مقالات

حين نكتب عن كامو …! بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

حين نكتب عن كامو …!
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
حين طلبت مني الشراع، والشراع عزيزة برئيس تحريرها الدكتور طارق زعين، وعزيزة بكل كتابها وقراءها، من المثقفين النخبويين، أن أكتب حول البير كامو، فرحبت لأني كامو يرافقني منذ بواكير نشأتي الثقافية، قبل أن أبلغ العشرين من العمر، ثم أن صديقاً في بغداد يتقن الفرنسية، كان قد درس في فرنسا، حدثني كثيرا عن كامو، وسارتر وكان وجودياً، ومع أني وجدت في كتب الفيلسوف البريطاني كولن ولسن بحرا لا ضفاف له وهذه الثقافة الوجودية كنا نقرأها بنهم، وكأننا كنا نبحث عن شيئ … وفي هذه الثقافة العريضة، العميقة وقتذاك وجدنا في الغوص بجنباتها ما يضعنا في مسارات البحث.. ولكن الأوضاع السياسية في بلادنا والوجود الاستعماري والاعتداءات الاستعمارية / الاستيطانية، حسمت توجهنا الفكر والسياسي، إلى العمل الوطني / القومي فالنيران المشتعلة في ثيابنا، دفعتنا للبحث في مشاكلنا بعمق أكبر ثم بأنتماء أدق.
الثقافة الوجودية وكتابها من الفلاسفة والأدباء: الفرنسيين: البير كامو، جان بول سارتر، سيمون ديبفوار وهنري مونترلان، وفرنسواز ساغان، أنطوان سانت إكزوبري والبريطانيان كولن ولسن، دي أيج لورانس، والاسباني ميغل أونامونو، وهناك من يضع الروسي فيودور دستوفسكي في هذه القائمة وربما عدد من الكتاب الفرنسيين والبريطانيين، والأوربيين.
وكانت الحركة الفكرية الماركسية قد تألقت بعد الحرب العالمية الأولى وتمكنت أن تجتذب لصفوفها، أبرز النخب الثقافية / الفكرية والفن أو كمفكرين سياسة واقتصاد وحقول ثقافية أخرى، كبار في أوربا: كأوسكار لانجة البولوني، وتوماس سنتش ويوجين فارغا الهنغاريان، والعلماء / البروفسور هنري لفيفر، وبيير جاليه، وروجية غارودي، والإيطالي غرامشي، إن كماركسيين أو شيوعيين، سواء كأدباء وفنانين: الفرنسي إيف مونتان، والأمريكي سترلينغ هايدن، وشارلي شابلن، والبريطاني جورج أرول، والشعراء الأسبان: رفائيل البرتي، وانطونيو متشادو، والرسام بيكاسو، والمسرحي / الشاعر الألماني برتولد برشت، بدت الأفكار الماركسية /الشيوعية لهم كشمس أشرقت بأنوارها وأسست دولة المظلومين المحرومين، بكل ما تعنية الفكرة من نبل، وسمو، والكاتب والفنان، هو إنسان طليعي، لذلك محتم عليه أن ينظم للفكرة الإنسانية الراقية. الفنان تقدمي بطبيعته ويستحيل أن نتصور فناناً رجعياً.
في هذه الأجواء المثقلة بالأفكار الإنسانية والثورية المتقدمة، أنظمت هذه الجمهرة من الفلاسفة والأدباء والعلماء للحركة التقدمية في بلدانهم وناضلوا ضد الفاشية والاستعمار على حد السواء ثم ضد الإمبريالية، في العقود ما بعد الحرب العالمية الثانية،، ولكن الحرب الباردة وتفاصيلها كانت مؤسفة في بعض جوانبها، فالتجربة في بودابست/هنغاريا، وبراغ /جيكوسلوفاكيا، انطوت على أحداث، كانت لها تداعياتها السلبية على مسيرة حلم الإنسانية: الاشتراكية،
في أجواء عقد امتد من أواسط الخمسينات، إلى أوساط الستينات، انسحب عدد من والأساتذة الكتاب والأدباء من أحزابهم الشيوعية، ومنهم كامو، الذي بوفاته المبكرة في أبريل 1960، وهو في الاربعينات (46 عاماً) . لم تستطع أحزابهم استيعاب أراءهم المختلفة بدرجات متفاوتة، عن موقف الحزب الرسمي أو موقف الاتحاد السوفيتي.
الوجوديون عامة (ومنهم كامو) لا يتقبلون فكر الزواج والإنجاب، وكامو تزوج مرتين وله أبنه، وأبن. كما أنه بقبوله جائزة نوبل، جلب على نفسه انتقادات.. وموته المبكرة حسمت هذه الأراء عن حياته الشخصية، وعن قبوله جائزة النوبل.
ولكن سارتر الذي رفض تسلم جائزة نوبل، وكسب بموقفه هذا رضا وتأييد مثقفي اليسار والوجودية، إلا أنه بزيارته للكيان الصهيوني وتأييده العلني لحرب حزيران/ 1967، في حين أدانها اليسار والوسط / الديغولي، رجح فكرة أن التيارات الأدبية والأدباء لا يمكن الركون لأراءهم. بينما عرف عن الفيلسوف كولن ولسن، تأييده التام للقضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني، وبقي على موقفه حتى وفاته.
كامو رغم وفاته المبكرة(بحادث سيارة) إلا أنه ترك أعملاً لرائعة ما تزال تجد قراء لها من الشباب المعاصر، والمتأمل لعذابات القصة الأسطورية ” سيزيف ” الذي حكمت الألهة جوراً بأن يحمل الصخرة مدى الحياة، في قصة رمزية لعذابات الإنسان المعاصر، ورواية السقطة، يغوص في عذابات الإنسان المعاصر … وأعمال كثيرة أخرى.
من خلال ما نجده من اهتمام بالأدب الوجودي، نكتشف أنه ما يزال يحضى بالأهتمام من قبل الأجيال المعاصرة، رغم أن عذابات الإنسان المعاصر طرأ عليها الكثير من الجديد، في مقدمتها الهاجس من الشتاء النووي الذي يعقب الحروب النووية. فعندما نقرأ أن هناك تداعيات ما تزال مؤلمة حتى لجيل ما بعد القنبلة في هيروشيما وناغازاكي، رغم مرور 80 عام عليها. وهناك الفروق الطبقية تتسع، ومجتمعات ثرية ما تزال تعاني من الفقر ووجود مشردين ومتسولين في الشوارع والبطالة.
البشرية ما تزال ترنو إلى غد يعيش فيه الإنسان حراً، لا يعاني من تسلط قوى سياسية واجتماعية، وخوف من الظلم والتعسف. هذه هي الوظيفة الأبدية للمفكرين والكتاب والأدباء والفنانين.. إنها مسؤولية وأدائها شرف …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب