تيرو ميسوزو: لنكتب لوناً لا حبراً يُوقِف نبض الوجود
في عام 2011 عندما دمرت كارثة تسونامي اليابان، توقفت شركات التلفزيون والإعلانات التجارية عن العمل، وبدلاً من ذلك عُزِفَت كلمات قصيدة «هل أنتَ صدى» لاستنفار اليابانيين للخدمة العامة، فاستجاب ما يقرب من مليون متطوع للتوجه إلى موقع الكارثة، وساهموا بفاعلية كبيرة في التقليل من حجمها.
قد يتساءل المرء: كيف للموسيقى أن تجعل اليابانيين وبهذا العدد الهائل يستجيبون لنداء ذاك اللحن، لو لم يُذَكِّرهم بكلمات قصيدة كتبتها امرأة يابانية رحلت عن عالمنا بسن السابعة والعشرين؟ إنها تميمةٌ إذن، بل قُل إنها ملحمةٌ تستثير الهمم.
في ستينيات القرن العشرين، وأثناء تصفحهِ كتاباً غامضاً، اكتشف شاعر ياباني شاب يُدعى سيتسو ياساكي كلمات بسيطة ومذهلة عن حقيقة الوجود. ياساكي أراد معرفة المزيد عن حياة وعمل من كتب تلك العبارات، التي فسَّرَتْ الوجود ونجحتْ في اختبار طبيعته. أمضى ياساكي ستة عشر عاماً في محاولة تعقُّب هذه العبقرية (الشَبَحية) التي عرفها في نص تيرو ميسوزو الشابة الغامضة، وفي التحقُّق من جاذبية اللغز الذي استولى على مخيلته.
أخيراً وفي عام 1982 حقق ياساكي تقَدُّماً كبيراً بعد أن قابل شقيق ميسوزو الأصغر ماساسوكي، فأحضر له ثلاث مفكرات جيب بالية، تحتوي على خمسمئة واثني عشر نصاً للأطفال، لم يتم نشرها مطلقا، فقد احترقت النسخة الوحيدة المعروفة من قصائدها أثناء قصف طوكيو في الحرب العالمية الثانية. يتحدث سيتسو ياساكي عن قصيدتها الشهيرة الصيد الكبير: «عندما وقعتْ عيناي على تلك القصيدة القصيرة، أصابتني الدهشة لأن أرتو ميسوزو تفوقتْ في تلك القصيدة على نحو ثلاثمئة من المختارات الأدبية الأخرى، ففي عشر سطور فقط مكتوبة باللغة اليابانية، غيَّرَتْ هذه القصيدة أسلوبي في النظر إلى العالم تماماً، خصوصاً وجهة نظري باحترام الإنسان كقيمة عليا! حتى تلك اللحظة، كنتُ أعتقد إلى حد ما أن أسماك السردين والمخلوقات الأُخرى موجودةٌ أساساً كمصدر للغذاء، ولكن فجأةً تغَّيرتْ وجهة نظري وأدركتُ مدى اعتمادنا على مخلوقات أخرى، فوجودنا في حد ذاته لم يكن ممكناً لولا التضحية بالأرواح الثمينة لجميع الأسماك التي نخرجها من البحر كل يوم! لقد أذهلتْني جودة تلك السطور وأصبحتُ توَّاقا لقراءة المزيد من أعمالها: «عند شروق الشمس.. شروق الشمس الرائع.. صادوا كثيراً من سمك السردين/ على الشاطئ ما يشبه المهرجان/ لكنْ في البحر سيُشَيِّعون عشرات الآلاف من القتلى».