الحرب الإعلامية النفسية… أخطر الأسلحة الإسرائيلية فتكاً

الحرب الإعلامية النفسية… أخطر الأسلحة الإسرائيلية فتكاً
بقلم رئيس التحرير
لم تعد الحروب المعاصرة تُخاض في ميادين القتال وحدها، فالمعارك الأكثر خطورة باتت تدور في العقول والوجدان. وإسرائيل، التي أدركت مبكراً قيمة السيطرة على الوعي، جعلت من الحرب النفسية سلاحاً موازياً للآلة العسكرية، بل أشدّ فتكاً منها، لأنها تستهدف ثقة المجتمع بنفسه وتماسكه وقدرته على الصمود.
حرب تتجاوز مفهوم القوة التقليدية
ورغم أن البشرية عرفت منذ القدم وسائل للتأثير في وعي الآخرين، إلا أن مفهوم “الحرب النفسية” اكتسب بعد الحرب العالمية الثانية بُعداً علمياً واضحاً، حين أدركت القوى الكبرى أن إدارة الإدراك الجمعي باتت جزءاً لا يتجزأ من إدارة الحرب. وتعددت المسميات: حرب الأعصاب، الحرب الدعائية، غسل الدماغ، الحرب الباردة… لكنّ الهدف واحد: تغيير المفاهيم وتوجيه السلوك عبر أدوات إعلامية ونفسية واقتصادية وسياسية.
ويعترف قادة إسرائيل أنفسهم بأهمية هذا السلاح، إذ قال مناحيم بيغن بوضوح:
“يجب أن نعمل بسرعة قبل أن يستفيق العرب فيكتشفوا وسائلنا الدعائية… عندها لن تنفعنا أمريكا ولا بريطانيا.”
الشائعات… وقود الحرب النفسية
يصنف علماء النفس الشائعات إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
- إشاعة الخوف: لإضعاف المعنويات وإنتاج حالة من الإحباط.
- إشاعة الأمل: لتوجيه السلوك العام نحو أوهام مرسومة مسبقاً.
- إشاعة الحقد: لتمزيق المجتمع وإشعال الفتن الداخلية.
وكما وصف جيمس دريفر، الشائعة “تسري كالنار في الهشيم داخل مجتمع ضعيف الأعصاب”. وقد استغلت إسرائيل هذا الضعف في لحظات الأزمات، خصوصاً بعد الحرب على غزة، فشنّت موجة واسعة من الشائعات استهدفت:
تكريس الانقسام ، ضرب الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم. شيطنة أي جهد للمصالحة. تحويل الصراع إلى نزاع داخلي فلسطيني. حصر القضية في إطار محلي لنزع بعدها العربي والإقليمي.
من بغداد إلى كابول… وإلى غزة ؟؟ تتشابه الأساليب الإسرائيلية مع تلك التي استخدمتها الولايات المتحدة قبيل احتلال العراق وأفغانستان: ؟؟ تضخيم الادعاءات. تكرار الأكاذيب. خلق حالة ذعر عالمي.
شيطنة الضحية وتحميلها مسؤولية ما تتعرض له.
وهي الاستراتيجية ذاتها التي تُستخدم اليوم لتبرير الجرائم بحق الشعب الفلسطيني تحت شعار “مكافحة الإرهاب” أو “الدفاع عن النفس”.
الطابور الخامس… الخطر الداخلي
ظهر مصطلح “الطابور الخامس” في الحرب الأهلية الإسبانية، للدلالة على الفئة التي تخدم العدو من داخل المجتمع، سواء بوعي أو بدون وعي. وخطورته أنه:
يضرب الثقة الداخلية. يروّج الشائعات. يثير النعرات والانقسامات. يسهّل اختراق الوعي الجمعي. ولذلك فإن مواجهته ليست مهمة سياسية فحسب، بل ضرورة وطنية لحماية تماسك المجتمع.
استراتيجية المواجهة الفلسطينية
مواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية تحتاج إلى رؤية شاملة تستند إلى خمسة محاور رئيسية:
- منهاج وطني للتوعية الإعلامية ، لتعزيز الوعي العام بأساليب التضليل وكيفية التعامل مع المعلومات.
- تحقيق الوحدة الوطنية ، فالشعب المنقسم هو الهدف الأسهل للحرب النفسية، والوحدة تشكل خط الدفاع الأول.
- مواجهة الشائعة بالمعلومة الصادقة ، ومن خلال الشفافية والإفصاح عن الحقائق بعيداً عن المراوغة والتعتيم.
- إعلام وطني موحد ، من شأنه أن يمنع توظيف الإعلام في النزاعات الداخلية، ويكشف للرأي العام آليات الحرب النفسية التي تتعرض لها فلسطين.
- تعزيز الثقة بين القيادة والشعب وذلك عبر التفاعل الحقيقي، وحل المشكلات، والإنصات لهموم المواطنين.
حرب تستهدف الأمة كلها
الحرب النفسية الإسرائيلية لا تقتصر على الفلسطينيين، بل تمتد إلى الوعي العربي بأكمله، بهدف:
تشويه القضية الفلسطينية. وابعادها عن أولويات الشعوب العربية. وتصوير الصراع كأنه نزاع “فلسطيني–فلسطيني” وليس صراعاً عربياً–صهيونياً.
وخلاصة القول أن الحرب النفسية التي تُخاض ضد الشعب الفلسطيني أخطر من الحرب العسكرية، لأنها تستهدف الروح والإرادة وتماسك المجتمع. ومن هنا تأتي ضرورة توحيد الخطاب الإعلامي الفلسطيني، وكشف الرواية الإسرائيلية، وتعزيز مناعة المجتمع بالحقيقة والوحدة والإيمان.
ويقول تعالى:
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾



