الحزب الجمهوري والعنصرية: مَن شاب وشبّ

الحزب الجمهوري والعنصرية: مَن شاب وشبّ
صبحي حديدي
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
أكثر من 2,900 صفحة دردشة على موقع «تلغرام»، بين أعضاء في الحزب الجمهوري الأمريكي ينتمون إلى نادي «الجمهوريين الشباب»، حفلت بأفانين شتى من العبارات العنصرية والنازية وكراهية الآخر والتعريض بالسود والهنود واليهود؛ نشرها موقع «بوليتيكو» الأمريكي بعد أن تسربت إليه، مؤخراً فقط، لأنّ تواريخها تعود إلى كانون الثاني (يناير) مطلع هذا العام.
المرء يقرأ جمهورياً يعرب عن حبّ هتلر، وآخر يلمّح إلى إعادة تشغيل غرف الغاز، وثالث يميّز إثنية امرأة هندية من واقع عدم استحمامها، ورابع يفضّل الذهاب إلى حديقة حيوان ومتابعة القرود بدل حضور مباريات كرة السلة الأمريكية، وخامس لا يتورع عن الإشارة إلى «يهودي بدين نتن الرائحة». ليس بمنأى عن تعليق من «جمهوري» سادس يعترف بأنه تلقى من زوجته توبيخاً لاذعاً، لأنه «توقّع من يهودي أن يكون نزيهاً»؛ وزميل له سابع اقترح وضع اغتصاب نساء الأقوام الأصلية في أمريكا، تحت خانة «الملحمة»….
وعلى عكس ما برّر مباذلهم هذه نائبُ الرئيس الأمريكي ج. د. فانس شخصياً، بالقول إنهم يتبادلون «نكات حادة ومسيئة، وهذا ما يفعله الأطفال»؛ هؤلاء رجال بالغون تتراوح أعمارهم بين الـ20 والـ40 سنة، وهي على وجه التحديد الشرائح العمرية التي يقع استقطابها على عاتق نادي «الجمهوريين الشباب». وهؤلاء تولوا مناصب الصف الأوّل في مختلف مواقع المسؤولية الشبابية للحزب الجمهوري، وعلى امتداد نيويورك وكانزاس وأريزونا وفرمونت وسواها.
هي، بالطبع، فضيحة من طراز كلاسيكي لا مفاجآت تكتنفها، ما خلا هذه أو تلك من درجات تصعيد العنصرية والكراهية والتضخّم المَرَضي لنزوعات التفوّق العرقي الأبيض؛ لكنها أكثر من مناسبة لتسجيل شائعٍ مكرّس متجذّر، أياً كانت طرائق تمويهه أو تجميله أو إنكاره. ذلك لأنّ ما عكسته دردشة «شباب» الحزب الجمهوري ليس سوى مرآة أولى لخطاب أوسع نطاقاً انخرط في صياغته «آباء» هؤلاء، وبعض أجدادهم أيضاً، بقيادة دونالد ترامب هذه الأيام، ونفر من سابقيه خلال العقود الأخيرة.
لافت، إلى هذا، أن الرئيس الأمريكي الذي جعل محاربة العداء للسامية، في الجامعات الأمريكية وأوساط شباب أمريكا عموماً، ركيزة كبرى في حملاته، ضمن سياسة مساندة قصوى لدولة الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة ضدّ قطاع غزّة؛ لم يعلّق البتة، حتى ساعة كتابة هذه السطور، على فضيحة تحمل كلّ معطيات كراهية اليهود. لكنه صاحب سوابق وسلوكيات عنصرية، على غرار أحاديثه عن قذارة أحياء السود، أو التشكيك في أمريكية سلفه باراك أوباما، والحماس لدعاة التفوّق العرقي الأبيض في شارلوتسفيل؛ وبالتالي لا عجب في أن تمثل دردشات «الشباب» بعض، أو سائر، مشاعر الشيوخ الدفينة.
وعلى نقيض أيضاً ممّا هو راسخ عموماً، فإنّ شعار الـMAGA الذي يرفعه أنصار ترامب في غمرة هستيريا المطالبة بأمريكا عظمى مجدداً؛ ليس من اختراعهم، أو من وحي زعيمهم، بل أصل العبارة يعود إلى زعيم جمهوري أسبق ورئيس أعلى كعباً من ترامب، هو رونالد ريغان دون سواه. ولم يسبق للشعار أن تخفف من، أو تنازل عن، طاقة التحشيد والتجنيد والتحريض على الكراهية، لدى شرائح الذكور والبيض والرجعيين والعنصريين على وجه الخصوص. صحيح، بالطبع، أنّ ترامب وأنصاره أحيوا الشعار واستثمروه على نحو كان الأكثر توظيفاً في السياسة والاجتماع والوعي الجَمْعي، والأشدّ خطورة من حيث التوظيف والتأطير؛ إلا أنّ الجذور، كما البذور والتربة، كانت قد تهيأت منذ عقود سبقت تأصيل ترامب والترامبية.
وفي الوسع تقليب بعض الصفحات في مؤلفات رصدت الصعود الفاشي داخل مؤسسات الحزب الجمهوري خصوصاً، وقبله وأعلى منه شرائح واسعة النطاق في المجتمع الأمريكي عموماً؛ وبالتالي فإنّ ما زرعه الآباء والأجداد، يحصده الأبناء والأحفاد، ويندر أنهم يبدّلون فيه تبديلاً يشذّ عن القاعدة.