
مرفأ بيروت من المركز الأول للأقتصاد العربي الى ملحق بمنظومة التطبيع مع الكيان الصهيوني
أ.د.محمد مراد:باحث في التاريخ السياسي
والعلاقات الدولية
03-08-2021
أولا : بيروت المدينة – الظاهرة في الوطن العربي
منذ إعلانها عاصمة للدولة اللبنانية في الأول من أيلول ( سبتمبر ) 1920 , وحتى انفجار الحرب المأساة – الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975 , اي على امتداد مرحلة زمنية تواصلت لخمسة عقود ونصف العقد , تحوّلت بيروت الى مدينة – ظاهرة لما سجّلته من قفزات عمودية في تطورها العمراني والاسكاني والسكاني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي , حتى أنّها باتت المدينة – القطب او المدينة -المركز الأولى في الوطن العربي للخدمات على انواعها والاستثمارات والتوظيفات المالية , والارتقاء الملفت في الأنشطة التعليمية والمهنية والثقافية والفنية والصحية التي تخطّت الداخل اللبناني الى الوطن الوطن العربي والعالم .
شهدت بيروت نموا سكانيا فاق معدّلات النمو الطبيعي لسكان المدن في غير بلد من العالم , ففي حين سجّل عدد سكّانها في اول احصاء أجرته سلطات الانتداب الفرنسي لعام 1921 , ما يقرب من 94432 نسمة ( 1 ) , قفز في إحصاء 1932 الى 160759 نسمة , أي بزيادة بلغت أكثر من 70% في غضون عشر سنوات ( 2 ) . عادت بيروت لتشهد تحولات تصاعدية في نموها السكاني خلال العقود الاستقلالية الأولى التي اعقبت الاستقلال الوطني في العام 1943 , حيث بلغ عدد سكّانها في العام 1961 نحو 298129 نسمة ( 3 ) , ثمّ ارتفع مع ضواحيها الى 938940 نسمة في العام 1970 ( 4 ) , اي بنسبة تمركز وصلت الى اكثر من 45% من اجمالي سكاّن لبنان الذين بلغوا حوالي 2,126,325 نسمة لنفس العام ( 5 ) .
ثانيا : مركزية مرفأ بيروت الاقتصادية حتى العام 1975
تبوّأت بيروت مع مرفئها بين 1920 – 1975 أي منذ قيام الدولة اللبنانية الحديثة تحت الانتداب الفرنسي , مرورا بالعقود الثلاثة الأولى للاستقلال الوطني وصولا الى الانفجار الأمني والسياسي مع الحرب الأهلية في العام 1975 , تبوّأت مركزا اقتصاديا وخدميا هو الأعلى بين عواصم الأقطار العربية , حيث تحوّلت الى العاصمة المركزية الاقتصادية والخدمية والثقافية لسائر العرب دولا وشعوبا ورجال اعمال واستثمار وتوظيفات مالية وطلاّب علم وهواة سياحة واصطياف وإشتاء .
1 -–بيروت ومرفئها في عهد الانتداب الفرنسي 1920 – 1943
اذا كانت سياسة الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان , قد أولت اهتماما زائدا بتنشيط الاقتصادالمديني ( اقتصاد المدن ) ذي الطبيعة الراسمالية , فإنّ اهتمامها بالعاصمة اللبنانية بيروت ارتدى اولوية استثنائية في استراتيجيتها الاقتصادية الشاملة . فقد جعلت من بيروت تتدرّج بسرعة قياسية الى مركزية اقليمية على صعيد المبادلات التجارية محليا وعربيا وشرق اوسطيا . ففي المدينة , راحت تتطور حالة من الاقتصاد التجاري – الخدمي الشديد الارتباط بعجلة السوق والمصالح الفرنسية , هذه المصالح التي كانت فرنسا تسعى الى تطويرها تمهيدا لقيام مشرق عربي اقتصادي ملحق برأسمالية المركز الفرنسي ذي الطبيعة الليبرالية والسوقية الحرة .
تحوّلت بيروت , من خلال مرفئها , الى مركز جاذب بقوة لحركة تجارية داخلية وخارجية على السواء . احتلّ المرفأ أهمية خاصّة ميزته عن سائر المرافىء الأخرى على الساحل الشرقي للمتوسط بدءا من المرافىء التركية والسورية واللبنانية والفلسطينية في عكا وحيفا ويافا وغزّة وصولا الى المصرية في دمياط والاسكندرية ورشيد وبور سعيد فالى مرافىء المغرب العربي في الجزائر وتونس وليبيا ..
تحت ضغط الحاجة في متصرفية جبل لبنان الى تتجير انتاجها المتزايد من بالات الحرير الخام الى الأسواق الفرنسية في مرسيليا وليون وغيرهما , تولت العمل في مرفا بيروت شركة فرنسية بدءا من العام 1893 , فأنشات حوضا للسفن عام 1906 , ومستودعا للتخزين عام 1911 , وسدا عائما فوق الماء عام 1912 , ونصبت محطة كهربائية بقوة 300 حصان بخاري عام 1913 . ( 6 )
بعد سنوات الحرب ( 1914 – 1918 ) عاد مرفا بيروت يسجّل ارباحا عالية في قيمة العائدات الناجمة عن أعمال التفريغ والشحن والتخزين . ففي العام 1919 بلغت تلك العائدات حوالي 2.5 مليون فرنك فرنسي , ارتفعت في العام التالي 1920 الى 5.7 ملايين فرنك , وفي العام 1922 الى 5.8 ملايين فرنك ( 7 ) .
عكست الزيادة في عائدات المرفأ زيادة موازية في حجم البضائع المستوردة والمصدّرة عبره , إذ بلغت 82801 طنا عام 1919 لتتضاعف في العام التالي 1920 الى 159600 طن , ثمّ الى 241280 طنا عام 1922 (8) .
منذ العام 1925 سجّلت حركة السفن البخارية الداخلة الى مرفأ بيروت أرقاما قياسية مقارنة بباقي المرافىء السورية واللبنانية على السواء . ففي حين دخلت مرفا طرابلس 349 سفينة , ومرفأ الاسكندرونة 356 سفينة , ومرفأ اللاذقية 109 سفن , فقد دخلت مرفأ بيروت وحده 735 سفينة أي ما يعادل 48.5 % من المجموع العام للسفن في المرافىء المذكورة ( 9 ) . وفي عام 1928 ارتفعت هذه النسبة الى 52.1 %, وفي عام 1933 الى 53.6 % , وفي عام 1934 الى 55.6 % , وذلك من مجموع السفن التي دخلت الى المرافىء السورية واللبنانية , والتي بلغت 1682 سفينة لعام 1928 , و 1715 سفينة لعام 1933 , و1740 سفينة لعام 1934 ( 10 ) .
هذا الموقع المتفوق الذي حقّقه مرفأ بيروت على سائر مرافىء المدن الساحلية في سوريا ولبنان أسهم في تعزيز المركز الاقتصادي لمدينة بيروت بالذات , إذ جعل منها نقطة الارتكاز لحركة تجارية داخلية وخارجية على السواء . من جهة أخرى , فإنّ هذا الموقع المتقدم للعاصمة اللبنانية ومرفئها , كان قد اسهم في نموّ برجوازية تجارية مدينية تمركزت في بيروت , وراحت تتفوق على غيرها من برجوازيات المدن الأخرى في طرابلس وصيدا وزحلة , إضافة الى دمشق وحلب واللاذقية وسواها من مدن الداخل السوري , لا بل إنّ برجوازيات هذه المدن كانت تدين في نموها وتنمية مصالحها الى برجوازية بيروت المهيمنة , والتي لم يعد بمقدور أي فئة لبنانية أو سورية تقوى على منافستها .
وممّا زاد من اهمية بيروت في الثلاثينيات من القرن الماضي ( القرن العشرين ) , إنشاء منطقة حرّة في مرفئها بموجب قرار المفوض السامي الفرنسي آنذاك , في 16 كانون الثاني ( يناير ) 1933 . فقد بلغت مساحة تلك المنطقة خمسة آلاف متر مربع , مجهّزة بهنغارات أعدّت للايجار مساحتها 1484 مترا مربعا ( 11 ) , ممّا جعل حركة التجارة الداخلية والتجارية تأخذ , بقسم كبير منها , وجهتها نحو بيروت . بدأ العمل في المنطقة الحرّة في أول آذار ( مارس ) 1934 , حيث حقّقت في الأشهر العشرة الأولى ( آذار- كانون الأول 1934 ) النتائج التالية ( 12 ) :
– باتجاه آسيا – أوروبا 1465 طنا .
– باتجاه اوروبا – آسيا 3195 طنا
شكّلت هذه الأرقام حوالي 80 % من حركة التجارة الخاصّة القائمة على التخزين في العام 1934 ( 13 ) . ثمّ جاءت مشكلة لواء الاسكندرونة ( 1935 – 1939 ) , والتي انتهت بفصل اللواء عن سوريا , لتساهم في تعزيز مرفا بيروت وتجعله يتبوّأ مركز الصدارة في عملية التبادل التجاري بين الداخل اللبناني والسوري من جهة , والخارج العربي على وجه الخصوص والدولي من جهة اخرى . فقد سجّلت حركة التجارة الخاصّة ) commerce spcial) عبر المرفأ أرقام الاستيراد التالية ( 14 ) :
– عام 1935 : 363246 طنا بقيمة 18.8 مليون ل.ل.س.
– عام 1939 : 364000 طن بقيمة 55.5 مليون ل.ل.س.
عادت المستوردات عبر التجارة الخاصّة الى الانخفاض بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية , وبسبب الحصار البحري الذي ضرب على السواحل اللبنانية والسورية . ففي عام 1941 لم تبلغ الكميات المستوردة كتجارة خاصّة عبر مرفأ بيروت سوى 94545 طنا بقيمة مالية 20.24 مليون ل.ل.س. ثمّ عادت الى الارتفاع التدريجي في العام 1942 وخاصة بعد ان حسم الوضع العسكري في سوريا ولبنان لصالح الحلفاء الانكليز والفرنسيين الأحرار ( 15 ) .
أمّا على صعيد التجارة الخاصّة للمصدرات وإعادة التصدير فقد شهدت أرقاما تصاعدية بين أعوام 1932 – 1939 وفقا للآتي :
1932 : 17367 طنا بقيمة 2.9 مليون ل.ل.س .
1936 : 55125 طنا بقيمة 4.04 مليون ل.ل.س .
1939 : 97246 طنا بقيمة 11.7 مليون ل . ل . س .
هكذا , إنّ الموقع المميّز الذي احتله مرفأ بيروت كمركز استقطاب تجاري , كان له أبعد الأثر على تطور العاصمة اللبنانية , التي اضحت ليس فقط نقطة ارتكاز للاقتصاد اللبناني وحسب بل أيضا حجر الرحى الاقتصادي للداخل السوري والعربي على السواء . أمّا سبب هذا الصعود الخطي لبيروت وتحولها الى عاصمة للأقتصاد اللبناني والسوري والعربي فيعود الى أمرين اساسيين :
الأول , الاهتمام الفرنسي بتقديم بيروت على سائر العواصم والمدن العربية حيث رأت فيها السلطات الانتدابية الموقع الذي يتلاءم مع خدمة المصالح الفرنسية سواء في المراكمات الرأسمالية من ناحية , ام في كسب سبق المنافسة الاقتصادي والسياسي مع بريطانية ذات النفوذ المزاحم لفرنسا في العالم العربي من ناحية اخرى .
الثاني , تحول بيروت الى عاصمة كوسموبوليتية عربية بين البحر المتوسط شمالا , والبحر الأحمر والمحيط الهندي جنوبا , وبين الخليج العربي شرقا الى المحيط الأطلسي غربا . هذا الموقع الاقتصادي لبيروت كانت تعززه باستمرار شبكة من الأسواق العربية التي باتت بمثابة المجال الحيوي الأهم عالميا للاقتصاد اللبناني , وهذا ما دلّت عليه صادرات لبنان الصناعية , خلال سنوات الحرب العالمية الثانية , الى أسواق فلسطين والعراق والمملكة العربية السعودية وسائر الخليج العربي ومصر وصولا الى غير بلد في افريقيا العربية .
اسهمت العلاقات الاقتصادية اللبنانية – العربية في بلورة تيار سياسي لبناني راح ينادي باستقلال لبنان السياسي والاقتصادي , ويعرب عن استعداده المتزايد للانفتاح على العروبة بابعادها الاقتصادية والثقافية ,وقد برز هذا الأمر إبّان مشاورات الوحدة العربية في مطلع الأربعينيات , وكذلك في مشاركة لبنان الفاعلة في التحضير لميثاق جامعة الدول العربية التي ظهرت كمؤسسة اقليمية في مؤتمرها التأسيسي الأول في آذار ( مارس ) 1945 .
2 – مرفأ بيروت خلال العقود الثلاثة الأولى من الاستقلال الوطني (1943 – 1975 )
جاء الاستقلال الوطني للبنان في تشرين الثاني ( نوفمبر ) 1943 ليشكّل محطة انتقالية جديدة في تطور مرفأ بيروت وفي محافظته على موقعه المتقدم كموقع اقتصادي لبناني وعربي على السواء . فقد وجدت دول الجامعة العربية في استقلال لبنان السياسي , وفي اقتصاده الخدمي المتمركز في العاصمة بيروت , وفي النشاط المتصاعد لحركة المبادلات مع مرفئها , وجدت المناخ الملائم لفرصها الاستثمارية والخدمية والانخراط في شبكة من العلاقات التجارية , لاسيّما حركة التخزين والترانزيت واعادة التصدير تجاه الداخل العربي والخارج الدولي .
جاءت المقاطعة العربية للكيان الصهيوني بعد اغتصابه لفلسطين عام 1948 , لتدفع الى تحول جذري في اتجاهات التجارة العربية من مرفأ حيفا الى مرفا بيروت , الأمر الذي جعل من هذا الأخير يسجل سبقا على سائر المرافىء العربية على ساحل المتوسط الشرقي , وحتى على غير مرفأ في الشرق الأوسط .
أولت الحكومات الاستقلالية المتعاقبة التي تألفت قبل الحرب الأهلية , اهتماما رسميا في استجابتها لإجراء إصلاحات تحديثية بمرفا بيروت الذي بات يشكّل عصب الاقتصاد الوطني من ناحية , ويزيد من عمق العلاقات اللبنانية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى السياسية مع المحيط العربي , لا سيّما مع العراق وسائر الخليج العربي ومصر وليبيا وباقي الأقطار من ناحية اخرى .
حتى مطلع السبعينيات من القرن المنصرم , كان مرفا بيروت يحتوي على ثلاثة أحواض اتسعت مساحتها لتغطي 66 هكتارا أي 660,000 مترا مربعا , يحميها من الموج حاجز بطول 2100 متر , ويغلقها سدّ بطول 470 مترا . كما يحتوي ايضا على أرصفة للميناء بطول اجمالي بلغ 3250 مترا , ومستودعات بمساحة وصلت الى 239700 مترا مربّعا منها 169100 متر مربع مخازن مسقوفة . كما شمل المرفأ على منطقة حرّة زادت مساحتها عن 133450 مترا مربعا , هذا بالاضافة الى انّ المرفأ كان مزودا بالآليات اللازمة للجر والتحميل والتفريغ ( 17 ) .
لم تقتصر حركة المرفأ على نقل البضائع والركاب عبر السفن البخارية والمراكب الشراعية وحسب , وإنّما أيضا عبر شبكة للخطوط الحديدية التي كانت تنطلق من المرفأ في بيروت دونما حاجة الى تبديل الشاحنات عند تبديل الخطوط , لتتصل بشبكات الخطوط الحديدية السورية – العراقية ( بيروت – حلب – الموصل – بغداد ) , وأيضا بالخطوط الحديدية السورية – التركية ( بيروت – حلب – استانبول ) .
تألّفت شبكة السكك الحديدية اللبنانية من الخطوط التالية ( 18 ) :
– الى دمشق : بيروت – رياق – سرغايا ( 88 كلم ) .
– الخط الساحلي : الناقورة – بيروت – طرابلس ( 190 كلم ) .
– الى حلب : طرابلس – عكار ( 40 كلم ) , ورياق – البقاع ( 90 كلم ) .
سجّلت حركة مرفا بيروت بين الاستقلال وانفجار الحرب الأهلية التطورات الخطية التالية :
1 -–حركة الملاحة ( البواخر والمراكب الشراعية ذات القدرة الاستيعابية 1000 طن )
عام 1948 بلغ عدد البواخر الداخلة الى المرفا وتلك الخارجة منه 1902 باخرة , ارتفع العدد الى 2921 باخرة عام 1951 , والى 4420 باخرة عام 1960 , والى 4639 ,و5226 , و4314 , و 4873 باخرة وذلك على التوالي لسنوات 1963 و 1966 , 1967 , 1971 .
الرسم البياني الرقم ( 1 ) يقدّم صورة واضحة عن حركة الملاحة في مرفا بيروت بين 1955 – 1971 .
الرسم البياني ( 1 )
حركة السفن في مرفا بيروت بين 1955 – 1971
المصدر : إدارة شركة واستثمار مرفأ بيروت , في : وزارة التصميم العام , مجموعة الاحصاء المركزي , المجموعة الاحصائية لعام 1963 , ص ,206 – 207 , والمجموعة الاحصائية لعام 1971 , ص , 182 – 183 .
2 – حركة البضائع
كانت هذه الحركة باتجاهين : الحمولة المفرغة في المرفأ , والأخرى المشحونة منه الى الخارج .
أ – الحمولة المفرغة :
سجّلت هذه الحمولة كميات البضائع التالية ( بالألف طن ) :
773 ألف طن لعام 1948 و ارتفعت بعدها الى 911 الف طن لعام 1951 , وتواصلت مسجّلة 1482 و 1097 و 1443 , 1811 , 2289 و 2457 الف طن على التوالي لأعوام : 1954 , 1960 , 1963 و 1966 , 1970 و1971 .
الرسم البياني الرقم ( 2 ) يقدّم صورة واضحة عن حركة البضائع المفرغة في مرفا بيروت لسنوات 1952 – 1971 .
الرسم البياني ( 2 )
كميات البضائع المفرغة في مرفا بيروت بين 1952 – 1971 ( بالألف طن )
المصدر : شركة ادارة واستثمار مرفأ بيروت , في : وزارة التصميم العام , المجموعة الاحصائية لعام 1963 , ص , 206 – 207 , والمجموعة الاحصائية لعام 1971 , ص , 182 – 183 .
يتضح من الرسم البياني ( 2 ) أنّ البضائع المفرغة في مرفا بيروت أخذت كمياتها تتصاعد خطيا لسنوات 1952 و 1953 , 1954 , 1955 , ثمّ تراجعت في العام 1956 بسبب حرب السويس التي شنّها العدوان الثلاثي البريطاني – الفرنسي – الصهيوني على مصر على أثر قرار الرئيس جمال عبد الناصر الذي قضى بتأميم قناة السويس واضعا نهاية لاستغلالها من قبل الشركات الأجنبية .
عادت كميات البضائع المفرغة في المرفأ الى الارتفاع بين عامي 1963 – 1971 على الرغم من بعض التراجع في حركة البضائع العربية على اثر حرب حزيران 1967 , التي شنّها العدو الصهيوني على مصر وسوريا والأردن في الخامس من حزيران ( يونيو ) 1967 , والتي أفضت الى احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية , والجولان السورية , والضفة الغربية وقطاع غزّة في فلسطين .
ب – الحمولة المشحونة
بين 1948 – 1971 , شحنت من مرفا بيروت كميات وازنة من البضائع والسلع الى الخارج العربي والدولي ( الكميات بالألف طن ) :
119 ألف طن لعام 1948 و 242 ألف طن لعام 1952 , 442 الف طن لعام 1956 , 280 ألف طن لعام 1960 , 480 ألف طن لعام 1964 , 654 الف طن لعام 1968 و728 ألف طن لعام 1970 فالى 626 ألف طن لعام 1971 .
لعلّ الرسم البياني في الرقم ( 2 ) والمعبّر عنه ( – – – – ) لسنوات 1952 – 1971 يوضح الأحجام الوزنية للبضائع المشحونة من مرفأ بيروت لسنوات 1952 – 1971 .
3 – حركة المسافرين عبر المرفأ
وهي تشمل حركة الركاب العاديين والسيّاح القادمين والمغادرين من والى البلاد العربية بصورة خاصّة , وكذلك من والى غير دولة في العالم .
عام 1948 بلغ عدد الركاب القادمين الى المرفا والمغادرين عبره 25266 قادما ومغادرا , ارتفع العدد الى 43991 راكبا لعام 1951 ثمّ الى 72014 راكبا لعام 1955 , والى 85780 راكبا لعام 1963 , والى 122279 راكبا لعام 1966 , انخفض بعدها الى 81246 راكبا لعام 1970 ثمّ عاد ليرتفع الى 117982 راكبا لعام 1971 ( 19 ) .
الرسم البياني الرقم ( 3 ) يعكس حركة المسافرين عبر المرفا وفقا لما هو مبيّن في الرسم ز
الرسم البياني الرقم ( 3 )
حركة المسافرين عبر مرفأ بيروت بين 1955 – 1971
المصدر : شركة ادارة واستثمار مرفا بيروت , في المجموعة الاحصائية لعام 1971 , ص و 181 .
ثالثا : مرفأ بيروت بين 1975 – 2020
جاء انفجار الحرب الأهلية في العام 1975 , والتي تواصلت فصولها المأساوية لأكثر من خمس عشرة سنة , جاء هذا الانفجار ليرمي بنتائج سلبية ثقيلة طالت غير مؤسسة وادارة في الدولة اللبنانية , وأصابت بالشلل مرافقها العامّة ومنها مرفأ بيروت الذي شكّل سابقا العصب الاقتصادي للبنان ولمحيطه العربي والذي كان له حضوره الوازن في المبادلات السوقية العالمية .
أبرز الأسباب الكامنة وراء تراجع وتهميش مرفأ بيروت منذ بدايات الحرب الأهلية في العام 1975 وحتى وقوع كارثة الانفجار – الزلزال في الرابع من آب ( اغسطس ) 2020 , كانت التالية :
1 – غياب السلطات التي حكمت الدولة خلال وبعد الحرب عن إجراء اصلاحات تحديثية وتطويرية من شأنها العودة بمرفأ بيروت الى الدينامية التي عرفها لأكثر من خمسة عقود ونصف العقد مضت على قيام الدولة اللبنانية الحديثة ( 1920 – 1975 ) .
2 – عدم كفاءة النظام السياسي الذي افرزته الحرب والذي تسلّق الى حاكمية الدولة ومؤسساتها في أعقاب تسوية الطائف لعام 1989 , وهي التسوية التي أتاحت لميليشيات الحرب تولي السلطة بكل مفاصلها وتشكّلاتها الهرمية , حكمت هذه الميليشيات الدولة ومرافقها ومنها مرفأ بيروت بعقلية اللادولة وبخلفية المحاصصة الطائفية والمذهبية وبنزعة تسلّطية مغلّفة باستثمار هو الأعنف للطائفية السياسية التي تنظر الى الدولة على أنّها مجرد مغانم لزعماء الطوائف الجدد ولأتباعهم من المحازبين في ظل بروز ظاهرة من الزبائنية الولائية أمسكت بادارات الدولة وسط احتكار واستئثار بوظائف القطاع العام الحكومي أي قطاع الدولة . مع هذه المنظومة اللادولتية تولت الادارات والمرافق العامة ومنها ادارة مرفا بيروت عناصر تابعة ومحسوبة وغير ذات كفاءة , الأمر الذي جعل من حركة المرفأ تشهد تراجعا انحداريا متواصلا .
3 – التراجع الحاد في حجم العائدات الجمركية المتأتية من مرفأ بيروت , والسبب في ذلك يعود الى فساد الجهاز الاداري من ناحية , والاختلاس وعمليات التهريب من ناحية ثانية , والتهرب الضريبي وصولا الى التزوير من ناحية ثالثة .
4 – استمرار الأزمات اللبنانية التي لم تتوقف بعد نهاية الحرب , وهي أزمات تداخل فيها السياسي مع الأمني والاقتصادي والمالي , أرخت هذه الأزمات بتداعياتها السلبية على الوضع اللبناني بصورة عامة , وطالت مرافق الدولة ومنها مرفأ بيروت بصورة خاصّة .
5 – التغيّرات الجيوسياسية التي بدأت تشهدها المنطقة العربية منذ مطالع القرن الحالي ( الحادي والعشرين ) , والتي تمثّلت بلجوء الولايات المتحدة الأمريكية للحرب الاستباقية , فاحتلت أفغانستان في العام 2001 , والعراق في العام 2003 . كان احتلال العراق واسقاط دولته المركزية ونظامه الوطني بمثابة التمهيد لمباشرة تنفيذية لمشروع أميركي بقيام شرق أوسط جديد بجغرافيات سياسية جديدة تنتفي معها الدولة المركزية في الوطن العربي ليحلّ مكانها سلسلة من الفسيفسائيات الفيدرالية أو الكونفدرالية تبقى معها دوامة الحروب الأهلية مفتوحة داخل القطر الواحد أو بين قوى منتشرة في عدة أقطار عربية , وهذا ما جرى ويجري حتى الآن في العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان ومصر والجزائر وتونس وسواها ..
على موازاة المشروع الأميركي الشرق أوسطي طلّت برأسها مشاريع دولية واقليمية أخرى , وراحت تدخل في سباق محموم حول التمدد والسيطرة واقتسام النفوذ في المنطقة العربية . تعدّدت هذه المشاريع من أميركية وروسية وفرنسية وأوروبية وإيرانية وتركية واسرائيلية , كل ذلك في ظل غياب أي مشروع عربي يمتلك رؤية استراتيجية للخلاص الوطني والقومي , ويعيد للأمة العربية حريتها وتقدمها ومعاودة نهوضها وحضورها الانساني .
وسط هذا الازدحام للمشاريع الخارجية المتنافسة على تأمين حضور لها في المجال العربي الذي هو المجال الحيوي الأهمّ في العالم , برز مشروع أميركي – صهيوني مدعوم من قوى دولية واقليمية هو مشروع تطبيع العلاقات العربية – الصهيونية معلنا نهاية للقطيعة الاقتصادية والسياسية التي أجمع عليها العرب على أثر الاغتصاب الصهيوني لفلسطين عام 1948 .
وجد مشروع التطبيع ترجمته العملية مع لجوء عدد من أنظمة الحكم العربية الرسمية في السودان والمغرب والامارات العربية المتحدة والبحرين , مضافا اليها مصر في اتفاقية كامبديفيد لعام 1979 , والأردن في اتفاقية وادي عربة لعام 1994 .
في ظلّ استشراء الفساد الاداري في الدولة اللبنانية ومؤسساتها ومرافقها العامّة , ومنها مرفأ بيروت , وفي ظل تقاطع هذا الفساد مع الأزمة اللبنانية غير المسبوقة , والتي انفجرت في تشرين الأول ( أوكتوبر ) 2019 , وهي ما زالت الى اليوم تنذر بمصير مجهول للكيان الوطني اللبناني دولة ووطنا ومجتمعا , ومع اختراق مشاريع الخارج الدولي والاقليمي للبنان ولسائر المنطقة العربية , في وقت تتلازم فيه هذه المشاريع مع مشروع التطبيع العربي – الصهيوني , في ظل كل هذه التقاطعات المشار اليها لم يخرج تفجير مرفأ بيروت في 4 آب ( أغسطس ) عن سياقات الفساد السياسي والاداري والمالي المحلي والمشاريع المتزاحمة على التفتيت والتفكيك للبنيان القومي العربي , والتطبيع مع الكيان الصهيوني تسهيلا لقيام دولته اليهودية المزعومة من الفرات الى النيل على حساب الحقوق التاريخية لشعب فلسطين ومعه الشعب العربي في كل أقطار الوطن العربي .
إنّه التحدي التاريخي الذي يواجه القوى الحيّة في لبنان والوطن العربي عموما , وانّ طريق الخلاص يكون بالتلازم بين مشروعين اثنين متفاعلين ومتكاملين : الأول , خلاص لبنان الوطني من خلال اعتماد منهجية نضالية وطنية تستطيع العبور بالدولة من دائرة الطائفيات السياسية الى دائرة الدولة المدنية الديمقراطية , والثاني , خلاص قومي من خلال اعتماد منهجية نضالية قادرة على نقل الوطن العربي من حالة التفتيت والشرذمة والانقسام الى حالة القوة القومية التي تمتلك رؤية استشرافية لمستقبل الأمة العربية تستعيد معها حضورها العالمي ومواصلة رسالتها الحضارية الانسانية .
الهوامش :
1 – H.C : Bulletin du haut commissariat de la République française en Syrie et au Liban 1922 : Recensement de 1921 , Population du Grand Liban , p 79.
2 – C.A.N ( Centre des Archives Nationales ) , correspondance Deuxième Série, carton 8 , dossier 63 .
3 – الجمهورية اللبنانية , وزارة التصميم العام , المجموعة الاحصائية لعام 1963 , ص , 28 .
4 – الجمهورية اللبنانية , وزارة التصميم العام , المجموعة الاحصائية لعام 1971 , ص , 72 .
5 – المصدر نفسه , ص , 72 .
6 –De monicault , Jacques , le Port de Beyrouth et l’économie des pays du Levant sous le Mandat Français , librairie Technique et Economique, Paris , 1936 , p . 25 .
7 – op.cit , p. 25 .
8 – op.cit , p . 28 et 51 .
9 – H .C : Rapport a la Société des nations , 1922 – 1930 , p. 43 , et Bulletin de la Banque de Syrie et du Grand Liban , no 4 , le 15 octobre 1933 ,p. 34 , et no 6 le 31 Décembre 1935 , p. 33 .
10 – H.c : op.cit , p . 34 , et bulletin de la banque de Syrie et du Grand Liban , op.cit , no 4 et 6 .
11 – De monicault , jaques , le Port de Beyrouth … , op.cit , p. 46 .
12 – op.cit , p. 47 .
13 – op.cit , p.47 .
14 – محمد مراد , العلاقات اللبنانية – السورية في عهد الانتداب الفرنسي , دار الرشيد للعلوم , بيروت و طبعة أولى , 1993 , ص , 125 .
15 – المرجع نفسه , ص , 138 .
16 – المرجع نفسه و ص و 138 .
17 – الجمهورية اللبنانية , وزارة التصميم العام , مديرية الاحصاء المركزي , المجموعة الاحصائية لعام 1971 , ص , 180 . شركة ادارة واستثمار مرفأ بيروت Compagnie de Gestion et d’exploitation du Port de Beyrouth .
18 – المصدر نفسه , ص , 180 .
19 – المجموعة الاحصائية لعام 1963 , مصدر سابق , ص , 206 – 207 , وأيضا : المجموعة الاحصائية لعام 1971 و ص , 182 – 183