الافتتاحيهرئيسي

تصدع الجمهوريين وفضائح إبستين…

تصدع الجمهوريين وفضائح إبستين…

بقلم رئيس التحرير 

تشهد الساحة السياسية الأمريكية، منذ الكشف المتجدد لوثائق وإيميلات مرتبطة بقضية جيفري إبستين، حالة غير مسبوقة من الانقسام داخل الحزب الجمهوري. هذا التصدع لا يقتصر على خلافات مؤقتة أو تكتيكية، بل يبدو امتدادًا لصراع أيديولوجي عميق داخل معسكر ماجا، بين من يطالب بالشفافية ومسائلة ترامب، ومن يراه هدفًا لمحاولات تآمر داخلي.

تصدع داخلي في قلب التيار الترامبي

التسريبات الأخيرة أثارت غضبًا في قاعدة «ماجا» من زعيمهم. فبعض الأصوات التي لطالما دافعت عن ترامب بعبارات «أمريكا أولًا» ترى الآن أنه لا يفي بوعد الكشف الكامل عن ملف إبستين، وأنه يتباطأ في مواجهة ما تصفه بـ «استهداف شخصي وسياسي».

في المقابل، يرد الرئيس ترمب بأن ما يجري هو «مؤامرة» تستهدفه، محاولًا تقويض مصداقية المنتقدين داخل حزبه. هذا التوتر يعكس ما هو أبعد من أزمة أخلاقية: إنه اختبار للولاء بين القيادة والقواعد، وقد يُعيد ترسيم علاقات القوة داخل الحزب الجمهوري.

من الناحية الاستراتيجية، فإن هذا الصراع قد يشكل تهديدا مباشرًا لتمركز ترامب كزعيم جامع. فشرائح من القاعدة التي طالما اعتبرت نفسه ممثّلها الأسمى، قد تشعر بخيبة أمل إذا استمر القصور في التعامل مع ملف إبستين بشفافية تامة. وهذا يفتح الباب أمام تيارات جديدة داخل الحزب، ربما تسعى إلى إعادة تقييم الأولويات الداخلية والخارجية.

انعكاسات استراتيجية على السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل

في الوقت الذي يعج فيه الحزب الجمهوري بأزمات داخلية، فإن العلاقة الأمريكيةالإسرائيلية لا بد أن تستشعر ارتدادات هذه التوترات. فمتى تضعِف التماسك الجمهوري القوي حول الدعم لإسرائيل، تتغير معادلات الضغط والتوازن الاستراتيجي.

تحول في الرأي العام الأمريكي

الدعم الشعبي لإسرائيل في الولايات المتحدة بات يتآكل تدريجيًا، وفقاً لعدة استطلاعات:

أظهر استطلاع غالوب أن نسبة الموافقة على التدخل العسكري الإسرائيلي في غزة تراجعت إلى 32٪، فيما بلغت نسبة الرفض 60٪.

وفقًا لتقرير Pew Research Center، فإن 59٪ من الأمريكيين يحملون رأيًا سلبيًا تجاه الحكومة الإسرائيلية.

كذلك، في ما يتعلق بعنف الصراع، 39٪ من الأمريكيين يعتقدون أن إسرائيل ذهبت بعيدًا جدًا في ضرب غزة، مقارنة مع 31٪ قبل عام.

استطلاع Chicago Council on Global Affairs يُظهر تباينًا واضحًا في الموقف الشعبي من المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل: نسبة كبيرة تقول إنه يجب إعادة النظر في الدعم، وهناك من يعتقد أن التحالف لم يعد يخدم مصداقية الولايات المتحدة.

ويُضاف إلى ذلك أن أكثر من نصف الأمريكيين (53٪) يعبرون عن نظرة سلبية تجاه إسرائيل عمومًا، ارتفاعًا من 42٪ قبل بضع سنوات، بحسب استطلاع حديث من Pew.

هذه البيانات تشير إلى تحول شعبي متنامٍ، خصوصًا بين الأجيال الشابة والناخبين غير الحزبيين، في اتجاه نقد أكثر حدة للدور الإسرائيلي في الصراع الفلسطيني، وللسياسة الأمريكية الداعمة له.

ضغط متزايد على صانعي القرار

في ظل هذا التغير الشعبي، قد يجد صناع القرار الأمريكيون، سواء في البيت الأبيض أو الكونغرس، أنفسهم أمام ضغط متزايد لإعادة ضبط العلاقة مع إسرائيل. الدعم العسكري والسياسي الذي كان يُقدَّم دون مناقشة صار اليوم محل تساؤل، خاصة من أولئك الذين يرون أن مصلحة الولايات المتحدة قد لا تكون مرتبطة بدعم غير مشروط.

كما أن الانقسامات داخل الحزب الجمهوري بشأن إبستين قد تضعف موقف الزعماء الذين يرون في إسرائيل شريكًا لا بد من دعمه بلا تحفظ. فإذا استمر اقتتال النفوذ داخل الحزب، قد تتشكل قيادة جديدة تدعو إلى علاقة أكثر تجديدًا، تقوم على الاهتمام بالمصالح الأمريكية أولًا، وليس فقط الولاء التاريخي لإسرائيل.

قراءة تاريخية واستنتاج استراتيجي

إن ما يجري اليوم ليس مجرد جدل داخلي خاطف، بل نقطة تحوّل استراتيجية محتملة في العلاقة الأمريكيةالإسرائيلية. الصراع بين القاعدة والقيادة في الحزب الجمهوري، مدعومًا بتغيرات في الرأي العام الأمريكي، يمكن أن يفضي إلى إعادة هندسة طبيعة هذا التحالف.

من الممكن أن نكون أمام مرحلة جديدة في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، حيث يصبح الدعم لإسرائيل أكثر مشروطية، وأكثر تساؤلًا داخليًا، وأقل قدرة على الاعتماد على الولاء الأيديولوجي فقط. هذا ليس بالضرورة نهاية التحالف، لكنه دعوة لإعادة تقييم أولويات واشنطن، وفقًا لمعادلات داخلية جديدة.

خلاصة

أزمة إبستين تفتح بابًا لمراجعة المكاسب والنفوذ داخل الحزب الجمهوري.

تراجع تأييد السكان الأمريكيين لإسرائيل يشكل عامل ضغط استراتيجي حقيقي.

مستقبل العلاقة الأمريكيةالإسرائيلية قد لا يكون كما كان: الدعم التقليدي يواجه تحديات داخلية وشعبية تستدعي إعادة ضبط فعلي.

في النهاية، ما نشهده اليوم من تصدعات داخل الجمهوريين وتحوّلات في الرأي العام قد ترسم بداية عهد جديد في العلاقات الأمريكيةالإسرائيلية، ليس مبنيًا فقط على الولاء القديم، بل على حسابات استراتيجية ومعايير مصلحة وطنية حديثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب