واشنطن بوست: ترامب يرى دورًا محوريًا لتركيا في سلام غزة.. لكن إسرائيل تدق ناقوس الخطر

واشنطن بوست: ترامب يرى دورًا محوريًا لتركيا في سلام غزة.. لكن إسرائيل تدق ناقوس الخطر
ذكرت تقارير صحافية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرى دورًا محوريًا لتركيا في تنفيذ خطة السلام في غزة بعد نجاحها في إقناع حماس بقبول الهدنة، فيما تعتبر إسرائيل هذا الدور تهديدًا أمنيًا مباشرًا نظرًا لعلاقات أنقرة الوثيقة مع الحركة. وأشارت التقارير إلى أن واشنطن تسعى لإشراك تركيا في إعادة إعمار غزة وقوة الاستقرار الدولية، بينما تكثف إسرائيل جهودها لإفشال أي وجود تركي ميداني، في ظل صراع إقليمي متجدد على النفوذ في مرحلة ما بعد الحرب.
وعلى مدى نحو عقدين، نسجت تركيا علاقات وثيقة مع حركة حماس، ما أثار حفيظة عدة دول في المنطقة. غير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب امتدح مؤخرًا هذا الدور، بعدما استخدمت أنقرة نفوذها لدى الحركة للضغط باتجاه قبول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
لكن بينما ترى واشنطن في تركيا ركيزة أساسية لتنفيذ خطة السلام الجديدة، تنظر إليها إسرائيل بعين الريبة، معتبرة أنها قريبة أكثر مما ينبغي من الجماعات الإسلامية المعادية لإسرائيل، وأنها منافس مباشر لها على النفوذ في الشرق الأوسط.
الخلاف حول الدور التركي في إعادة إعمار غزة والمشاركة في قوة دولية لتثبيت الاستقرار يمثل اليوم أحد أكبر التحديات أمام تنفيذ الخطة الأمريكية.
الخلاف حول الدور التركي في إعادة إعمار غزة والمشاركة في قوة دولية لتثبيت الاستقرار يمثل اليوم أحد أكبر التحديات أمام تنفيذ الخطة الأمريكية.
أنقرة تعود إلى الواجهة
بعد أن تم تهميشها في المراحل الأولى من الجهود الدبلوماسية، تسعى تركيا إلى استثمار نجاحها في إقناع حماس بإطلاق سراح جميع الأسرى الأحياء — وهو بند محوري في اتفاق الهدنة.
وقال الرئيس رجب طيب أردوغان إن لبلاده “مسؤولية أساسية” في إعادة إعمار غزة، معلنًا استعداد تركيا لتقديم مساعدات إنسانية والمشاركة ضمن بعثة دولية لحفظ الاستقرار.
ويرى محللون أن مشاركة تركيا ستعزز مكانتها في واشنطن، وتمنحها دورًا دبلوماسيًا بارزًا، فضلًا عن تقوية صورة أردوغان داخليًا كـ“زعيم مسلم عالمي”.
لكن هذه الفكرة تثير قلقًا عميقًا في إسرائيل، حيث يخشى القادة من تمركز نفوذ تركي معادٍ على حدودها.
“فكرة دخول الأتراك إلى غزة تصيب الإسرائيليين بالجنون”، يقول مايكل ميلشتاين، الرئيس السابق لشعبة الشؤون الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. “تركيا ليست عدوًا رسميًا، لكنها بالتأكيد ليست شريكًا لإسرائيل”.
تحولات إقليمية وديناميات جديدة
شهد الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين تحولات جذرية: سلسلة الضربات الإسرائيلية ضد إيران وحزب الله وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا- كلها أضعفت النفوذ الإيراني وفتحت الباب أمام تركيا لتعود لاعبًا إقليميًا قويًا.
في الوقت ذاته، نجح أردوغان في بناء علاقة شخصية “براغماتية” مع ترامب، رغم قربه الأيديولوجي من جماعة الإخوان المسلمين التي انبثقت منها حماس قبل نحو 40 عامًا.
ويحذر مايكل أورين، السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن: “إذا تخلصنا من إيران وحزب الله لنجد بدلًا منهما تركيا وقطر والإخوان داخل غزة، فستكون تلك كارثة أمنية”.
اعتراضات إسرائيلية متصاعدة
كثّف الساسة الإسرائيليون تحركاتهم لإحباط أي خطة أمريكية تمنح تركيا موطئ قدم في غزة. وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 26 أكتوبر: “إسرائيل ستقرر بنفسها أي القوات غير مقبولة، وهذا أمر متفق عليه مع أصدقائنا الأمريكيين”.
كثّف الساسة الإسرائيليون تحركاتهم لإحباط أي خطة أمريكية تمنح تركيا موطئ قدم في غزة
لكن نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس قال خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل إن واشنطن “لن تفرض على أصدقائنا الإسرائيليين قوات أجنبية، لكنها ترى دورًا بنّاءً لتركيا”. وأضاف فانس: “الطريق إلى السلام يمر بالتركيز على المستقبل، لا على الماضي”.
تركيا وحماس: علاقة معقدة
سمحت أنقرة خلال السنوات الماضية لعشرات من قادة وأعضاء حماس بالعيش داخل أراضيها، من بينهم عبد الناصر عيسى، أحد مؤسسي جناحها العسكري.
وتقول وزارة الخزانة الأمريكية إن نحو 500 مليون دولار من أصول الحركة موزعة على شركات في تركيا وأربع دول عربية أخرى.
لكن الباحثة أصلي أيدنتاشباش من معهد بروكينغز ترى أن أنقرة “لم تسمح لحماس ببناء بنية عسكرية أو مالية داخل تركيا يمكن أن تُستخدم ضد إسرائيل”، مشيرة إلى أن أنقرة تفصل بين الدعم السياسي والعمل العسكري.
أما في إسرائيل، فلا يرون فرقًا بين الاثنين، معتبرين أن أي دعم لحماس يصبّ في خدمة جناحها العسكري. وقبيل هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، كانت العلاقات التركية الإسرائيلية قد شهدت تحسنًا ملحوظًا في التجارة والدبلوماسية، لكن الحرب قلبت المعادلة رأسًا على عقب.
فمنذ ذلك الحين، برز أردوغان كأحد أشد المنتقدين لإسرائيل، واصفًا حماس بأنها “حركة تحرر وطنية”، كما انضمت تركيا إلى الدعوى الجنوب إفريقية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية.
ما وراء الوساطة
في بداية الحرب، حاولت تركيا طرح نفسها كوسيط، لكنها وُضعت على الهامش من قِبل إدارة بايدن ومعظم الدول العربية.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض منحتها فرصة جديدة لاستعادة دورها. ورغم الخلافات القديمة بين أنقرة وواشنطن — خاصة بعد استبعاد تركيا من برنامج المقاتلة F-35 إثر شرائها منظومة الدفاع الروسية S400 — فإن نجاحها في ملف الهدنة حسّن من صورتها لدى الإدارة الأمريكية.
إعادة الإعمار: الاقتصاد قبل السياسة
تبدو مشاركة تركيا في إعادة إعمار غزة منطقية اقتصاديًا؛ فشركاتها تمتلك خبرة واسعة في مشاريع البنية التحتية وإزالة الأنقاض، وتعدّ مؤهلة للتعامل مع حجم الدمار الهائل في القطاع.
تشير التقديرات إلى أن تكاليف إعادة الإعمار ستبلغ عشرات المليارات من الدولارات، ما يجعل العقود المحتملة مغرية للشركات التركية.
في الوقت ذاته، تنشط منظمات تركية مثل هيئة الإغاثة الإنسانية (IHH) — المحظورة في إسرائيل بزعم ارتباطها بالإرهاب — داخل غزة، وتنشر صور مساعداتها وهي تحمل العلم التركي.
وترى تحليلات إسرائيلية أن ذلك يمثل “ترسيخًا رمزيًا للحضور التركي” في القطاع. الهيئة نفت مرارًا هذه الاتهامات، وقال نائب مديرها مصطفى أوزبك إن “الادعاءات الإسرائيلية بدأت منذ حادثة مرمرة عام 2010، حين اقتحمت القوات الإسرائيلية قافلة المساعدات التركية المتجهة إلى غزة، ما فجّر أزمة دبلوماسية بين البلدين”.
خلاصة المشهد
تركيا ترى في دورها الجديد فرصة تاريخية لاستعادة نفوذها المفقود في الشرق الأوسط وتعزيز مكانتها في واشنطن. أما إسرائيل، فترى في هذا الدور تهديدًا استراتيجيًا يفتح الباب أمام الإخوان المسلمين على حدودها.
وبين الطرفين، يحاول ترامب إعادة هندسة النظام الإقليمي بحيث تكون أنقرة شريكًا في “السلام” — وإن كان سلامًا بطعم الخلاف.
– “القدس العربي”:




