الافتتاحيهرئيسي

القومية العربية في ظل التحولات الإقليمية والدولية قراءة استراتيجية سياسية واقتصادية واجتماعية في مشروع لم يكتمل

القومية العربية في ظل التحولات الإقليمية والدولية
قراءة استراتيجية سياسية واقتصادية واجتماعية في مشروع لم يكتمل
بقلم رئيس التحرير
باحث في القانون الدولي – رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة
أولًا: مدخل استراتيجي
تُعد القومية العربية، أو العروبة في مفهومها المعاصر، من أكثر المشاريع الفكرية والسياسية تأثيرًا في التاريخ العربي الحديث. فهي تقوم على الإيمان بأن العرب يشكّلون أمة واحدة، تجمعها وحدة اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، وأن هذا الواقع الموضوعي يؤهلهم لبناء كيان عربي موحد يمتد من المحيط إلى الخليج. غير أن هذا المشروع، رغم حضوره العميق في الوعي الجمعي العربي، ظل حبيس الخطاب أكثر من كونه واقعًا سياسيًا أو اقتصاديًا متجسدًا.
اليوم، وفي ظل تحولات إقليمية ودولية عميقة، تعود القومية العربية إلى واجهة النقاش لا بوصفها شعارًا عاطفيًا، بل كسؤال استراتيجي يتعلق بمستقبل الأمن القومي العربي، والتنمية، والاستقرار الاجتماعي.
ثانيًا: الجذور التاريخية والبنية الفكرية
لم تكن القومية العربية وليدة العصر الحديث، بل تجذّر الوعي بالانتماء العربي منذ الجاهلية، حيث عبّر الشعر العربي عن الاعتزاز باللغة والهوية. ومع بزوغ الإسلام، اكتسب هذا الانتماء بعدًا حضاريًا أوسع، إذ شكّل العرب العمود الفقري للدولة الإسلامية، وأصبحت اللغة العربية وعاءً للسياسة والعلم والإدارة.
وفي العهد الأموي، تعزز الشعور القومي مع تعريب الدواوين ومركزية العرب في السلطة، ما أسهم في بلورة هوية عربية سياسية، وإن بقيت متداخلة مع الإطار الديني العام.
ثالثًا: القومية العربية كمشروع سياسي حديث
مع انهيار الدولة العثمانية وتقسيم المشرق العربي وفق اتفاقيات استعمارية، تحولت القومية العربية إلى مشروع تحرري سياسي يسعى لمواجهة الاستعمار والتجزئة. وقد بلغت ذروة حضورها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عبر التيار الناصري وحزب البعث، اللذين قدّما القومية العربية كبديل استراتيجي للدولة القُطرية.
وشكّل قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا عام 1958 أبرز تجليات هذا التوجه، إلى جانب محاولات وحدوية أخرى. إلا أن هذه التجارب اصطدمت بعوامل بنيوية، أهمها غياب الديمقراطية، هيمنة العسكر، تضارب المصالح القُطرية، وضعف المؤسسات فوق الوطنية.
رابعًا: البعد الاقتصادي – وحدة معطلة رغم الإمكانات
اقتصاديًا، تمتلك الدول العربية مقومات تكامل استثنائية: موارد طبيعية هائلة، موقع جغرافي استراتيجي، سوق بشرية تتجاوز 400 مليون نسمة، وتكامل محتمل بين رأس المال والطاقة والموارد البشرية. ومع ذلك، بقي الاقتصاد العربي مجزأً، وتعاني معظم الدول العربية من التبعية، والبطالة، وضعف الإنتاجية.
فشلت القومية العربية الرسمية في ترجمة الخطاب الوحدوي إلى مشاريع تكامل اقتصادي حقيقي، وبقيت جامعة الدول العربية إطارًا شكليًا محدود الفاعلية، عاجزًا عن بناء سوق عربية مشتركة أو سياسات تنموية موحدة.
خامسًا: البعد الاجتماعي – الهوية بين الوحدة والتفكك
اجتماعيًا، شكّلت القومية العربية مظلة جامعة لهويات متعددة، وأسهمت في ترسيخ الشعور بالانتماء المشترك. غير أن إخفاق المشروع السياسي والاقتصادي فتح الباب أمام صعود الهويات الفرعية: الطائفية، العشائرية، والمناطقية، فضلًا عن تنامي النزعات القُطرية الضيقة.
وقد ساهمت النزاعات الداخلية، وغياب العدالة الاجتماعية، وتراجع دور الدولة الوطنية، في إضعاف الثقة الشعبية بأي مشروع وحدوي تقوده الأنظمة، مقابل تصاعد مطالب الشعوب بالحرية والكرامة والمشاركة السياسية
سادسًا: القوميالقومية العربية في ظل التحولات الإقليمية والدولية
قراءة استراتيجية سياسية واقتصادية واجتماعية في مشروع لم يكتمل
إعداد: المحامي علي أبو حبلة
باحث في القانون الدولي – رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة
أولًا: مدخل استراتيجي
تُعد القومية العربية، أو العروبة في مفهومها المعاصر، من أكثر المشاريع الفكرية والسياسية تأثيرًا في التاريخ العربي الحديث. فهي تقوم على الإيمان بأن العرب يشكّلون أمة واحدة، تجمعها وحدة اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، وأن هذا الواقع الموضوعي يؤهلهم لبناء كيان عربي موحد يمتد من المحيط إلى الخليج. غير أن هذا المشروع، رغم حضوره العميق في الوعي الجمعي العربي، ظل حبيس الخطاب أكثر من كونه واقعًا سياسيًا أو اقتصاديًا متجسدًا.
اليوم، وفي ظل تحولات إقليمية ودولية عميقة، تعود القومية العربية إلى واجهة النقاش لا بوصفها شعارًا عاطفيًا، بل كسؤال استراتيجي يتعلق بمستقبل الأمن القومي العربي، والتنمية، والاستقرار الاجتماعي.
ثانيًا: الجذور التاريخية والبنية الفكرية
لم تكن القومية العربية وليدة العصر الحديث، بل تجذّر الوعي بالانتماء العربي منذ الجاهلية، حيث عبّر الشعر العربي عن الاعتزاز باللغة والهوية. ومع بزوغ الإسلام، اكتسب هذا الانتماء بعدًا حضاريًا أوسع، إذ شكّل العرب العمود الفقري للدولة الإسلامية، وأصبحت اللغة العربية وعاءً للسياسة والعلم والإدارة.
وفي العهد الأموي، تعزز الشعور القومي مع تعريب الدواوين ومركزية العرب في السلطة، ما أسهم في بلورة هوية عربية سياسية، وإن بقيت متداخلة مع الإطار الديني العام.
ثالثًا: القومية العربية كمشروع سياسي حديث
مع انهيار الدولة العثمانية وتقسيم المشرق العربي وفق اتفاقيات استعمارية، تحولت القومية العربية إلى مشروع تحرري سياسي يسعى لمواجهة الاستعمار والتجزئة. وقد بلغت ذروة حضورها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عبر التيار الناصري وحزب البعث، اللذين قدّما القومية العربية كبديل استراتيجي للدولة القُطرية.
وشكّل قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا عام 1958 أبرز تجليات هذا التوجه، إلى جانب محاولات وحدوية أخرى. إلا أن هذه التجارب اصطدمت بعوامل بنيوية، أهمها غياب الديمقراطية، هيمنة العسكر، تضارب المصالح القُطرية، وضعف المؤسسات فوق الوطنية.
رابعًا: البعد الاقتصادي – وحدة معطلة رغم الإمكانات
اقتصاديًا، تمتلك الدول العربية مقومات تكامل استثنائية: موارد طبيعية هائلة، موقع جغرافي استراتيجي، سوق بشرية تتجاوز 400 مليون نسمة، وتكامل محتمل بين رأس المال والطاقة والموارد البشرية. ومع ذلك، بقي الاقتصاد العربي مجزأً، وتعاني معظم الدول العربية من التبعية، والبطالة، وضعف الإنتاجية.
فشلت القومية العربية الرسمية في ترجمة الخطاب الوحدوي إلى مشاريع تكامل اقتصادي حقيقي، وبقيت جامعة الدول العربية إطارًا شكليًا محدود الفاعلية، عاجزًا عن بناء سوق عربية مشتركة أو سياسات تنموية موحدة.
خامسًا: البعد الاجتماعي – الهوية بين الوحدة والتفكك
اجتماعيًا، شكّلت القومية العربية مظلة جامعة لهويات متعددة، وأسهمت في ترسيخ الشعور بالانتماء المشترك. غير أن إخفاق المشروع السياسي والاقتصادي فتح الباب أمام صعود الهويات الفرعية: الطائفية، العشائرية، والمناطقية، فضلًا عن تنامي النزعات القُطرية الضيقة.
وقد ساهمت النزاعات الداخلية، وغياب العدالة الاجتماعية، وتراجع دور الدولة الوطنية، في إضعاف الثقة الشعبية بأي مشروع وحدوي تقوده الأنظمة، مقابل تصاعد مطالب الشعوب بالحرية والكرامة والمشاركة السياسية
سادسًا: القومية العربية بعد الربيع العربي
أعادت ثورات الربيع العربي طرح القومية العربية من زاوية جديدة، حيث برز تيار شعبي عابر للحدود، يرى أن وحدة العرب لا يمكن أن تُفرض من أعلى، بل يجب أن تنبع من إرادة الشعوب، وعلى قاعدة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
إلا أن هذا التحول اصطدم بواقع إقليمي شديد التعقيد: دول منهكة، صراعات مسلحة، تدخلات خارجية، وتراجع مفهوم الأمن القومي العربي المشترك، ما جعل القومية العربية أمام اختبار وجودي حقيقي.
سابعًا: قراءة استراتيجية للمستقبل
استراتيجيًا، لم يعد السؤال ما إذا كانت القومية العربية فكرة صالحة، بل كيف يمكن إعادة صياغتها كمشروع واقعي قابل للتنفيذ. مشروع لا يلغي الدولة الوطنية، بل يبني على التكامل التدريجي: سياسيًا عبر التنسيق، اقتصاديًا عبر السوق المشتركة، واجتماعيًا عبر تعزيز الهوية الجامعة واحترام التعدد.
إن القومية العربية اليوم مطالبة بالتحول من أيديولوجيا تعبئة إلى استراتيجية بناء، ومن خطاب شعاراتي إلى برنامج عمل يستجيب لتحديات العصر.
خاتمة
القومية العربية لم تفشل كفكرة، لكنها تعثرت كممارسة. وهي اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف ذاتها بوصفها مشروعًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا عقلانيًا، تقوده الشعوب وتحميه المؤسسات، في عالم لا يعترف إلا بالتكتلات الكبرى.
إن إعادة الاعتبار للعروبة ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة استراتيجية في مواجهة التفكك، والتبعية، وتحديات المستقبل.
ة العربية بعد الربيع العربي
أعادت ثورات الربيع العربي طرح القومية العربية من زاوية جديدة، حيث برز تيار شعبي عابر للحدود، يرى أن وحدة العرب لا يمكن أن تُفرض من أعلى، بل يجب أن تنبع من إرادة الشعوب، وعلى قاعدة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
إلا أن هذا التحول اصطدم بواقع إقليمي شديد التعقيد: دول منهكة، صراعات مسلحة، تدخلات خارجية، وتراجع مفهوم الأمن القومي العربي المشترك، ما جعل القومية العربية أمام اختبار وجودي حقيقي.
سابعًا: قراءة استراتيجية للمستقبل
استراتيجيًا، لم يعد السؤال ما إذا كانت القومية العربية فكرة صالحة، بل كيف يمكن إعادة صياغتها كمشروع واقعي قابل للتنفيذ. مشروع لا يلغي الدولة الوطنية، بل يبني على التكامل التدريجي: سياسيًا عبر التنسيق، اقتصاديًا عبر السوق المشتركة، واجتماعيًا عبر تعزيز الهوية الجامعة واحترام التعدد.
إن القومية العربية اليوم مطالبة بالتحول من أيديولوجيا تعبئة إلى استراتيجية بناء، ومن خطاب شعاراتي إلى برنامج عمل يستجيب لتحديات العصر.
خاتمة
القومية العربية لم تفشل كفكرة، لكنها تعثرت كممارسة. وهي اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف ذاتها بوصفها مشروعًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا عقلانيًا، تقوده الشعوب وتحميه المؤسسات، في عالم لا يعترف إلا بالتكتلات الكبرى.
إن إعادة الاعتبار للعروبة ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة استراتيجية في مواجهة التفكك، والتبعية، وتحديات المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب