“نصدق أنفسنا ولا نرى سوانا”… حين يصنفنا العالم دولة خرجت عن توازنها الاستراتيجي

“نصدق أنفسنا ولا نرى سوانا”… حين يصنفنا العالم دولة خرجت عن توازنها الاستراتيجي
د. ميخائيل ميلشتاين
لو تشكلت لجنة تحقيق رسمية بشأن إخفاق 7 أكتوبر، لفحصت الإخفاقات التي ولدت في أثناء الحرب، وربما تتوصل إلى البحث في مسألة كيف انتهت الحرب، وتظهر صورة مركبة يجب على الإسرائيليين أن يعرفوها: المواجهة لم تنته بعد حسم العدو أو في أعقاب قرار شجاع من إسرائيل، بل نتيجة ضغط خارجي نبع من إحساس أمريكي بأن إسرائيل التي تواصل حرباً عديمة الاتجاه تخرج عن توازنها الاستراتيجي وتبدأ بإلحاق الضرر بنفسها، بل وتمس بمصالح واشنطن.
الإخفاقات التي لا تعالج، تميل لتكرار نفسها، والأمر تجسد الأسبوع الماضي في التصويت بمجلس الأمن للأمم المتحدة على خطة ترامب حول اليوم التالي في غزة (وفي واقع الأمر، مصادرة المسؤولية عن تصميم المنطقة من أيدي إسرائيل)، إلى جانب ذكر هامشي نسبياً للحاجة إلى “شق الطريق لدولة فلسطينية”. الموضوعان، وبخاصة الدولة الفلسطينية، يقفان في تضارب مع مصالح الحكومة الحالية، وفرضا عليها لأنها لا تعرض أي مبادرات قابلة للتحقق، وعالقة في الخيالات، وتستخف باصطلاح استراتيجية وتفضل الاعتماد على استخدام القوة.
الإخفاقات التي لا تعالج، تميل لتكرار نفسها، والأمر تجسد الأسبوع الماضي في التصويت بمجلس الأمن للأمم المتحدة على خطة ترامب حول اليوم التالي في غزة
لما تجذر عُرف بعدم الانشغال بالإخفاقات، فالنهج السائد هو تغطية الفجوات والإخفاقات من خلال ابتكارات وخيالات. في هذا الإطار، يشرح لنا بأن الفشل يعد نجاحاً في واقع الأمر، ويروج لحملات مكثفة من التهدئة لا تفعل سوى إشعال القلق في ضوء التساؤل إذا كان أصحاب القرار يحللون الواقع بشكل واع ويتخذون الأدوات الصحيحة لمعالجة المشاكل.
منذ الأسبوع الماضي، صعدت في الخطاب الإسرائيلي أصوات تدعي بأن قرار الأمم المتحدة في واقع الأمر يبعد تحقق دولة فلسطينية (؟!)، وأن صفقة الـ F35 التي وقعت بين الولايات المتحدة والسعودية – في ظل نصب تحد للتفوق الجوي الإسرائيلي ودون أن تكون الرياض مطالبة بتلطيف حدة شرطها للتطبيع مع إسرائيل (بحث في دولة فلسطينية) مقابل صفقة السلاح وحلف استراتيجي مع واشنطن – ليست خطيرة كونها ستتم بعد زمن طويل، والكون لطائرات التي ستباع للسعوديين ليست جيدة كتلك التي لدى سلاح الجو.
أولئك المهدئون الوطنيون شرحوا بأن الهجوم في قطر، الذي وصفوه بـ “النجاح”، مس بمكانة الدوحة الإقليمية والدولية (التي تعززت)، وبعد أن شاهدوا توقيع اتفاق استراتيجي بينها وبين الولايات المتحدة، سارعوا للتهدئة بأنه “ليس عقداً ملزماً”. بالمناسبة، لا يشعرون بانعدام الراحة أيضاً في مواصلة تعريف الإخفاقات الواضحة مثل GHF كنجاح يجب توسيعه، وكما ذكر آنفاً بالنسبة لتنمية الميليشيات في القطاع.
القاسم المشترك في كل الأحداث هو انعدام قدرتنا على رواية الحقيقة لأنفسنا بشأن الإخفاقات، لكن أيضاً الاعتراف بحقيقة أن الأسرة الدولية – التي ينضم إليها ترامب بالتدريج رغم أن الكثيرين في إسرائيل يتمسكون بالمفهوم القائل إنه سيكون إلى جانب إسرائيل في كل خطوة تتخذها – يئست من فهم سياسة إسرائيل وبدأت تشتبه أنها حبيسة عقدة اعتبارات سياسية حزبية وأوهام أيديولوجية ضارة.
في أعقاب ذلك، يتوصل الكثيرون في العالم إلى الاستنتاج بوجوب تصميم للواقع في الساحة الفلسطينية بدلاً من إسرائيل ومن فوق رأسها: بدءاً بالمبادرة السعودية الفرنسية للاعتراف بدولة فلسطينية (التي ذكرت في خطة ترامب)، وانتهاء بالخطوات الأمريكية في السياق الفلسطيني الذي يروج له منذ نهاية الحرب.
إن أعمال الشغب المتزايدة في الضفة تشدد على الصورة إياها لدولة خرجت عن توازنها الاستراتيجي– وعلى رأسه العالم العربي- لأن المسؤولين في الحكومة وإن كانوا نددوا بأعمال الشغب، لكن في الوقت نفسه ينتبهون إلى أن حجم الظاهرة يتسع ومظاهرها تتطرف، وأن إنفاذ القانون ليس مصمماً على الإطلاق، وأن هناك مسؤولين آخرين في الحكومة وفي الائتلاف لا يتطرقون للأحداث القاسية، ويشرحون علناً بأن هدفها هو تغيير تام للواقع بين البحر والنهر، بما في ذلك إسقاط السلطة وإقامة دولة واحدة.
إن التكرار المهووس بالأخطاء والأوهام يجسد مدى حيوي التشكيل الفوري للجنة تحقيق رسمية بريئة من التحيزات السياسية والأيديولوجية التي تمنع تشخيصاً دقيقاً لجذور الفشل. يدور الحديث عن مصلحة حيوية لعموم المواطنين دون صلة بفكرهم، لغرض إصلاح جماعي وصياغة صحيحة لأهداف المستقبل.
بالمناسبة، لا مانع في أن تعود اللجنة بالفعل “إلى الوراء في الزمن” كما يطالب مسؤولون كبار في الائتلاف. فتحليل تاريخي واع وجدي كفيل أن يثبت بأنه لا يمكن أن تتجاهل إسرائيل أو تتهرب من الموضوع الفلسطيني مثلما تفعل الحكومة الحالية بثبات، وبدلاً من ذلك الإيمان بأن الزمن يلعب في صالحنا وأنه يمكن إدارة النزاع وتشكيل “عصر معجزة” يسمح بهندسة الواقع من خلال تشجيع الهجرة إلى جانب الاستيطان والضم في كل مكان.
كل من يفعل هذا نهايته انهيار الواقع على رأسه مثلما حصل في 7 أكتوبر، وقبل ذلك في الانتفاضة الأولى. إن السبيل لمنع تكرار مثل هذه الصدمة منوط بتحقيق جدي لإخفاق الماضي واستيعاب دروسه.
يديعوت أحرونوت 23/11/2025




