فلسطينمقالات

مصطفى الكستوني.. قصة بطل بدأت عند طفولته ولم تنته باستشهاده بقلم علي سمودي-

بقلم علي سمودي-جنين - "القدس" دوت كوم

 مصطفى الكستوني.. قصة بطل بدأت عند طفولته ولم تنته باستشهاده

علي سمودي-جنين – “القدس” دوت كوم – 

فجر إعدام الشهيد مصطفى الكستوني، القائد الميداني لكتائب شهداء الأقصى، مشاعر السخط والغضب ليس في أوساط عائلته، بل في صفوف أهالي مدينة جنين ومقاومتها ومقاتليها الذين عرفوه منذ صغره، ثائراً ومنتفضاً بطلاً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ولما تميز به من شجاعة وجرأة وإقدام، لازمته في مراحل حياته، تمتع بشعبية كبيرة، فجرت أجواء الحزن والألم لتتحول مسيرة تشييع جثمانه، لتظاهرة غاضبة ومنددة بالاحتلال الذي لطالما استهدفه بالمطاردة والإصابة والأسر وأخير الإعدام بدم بارد، كما روت والدته.
أمام منزله على مداخل البلدة القديمة وسط جنين، وخلال إزالة أثار الدمار الذي خلفه الاحتلال بمنزل الكستوني، وأثناء تشييع جثمانه، تذكر الجميع محطات من السيرة النضالية للكستوني الملقب بـ”حارس بوابة جنين والبلدة القديمة”، وتعددت القصص والحكايا من بطولاته وجرأته، التي سارع نشطاء للتعبير عنها بنشر صور مصطفى وهو صغير، خلال تحديه وملاحقته للدبابات الإسرائيلية خلال اجتياحات جنين أثناء الانتفاضة الثانية.

وقال المحرر محمود حسن لـ”القدس” دوت كوم: “لم يكن طفلاً عادياً، بل جريء وشجاع وبطل وقف دوماً لمواجهة الدبابات الإسرائيلية، ما زلت أتذكره، عندما قفز على الدبابة ومزق العلم الإسرائيلي ورفع علم فلسطين وقفز وهم يطلقون النار عليه”.

وأضاف جاره أبو علي: “لشدة بطولته وجرأته، أسماه أهالي الحي أبو علي، فقد كان متمردًا ورجل كبر قبل أوانه رغم صغر سنه، مصطفى دوخ الجيش وكان يلاحق الدوريات والدبابات ويرشقهم بكل شيء أمامه، لم يخاف يوماً”.

أما رفيق دربه في كتائب الأقصى أبو عمر، فقال: “جنين خسرت فارساً من فرسان البطولة والمقاومة، عرفناه، شرساً ومقداماً وفدائياً يتقدم الصفوف في كل مواجهة من صغره، بطل الحجارة والاشتباكات، ولو نطقت حجارة جنين، لروت الكثير من الصور البطولية التي سطرها دوماً”.

كل من التقاهم مراسل “القدس” دوت كوم، للحديث عن الشهيد المقاوم الكستوني، أجمعوا أنه كان استثنائياً في كل محطات حياته، لم يهاب الاحتلال دوماً، وتفنن في مواجهته بالرصاص كما الحجر، وقال والده: “منذ صغره، تمنى الشهادة، كبر في ساحات المواجهة، ولم يفارقه سلاحه يوماً، سواء كان حجراً أو بندقية، كنا نتوقع استشهاده في كل لحظة، ونشعر بفخر واعتزاز بعدما كرمه رب العالمين بالشهادة”.

وأضاف الأسير المحرر أبو مرعي: “مصطفى رجل المهمات الصعبة، هذا المشتبك الصغير، كبر وانتصر دوماً على الاحتلال رغم إصابته واعتقاله، كبر وحول الحجر لبندقية”.

وسط أهازيج النسوة، لرفع معنويات والدة وشقيقتي الكستوني، لم تجف دموع الوالدة الخمسينية باسمة عبد الرحمن سباعنة، طوال حديثها لمراسل “القدس” دوت كوم، عن أصعب لحظة وكابوس في حياتها، عندما عجزت عن إنقاذ حبيب قلبها الذي أعدمه الاحتلال بفراشه في منزله المجاور لها، وفصل كما تقول: “بينهما جدار، حاولت الوصول إليه وحمايته من رصاصهم الذي لم يتوقف رغم صرخاته لإغاثتنا وحمايتنا أنا وأطفال شقيقه الذي اعتقلوه هاني، لكنهم سرقوه مني وقتلوني معه، فلا يوجد معنى لحياتي بدون الغالي والحبيب والبطل”.

خلال مهاجمة الاحتلال لمنزلها، لم تكن تعلم الوالدة الكستوني، باستشهاد مصطفى واعتقال ابنها الأسير المحرر هاني، أثناء عملية وحدات المستعربين وسط جنين، على بعد أمتار فقط من المنزل الذي تعيش فيه، وأبصر أبنائها الخمسة النور فيه، وخلال دقائق دمره الاحتلال مع ذكرياتهم وكل متعلقات حياتهم التي لم تكن سهلة، خاصة مع تكرار استهداف واعتقال ابنائها الثلاثة.

وحسب توثيق “القدس” دوت كوم، استناداً لروايات شهود العيان، عندما كان يتواجد هاني الكستوني وصديقه حسن هصيص الذي تزعم قوات الاحتلال، أنه مطلوب لها كونه من قادة كتيبة جنين، قرب الدوار الرئيسي وقبالة منزله، باغتتهم وحدات المستعربين الخاصة، التي استخدمت مركبات تحمل لوحة ترخيص فلسطينية.

ويقول مجدي العرقاوي لـ”القدس” دوت كوم: “فجأة توقفت مركبات فلسطينية، قطعت الطريق حوالي الساعة السابعة صباح الخميس، وقفز منها مستعربين يرتدون زي الجيش، وهاجموا الكستوني وهصيص واعتقلوهما، واقتادوهما تحت الضرب لمنطقة قريبة بانتظار وصول التعزيزات العسكرية لنقلهما، وقد اعتدوا بالضرب بشكل وحشي رغم السيطرة عليهما”.

ويضيف الشاهد محمود جمال: “فجأة، انهمر الرصاص من إحدى نوافذ منزل الكستوني، وتبين أن مصطفى يطلق النار نحو المستعربين، الذي حاصروا المنزل وأطلقوا نيران كثيفة نحوه، حتى انضمت إليهم المزيد من القوات لتهاجم المنزل وتعرض حياة العائلة للخطر”.

في هذا الوقت، تروي زوجة الأسير هاني لـ”القدس” دوت كوم، أنها وخلال تواجدها مع حماتها وأطفالها الأربعة، سمعت صوت إطلاق نار في محيط المنزل الواقع في الطابق الثاني، وما كادت تطل من النافذة حتى تعرضت لإطلاق نار كثيف، فعادت مسرعة، وزحفت وحماتها والأطفال نحو المطبخ، بعدما انهمر الرصاص بغزارة صوب المنزل، دون أن تعرف حقيقة اعتقال زوجها.

أما الوالدة باسمة، فقالت: “استيقظنا على صوت إطلاق النار الذي كان يقترب بشكل مستمر نحو منزلنا، كان ابني مصطفى في منزله لوحده، وفجأة سمعته يصرخ، ويقول “أبعدوا الكلاب عني”، لم أعلم أنهم تمكنوا من اقتحام منزلنا وإطلاق الكلاب البوليسية نحو ابني، وفجأة، لا أعرف كيف أطلقوا الكلاب علينا وحاصرونا في الغرفة ومنعونا من الحركة دون مراعاة هلع ورعب أحفادي الصغار”.

وتضيف: “ووسط استمرار إطلاق النار داخل المنزل، سمعت ابني مصطفى وهو يصرخ مخاطباً الجنود باللغة العبرية تارة والعربية أخرى، طلب منهم عدم إطلاق النار لوجود أطفال ونساء، وقال لهم لا يوجد معي أي شيء وبدي أسلم حالي، وفجأة سكت صوت أبو علي ولم أعرف أنهم أعدموه”.

وتكمل: “اقتحموا علينا المطبخ والمنزل، وسألونا عن هوية هاني وأجهزتهم الخلوية وهم يصرخون، فقلت لهم أنه غير موجود في البيت، فهجموا علينا بطريقة مرعبة ووحشية”.

وتتابع: “عندما انسحبوا، هز انفجار كبير المنزل ودمروا كل شيء، فخرجت لتفقد مصطفى، فوجدت كل شيء دمار، وابني محاصر تحته وينزف دماً، استغث بالناس، أخرجونا والأطفال على حمالات وبطريقة صعبة لعدم وجود مخرج بعدما دمر الاحتلال بوابة المنزل”.

تمكن الشبان من الوصول لداخل المنزل رغم الدمار، وبصعوبة بالغة أخرجوا مصطفى من النافذة على حمالة، وهو بحالة صعبة وينزف الدم بغزارة، وتقول والدته: “في البداية أبلغوني أنه جريح، وركضت خلف للمشفى للاطمئنان عليه، لكن كانت صدمتي كبيرة، عندما أعلن استشهاده، بكيت وشعرت بانهيار، لكن رب العالمين كرمني بالصبر، فدعوت أن يتقبله شهيداً كما أحب وتمنى”.

وتضيف: “منذ صغره يعشق فلسطين والمقاومة ويرفض الاحتلال ويتمنى حرية وطنه أو الشهادة، وعندما كنت أطلب منه التوقف، كان يقبلني ويراضيني، ويقول “كيف بدنا نحرر فلسطين”، رفض كل عروضي للزواج، واختار طريق النضال والمقاومة، فاستهدفه الاحتلال، وطارد البطل الذي واجه الدبابة بالحجر ثم حمل السلاح”.

وتكمل: “بتاريخ 12-9-2022، لاحقه الاحتلال وهاجم منزلنا، وأصابه برصاصه واعتقله، وصمد وتحت رغم الجراح حتى تحرر قبل شهرين، لكنهم انتقموا منه ومنا اليوم بإعدامه، كان بإمكانهم اعتقالهم، إلا أنهم نفذوا تهديدهم الذي وجهوه له خلال اعتقاله السابق بإعدامه”.

في لحظات الوداع الأخير، عانقت الوالدة شهيدها، وهي تصرخ، “أحضروا سامي وهاني لوداعه، كيف سيدفن دون رؤيتهم له، الله أكبر على هذا الاحتلال الظالم، ابني سامر معتقل منذ فترة وما زال في التحقيق، فكيف سيكون وقع الخبر الصادم عليه”.

وتضيف: “ابني هاني الذي اختطفوه قبل إعدام مصطفى، نقلوه للسجن، فأي شريعة أو قانون يجيز كل هذا الظلم، لكن رسالتي للاحتلال نحن صابرون ولن نركع، فخورين بمصطفى الذي عاش حياته مطارداً وجريحاً وأسيراً، واليوم نودع شهيداً وعريساً فداءً لجنين والقدس وفلسطين، وربي يصبرني على كل هذه الأوجاع”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب