اقتصاد

الأزمة الاقتصادية تنعكس على عادات المصريين في عيد الأضحى

الأزمة الاقتصادية تنعكس على عادات المصريين في عيد الأضحى

تامر هنداوي

القاهرة ـ «القدس العربي»: يبدو أن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر ستدفع المواطنين إلى تغيير عاداتهم في عيد الأضحى هذا العام. فمع الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم، ظهرت مبادرات لبيعها بالتقسيط أو بالقطعة، بدلا من الوزن المعتاد «الكيلو غرام» كما ظهرت إعلانات لجمعيات خيرية لبيع الأضاحي بالتقسيط.
وتقلص إقبال الناس على شراء اللحوم خلال الشهور الماضية، مع ارتفاع أسعارها مدفوعة بانخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع نسب التضخم ليلامس المستويات التاريخية.
وسجل سعر الكيلو غرام من اللحم البلدي أكثر من 350 جنيها في المناطق الشعبية، مع توقعات بارتفاع الأسعار لتتجاوز الـ 400 جنيه خلال أيام العيد.
محمد سعيد، أحد الجزارين من منطقة الجيزة قال لـ«القدس العربي» إن حجم الإقبال على المحل الذي يمتلكه لبيع اللحوم انخفض بشكل كبير خلال الشهور الماضية، مضيفا: «كنت أسبوعيا قبل موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة اشتري ذبيحة، أما الآن فربما تستمر معي الذبيحة لأكثر من 3 أسابيع».
وأعاد الجزار المصري انخفاض نسبة إقبال المواطنين على الشراء، بسبب ارتفاع أسعار اللحوم، الذي جاء مدفوعا بارتفاع أسعار الأعلاف، بعد انخفاض قيمة العملة المحلية.
وأكد أن عددا كبيرا من مربي الماشية قرروا الخروج من السوق خوفا من الإفلاس بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف.
ما ذكره الجزار المصري جاء متماشيا مع التقارير الرسمية التي أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (مؤسسة حكومية) وكشف فيها تراجع استهلاك المصريين للحوم الحمراء بنسبة 85 ٪ في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ارتفاع أسعار الأضحية

وكان آخر تقرير أصدره الجهاز عن حجم التضخم في شهر مايو/ أيار الماضي، كشف فيه عن ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن بنسبة87.9 ٪عن أسعارها في الشهر نفسه العام الماضي.
وأعلن سعيد زغلول، رئيس شعبة الجزارين «القصابين» في الغرفة التجارية في محافظة الجيزة، عن زيادة أسعار الأضاحي بنسبة 300 ٪ عن العام الماضي، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الأعلاف.
ولفت في تصريحات متلفزة إلى أن الإقبال على شراء الأضاحي ضعيف هذا العام بسبب ارتفاع أسعار الأضاحي.
وبين أن سعر كيلو اللحم القائم قبل الذبح يتراوح ما بين 135 و 150 جنيها، وأن متوسط سعر الماشية يصل إلى 65 ألف جنيه، في حين أن متوسط سعر الخروف يتراوح بين 12 و 15 ألف جنيه.
ارتفاع أسعار الأضاحي بشكل خاص واللحوم بشكل عام، دفع أسرا مصرية اعتادت التضحية خلال العيد، إلى تغيير عادتها والاكتفاء بشراء لحوم في أدنى حد ممكن للاحتفال بالعيد.
فقد طرحت جمعية مواطنون ضد الغلاء (منظمة مجتمع مدني مستقلة) مبادرة لبيع اللحوم بالتقسيط.
محمود العسقلاني، مؤسس الجمعية، قال إن الهدف تخفيف الأعباء عن محدودي الدخل، بعد تجاوز سعر الكيلو غرام من اللحوم الـ300 جنيه. وأعاد ارتفاع أسعار اللحوم إلى ارتفاع أسعار العلف المبالغ فيها.
في الموازة، طرح جزار مصري يدعى محمد قدري شافع، مبادرته لبيع اللحم بالقطعة، حسب الوزن، لتخفيف الأعباء عن المواطنين بعد الزيادة الكبيرة في أسعار الكيلوغرام، كنوع من التكاتف المجتمعي ضد الغلاء، وخصوصاً مع اقتراب موسم عيد الأضحى.
قدري الذي يقطن محافظة سوهاج، جنوب مصر، قال ‏إنه طرح مبادرته لأن القوة الشرائية انخفضت جدا بعد زيادة أسعار اللحوم.

قسّط أضحيتك

وأضاف: أن «البيع انخفض بنسبة 80 ٪» وإنه «قرر رفع الحرج عن المواطن بعد العزوف عن شراء اللحوم».
«قسّط أضحيتك» كان عنوان إعلان نشرته إحدى الجمعيات الخيرية في مصر، وجاء فيه: «صك الأضحية بالتقسيط على 6 شهور، وسيصلك نصيبك الشرعي (9 كيلو أو 12 كيلو) إلى باب المنزل. شارك بصك لحم بلدي بـ3600 جنيه، أو صك لحم مستورد كبير بـ 2950 جنيها، أو بصك مستورد صغير بـ 2250 جنيها، أو شارك بلحوم صدقة بـ 250 جنيها، جرّب متعة العطاء بأضحيتك في إسعاد أسرة فقيرة في أبعد القرى والنجوع».
وأجازت دار الإفتاء شراء الأضحية بالتقسيط، في ردها على سؤال وجهه أحد المواطنين عبر بوابتها الرسمية على شبكة الإنترنت.

مبادرة لبيع اللحم بالقطعة وتقسيط الأضحية ونفقات الحج

وأوضحت أن شراء صك الأضحية بالتقسيط جائز شرعاً ولا حرج فيه، ولا يؤثر ذلك في قبولها عند الله تعالى ولا في حصول الأجر والثواب عليها. وزادت: ورد في السنة نحو ذلك فيما أخرجه الدارقطني في سننه عن عائشة قالت: يا رسول اللهِ، أستدين وأضحي؟ قال: نعم، إنه دين مقضي.
وقالت الإفتاء: «قيام المضحِّي بشراء صك الأضحية بالتقسيط هو عبارة عن عقد شراء للأضحية، وعقد توكيل بالذبح، ولا مانع من أن يكون هذا الشراء مقسَّطًا؛ حيث قد تقرر في الشريعة صحة الشراء والبيع بالتقسيط، ولا يغير من هذا الحكم كون المبيع أضحية أو غيرها».

قرض الحج

لم يقتصر حديث التقسيط على الأضحية، بل امتد لفريضة الحج، وطرحت بنوك مصرية إعلانات عن قروض لرحلات الحج بتمويل يصل إلى 400 ألف جنيه يسدد على 10 سنوات، بفوائد سنوية تبدأ من 16 ٪.
إعلانات البنوك أثارت جدلا واسعا، واختلف علماء دين حول الرأي الشرعي فيها، ما دفع دار الفتوى إلى التدخل لحسم الأمر.
فقال خالد عمران، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إن الله فرض الحج على المستطيع، ولذلك لا ينبغي على الإنسان أن يتكلف لهذه الفريضة إذا لم يكن عنده ما يستطيع أن يحج، مضيفا: الحج غير واجب عليه، ولا ينبغي أن يقترض لشيء لا يجب عليه.
أما الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، فقال إن الحج يندرج في بند الاستطاعة ضمن شروط فرضية الحج، وفقًا لقول الله سبحانه وتعالى «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» لافتا إلى أن النبي محمد صل الله عليه وسلم فسر الاستطاعة المشروطة بالزاد والراحلة جميعا، والزاد وفقا للمفهوم الفقهي يعني النفقة الوسط لا إفراط فيها ولا تفريط.
وأكد في تصريحات متلفزة أنه لا يجوز الاقتراض الحسن الذي هو من دون أدنى زيادة على رأس المال، لأن الحج فرض على التراخي يفعله الإنسان المسلم في أي وقت من عمره.
على الجانب الآخر، أجاز مفتي مصر السابق، الشيخ علي جمعة، الحج بالتقسيط.
وقال المفتي السابق والمقرب من نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إن السوق يوجد به سلعة وخدمة، وكلاهما واحد، والحج فيه إنه يشتري لك تذكرة وسيحجز لك في الفنادق، وهذه التذكرة خدمة، وما دمنا أجزنا التقسيط في السلع فأجزناه في الخدمات، فهذه الأمور تجوز.
وشهدت أسعار برامج الحج ارتفاعا هذا العام بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية أمام الدولار والريال السعودي.
ووفق البرامج التي طرحتها شركات السياحة المصرية، فإن أسعار برامج الحج السياحي لعام 2023 تراوحت بين 130 ألف جنيه للرحلات الاقتصادية، ومليون جنيه للرحلات الفاخرة.
وتقدم 73 ألفا و784 مواطناً مصرياً لقرعة الحج السياحي هذا العام، بزيادة بلغت 7 في المئة عن العام الماضي، واختير 16 ألفًا منهم من خلال قرعة أجريت في 30 أبريل/ نيسان الماضي، فيما انخفض عدد الشركات التي تقدمت لتنظيم رحلات الحج هذا العام لتصل إلى 1483 بدلا من 1683 شركة العام الماضي.
وبلغت تكلفة رحلات الحج البري هذا العام 130 ألف جنيه غير شامل التذكرة، فيما وصل الاقتصادي إلى 150 ألف جنيه بتذكرة السفر، بينما يبدأ الحج السياحي من 230 ألف جنيه، حسب ناصر ترك عضو اللجنة العليا للحج والعمرة.

أزمة الأجهزة الكهربائية

مشهد آخر للأزمة يتعلق بأسعار الأجهزة الكهربائية، وتعد الأعياد مواسم لشراء الأجهزة المعمرة، خاصة في ظل اعتياد المصريين على إقامة حفلات الزفاف في أيام العيد.
وقال جورج سدرة رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية في الجيزة، إن أزمة الأجهزة الكهربائية في الأسواق المصرية مستمرة، وإن السوق يشهد حالة من الركود وظهور ما يعرف بالأوفر برايس.
وكشف في تصريحات متلفزة عن أن السوق يعاني من اختفاء الغسالات ذات الباب الأمامي «الأكثر استخداما في مصر» وأعاد ذلك إلى أن المصانع قررت عدم عرضها في الأسواق المحلية وتصديرها إلى منطقة الشرق الأوسط لتوفير عملة أجنبية لاستيراد احتياجاتها.
وتشهد مصر أزمة اقتصادية تفاقمت خلال الأشهر الماضية أدت إلى انخفاض قيمة العملة المحلية وموجات متتالية من ارتفاع أسعار السلع خاصة الغذائية ما أثر على حياة المواطنين، في وقت تعيد أحزاب المعارضة الأزمة إلى سياسات الحكومة المصرية المعتمدة على الاستدانة وبيع أصول الدولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب