تحقيقات وتقارير

باحثان إسرائيليان: من سيفكك تنظيم “حماس”؟.. السؤال الذي تتركه الولايات المتحدة مفتوحاً

باحثان إسرائيليان: من سيفكك تنظيم “حماس”؟.. السؤال الذي تتركه الولايات المتحدة مفتوحاً

الناصرة- يعرب رئيس الاستخبارات العسكرية ورئيس معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، الجنرال في الاحتياط عاموس يادلين، والباحثة في الشؤون الفلسطينية نوعا شوسترمان/دفير، عن قلقهما من طرح واشنطن “برنامج ترامب” في الأمم المتحدة بسبب بعض البنود الموجودة والأخرى المفقودة فيه، ويقدمان نصائح لتفادي المخاطر.
ويقولان، في مقال مشترك نشره موقع القناة 12 العبرية، إن مسودة القرار التي تروّج لها الإدارة الأمريكية في مجلس الأمن تهدف إلى أن تكون ركيزة مركزية لتنفيذ “برنامج ترامب” بشأن قطاع غزة منذ أيلول/سبتمبر 2025، ويُراد منها منح الإجراءات المعروضة في البرنامج شرعية دولية واسعة: تأليف حكومة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط، وإنشاء قوة استقرار دولية ومجلس سلام، ونقل السيطرة بالتدريج إلى السلطة الفلسطينية بعد قيامها بإصلاحات.

في نظر إسرائيل، يوجد ضعف جوهري في القرار؛ إذ بينما طالبت الخطة الأصلية بنزع كامل للسلاح كشرط لإعادة الإعمار، تتيح المسودة تنفيذ المسارين بالتوازي، وهو ما قد يحوّل نزع السلاح إلى شعار، لا إلى شرط مُلزم

كما يقولان إنه مع ذلك، تضع إسرائيل أهداف حرب واضحة ومهمة: تجريد “حماس” من سلاحها، ونزع سلاح القطاع، وضمان ألّا يشكل مصدر تهديد أمني، وهذه الأهداف قد تُخفّف إلى حد كبير في قرار مجلس الأمن.
ويمضيان بالتحذير: “بعكس “خطة ترامب” ذات العشرين بنداً، التي وقّعتها الولايات المتحدة وتركيا وقطر ومصر في تشرين الأول/أكتوبر، فإن قرار مجلس الأمن لا بد أن يمرّ بتصويت في منتدى يضم 15 دولة، بينها باكستان والجزائر، ومن دون أن تستخدم إحدى الدول الدائمة العضوية، وبشكل خاص الصين وروسيا، حق النقض ضد الاقتراح، لكن القرار الذي قد يُتخذ قد لا يعكس تماماً روح “برنامج ترامب”، ولا سيما أهداف الحرب الإسرائيلية”.
ويتابعان: “في الواقع، يبدو المقترح كأنه اقتراح مخفّف، مقارنةً بـ”خطة ترامب”، فهو يحاول المساعدة على تنفيذ المرحلة الثانية من البرنامج، لكنه لا يقدم معالجة شاملة للأهداف الإسرائيلية.”

الأمن ونزع السلاح: ربح مبدئي وغموض عملي
ويعللان مخاوفهما بالقول إنه من منظور إسرائيل، تتلاءم البنود الأمنية في المسودة مع خطة ترامب المتركزة على نزع سلاح القطاع، وإنشاء قوة استقرار دولية، وتعاون وثيق مع إسرائيل ومصر، وبذلك تمنح المسودة شرعية دولية أوسع لمطالبة إسرائيل بنزع السلاح الكامل من القطاع.
لكن مع ذلك، يعاني نص المسودة من غموض عملي شديد: تقوم مهمة قوة الاستقرار الدولية على التأكد من عملية نزع السلاح، لكنها لا تحدد الجهة التي ستقوم بذلك في حال لم تقم “حماس” بذلك طوعاً، كما أن صلاحيات الشرطة الفلسطينية التي ستقام غير واضحة.
كما يزعمان أنه لا يوجد ربط بين إعادة الإعمار وإتمام نزع السلاح، أي أن المساعدات الإنسانية، وربما الاقتصادية، قد تتقدم حتى من دون تفكيك كامل للبنية العسكرية لـ”حماس”، وهو ما يثير مخاوف من استغلال الحركة إعادة الإعمار المدني من أجل إعادة بناء بنيتها التحتية العسكرية.
كذلك لا يكتفي الباحثان الإسرائيليان بالإجراءات المفروضة على “حماس” في المسودة، ويشيران إلى أنه بخلاف “خطة ترامب”، فإنها تدعو إلى “القضاء على البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية ومنع إعادة تأهيلها”، لكنها لا تذكر بشكل واضح الأنفاق غير الهجومية أو البنى الداعمة لإنتاج السلاح.
ويضيفان: “في نظر إسرائيل، يوجد ضعف جوهري في القرار، إذ بينما طالبت الخطة الأصلية بنزع كامل للسلاح كشرط لإعادة الإعمار، تتيح المسودة تنفيذ المسارين بالتوازي، وهو ما قد يحوّل نزع السلاح إلى شعار، لا إلى شرط مُلزم”.

الحضور الإسرائيلي: غياب مقلق للوضوح
وضمن التحذيرات مما هو آتٍ، يقولان إن “خطة ترامب” حددت خريطة انسحاب للجيش الإسرائيلي، لكنها لم تحدد شروط الانتقال من “الخط الأصفر” إلى “الخط الأحمر”، ثم إلى المحيط الأمني، كما أن نص المسودة لا يتناول ذلك، ولا يمنح وجود الجيش على الأرض وضعاً قانونياً.
وطبقاً لهما، يخلق هذا الإغفال فجوة إستراتيجية وسياسية خطِرة: فبينما تسعى إسرائيل للحفاظ على مساحة أمنية مستقلة وحرية عمل ضد “الإرهاب”، قد يُفسَّر القرار بأنه تقييد لصلاحياتها في الميدان، وخصوصاً إذا قام مجلس الأمن بدور إشرافي.
ويعربان عن خشيتهما من أن النتيجة ستكون نشر قوات أجنبية في منطقة تعجّ بمسلحي “حماس”، ومن الصعب افتراض استعداد هذه الدول لنزع سلاح الحركة.

حكومة انتقالية: رافعة أم قيد على إسرائيل
كما يدعيان أن هدف إنشاء “مجلس السلام” وحكومة فلسطينية من التكنوقراط هو إقامة نظام مستقر خاضع للرقابة يمنع عودة “حماس”، ويكون مختلفاً عن السلطة الفلسطينية، غير أن المسودة تمنح “مجلس السلام” صلاحية شبه مطلقة لتحديد وقت استيفاء السلطة الفلسطينية “الشروط المطلوبة”.
ورغم أن المجلس سيقوده ترامب، فإنه سيضم أيضاً تمثيلاً عربياً ودولياً، وهو ما قد يجعل اتخاذ القرار خارج السيطرة الإسرائيلية.
ويمضيان في البحث عن “فجوات” داخل المسودة: “يحدد نص المسودة فترة عمل لا تقل عن عامين من دون أهداف قابلة للقياس أو معايير واضحة للانتقال إلى المرحلة التالية، أو لتحديد النجاح والفشل. فالحكومة الإسرائيلية الحالية تستفيد من تأخير عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، لكنها تواجه خطر أن يتحول “مجلس السلام” إلى وسيط غير متعاطف معها، بينما قد تصبح الهيمنة الأمريكية عبئاً في المراحل اللاحقة، بعد انتهاء ولاية ترامب”.

السياق السياسي: غياب الدولة الفلسطينية إنجاز مؤقت لكنه هش
سياسياً، تُعتبر المسودة، حسب الباحثين الإسرائيليين، إنجازاً مهماً للسردية الإسرائيلية، لأنها لا تشير إلى قرارات الأمم المتحدة السابقة بشأن النزاع، وبالتالي لا تتبنى تقاليد قرارات الأمم المتحدة، ولا تذكر أفقاً سياسياً أو عبارة “دولة فلسطينية”، وبذلك تتجاوز مسألة “حل الدولتين”.
ومع ذلك، من المتوقع أن تطلب فرنسا، لدى تداول المسودة بين أعضاء مجلس الأمن، إضافة إشارة إلى “إعلان نيويورك” الذي صيغ بروح تسوية مستقبلية وتطرقت إليه “خطة ترامب”. وإذا تم قبول هذا الطلب كشرط لإقرار القرار، فيمكن أن يعيد فكرة الدولة الفلسطينية إلى الطاولة، ولو بشكل غير مباشر.

الساحة الدبلوماسية: تفاهمات مع دول منافسة وعدوة
طبقاً ليادلين وشوسترمان/دفير، تمثل المسودة نسخة أمريكية متوازنة نسبياً، لكن التصويت في المجلس قد يفرض على إسرائيل تغييرات سلبية؛ فقد تطالب روسيا والصين وباكستان والجزائر بصيغ تقيّد إسرائيل، مثل المطالبة بانسحاب كامل للجيش، أو إخضاع “مجلس السلام” وقوة حفظ الاستقرار لإشراف أممي كامل.
وبالنسبة إلى إسرائيل، مثل هذا السيناريو سيحوّل القرار من إطار داعم إلى مبادرة تقيّد حريتها العسكرية والسياسية.

الولايات المتحدة ورسائلها الجانبية: معالجة الفجوات
ويقولان إن علاقات الولايات المتحدة مع بعض هذه الأطراف معقدة، ومن المتوقع أن تستغل رغبتها في تحقيق التوافقات للحصول على مكاسب سياسية خاصة، كما أن الدافع الأمريكي إلى إتمام المسار وقدرة الولايات المتحدة على تقديم التنازلات في المفاوضات سيُختبران في التصويت.
ويمضيان في استعراض المحاذير: “من وجهة نظر إسرائيل، تُعتبر المسودة سيفاً ذا حدين؛ فهي من جهة تمنح الشرعية الدولية لمبادئ تخدم أهدافها: نزع السلاح، والأمن، وإدارة التكنوقراط، وتفتح الباب لتحسين مكانتها السياسية التي تضررت خلال الحرب، لكنها من جهة أخرى لا تقدم ضمانات أمنية كافية، فالقرار يُنشئ إطاراً قد يجعل السيطرة على غزة شأناً دولياً مفتوحاً، تكون فيه إسرائيل طرفاً بين أطراف عديدة، وليست صاحبة القرار الحاسم”.

من وجهة نظر إسرائيل، تُعتبر المسودة سيفاً ذا حدين؛ فهي تمنح الشرعية الدولية لمبادئ تخدم أهدافها، لكنها في الوقت نفسه لا تقدم ضمانات أمنية كافية، وقد تجعل السيطرة على غزة شأناً دولياً مفتوحاً تكون فيه إسرائيل طرفاً بين أطراف عديدة

في المقابل، يريان أنه إذا أُقرّ الاقتراح في الأمم المتحدة، فستجد إسرائيل نفسها في دور ثانوي داخل القطاع، وهي فرصة لإعادة الإعمار الاجتماعي والاقتصادي، وتخفيف العبء عن جنود الاحتياط، ومعالجة الأزمات الداخلية، وفرصة أيضاً لتجديد البنى وإنعاش القوات، ووضع خطط مستقبلية لمواجهة “حماس” في حال فشل البرنامج.
من هنا يستنتجان أنه يجب على إسرائيل التوصل إلى تفاهم جانبي مع الولايات المتحدة يضمن حريتها في العمل داخل غزة في حالتين: إذا لم تقم قوة “الاستقرار الدولية” بتنفيذ نزع السلاح أو مراقبته كما يجب، أو إذا فشلت الخطة، وهو ما يضطر إسرائيل إلى استئناف القتال.
كذلك يدعوان إلى المطالبة بتثبيت الظروف التي تتيح لإسرائيل المطالبة بانسحاب قوات الاحتلال من القطاع، وتحديد مدد زمنية وشروط يُعتبر فيها عدم تسليم الجثامين خرقاً جسيماً من جانب “حماس” يبرر ضغطاً عسكرياً مباشراً عليها.
وبعد كل ذلك، يخلص الباحثان الإسرائيليان إلى القول إنه رغم المخاوف الإسرائيلية، فإننا نشهد حدثاً استثنائياً يتمثل في إجماع واسع على ضرورة نزع سلاح “حماس” ونزع سلاح قطاع غزة.
ويقولان أيضاً إن الاستعداد العربي لإرسال جنود يشكل فرصة فريدة لإدخال جهات معتدلة وإيجابية إلى القطاع، لديها مصالح متقاطعة مع إسرائيل، وتلتزم نزع التطرف وتحقيق الازدهار، وتتمتع بتفويض واسع لتغيير الواقع القائم، وإن استغلال هذه الفرصة بشكل صحيح يمكن أن يمهّد الطريق إلى اندماج إقليمي أوسع.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب