السودان: أجندات أميركية ومصالح جيوسياسية

السودان: أجندات أميركية ومصالح جيوسياسية
من المرجّح أنّ تكثّف واشنطن من زخمها الدبلوماسي، الذي بدأته قبل سقوط الفاشر في يد «الدعم السريع»، لكون الخرطوم من الدول الموقّعة على الاتفاقات الإبراهيمية، التي يطمح الرئيس الأميركي إلى توسيعها في المنطقة.
من المسلّم به أنّه في كل نزاع أو حرب تتخذ الولايات المتحدة الأميركية من البعد الإنساني ذريعة لتبرير تدخلاتها الدبلوماسية خدمة لمصالحها الجيوسياسية. ويبدو أن ملف السودان غير بعيد عن هذه الذهنية، حيث تتخوّف الإدارة الأميركية من تكرار السيناريو الليبي هناك، ما يهدّد مصالحها في القارة السمراء.
فبعد يوم من سقوط الفاشر، عاصمة إقليم دارفور، في 26 تشرين الأول الماضي بيد قوات «الدعم السريع»، سارع كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والإفريقية مسعد بولس إلى القول إنّ الولايات المتحدة ستمنح «فرصة أخيرة» لأطراف السودان قبل اتخاذ «إجراءات»، من دون توضيح ماهيتها، متذرّعاً بالشق الإنساني الذي قال إنّه يمثّل أولوية لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومعتبراً أنّ ما يحصل في السودان «يشكّل اليوم أكبر كارثة إنسانية على الإطلاق»، وأنّه «يمكن أن يكون بداية لنوع من التقسيم كما حدث في ليبيا».
صفقة سياسية
وتأتي، في هذا السياق، الزيارة التي يقوم بها وفد أميركي إلى مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة لحكومة السودان، لمواصلة الحوار بين واشنطن والخرطوم، غداة المباحثات التي أجراها وزير الخارجية السوداني محي الدين سالم في واشنطن. حيث كشفت وسائل إعلام أميركية أنّه تلقى عروضاً لعقد صفقة سياسية مع إدارة ترامب، في إطار ما يعرف بالعلاقات الاستراتيجية، تركزت حول تقديم «محفزات» للإدارة الأميركية مقابل دعم تتلقاه الخرطوم والحكومة بقيادة عبد الفتاح البرهان في المستقبل. وبحسب المعلومات، تشمل تلك الصفقة نقاطاً تتعلق بدعم البرهان في مواجهة «الدعم السريع» وتصنيفه كمجموعة إرهابية مقابل تخلي السودان عن توجهه شرقاً باتجاه روسيا والتخلي عن اتفاقيات مع موسكو لإنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر.
تكثيف المساعي الدبلوماسية
وبانتظار تبدّي ملامح هذه الصفقة، تعمل واشنطن، مع شركائها في «اللجنة الرباعية»، التي تضمّها مع السعودية ومصر والإمارات، على الرغم من اختلاف أجنداتها في السودان، على تثبيت نفوذها هناك في مواجهة أيّ نفوذ لإيران، لمنعها من إيجاد موطئ قدم ومنافذ لها هناك، وبالتالي الحؤول دون استخدامها موانئ السودان لإيصال الأسلحة إلى جماعة «أنصار الله» في اليمن. وكذلك، تقييد وتقليص النفوذين الصيني والروسي هناك وامتداداتهما داخل أفريقيا.
ولكون السودان دولة مهمة جيوسياسياً لأمن البحر الأحمر، يقول الخبراء إن واشنطن تسعى إلى منع الفوضى فيه وضبط الوضع الداخلي، للحؤول دون تمدّد تنظيم «داعش». وفي هذا السياق تندرج المعلومات عن أنّ التنظيم انتقل لينشط في أفريقيا، بعد ضربه في العراق وسوريا.
ولأهداف تتعلق بمصالحها في أفريقيا، يقدّر الخبراء أنّ الإدارة الأميركية لن تسمح بأن يكون السودان «دولة فاشلة» لما يشكّله من خطر على استقرار هذه القارة، الأمر الذي يضعف نفوذها لدى دول المنطقة.
ومن المرجّح أنّ تكثّف واشنطن من زخمها الدبلوماسي، الذي بدأته قبل سقوط الفاشر في يد «الدعم السريع»، لكون الخرطوم جزءاً من «السلام الشامل» الذي تحدّث عنه ترامب كجزء من خطته في غزة، وكذلك لكونه من الدول الموقّعة على الاتفاقات الإبراهيمية، التي يطمح الرئيس الأميركي إلى توسيعها في المنطقة.
الفرصة الأخيرة
وبالعودة إلى «الإجراءات» التي يلوّح بها المستشار الأميركي، سبق لواشنطن أن فرضت عقوبات مالية على رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي»، وعلى شركات بعضها إماراتي. لذلك، يرى خبراء في شؤون السودان أن لا جدوى من العقوبات، نظراً إلى أنّ اقتصاد الحرب لدى الطرفين تسيّره صفوف خلفية ولا يمكن ضبطه من قبل الخزانة الأميركية، مذكّرين بأنّ هذه العقوبات قلّما أحدثت تغييراً في موقف أطراف أي سلطة في السودان منذ 30 عاماً. وهنا، لا بدّ من السؤال أخيراً: كيف ستترجم واشنطن «إجراءاتها» بعد «الفرصة الأخيرة»؟




