“مبعوث واشنطن إلى إيران” أمام السؤال الإسرائيلي: لماذا وأين اختفيت يا مالي؟
“مبعوث واشنطن إلى إيران” أمام السؤال الإسرائيلي: لماذا وأين اختفيت يا مالي؟
“متى خرج روبرت مالي في إجازة بدون راتب؟ ما الأسباب الدقيقة لإزالة تصنيفه الأمني؟”، هذا ما طلب مايكل ماكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، أن يعرفه. في رسالة توبيخ مطولة أرسلها لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الأربعاء الماضي، وضع ماكول إنذاراً تهديدياً: على بلينكن إبلاغ اللجنة حتى اليوم عن الاستعداد لإعطاء إحاطة سرية للجنة التي ستعقد حتى 26 تموز أو قبل ذلك، وإلا “سأدعو إلى عقد جلسة استماع سرية، وسأجبر فيها شهوداً على المثول أمام اللجنة إذا لم يفعلوا ذلك بإرادتهم”.
قضية تعليق عمل روبرت مالي، رئيس طاقم المفاوضات الأمريكي لشؤون الاتفاق النووي “الجديد”، نشرت بداية في 29 حزيران في موقع “إيران انترناشونال”، الذي أشار إلى أن مالي لا يشارك منذ فترة في اللقاءات وفي المحادثات المتعلقة بإيران. هذا النشر أجبر المتحدث بلسان وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، على تأكيد التقرير دون القول متى بالضبط تم تعليق عمل مالي ولماذا. تحدثت التصريحات الرسمية عن أن التعليق جاء عقب أمر من القسم الأمني في وزارة الخارجية، وهذا القسم قال بأن مالي تصرف بشكل قد يخرق قواعد السرية، وهو المصطلح الذي يشير إلى أنه قد نقل معلومات سرية لأحد غير مؤهل للاطلاع عليها، سواء على شكل وثائق أو معلومات شفوية. في بعض التقارير، جاء أن مالي قد التقى شخصيات إيرانية رفيعة عدة مرات في كانون الثاني، من بينها السفير الإيراني في الأمم المتحدة سعيد ايراوني. وهذا تقرير نفته إيران. هل هناك أي صلة بين هذه اللقاءات، التي تطرقت أيضاً إلى صفقة لتبادل السجناء مع إيران، وبين تعليق عمل مالي الذي يبدو أنه بدأ في نيسان الماضي، تقريباً قبل شهرين على هذا النشر؟ يجدر الانتباه إلى موعد النشر.
في 28 حزيران الماضي نشر براك ربيد في موقع “أكسيوس” عن محادثة شديدة اللهجة، لكنها مهذبة، بين جاك سوليفان المستشار الأمريكي للأمن القومي، ونظيره الإسرائيلي تساحي هنغبي، التي غضب فيها سوليفان بسبب تسريب إسرائيل لمعلومات سرية تتعلق بمحادثات غير مباشرة بين أمريكا وإيران. مثلاً، سربت مصادر إسرائيلية معلومات عن نية الولايات المتحدة التوقيع مع إيران على اتفاق “مصغر” أو اتفاق “محدود” بدلاً من الاتفاق النووي الشامل. الآن، بعد فترة قصيرة على المحادثات بين سوليفان وهنغبي، نشر موقع “إيران إنترناشونال” المعروف بعلاقته الجيدة مع عدد من الشخصيات الرفيعة في إسرائيل عن تعليق عمل مالي، كما يبدو بسبب خرق طريقة تعامله مع المعلومات السرية. ربما يكون الأمر بالصدفة، لكن يجب تصديق ذلك.
روبرت مالي (60 سنة)، الذي هو ابن سايمون مالي، اليهودي المصري الذي عمل مراسلاً خارجياً في صحيفة “الجمهورية” المصرية، وابن بربارة سوليفان ستاين، التي عملت في بعثة “جبهة تحرير الجزائر” (التي كانت حتى العام 1989 الجهة الحاكمة والحزب الوحيد في الدولة)، له تاريخ مليء بالعقبات مع إسرائيل. فعندما كان مستشار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط، شجع الإدارة الأمريكية على دعم جماعة الإخوان المسلمين، التي فازت في الانتخابات بعد ثورة الربيع العربي، والتقى أيضاً مع ممثلي حماس، وهي الخطوة التي أقيل في أعقابها. بعد فترة، عينه الرئيس أوباما في منصب المبعوث الخاص للشؤون الإيرانية، وقبل سنتين قام الرئيس جو بايدن مرة أخرى بتعيينه في منصب المبعوث الخاص لشؤون المفاوضات مع إيران حول الاتفاق النووي الجديد.
تسبب مالي بعاصفة في إسرائيل عندما ناقض الرواية المقبولة هنا، وهي أن ياسر عرفات هو المسؤول عن الفشل في محادثات كامب ديفيد. في مقال نشره في “نيويورك تايمز” في تموز 2001 ناقض كل ادعاءات إسرائيل حول الاقتراح بعيد المدى الذي عُرض على ياسر عرفات في كامب ديفيد، وقال إن المسؤولية يتحملها بالتساوي القادة الثلاثة الذين شاركوا في القمة، بيل كلينتون وإيهود باراك وياسر عرفات. بعد سنة، نشرت مقابلة لإيهود باراك أجراها معه بني موريس لصالح صحيفة “نيويورك ريفيو اوف بوكس” التي كرر فيها باراك الفرضية الرئيسية لإسرائيل وهي أن ياسر عرفات لم يتنازل عن نظرية المراحل، وأنه ينوي السيطرة على كل أرض إسرائيل وتحويلها إلى دولة كل مواطنيها. في هذه المقابلة، أصدر باراك التمييز النفسي – الاجتماعي الذي يقول بأن “الفلسطينيين هم نتاج ثقافة لا يخلق فيها الكذب أي تنافر. هم لا يتحملون الصعوبة الموجودة في الثقافة اليهودية – المسيحية فيما يتعلق بالأكاذيب”. مالي لم يصمت. وفي مقال نشره هو وصديقه حسين آغا، هاجم أقوال باراك، وناقض ادعاءاته مرة أخرى. هذه المنشورات جعلت مالي سجاداً أحمر عندما تم إخراجه من الخزانة حين عينه بايدن مبعوثاً خاصاً للشؤون الإيرانية. هذا التعيين قسم مقاعد الكونغرس بين الديمقراطيين الليبراليين والديمقراطيين المحافظين، وبينهم وبين الجمهوريين الذين حولوا هذا التعيين إلى صراع سياسي منذ بداية الطريق.
الآن تعليق عمل مالي هو مناسبة يرغب الجمهوريون في استغلالها، ليس من أجل إطلاق السهام على وزارة الخارجية فحسب، بل أيضاً للإثبات بأن الإدارة الأمريكية تتبع سياسة سرية خطيرة أمام إيران. والسؤال هو: من الذي سيدير المفاوضات مع إيران ما دامت قائمة؟ يشغل مكان مالي الآن نائبه أبرام بلاي، لكن إذا كان من سيتم تعيينه بالفعل هو مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، فالخوف من موت هذه المفاوضات.
تسفي برئيل
هآرتس 17/7/2023