مقالات

الحروب الجديدة وتحديات المستقبل العربي-«الحرب الإدراكية» -بقلم علي رعد

بقلم علي رعد-العراق

الحروب الجديدة وتحديات المستقبل العربي
بقلم علي رعد -العراق
في خضم الصراعات والتوترات العالمية بدأ مفهوم «الحرب الإدراكية» يتردد كثيراً في التقارير الإعلامية، حيث تتهم بعض الأطراف، دولاً أخرى بشن حرب إدراكية ضدها من خلال المناورات واستعراضات القوة وغير ذلك من مظاهر هذه الحرب. كما تتواتر إلى الآذان مفاهيم ذات صلة مثل السيكولوجيا السيبرانية، أو علم النفس السيبراني، وهو أحد نتاجات التطور التقني والتفاعل بين علم النفس وتكنولوجيا الاتصال الحديثة، ويدرس الظواهر السلوكية والنفسية المرتبطة بهذه التكنولوجيا
الحرب الإدراكية تستخدم من دون شك نظريات علم النفس التقليدية والحديثة معاً، وتشهد تطوراً متسارعاً انتقل بها من حروب الأجيال (الرابع والخامس …إلخ) إلى حرب إدراكية شاملة ربما لا تختلف كثيراً عن حروب الأجيال التي أشرت إليها سالفاً، ولكنها أكثر تطوراً وعمقاً من حيث توظيف نظريات علم النفس والسيكولوجيا السيبرانية في السيطرة على المجتمعات وتغيير قناعات الأفراد وسلوكياتهم.
خلاصة كل ما سبق وما يدور في مختبرات تطوير الحروب ونظرياتها في الدول الكبرى يتمحور حول العقل البشري، الذي أصبح ميدان الصراع الحقيقي بين الدول. ورغم أن الحروب التقليدية لا تزال تمثل خطراً فعلياً على الأمن والاستقرار الدوليين كما يحدث حاليًا في مناطق عدة من العالم، فإن الحروب الإدراكية تعمل بالتوازي معها وتمثل خطراً أكثر استدامة من الحروب التقليدية، كونها تعد حروب المستقبل وساحات صراعه هي الأكثر تدميراً للعقل البشري.
حروب الماضي وكثير من حروب الحاضر استهدفت البنى التحتية والمنشآت، ولكن الخطر الأكبر يكمن في الدمار الذي ينتظر عقول الدول المستهدفة بالحروب الإدراكية، فهي ليست كحروب الجيل الرابع من حيث تغيير القناعات وتغييب الوعي والتلاعب بالعقول والأفكار، من خلال الشائعات والحرب النفسية وغير ذلك من أدوات معروفة، فهي تسلك مناهج أكثر عمقاً وخطورة، حيث توظف الذكاء الاصطناعي في التلاعب بمدركات المجتمعات والشعوب بشكل كامل، وصولاً إلى تغيير السلوك البشري، وذلك من منهجيات تعتمد على فهم السلوك البشري ودوافعه بالاعتماد على قواعد بيانات هائلة للبشر، بحيث يتم تحليل هذه البيانات وفهم الدوافع السلوكية ومن ثم التحكم بها، كما يحدث بالنسبة لشركات التسويق العملاقة التي تستخدم أساليب التحليل النفسي لفهم السلوك البشري في عمليات الشراء ومن ثم التسلل إلى العقل وبناء الدوافع والمحفزات التي تستهدفها هذه الشركات.
كل هذه العمليات أساسها البيانات الشخصية التي يتم جمعها من خلال مختلف وسائل التواصل والاتصالات، حتى أصبحت واحدة من أغلى المقتنيات التي تحتاجها الأنظمة الخوارزمية وعمليات الذكاء الاصطناعي من أجل فهم سلوكيات الأفراد ومن ثم التحكم بها.
الأبحاث العلمية الحديثة تتحدث عن البيانات باعتبارها أحد الأصول الإستراتيجية للدول، والذكاء الاصطناعي يتطور بشكل هائل وينتج بوتيرة متسارعة مفاهيم واتجاهات جديدة ولاسيما في مجال علاقة الإنسان بالتقنيات، وأكثر ما يشغلني في هذا الاتجاه هو موقع العالم العربي من هذا التطور العلمي الكبير، وكيف أن العديد من الدول العربية لا تزال تعاني أنظمة تعليمية متخلفة لا تصلح تماماً لتخريج أجيال قادرة على فهم تحديات الحاضر والتعامل معها، ناهيك عن المستقبل بكل ما ينطوي عليه من قفزات تقنية متوقعة.
الدول العربية، أو بعضها على الأقل ينخرط بشكل فاعل في مواكبة التطور العالمي حول تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخداماتها المدنية والعسكرية، ولكن لا تزال وتيرة مواكبة التطور العالمي في هذا المجال تقتصر على شريحة ضئيلة للغاية من الدول العربية، كما أن بعض جوانب التطور في هذا المجال لا تزال غائبة تماماً، والأمر هنا لا يشمل المنطقة العربية فقط، بل يطال مناطق عديدة من العالم، حيث تكاد بعض الدول المتقدمة أن تحتكر هذه المعارف باعتبارها مصادر القوة الجديدة في القرن الحادي والعشرين، ونرى من حولنا كيف أسهمت التكنولوجيا في إحداث تغيرات لافتة في صناعة الأسلحة على سبيل المثال، حيث نرى كيف أن روسيا، وهي إحدى القوى الكبرى في مجال الصناعات الدفاعية والعسكرية، تتجه إلى إيران لشراء مسيّرات تستخدمها في مواجهة المسيّرات التركية التي تزعج الجيش الروسي في أوكرانيا، وهو تحول لافت من دون شك في المجال الدفاعي، بعد أن لعبت الطائرات من دون طيار دوراً مؤثراً في حسم الكثير من المعارك خلال السنوات الأخيرة، وكيف تسهم في تقليص أهمية العتاد التقليدي الذي تعتمد عليه الجيوش في حروبها.
المعضلة الكبرى أن الحروب الإدراكية وغيرها لن تكون المحطة الأخيرة في هذا السباق الشرس، بل يتوقع أن تكون هناك اختراقات أخرى أكثر تأثيراً ولاسيما فيما يتصل بالعلاقة بين الإنسان والتقنية وحدود التأثير والتأثر المتبادل في هذا السياق، حيث يصعب حتى توقع ما يمكن أن يحدث على هذا الصعيد. هذا الأمر يتطلب اهتماماً حقيقياً بالتعليم والبحث العلمي، ورفع مخصصات هذا القطاع بشكل يتناسب مع أهميته في مستقبل الدول والشعوب.
إن أسلوب الحروب التقليدية / وجها لوجه/ صار قديماً، والجديد هو الجيل الرابع من الحروب، وحرفياً والنص له:
” ليس الهدف تحطيم المؤسسة العسكرية لإحدى الأمم، أو تدمير قدرتها العسكرية،
بل الهدف هو : الإنهاك ــــ التآكل البطيء ــــ لكن بثبات واستمرار ، والهدف هو إرغام العدو على الرضوخ لإرادتك.
” الهدف زعزعة الاستقرار وهذه الزعزعة ينفذها مواطنون من الدولة العدو لخلق الدولة الفاشل ما يهدد فكرة سيادة الدولة العدو.. يقول هو التحكم بأقليم وجعله خارج سيطرة الدولة تتحكم به مجموعات غير خاضعة للدولة، محاربة وعنيفة وشريرة ،حرفياً، وهنا نستطيع التحكم ، وهذه العملية تنفذ بخطوات ببطء وهدوء وباستخدام مواطني دولة العدو ، هنا سوف يستيقظ عدوك ميتاً”.
إنها أخطر محاضرة في التاريخ الحديث توضح كل ما جرى من حروب وصراعات مسلحة أهلية ومن قوى محلية شريرة ومحاربة وعنيفة.
بلا شك لا يمكن أن يتم ذلك من دون “اشرار وعنيفين” من دون خلق ” مفهوم القضية” وتوظيف الدين لهذا الهدف والدين أكبر محفز لتحقيق ذلك، لتحمل مشاق حرب طويلة وتحمل الموت مع الوعد بالآخرة و بفردوس هديته الكبرى بعد الموت، وأكثر ما يلفت الانتباه في هذه المحاضرة المسجلة هو شريط فيديو انقل منه حرفياً
هي عبارة: ” الإنهاك ، والتآكل البطيء”.
ولكن لماذا لا يتم الانهيار السريع بدل التآكل الهادئ. والبطيء ؟
هذا هو الجزء الأخطر في الجيل الرابع من الحروب ، أي حروب الوكالة التي ينفذها بتعبيره “مواطنون محليون” بدعم عسكري وسياسي أمريكي. أو من دولة عظمى أو دولة تابعة لدولة عظمى الان ، كل الدول العظمى تستخدم هذا الاسلوب فيما بينها ، وبين الدول الاخرى التآكل البطيء يعني خراب متدرج للمدن ، وتحويل الناس الى قطعان هائمة ، وشل قدرة البلد العدو على تلبية الحاجات الاساسية ، بل تحويل نقص هذه الحاجات الى وجه آخر من وجوه الحرب، وهو عمل مدروس ومنظم بدقة.
” في مثل هذا النوع من الحروب قد تشاهدون أطفالا قتلى أو كبار السن أو نساء ، لكن علينا المضي مباشرة نحو الهدف”، بمعنى لا تتركوا المشاعر أمام هذه المشاهد تحول دون” الهدف”.
وهذا هو الأسلوب المطبق في العراق وسوريا واليمن. وفي أفغانستان، وليبيا ، وفي الصومال، وفي السودان وغداً لا ندري أين، ومرة أخرى السؤال :
لماذا الانهاك والتآكل البطيء؟ بدل إسقاط النظام مرة واحدة ؟.
علينا فحص اللغة الماكرة والمراوغة هنا وبصورة خاصة ” الانهاك ـــ التآكل البطيء –” وهي الأخطر وقد تم تطبيق ذلك حرفياً من قبل مواطني ” الدولة العدو”، وهو تعبير التفافي عن المنظمات الارهابية . “الانهاك ــــ التآكل البطيء ـــ سيطرة على اقليم التحكم ، استيقاظ العدو ميتاً”.
استراتيجية الانهاك
تعني نقل الحرب من جبهة إلى أخرى، من أرض إلى أخرى، استنزاف كل قدرات الدولة العدو على مراحل، وجعل ” الدولة العدو” تقاتل على جبهات عدة محاصرة بضباع محليين من كل الجهات، وتسخين جبهة وتهدئة أخرى، اي إدارة الإزمة وليس حلها لكي لا يتم انهيار الدولة السريع، لأن الانهيار السريع ، يسبب فوضى غير منضبطة وأفضل الطرق هو التآكل البطيء، بهدوء وثبات وعبر سنوات من محاربين”محليين شرسين وشريرين” كما يقول هو ، بصرف النظر عن وقوع ضحايا أبرياء لأن الهدف وهو السيطرة وتقويض الدولة والمجتمع أهم من كل شيء، أي محو الدولة والمجتمع عبر عملية طويلة. هذا المخطط الذي يعترفون به ويدرّسونه، مطبق وممارس منذ سنوات، لكن عبر طرق ملتوية ومموهة، ومغطاة بشعارات صاخبة من حقوق الانسان والديمقراطية، وهي لا تشمل حسب المحاضر الاطفال والشيوخ والمدنيين العزل الذين سيقتلون، لأن الهدف، السيطرة، هو الأهم.
هل عرفنا الآن لماذا القتل المتدرج، والبطيء، والهادئ، وأسلوب إدارة الأزمة بدل حلها ، ولماذا لا يقتلوننا مرة واحدة ؟! لكي تبدو الإبادة فعلاً محلياً ، وصراعاً مسلحا بين عقائد صلبة ، ونظم حكم ، يتم توزيع السلاح على كل اطراف النزاع ، لكي يستيقظ العدو، أي نحن والسلطة والمجتمع، موتى
الاستراتيجية مستمرة، ومعلنة وممارسة، وأكبر من يغطي عليها ويبحث عن أسباب لهذا المحو المنظم،هو نحن مرة بتجريم التاريخ، ومرة أخرى الدين وثالثة ثقافة العنف المتوارثة في الجينات، لخلق عقدة الشعور بالدونية ، من حق ماكس مانوارينج وقادة الجيل الرابع من الحروب / حروب الوكالة / الممولة بالدولار ، والسلاح أن يشربوا الويسكي ضاحكين، لأننا نقتل بعضنا، باسم الله، والدين، والوطن ببطء ونتآكل بهدوء وثبات دون أن نعرف وجوه القتلة الحقيقين، وهي أكثر وضوحاً من وجوه القتلى الابرياء.
May be a doodle of 1 person and text

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب