كتب

المشروع الأمريكي في غزة… وصاية جديدة أم إعادة إعمار مشروطة؟

المشروع الأمريكي في غزة… وصاية جديدة أم إعادة إعمار مشروطة؟

بقلم: المحامي علي أبو حبلة

تعيش القضية الفلسطينية اليوم مرحلة دقيقة ومفصلية، في ظل تعدد المبادرات والمشاريع المطروحة دوليًا حول مستقبل قطاع غزة، والتي تحمل في طياتها أهدافًا سياسية تتجاوز ظاهرها الإنساني أو الإعماري. فبينما تُقدَّم بعض هذه المشاريع تحت عنوان “إعادة الإعمار” أو “دعم الاستقرار”، فإنها في جوهرها تُثير تساؤلات مشروعة حول نواياها الحقيقية وأبعادها الاستراتيجية.

فقد برز في الآونة الأخيرة ما يُعرف إعلاميًا بـ “المشروع الأمريكي لإعادة إعمار غزة”، والذي يندرج ضمن رؤية شاملة للولايات المتحدة وبعض حلفائها لإدارة القطاع بعد الحرب، عبر تشكيل إدارة مؤقتة أو وصاية دولية تحت ذريعة الإشراف على إعادة البناء وضمان الأمن. إلا أن مثل هذا الطرح – وفق ما تُشير إليه قراءات سياسية عديدة – يحمل مخاطر واضحة على مستقبل السيادة الفلسطينية، ويُمهّد لفرض واقع جديد يعيد إنتاج السيطرة الاستعمارية بصيغة محدثة.

إن ما يبدو في ظاهره مشروعًا إنسانيًا لإغاثة السكان، قد يتحول في مضمونه إلى وصاية سياسية واقتصادية تكرّس الانقسام الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتُضعف المشروع الوطني الجامع. فربط إعادة الإعمار بشروط أمنية أو سياسية خارجية يتناقض مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ويمنح القوى الأجنبية نفوذًا مباشرًا في إدارة شؤونه الداخلية.

في مواجهة هذه التطورات، تبرز الحاجة إلى موقف فلسطيني موحد، يرفض أي مشروع ينتقص من السيادة الوطنية أو يضع غزة تحت إدارة أجنبية مهما كانت المسميات. فالمطلوب ليس رفض الإعمار بحد ذاته، بل رفض الوصاية المقنّعة التي قد تأتي عبر مشاريع ذات غطاء دولي، تُعيد ترتيب المشهد الفلسطيني بما يخدم مصالح الاحتلال وأطرافاً إقليمية ودولية.

ولا يمكن فصل هذه المشاريع عن الواقع الداخلي الفلسطيني الذي يحتاج إلى إصلاح جذري في منظومة الحكم والمؤسسات. فغياب الشفافية والانقسام السياسي يفتح الباب أمام تدخلات خارجية تحت مبررات إنسانية أو اقتصادية. لذلك، فإن مواجهة المخاطر لا تكون بالشعارات، بل بإعادة بناء الثقة بين المواطن وقيادته، ووضع برنامج وطني موحّد يضمن وحدة القرار الفلسطيني واستقلاله.

إن دعم صمود الشعب الفلسطيني يتطلب أولاً تمكينه من إدارة شؤونه بنفسه، ورفض أي شكل من أشكال الإشراف الأجنبي أو الوصاية الدولية التي تُعيد إنتاج الاحتلال بصور جديدة. فالشعب الذي قدّم آلاف الشهداء والجرحى لن يقبل أن يُستبدل الاحتلال العسكري باحتلال سياسي أو اقتصادي مغلّف بالمساعدات.

لقد أثبتت التجارب التاريخية أن من لا يمتلك قراره السيادي يفقد قدرته على حماية قضيته. لذلك فإن التحدي الحقيقي أمام القيادة الفلسطينية اليوم هو الحفاظ على وحدة الموقف الوطني، والتصدي للمشاريع التي تمس جوهر الحقوق الفلسطينية، مع الانفتاح على أي جهد دولي صادق يهدف إلى إنهاء الاحتلال لا إلى إدارته.

إن المشروع الأمريكي بما يحمله من غموض في الأهداف، يجب أن يُواجه برؤية فلسطينية واضحة تستند إلى الثوابت الوطنية وقرارات الشرعية الدولية، وبكل الوسائل المشروعة التي كفلها القانون الدولي. فالقضية الفلسطينية ليست أزمة إنسانية عابرة، بل قضية تحرر وطني وحق ثابت في الحرية والاستقلال.

ويبقى الرهان على وعي الشعب الفلسطيني وقدرته على قراءة ما وراء العناوين البراقة، والتمسك بحقوقه الوطنية دون تفريط، لأن فلسطين لا تُبنى بالمشاريع الخارجية، بل بإرادة أبنائها ووحدتهم وصمودهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب