كيف يحقق لويس إنريكي ما عجز عنه أسلافه في باريس سان جيرمان؟

كيف يحقق لويس إنريكي ما عجز عنه أسلافه في باريس سان جيرمان؟
عادل منصور
لندن ـ : وقع اختيار رئيس باريس سان جيرمان ناصر الخليفي وعراّب المشروع لويس كامبوس، على المدرب الإسباني لويس إنريكي، ليكون سابع حكام «حديقة الأمراء» بثوبه القطري، على أمل أن ينجح في تحقيق ما عجز عنه كل أسلافه في عاصمة النور، بالانتقال بالمشروع الباريسي إلى مرحلة الذروة، كما فعلها مواطنه وزميل الأمس في الملاعب بيب غوارديولا مع مانشستر سيتي، تقريبا بنفس الإمكانات والقوة المالية المتاحة في النادي الباريسي، لكن المدرب الجديد، يُدرك جيدا مدى صعوبة التحديات التي تنتظره، في ظل المشاكل والصراعات التي جعلته يرث وظيفة أقل ما يُقال عنها أنها «تفوح منها النيران».
مع ذلك، يرى بعض النقاد والمتابعين، أن مدرب منتخب «لا روخا» السابق، يملك من الكاريزما والبراعة ما يكفي لفرض سيطرته على غرفة خلع الملابس المدججة بالأسماء اللامعة، متسلحا بسيرة ذاتية صلبة تؤهله الى التعامل مع أعتى أساطير ومشاهير اللعبة، كواحد من المُحدّثين الجدد في النواحي الفنية والتكتيكية لأحدث طرق وأساليب اللعب، غير أنه مطور لا غبار عليه للمواهب الشابة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه وسنحاول الإجابة عليه هو: ماذا يحتاج لويس إنريكي لإحداث ثورة حقيقية في النادي وتغيير الصورة البائسة المحفورة في الأذهان عن شخصية الفريق في المواعيد الأوروبية الكبرى؟
هدم المعبد القديم
بعيدا عن الظروف الاستثنائية الصعبة التي يمر بها العملاق الباريسي في الوقت الراهن، مثل خروج ليونيل ميسي وسيرخيو راموس من النادي، وفي الطريق كيليان مبابي أو نيمار جونيور، وأيضا حالة الإحباط المسيطرة على أغلب المشجعين، بسبب تواضع العروض والنتائج تحت قيادة المدرب السابق كريستوف غالتييه والأسبق ماوريسيو بوتشيتينو، فهناك عدد لا بأس به من المشاكل الكبيرة التي سيواجهها لوتشو في الأسابيع والأشهر المقبلة، لعل أبرزها وأكثرها أهمية، نسف كل الأفكار والأساليب التي ابتكرها البوش ومن بعده غالتييه، لاحتواء الثلاثي الفضائي ليونيل ميسي ونيمار جونيور وكيليان مبابي في التشكيل الأساسي، أو بعبارة أخرى، نسيان طريقة اللعب التي كانت ترتكز على فكرة إراحة ثلاثي الهجوم وعدم مطالبتهم ببذل أي مجهود في النواحي الدفاعية، وفي المقابل كان يتحمل السبعة الآخرون كل الأعباء الدفاعية. ومن حسن حظ المدرب الجديد، أنه لن يكون مضطرا للتغطية على عيوب ميسي البدنية، بعد ذهابه إلى إنتر ميامي الأمريكي، ونفس الأمر سيفعله مع نيمار ومبابي، في حال تراجع الأخير عن تمرده الحالي على الإدارة، وهذا الأمر في حد ذاته، يعطي مؤشرات لإمكانية رؤية باريس سان جيرمان بنسخة مختلفة كليا الموسم المقبل، يكفي أن إنريكي لن يجد نفسه مجبرا على اللعب بثلاثة مدافعين في الخط الخلفي ويتقدمهم لاعب وسط من النوع المقاتل، لتعويض القليل من الأدوار الهجومية لثلاثي الهجوم المدلل. ومن يعرف المدرب الإسباني منذ بدايته الحقيقية في عالم التدريب مع البلو غرانا، يفهم جيدا أنه يُجيد توظيف الجواهر الخام وأصحاب المواهب المثيرة للاهتمام، ولعلنا شاهدنا إبداعه وجودته التدريبية في وظائفه الإدارية السابقة، بتكوين فرق ومشاريع بطرق وأنماط مختلفة، والحديث عن اختراعه التاريخي في برشلونة المعروف باسم «MSN»، ذاك الثلاثي الرهيب ليونيل ميسي ولويس سواريز ونيمار جونيور، الذي احتل إسبانيا والقارة العجوز في حملة 2014-2015. ومع إسبانيا، فاجأ العالم بنسخة عصرية لمنتخب لا روخا، بقوام رئيسي أغلبه من الشباب والمراهقين في يورو 2020، ما يعني عزيزي القارئ، أن جُل الشواهد والتوقعات المنطقية، تخبرنا أن هذا المدرب قد يكون الرجل المخلص الذي يبحث عنه رجل الأعمال القطري لأخذ المشروع إلى الخطوة الأخيرة.
دعم وتسوية
بالتوازي مع ثورة التصحيح المطالب بها المدرب داخل المستطيل الأخضر وفي غرفة خلع الملابس، سيكون في أمس الحاجة لدعم ألتراس «بي إس جي»، تلك المجموعة المعروف عنها غضبها السريع، والتي وصلت لحد إطلاق صيحات الاستهجان ضد الأعجوبة ليو ميسي في نهاية الموسم الماضي، في مشاهد أقل ما يُقال عنها، إنها كانت صادمة لشعب البرغوث خارج فرنسا، والمثير للريبة، أنهم فعلوا ذلك، بعد سلسلة من الثورات على كل اللاعبين بدون استثناء، بمن فيهم الفتى المدلل كيليان مبابي، والمستشار الرياضي وباقي المديرين التنفيذيين. ولنا أن نتخيل أن هذه المجموعة شبه المتعصبة، كانت تنتظر التوقيع مع مدرب فرنسي جيناته باريسية، ورؤية كل المواهب والأسماء اللامعة تعطي أفضل ما لديها للنادي، وبطبيعة الحال، هذا الأمر سيتوقف على رد فعل المدرب الإسباني، الذي لم يسبق له العمل في فرنسا، بتحويل باريس سان جيرمان من فريق يغلب عليه الطابع الفردي، إلى منظومة جماعية جذابة ومثيرة للإعجاب، ورغم أنه من الناحية الظاهرية لا يبدو النوع المفضل أو الذي يريده الجمهور الباريسي، إلا أن النجاح داخل الملعب، خاصة على مستوى النتائج في دوري أبطال أوروبا، قد يكون طوق نجاته الوحيد من بطش ألتراس «بي إس جي» وصيحات غضبهم السريعة، أما التسوية، فلا بد أن تكون مع المستشار الرياضي أو الرجل الثاني لويس كامبوس، وذلك بالاتفاق على حدود التسلسل الهرمي داخل النادي، حيث أننا جميعا نعرف أن المدير البرتغالي جاء إلى معقل الأثرياء الصيف الماضي، كجزء من مشروع مشترك مع معاونه السابق في ليل كريستوف غالتييه، مع صلاحيات تلامس نفوذ رئيس النادي، تجلت في أكثر من مشهد خلال الموسم الماضي، أبرزها ما قيل عن اقتحامه لغرفة خلع الملابس لتوبيخ اللاعبين بعد السقوط بالثلاثة أمام موناكو عشية عيد الحب، الى جانب انفراده بملف الصفقات الجديدة، كما وضح في التعاقدات التي أبرمها قبل الاستقرار على خلفية غالتييه، لكن السؤال هنا، هل سيوافق لويس إنريكي المعروف عنه شخصيته الحادة وأحيانا تكون شخصيته صدامية؟ الإجابة كما أشرنا أعلاه، تكمن في توزيع الأدوار والمهام، أو على أقل تقدير السماح للمستشار الرياضي بالتحدث في الوقت المناسب، وإلا قد يتكرر سيناريو طيب الذكر توماس توخيل والمدير الرياضي السابق ليوناردو، الذي انتهى بإقالة المدرب بعد ستة شهور فقط من نجاحه المدوي بقيادة الفريق الى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه، ولا ننسى أننا نتحدث عن المدرب، الذي تحدى كتالونيا بأكملها، بالإصرار على نهجه المختلف عن مدرسة «تيكي تاكا»، الذي كان يعتمد في المقام الأول على الهجمات المعاكسة وإبداعات ميسي ونيمار وسواريز في الثلث الأخير من الملعب، وتبعها بعناده الأشهر، بعدم ضم سيرخيو راموس إلى صفوف المنتخب الإسباني في اليورو ثم في المونديال القطري.
احتواء الجدد وإحياء النجوم
بإلقاء نظرة سريعة على صفقات باريس سان جيرمان الجديدة، سنجد أنها تندرج تحت مسمى «ذكية واقتصادية»، والحديث عن ثنائي الدفاع لوكاس هيرنانديز وسكرينيار. صحيح هما ليس ضمن القائمة المختصرة لأفضل قلوب دفاع في العالم، لكنهما من النوع الموثوق والمطلوب في الأندية الأوروبية الكبرى، هذا بعد سنوات من المعاناة على مستوى الدفاع، تحديدا منذ التخلي عن القائد السابق تياغو سيلفا، وتركيز الاعتماد على البرازيلي المتذبذب ماركينيوس وشريكه الزجاجي بريسنال كيمبيمبي. بينما على مستوى خط الوسط، جاء اكتشاف سبورتنغ لشبونة أوغارتي، ليكون ثنائيا مثاليا مع الإيطالي ماركو فيراتي على دائرة المنتصف، ومعه رابع الصفقات المدريدي السابق ماركو أسينسيو، كخيار هجومي يُعيد إلى الأذهان إبداعات أنخيل دي ماريا. وبوجه عام، سيكون من الصعب على إنريكي أو أي مدرب آخر، عدم تقبل ثلاثة على الأقل من هؤلاء اللاعبين، خصوصا جوكر الدفاع القادم من بايرن ميونيخ، الذي يتذكره الجمهور الباريسي جيدا، بسبب شجاعته في مواجهة نيمار ومبابي في المعارك المباشرة بين الفريقين، حتى كبير السفاحين إيرلنغ هالاند، كان يعاني الأمرين كلما واجه هيرنانديز في «كلاسيكر» بوروسيا دورتموند وبايرن ميونيخ في الدوري الألماني. ونفس الأمر بالنسبة لمدافع الإنتر السابق، الذي يتمتع بجُل المواصفات القياسية المطلوبة في لاعب محور دفاع في فريق كبير في أوروبا، وبدرجة أقل جناح ريال مدريد السابق، الذي يحتاج لإعادة تأهيل بدني وذهني حتى يستعيد بريقه وصورته الزئبقية التي رسمها لنفسه في سنوات الخوالي في «سانتياغو بيرنابيو»، ومثله أوغارتي الذي سيحتاج لبعض الوقت من أجل التكيف على أفكار لويس إنريكي، التي تعتمد أولا على فكرة الاستحواذ والإبداع في وسط الملعب، وليس بالقتال والجهد البدني العنيف في المواقف الدفاعية. الشاهد عزيزي القارئ، أن إنريكي، لن يجد صعوبة بالغة في احتواء أغلب الوافدين الجدد، مع الوضع في الاعتبار، أنه ما زال يمتلك فرصة ذهبية لإضافة بعض الأسماء الخاصة به، بعد انتهاء المستشار الرياضي من صفقاته المستقبلية.
واحدة من أصعب التحديات التي ستواجه لويس إنريكي في تجربته الباريسية، هي إعادة النسخة الرنانة التي كان عليها نيمار جونيور، قبل دخوله في متاهة الإصابات واتهامات عدم الانضباط، بتحديد موعد انتكاسته كل عام في شهر فبراير/ شباط، ليشارك شقيقته احتفالاتها بعيد ميلادها الذي يتزامن مع موسم هدايا الفالنتاين. وبصريح العبارة، يحتاج الى إحياء نيمار مرة أخرى، وإعادته إلى مستواه الهوليوودي الذي كان عليه تحت قيادته في «كامب نو»، خاصة في الموسم الثاني والأخير بينهما، الذي وصل فيه الساحر البرازيلي إلى قمة نضوجه واكتماله الكروي، بما قدمه في مباراة الريمونتادا الشهيرة أمام باريس سان جيرمان، وبالطبع إنريكي يُدرك جيدا، أن مهمته مع نيمار لن تكون بهذه السهولة، وستكون البداية بتعديل سلوك اللاعب داخل وخارج الملعب، وتحفيزه على الاستثمار في جسده وصحته، كما يفعل كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي وكريم بنزيمة ومحمد صلاح ورياض محرز، وباقي نجوم الصفوة، الذين يجنون الآن ثمار تعبهم واستثمارهم الصحيح في أجسامهم ونظامهم الغذائي والتدريبي، لبناء جسد رياضي مثالي، بدلا من التركيز على السهرات والاحتفالات السنوية الصاخبة، التي عادة ما تحرم الفريق من جهوده في أهم توقيت في الموسم، مع بدء مواجهات خروج المغلوب في الكأس ذات الأذنين. وإذا افترضنا جدلا أن المدرب نجح في إعادة تقويم السوبر ستار نفسيا وذهنيا، ليعود أقوى من أي وقت مضى بعد تعافيه من جراحته الحالية، فالسؤال هنا: كيف سيتم توظيف نيمار في خطة اللوتشو؟ هل سيبقي عليه في مركزه التقليدي في السنوات الماضية، كلاعب وسط مهاجم يتحرك بحرية وأريحية في كل مكان من الملعب، ويملك قرار المراوغة والتسديد ودس السموم في دفاعات الخصوم لمبابي والمهاجم الثالث، لكن التجارب أثبتت أن هذه المهمة، تفقد صاحب الـ31 عاما، أكثر من 50% من قوته التي كان عليها في برشلونة، أو بالأحرى تحت قيادة إنريكي، كجناح مهاجم تنفجر طاقته الإبداعية بالقرب من مربع العمليات، وليس باستهلاك مجهوده البدني بالمراوغة وإمتاع المشاهدين في مناطق غير مؤثرة في الملعب، وهذا ما سيحاول المدرب الجديد تنفيذه على أرض الواقع، شريطة أن يعود صاحب الشأن بنسخة مغايرة لما كان عليها طوال فترة وجوده في النادي الباريسي، باستثناء ومضاته في نسخة كورونا، عندما لعب الدور الذي جاء من أجله، بقيادة الفريق للوصول إلى نهائي دوري الأبطال. وفي كل الأحوال، هذا الأمر قد يفجر غضب نيمار الكروي، ويجعله يتحول مرة أخرى إلى نجم الشباك الأول بدون منازع، بالطريقة التي كان يحلم بها، عندما غادر برشلونة في صيف 2017، للتحرر من ظل ميسي ونجوميته الطاغية في كتالونيا، أملا في تحقيق حلم الطفولة، بالفوز بجائزة أفضل لاعب في العالم، ونفس التحدي ينطبق على القصير الإيطالي ماركو فيراتي، الذي تراجع مستواه بشكل صادم في الموسمين الآخيرين، رغم انخفاض معدل إصاباته مقارنة بما كان عليه في الماضي، وعلى كبار آخرين سيتعين عليهم إقناع المدرب الإسباني بأحقيتهم في حجز مكان في التشكيل الأساسي.
من الأمور الأخرى التي تبعث ولو قليلا من التفاؤل لدى المشجع الباريسي العادي، أن مدربهم الجديد يملك سيرة ذاتية طيبة مع المواهب الحقيقية ومشاريع نجوم المستقبل، كما فعلها من قبل من الصغير غافي، بمنحه فرصة الظهور مع منتخب إسبانيا الأول، قبل أن يخوض 10 مباريات مع كبار برشلونة، لذا من الممكن أن يضع ثقته في ألمع مواهب أكاديمية الفريق، في مقدمتهم وارن زائير إيمري، الذي كان واحدا من النقاط المضيئة القليلة في وسط الفريق الموسم الماضي، رغم أنه لم يحتفل بعد بعيد ميلاده الـ18، كلاعب وسط بالمواصفات المثالية المطلوبة في لاعب الوسط العصري، ومن حسن حظه، أن النادي تعاقد مع مدرب مشهود له بالجودة والكفاءة في تطوير هكذا مواهب، من دون أن ننسى مشروع قلب الدفاع العالمي الشادلي بتشيابو، الذي يتمتع بإمكانات جسدية وبدنية أقل ما يُقال عنها انها هائلة، ببنيانه الجسدي الضخم، الذي يُرهب به خصومه، كما هو الحال لجوهرة الوسط إسماعيل غربي، والجناح الأيسر المهاجم هوغو إيكيتيكي، وأسماء أخرى قد يُكتب لها النمو والازدهار في عصر اللوتشو إنريكي، وهذه واحدة من الأمور التي ستساعده على كسب ثقة واحترام المشجعين ومجموعة التراس على وجه التحديد، فقط يبقى ملف مستقبل كيليان مبابي، أشبه بالصداع أو المشكلة المعلقة حتى إشعار آخر، لتأخر اللاعب في الرد على رسالة النادي، إما بالسماح له بالخروج بأعلى عائد مادي هذا الصيف، وإما يوافق على تفعيل بند التمديد حتى منتصف العام 2025، وفي حال استمر اللاعب مع الفريق لموسم آخر، فلن تكون مفاجأة إذا نجح المدرب في ابتكار نظام يجعل الفتى المتمرد سعيدا في «حديقة الأمراء»، لبراعة المدرب في توظيف هذا النوع من المهاجمين، فهل يا ترى سيفعلها لويس إنريكي وينجح في تحويل باريس سان جيرمان إلى فريق يخشاه الجميع؟ كما فعلها بيب غوارديولا مع مانشستر سيتي؟ دعونا ننتظر.
«القدس العربي»