية لم تمح يوماً. يعود إلى المدينة قبل النكبة، وما كان لها من الازدهار والعمران، اللذين تميزت بهما كمدينة متوسطية تاريخية. ثمّ تحلّ النكبة ومجازر الصهاينة التي شهد عليها جامع دغمش، الذي ما يزال قائماً. تهجّر كثير من أهلها وبقي آخرون. والمشروع الصهيوني المتنامي فصولاً يعمل بكل أدواته لتضييق الخناق على الأصلانيين الفلسطينيين. لكنهم يقاومون حتى بالدموع.
فيلم «لد» للمخرجين رامي يونس وسارة إما فريدلاند، يقول ما كانته اللد، وما هو حالها اليوم، وما يمكن أن تكونه، يشكل وثيقة تاريخية عن المدينة. يأخذ المتلقي في رحلة بصرية وسمعية عن المدينة. رحلة تنثر بداخلنا كماً من المشاعر المتضاربة، خاصة مع ما نعيشه الآن من وحشية اسرائيلية. والشعور المتصدّر هو الإيمان بضرورة مقاومة هذا المشروع الصهيوني المجرم بكافة الوسائل المتاحة.
صوت أنثوي يحكي سيرة المدينة التي تجمع في ثناياها 5 آلاف عام من الحضارة. كان لها مطارها المزدهر، ومحطة قطارات تربط فلسطين ببيروت ودمشق. تقول الراوية «فجأة ماتت»، وتعني الأحلام والمدينة. حلّت سنة 1948 وكانت مجزرة جامع «دهمش». جمع الصهاينة العشرات من أهل المدينة في الجامع وقتلوهم من مسافة قريبة. شهادات حية لصهاينة شاركوا في المجزرة. حتى أن بعضهم صوّر ما اقترفته يداه. فهو لا يحتاج لأن يخفي الدليل لا بالشهادة الحية من قبله على جريمته، ولا بتصويرها. وكأن الجريمة والإبادة باتت فخراً صهيونياً.
شهادات حية لمواطنين ما زالوا على قيد الحياة تميط اللثام عن مجزرة اللد. كانت الجثث مكدّسة بعضها فوق بعض، رجال ونساء وأطفال. متحللة ومنتفخة. ذاك الرجل الذي اجبر وهو طفل على سحب الجثث، يحمل رائحة الأمس، وكافة سردياته، وكيف عمل الصهاينة لمحو تاريخ المدينة. تطورت السردية مع مرور السنوات وتطور المشروع الصهيوني الاستيطاني. لم يرقه نمو وتكاثر المواطنين العرب الأصلانيين في المدينة. فراح يتفنن في سبل تضييق الخناق. ولهذا يأتي هذا الفيلم في سياق التأكيد على أن السبيل الوحيد للاستمرار في مواجهة سياسة الخنق الصهيونية متمثّل في المقاومة والصمود، وهذا ما يفعله اهلها.
صهاينة وثقوا مجارز 1948وآخرون يخنقون ناسها ويبيدون معالمها
في سردية اللجوء داخل فلسطين، أصبح المؤقت ثابتاً، والعودة حلُماً للمنتشرين لجوءاً في الضفة الغربية، أو في غيرها. هم فخورون بمدينتهم وبجذورهم الواقعة على مرمى حجر منهم. وفي سردية المكان الأصلي، اسف على جيل تأثر بالكتاب المدرسي المفروض من الصهاينة. وباتت فلسطين في وعيه مقتصرة على غزّة. إنها النقطة المركزية في فيلم «لد» الذي لم يعمل على تلطيف نجاح الصهيونية في تشكيل وعي جيل مقبل من الفلسطينيين العرب. بل تركها وفق تعبير من جاءت على لسانهم.
في اللغة السينمائية كان لفيلم «لد» إلى جانب أنسنته للمدينة، وتجسيدها بصوت رواية جعلتنا نتخيل أنها المدينة بعينها، نظراً لصوتها الأليف والأنيس والملهم، كان للرسوم المتحركة دورها بتحريك الخيال. الرسوم المتحركة منحت الفيلم بعداً فنياً مميزاً، وتركت للخيال أن يسرح بحريته. ففي مدينة مسقط رأس «الخَضِر» الذي هزم التنين برمحه، يعتز الفنان عيسى فانوس بنحته تمثالاً جاء فيه لون «الخَضِر أسمراني» يشبه البلاد التي ولد فيها، ولم يعد أوروبياً أشقراً وعيناه زرقاوين. ومن المدينة نفسها سافر المواطنون نحو دمشق وبيروت عبر الرسوم المتحركة. وحملت احدى جامعات المدينة اسم أحد ابنائها المناضل الراحل الدكتور جورج حبش.
مدينة اللد جارة القدس، وهما معاً تعيشان تحديات مشتركة مع المشروع الصهيوني. وحال لد حال «الشيخ جرّاح» سنة 2022. أهلهما معاً يعيشون على إيقاع الهدم، والطرد، والسجن. كانت رحلة ضرورية ومهمة إلى مدينة عربية قديمة.
يذكر أن «لد» عُرض في دار النمر للثقافة في بيروت في إطار الأنشطة المتتالية في إطار معرض الأيقونات الآتية من القدس بعنوان «كما في السماء كذلك على الأرض» وذلك بالتعاون مع نادي لكل الناس.
«القدس العربي»: