فلسطين

بدء استخراج الجثامين: جرح مفقودي غزة ينفتح

بدء استخراج الجثامين: جرح مفقودي غزة ينفتح

انتشال جثامين عائلة شحيبر في غزة يكشف مأساة آلاف المفقودين تحت الأنقاض، وسط أزمة معدات الدفاع المدني وتجاهل دولي لقضيتهم.

يوسف فارس

غزة | تمكّنت طواقم الدفاع المدني بمشاركة الأهالي، صباح أمس، من انتشال جثامين 80 شهيداً، من تحت أنقاض منازل عائلة شحيبر، في حي الصبرة جنوب مدينة غزة. وحُفرت مقبرة جماعية في المدينة، وووريت فيها جثامين نحو 120 شهيداً، بعدما جرى انتشالها في أثناء اليومين الماضيين. تلك الجثامين التي حظيت أخيراً بتكريم الدفن، ليست سوى خانة في سجلّات المفقودين الطويلة.

إذ وفقاً لإحصائيات وزارة الصحة في القطاع، فقد خلّفت الحرب نحو 10 آلاف مفقود على الأقل، معظمهم قضوا تحت أنقاض المنازل والبنايات السكانية التي ارتُكبت فيها مجازر عائلية كبرى، ولم تتمكّن طواقم الدفاع المدني من انتشال جثامينهم بسبب الظروف الأمنيّة وعدم توفّر الآليات والمعدّات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض وإزالة الركام.

أمام مربع عائلة شحيبر في حي الصبرة، وقف من تبقّى من أفراد العائلة لجمع ما تبقّى من الجثامين: عظام وجمام وأجسام لم تتحلّل، لكنها غابت وسط الركام واكتسبت لونه الرمادي، علماً أنّ عملية البحث عن الشهداء استغرقت نحو 17 شهراً. ويقول رياض شحيبر لـ«الأخبار»، إنّ «العائلة استشهدت في مجزرة جماعية ارتكبها جيش الاحتلال يومي 17 و18 تشرين الثاني 2023. يومها هاجمت الطائرات الحربية والمسيّرة مربّع العائلة المكتظّ بالمئات من النازحين. وتسبّب القصف باستشهاد العشرات من الأسر.

وانتشلنا حينها جثامين نحو 61 شهيداً، من بينهم 27 طفلاً، و16 امرأة، ولم تحدّد هوّيات البقيّة لأنّ أجسادهم تحوّلت إلى أشلاء. وعلى مدار يومين، هاجم جيش الاحتلال مجدّداً المربّع السكني. وقضت بفعل ذلك عائلات كانت في بنايات سكّانية، ولم تستطع الطواقم الطبّية الوصول إلى المكان. وحين عدنا إلى البيت بعد انسحاب الاحتلال، فُجعنا بأنّ البنايات دُمّرت على رؤوس سكّانها، وبدأت الرحلة الشاقّة في محاولة انتشال جثامين أبنائنا لنكرّمهم بالدفن».

ويضيف شحيبر «أننا طوال الحرب، لم نتمكّن بجهودنا الذاتية والفردية إلا من انتشال جثامين 10 شهداء. وفي هدنة كانون الثاني من العام الجاري، بذلت طواقم الدفاع المدني جهوداً مضنية لانتشال الشهداء. وبقيت أزمة المعدّات الثقيلة هي الأزمة. الحمد لله أنجزنا المهمّة اليوم، بينما لا يزال هناك الآلاف من المفقودين تحت الركام».

دفن 120 جثماناً تعود إلى ضحايا مجزرة استهدفت عائلة شحيبر

وكان «المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» قد وثّق، في تقرير نشره في تشرين الثاني 2024، وقائع المجزرة المروعة، وأكّد حينها أنّ العائلة أبيدت بالكامل ولم تنجُ منها سوى أسرة واحدة، هي مَن أبلغت عن تفاصيل ما جرى، في حين أشارت معطيات التحقيق إلى أنّ المجزرة ارتكبت بقصف من الطائرات الحربية ووسائط المدفعية والطيران المسيّر، رغم أنه لم تكن هناك ضرورة عملياتية ملحّة للقصف.
الباحة التي صُفّت فيها جثامين الشهداء الـ120 بدت وكأنها اكتست بالثلج، إذ تراصفت الأكفان ومن حولها قرّاء السلام من دون مراسم وداع أو نظرة أخيرة.

وتقول أم محمد: «حُرمنا من إلقاء نظرة الوداع. الجثامين كلّها متحلّلة، لكن الحمد لله أننا استطعنا أن نريحهم في أرضهم. منذ سنتين لم تذقْ أعيننا النوم وهم تحت الركام». بدوره، يؤكّد المختار، ناهش شحيبر، أنه «في أثناء الحرب، قام من تبقّى من أبناء العائلة بدفن الشهداء وانتشال أشلائهم. وقامت جرّافات الاحتلال بنبش المقبرة العشوائية ثم أعدنا دفنهم. وكنا ننتظر أن تتوقّف الحرب لنقوم بتكريمهم والتعرّف إليهم ودفنهم بطريقة كريمة».

وبحسب محافظ «جهاز الدفاع المدني» في مدينة غزة، العميد رائد الدهشان، فإنّ جيش العدو «ارتكب المجازر ولم يكن يسمح لنا بالوصول إلى مناطق القصف. استُهدفت طواقمنا واستُشهد ضباطنا وهم يحاولون انتشال هذه الجثامين في أثناء الحرب. كما أنّ العشرات من الشهداء دُفنوا بشكل عشوائي من قبل عائلاتهم. كذلك، هناك أكفان مكتوب عليها 4 أو 5 أسماء شهداء».

على أنّ أزمة المفقودين المدفونين تحت الأنقاض، تتجاوز عدم توافر المعدّات والجرّافات، إلى ما هو أبعد من ذلك وأعقد. إذ يوضح المتحدّث باسم «جهاز الدفاع المدني»، الرائد يحيى بصل، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «الملف شائك ومعقّد جدّاً، لأنّ النسق الذي جرى فيه تدمير الأحياء السكانية، شوّه الهيكل الديموغرافي للأحياء المدمّرة، وطُمست معالم مخيّمات ومدن كاملة. هناك جزء من الركام نُقل من مكانه.

وهناك منازل هُدمت على رؤوس سكانها، ولم نجد ركامها أساساً، فضلاً عن المئات من الجثامين التي طمرتها الجرّافات أو سُرقت من قبل جيش العدو، أو حتى نهشتها الكلاب الضالّة ولم يتبقَّ منها سوى العظام والهياكل العظمية». ويلفت بصل، إلى أنّ «آلاف الشهداء لا يزالون تحت ركام المنازل المدمّرة في المناطق الصفراء التي يمنع جيش العدو الوصول إليها، ولا تزال تجري فيها عمليات تجريف ونسف بشكل يومي».

وفي مقابل هذا الملف الشائك الذي يتطلّب جهداً دولياً وفرقاً متخصّصة ومحترفة لإنهائه، لا يحظى آلاف الشهداء المفقودين بأي اهتمام دولي، إذ لم تذكر قضيّتهم على لسان أي من الزعماء العرب والوسطاء الدوليين، في وقت تزدحم فيه وسائل الإعلام بتصريحات هؤلاء اليومية عن جثامين 15 قتيلاً إسرائيلياً، تتزاحم دول العالم للسماح بإرسال معدّاتها وطواقمها للبحث عنهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب