نتنياهو في جبل الشيخ السوري: رسائل أمنية وسياسية في ظل توترات إقليمية

نتنياهو في جبل الشيخ السوري: رسائل أمنية وسياسية في ظل توترات إقليمية
منهل باريش
زيارة نتنياهو للقاعدة الإسرائيلية المطلة على دمشق، بالغة الخطورة، أراد من خلالها إرسال رسائل قوية لكل من ترامب وبوتين وأردوغان والشرع.
في زيارة تحمل دلالات عميقة، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأربعاء الماضي بجولة ميدانية في جبل الشيخ (جبل حرمون) في عمق الأراضي السورية، والذي يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024.
رافق نتنياهو وفد رفيع المستوى يضم وزراء الدفاع والخارجية ورئيس الأركان، وتأتي الزيارة في توقيت حساس للغاية، بعد أسابيع قليلة من زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، وفي أعقاب جولة روسية ميدانية في ريف القنيطرة، وزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض قبل أيام.
تعتبر زيارة نتنياهو للقاعدة الإسرائيلية المطلة على دمشق، حادثة بالغة الخطورة سياسيا وأمنيا وعسكريا، أراد من خلالها إرسال رسائل قوية لكل من ترامب وبوتين واردوغان والشرع.
في المقام الأول، تعتبر زيارة نتنياهو وفريقه ردا على التحركات الروسية الأخيرة في جنوب سوريا، حيث تجول وفد عسكري روسي قبل يومين فقط، برفقة ضباط من وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين، في منطقة التلول الحمر بريف القنيطرة داخل المنطقة منزوعة السلاح.
هذه الدورية الروسية مثلت تحدياً مباشراً للمصالح الإسرائيلية، خاصة وأن روسيا تحافظ على علاقات وثيقة مع دمشق الجديدة وتسعى لإعادة ترتيب الخريطة الأمنية جنوباً.
بالإضافة إلى ذلك، يأتي الرد الإسرائيلي في ظل مخاوف من أن تكون الدورية الروسية جزءاً من صفقة أوسع تشمل تركيا، التي لها مصالح متشابكة في شمال سوريا وتسعى للحد من النفوذ الكردي المتمثل في قوات سوريا الديمقراطية.
من ناحية أخرى، يعكس هذا التحرك الاستراتيجي تعثراً واضحاً في المفاوضات بين إسرائيل وسوريا، التي كانت تجري بوساطة دولية للتوصل إلى اتفاق أمني يستند إلى تفاهمات 1974.
قبل ذلك، ووفقاً لتقارير هيئة البث الإسرائيلية، توقفت هذه المفاوضات بسبب رفض إسرائيل طلب الشرع بالانسحاب من المناطق المحتلة بعد سقوط الأسد، مقابل سعي تل أبيب إلى اتفاق سلام.
ومع ذلك، يبدو أن تركيا تلعب دوراً غير مباشر هنا، فأنقرة، التي تحارب الوحدات الكردية في شمال شرق سوريا، قد ترى في الضغط الروسي فرصة لإضعاف التحالفات الكردية مع دمشق، ما يعزز من نفوذها الإقليمي.
في المقابل، يراهن نتنياهو على دعم ترامب لفرض شروط إسرائيلية قاسية، مثل إنشاء منطقة منزوعة السلاح جنوباً تمتد إلى الحدود الأردنية وشرقاً لـ 30 كيلومتراً في حوران، مع وجود دائم على جبل الشيخ وممر بري آمن إلى القرى الدرزية في السويداء.
هذه الشروط، التي رفضتها الإدارة السورية الانتقالية، تحول الزيارة إلى أداة لتعزيز الوحدة مع الدروز الإسرائيليين، وإرسال إشارة إلى روسيا وتركيا بأن أي تغيير في الوضع الراهن سيكون بموافقة إسرائيل فقط.
بالتالي، يمكن القول إن هذه الزيارة ليست مجرد استعراض قوة، بل جزء من استراتيجية إقليمية أوسع تهدف إلى منع عودة النفوذ الإيراني أو حزب الله عبر الحدود، مع الاستفادة من الفراغ السياسي في سوريا.
وفي الوقت نفسه، تكشف عن مخاوف إسرائيلية من ضغوط أمريكية محتملة، خاصة مع تقارب ترامب مع الشرع، الذي يعتبر أن انضمام سوريا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، سابقة لأوانها وأن سوريا غير جاهزة لذلك حتى اليوم.
دمشق غاضبة
رداً على الزيارة، أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً رسمياً أدانت فيه الخطوة «بأشد العبارات»، معتبرة إياها «غير شرعية» وانتهاكاً خطيراً للسيادة السورية ووحدة أراضيها. وأكد بيان الخارجية على أن الزيارة تمثل «محاولة لفرض أمر واقع يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وتندرج ضمن سياسات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة في انتهاك الأراضي السورية».
كما جددت سوريا مطالبتها بانسحاب إسرائيلي كامل من الجنوب السوري، مؤكدة أن جميع الإجراءات الإسرائيلية في المنطقة باطلة ولاغية وفقاً للقانون الدولي، ودعت المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته في ردع هذه الممارسات والإلتزام بالعودة إلى اتفاقية فض النزاع لعام 1974.
من جانب آخر، أجرى نتنياهو مراقبة ميدانية للقطاع الحدودي داخل المنطقة العازلة السورية، تلتها مناقشة أمنية مفصلة مع الوفد المرافق، الذي شمل مدير الشاباك ومسؤولين عسكريين كبار مثل رئيس القيادة الشمالية وقائد الفرقة 210.
هذا الانتشار الإسرائيلي، الذي يصل عمقه إلى 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية ويشمل تسعة مواقع رئيسية جنوباً، بما في ذلك موقعين على جبل الشيخ، يهدف أساساً إلى الاستيلاء على أسلحة محتملة التهديد، مثل تلك التي قد تقع في أيدي حزب الله أو عناصر ترصدها تل أبيب وتثير مخاوفها في وادي اليرموك الذي كان معقل تنظيم جيش خالد بن الوليد الموالي لتنظيم «الدولة الإسلامية».
وقد أكد وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس خلال الزيارة التزام إسرائيل بالحفاظ على السيطرة «طالما لزم الأمر»، مع التركيز على منع أي نفوذ إيراني متبقي.
علاوة على ذلك، تأتي الزيارة في سياق اعتقالات أمنية داخلية، حيث أفادت القناة 12 الإسرائيلية باعتقال خمسة أشخاص، بينهم جنود نظاميون واحتياطيون، بشبهة تورطهم في شبكة تهريب أسلحة من الأراضي السورية إلى داخل إسرائيل، انطلاقاً من قرية حضر في جبل الشيخ.
هذا الاشتباه يعكس التحديات الأمنية الداخلية التي تواجه إسرائيل في إدارة المناطق المحتلة، حيث قد تكون هذه الشبكات مرتبطة بفصائل محلية وأخرى غير منضبطة، ما يزيد من تعقيد الوضع العسكري. ويعتمد الجيش الإسرائيلي على عمليات تدمير مخازن أسلحة سابقة لجيش النظام السابق، كما نقلت «إسرائيل هيوم»، لمنع وقوعها في أيدي ميليشيات.
كما أن الزيارة تزامنت مع إلغاء جلسة محاكمة نتنياهو الجنائية بسبب «مسألة أمنية»، وهي ليست المرة الأولى، ما يشير إلى استخدام الأمن كغطاء سياسي داخلي.
وبالتالي، يمثل هذا القسم تحذيراً من تطور المهمة العسكرية في أي لحظة، كما قال نتنياهو للقادة والجنود، مع الثقة في قدراتهم لحماية الحدود الشمالية والمجتمعات الدرزية. ومع ذلك، يثير رفض سوريا للشروط الإسرائيلية مخاوف من تصعيد عسكري، خاصة مع بيان وزارة الخارجية السورية الذي أدان الزيارة كانتهاك للسيادة ودعا المجتمع الدولي للردع.
ميدانيا، يظهر الواقع على الأرض صورة من التوتر المستمر، حيث نصب الجيش الإسرائيلي صباح 20 تشرين الثاني/نوفمبر حاجزاً مؤقتاً في بلدة بئر عجم بريف القنيطرة، مع تفتيش المارة، من دون اعتقالات.
كما استهدف مساء الأربعاء محيط تل أحمر شرقي بأربع قذائف مدفعية، ما أسفر عن أضرار مادية فقط. وشملت توغلات جيش الاحتلال أيضاً عملية تفتيش منزل سكني في بلدة رويحينة يوم الثلاثاء، ما يعكس نمطاً من العمليات اليومية التي شهدتها المنطقة منذ السيطرة الإسرائيلية، وفقاً لتقارير محلية.
هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز السيطرة على القرى الدرزية في محافظة القنيطرة وأجزاء قريبة من محافظة ريف دمشق، ومنع أي تحركات معادية، لكنها تزيد من الغضب المحلي وتعقد العلاقات مع السكان.
ورغم أن عودة روسيا إلى استطلاع نقاطها العسكرية في الجنوب السوري تشكل مفاجأة لقسم كبير من السوريين، إلا أنها تأتي ضمن التزام الإدارة السورية الجديدة بالاتفاقيات الموقعة بين الأسد وبوتين. ومع أن العودة الروسية تعتبر تحديا للخطط الاستراتيجية الإسرائيلية لهندسة المنطقة في مرحلة ما بعد إيران، فقد تشكل العودة الروسية حلا مرضيا لنتنياهو في حال التزمت الأولى بتطبيق نسخة معدلة من الاتفاق القديم عام 2018.
اليوم، يمكن ان تعدل الصيغة لتكون مرضية لدمشق وتل أبيب.




