الافتتاحيهرئيسي

ملحق مسودة قرار مجلس الأمن: وصاية أمريكية على غزة وتأبيد المرحلة الانتقالية الفلسطينية

ملحق مسودة قرار مجلس الأمن: وصاية أمريكية على غزة وتأبيد المرحلة الانتقالية الفلسطينية
بقلم رئيس التحرير
تتصاعد التوترات السياسية الفلسطينية في ظل اقتراب إصدار مجلس الأمن قرارًا بشأن ملف غزة، يُظهر من خلال مسودته المبدئية تحولات استراتيجية دقيقة لكنها خطيرة في إدارة القضية الفلسطينية. فالملحق، الذي يُفترض أن يكون وثيقة دولية تدافع عن السلام وحقوق الفلسطينيين، يتجاهل بشكل كامل الضفة الغربية والقدس ومناطق (ج)، ولا يشير لأي إمكانية لإقامة دولة فلسطين بعد انتهاء فترة الوصاية.
في الوقت نفسه، يُفرض على السلطة الفلسطينية قبول استعادة غزة إلى حضن الشرعية مقابل الرضوخ الكامل لشروط مجلس السلام (BOP) برئاسة ترمب، في ما يشبه مقايضة سياسية تكاد تُفقد المشروع الوطني الفلسطيني جوهره.
غياب الضفة الغربية والقدس ومناطق (ج): إخراج القضية الفلسطينية من جوهرها
إن تجاهل المسودة للمناطق الفلسطينية الأساسية ليس مجرد سهو سياسي، بل توجه استراتيجي محسوب لإعادة تعريف القضية الفلسطينية في إطار ضيق، يركز على ملف غزة الإنساني–الأمني ويُخرج الضفة الغربية والقدس من أي معادلة تفاوضية.
الأبعاد القانونية: هذا التجاهل يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة الأساسية: 242 (1967)، 338 (1973)، 2334 (2016)، وميثاق الأمم المتحدة، حيث يُفرض تجاهل الحقوق الفلسطينية التاريخية ويُشرعن الاحتلال الاستيطاني في الضفة والقدس.
الأبعاد السياسية: يضع القرار المجتمع الدولي أمام حقيقة أن الضفة الغربية والقدس ستبقيان خارج أي عملية سلام مستقبلية، وتصبح الضفة تحت إدارة إسرائيلية–أمريكية مباشرة، ما يقلص دور السلطة الفلسطينية إلى وظيفة إدارية تنفيذية.
الأبعاد الاستراتيجية: هذا التوجه يجعل أي عملية سلام مستقبلية جزئية ومحدودة، تركز على غزة فقط، وتغلق الباب أمام دولة فلسطينية على حدود 1967.
مجلس السلام برئاسة ترمب: وصاية أمريكية متجددة
إن مجلس السلام (BOP) الذي يقوده ترمب ليس وسيطًا دوليًا حياديًا، بل أداة لإعادة صياغة السلطة الفلسطينية وفق المصالح الأمريكية–الإسرائيلية.
غياب السلطة على القرار: أي التزام فلسطيني سيصبح تنفيذًا لمطالب خارجية، وليس نتيجة تفاوض متوازن.
أثره على السلطة الفلسطينية: استمرار السلطة في ظل هذا المجلس يجعلها وظيفية تنفيذية، تفتقر لأي استقلالية سياسية أو شرعية وطنية.
تأثيره على الشعب الفلسطيني: هذه الوصاية تضع الفلسطينيين أمام حقيقة مرة: استعادة غزة تتم عبر قيود خارجية، بينما يظل حلم الدولة الفلسطينية مؤجلًا بلا أي ضمانات.
تجميد حلم الدولة الفلسطينية وتأبيد المرحلة الانتقالية
أخطر ما في ملحق القرار هو عدم الإشارة لأي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية بعد انتهاء فترة الوصاية، ما يعني:
1. تأبيد المرحلة الانتقالية بلا سقف زمني.
2. تجريد السلطة الفلسطينية من أي دور تحرري أو سيادي حقيقي.
3. تحويل عملية السلام إلى مجرد إطار إداري–أمني خاضع لهيمنة خارجية.
هذه النقطة تؤكد أن المسودة لا تتعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها قضية تقرير مصير، بل كأداة لإعادة ترتيب الواقع الفلسطيني وفق مصالح الإدارة الأمريكية وإسرائيل.
المقايضة السياسية: غزة مقابل الشرعية
تظهر في المسودة المقايضة التالية:
“استعادة غزة إلى حضن الشرعية مقابل الالتزام الكامل بمتطلبات مجلس السلام (BOP)”
هذه المقايضة تجعل السلطة الفلسطينية أداة تنفيذية سياسية وأمنية، مع تقييد دورها الوطني.
تتحول غزة، رمز الصمود الوطني، إلى موقع للمساومة السياسية، فيما تظل الضفة الغربية والقدس خارج أي عملية سياسية.
هذا يعيد إنتاج نموذج أوسلو، لكن في نسخة أضعف وأكثر هشاشة قانونيًا وسياسيًا.
الاستنتاجات الاستراتيجية والسياسية
1. إعادة هندسة المشهد الفلسطيني
ملحق القرار ليس وثيقة سلام، بل أداة لإعادة هيكلة المشهد الفلسطيني وفق مصالح إسرائيلية–أمريكية، ويهدف إلى:
حصر القضية الفلسطينية في ملف غزة الإنساني–الأمني.
إخضاع السلطة الفلسطينية لوصاية أمريكية–إسرائيلية عبر مجلس السلام (BOP).
تأبيد المرحلة الانتقالية بلا سقف زمني، مما يجمد حلم الدولة الفلسطينية.
إعادة إنتاج مقايضة “غزة مقابل الشرعية”، مع تهميش المشروع الوطني الفلسطيني.
2. لحظة فارقة للقيادة الفلسطينية
في هذا السياق، تواجه القيادة الفلسطينية لحظة حاسمة لإعادة تقييم دور السلطة، واستعادة الشرعية الوطنية عبر منظمة التحرير الفلسطينية كمظلة عليا، وصياغة استراتيجية وطنية وقانونية تضمن الحقوق الوطنية والدولية للشعب الفلسطيني، وتمنع تحويل المرحلة الانتقالية إلى وصاية مفتوحة بلا سقف زمني.
3. الحل القانوني والسياسي
أي مسار فلسطيني مستقبلي يجب أن يستند إلى:
قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
مبدأ تقرير المصير.
ويجب رفض أي محاولة لتقديم غزة بوصفها مشروعًا منفصلًا عن الدولة الفلسطينية، أو جعل المرحلة الانتقالية أداة لتفريغ السلطة من دورها الوطني والسيادي.
الخلاصة الوطنية
ملحق مسودة قرار مجلس الأمن يكشف بوضوح أن الملف الفلسطيني يتعرض لمحاولة إعادة هندسة سياسية واستراتيجية، تضع غزة في قلب المقايضة، وتؤجل حلم الدولة الفلسطينية إلى ما لا نهاية. إن المرحلة الحالية تتطلب قرارًا وطنيًا استراتيجيًا شجاعًا لإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني على أسس السيادة والشراكة الوطنية، وضمان استمرار الشرعية الفلسطينية الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب