مقالات

 من حق الشعب أن لا يثق بلصوص الهيكل – طليعة لبنان

كلمة طليعة لبنان

 من حق الشعب أن لا يثق بلصوص الهيكل
كلمة طليعة لبنان
28-08-2023
بعد عام تقريباً على ترسيم الحدود البحرية التي تمت نظرياً بين لبنان والكيان الصهيوني وفعلياً بين إيران “وإسرائيل” برعاية أميركية، بدأت ورشة التنقيب عن النفط والغاز التي قال الخبراء إن فترة الاستكشاف قد تستمر لثلاثة أشهر تقريباً، لمعرفة حجم المخزون الفعلي في البلوك ٩ الذي بدأ الحفر به من قبل الشركة الفرنسية “إنيرجي توتال”. وبانتظار ما ستسفر عنه نتائج الحفر، تشهد الساحة السياسية حراكاً نشطاً لا ينصب بالدرجة الأساس على ملء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية كمدخل لإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة التي تهاوت وتحللت، بل ينصب الاهتمام على المخزون الذي ما يزال تقديره احتمالياً في قعر البحر. وقد توج هذا الاهتمام بالجولة الإعلامية الاستعراضية لرئيسي المجلس والحكومة والوزراء المختصين لتفقد الأعمال، حيث بدت غمرة الفرح واضحة على الوجوه التي تستبشر خيراً بقرب وضع اليد على الكنز الذي طال انتظار الوصول إليه، كما بالاتصالات والمفاوضات الثنائية والمتعددة الطرف حول إنشاء ما يسمى بالصندوق السيادي وإبقاء القديم على قدمه لجهة حقيبة وزارة الطاقة وكل ماله صلة بعملية استخراج النفط والغاز وكيفية توظيفه.
مما لا شك فيه أن إنشاء صندوق سيادي تودع فيه عائدات الثروة الوطنية من نفط وغاز هو أمر إيجابي، لأن هذه الثروة هي ملكية وطنية عامة، وحق التصرف بها هو للشعب باعتباره صاحب الحق الحصري. وكثير من الدول تأخذ بهذا الأسلوب لحماية مردود الثروة الوطنية من الهدر والنهب والسرقة.
كما أنه من حق الشعب في لبنان أن يبدي ارتياحاً لوجود ثروة نفطية في باطن أرضه الوطنية، أو في قعر مياهه الإقليمية ويبدي استعجالاً على استخراجها، لأن المردود سيساهم في تغذية مالية الدولة وبالتالي سيوظف في خدمة الإنماء الوطني وتلبية الحاجات الأساسية وتوفير حزمة من الضمانات لضرورات الأمن الاجتماعي والحياتي بعدما وصل مرحلة الاختناق من جراء تداعيات الأزمة الاقتصادية- النقدية وانعكاساتها المعيشية الحادة، بسبب الانهيار في سعر صرف العملة الوطنية وارتفاع منسوب التضخم الذي أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات.
هذا من حيث المبدأ، أما من حيث معطى الواقع القائم، فإن الشعب الذي يبدي ارتياحاً واستعجالاً لاستخراج النفط والغاز، ينتابه قلق وخوف على هذه الثروة مهما بلغ مردودها. وهذا الخوف والقلق ليس مرده تدخل الكيان الصهيوني لإعاقة أعمال التنقيب والاستخراج والتسويق، لأن العدو حصل على أكثر مما كان يمن النفس به من جراء اتفاق الترسيم الذي اعتمد الخط ٢٣ بدل الخط ٢٩، ومعه أصبح حقل “كاريش” الغني بمخزونه المؤكد، من نصيبه مع حصة تدفع له بشكل غير مباشر بواسطة شركة توتال التي تتولى الاستخراج من البلوك ٩ الذي يفترض أنه من حصة لبنان.
ومن يقف على التشدد الذي يبديه بعض أطراف المنظومة السلطوية للإمساك بناصية الصندوق السيادي كما التمسك بوزارة الطاقة، واعتبار الحصول على هذين الامتيازين صفقة رابحة في صفقات المحاصصة على تقاسم مواقع النفوذ في السلطة ومنها انتخابات رئاسة الجمهورية كما مواقع أساسية في هرمية مؤسسات الدولة الأمنية والنقدية والإدارية، يصبح خوفه وقلقه مشروعين جداً، وهو الذي اكتوى بجمر المحاصصة والسرقة الموصوفة للمال العام التي أوصلت البلد إلى حافة الإفلاس. قيل لامرئٍ “لماذا تنفح على اللبن، قال: لأن الحليب كاويني”.
نعم إن اللبنانيين بشرائحهم الشعبية العظمى اكتووا بنار المنظومة السلطوية التي مارست كل أشكال الموبقات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، وهذه المنظومة بكل أطرافها ودون استثناء ايٍ منهم، هم المسؤولون عن إفقار الشعب في لبنان حتى وصل الأمر بهم إلى السطو على الحقوق الخاصة وهي أموال المودعين التي هي جني عمر ذوي الدخل المحدود ومن اغترب لتوفير “قرشٍ ابيضٍ ليوم اسودٍ”، فإذ باليوم الأسود يحل دون أن يتمكن الاستفادة من القرش الأبيض. فكيف للشعب أن يثق بمن سطا على أمواله الخاصة في تواطؤٍ مكشوفٍ بين كل أطراف المنظومة السلطوية ولوبي المصارف وحاكمية مصرف لبنان؟ وهو لم ينس بعد أن المديونية العامة التي أرهقت خزينة الدولة، حصلت بفعل فاعل، وان الأموال التي كانت تسحب من المالية العامة لتأمين الكهرباء والماء والخدمات الأساسية وتأهيل البنى التحية، لم تصرف في قنوات إنفاقها الخاضعة للرقابة والمحاسبة، وإنما ذهبت إلى الصناديق الخاصة لأطراف المنظومة التي ُاتخمت من نهب المال العام وتبييض الأموال وتجارة المخدرات والممنوعات وإدارة شبكات التهريب للسلع والمواد الأولية والعملة الصعبة وكله على حساب لقمة عيش المواطن وطبابته وتعليم أولاده وتأمين فرص العمل وكل ماله صلة بالأمن المعيشي.
إن من يرى نفسه منهوباً بماله الخاص، ومستباحاً بأمنه الحياتي وأمنه الوطني، هو على حق بأن يخشى على ثروته الوطنية من نفط وغاز وغيرهما. لأن من يدعي المسؤولية عن حماية حقوق المواطن في مداخيله وفرص عمله، هو نفسه الحرامي الذي يمارس “النهب المشرّع” والذي أوصل البلاد والعباد إلى الإفقار العام. وعليه فإنه لا ثقة بمنظومة أدى سلوكها السياسي والمالي والإداري والأمني إلى هذا المستوى من التردي في إدارة الشأن العام وهي بالتالي ليست مؤتمنة على ثروة وطنية ولو ما زالت احتمالية.
إن الذين قاموا بالجولة الاستطلاعية وأجواء الفرح بادية على وجوههم ويشيرون بالبنان إلى حيث تجري أعمال التنقيب، لا يغتبطون لأن النفط والغاز في حال استخراجهما سيساعد على تمكين اللبنانيين من تجاوز أزمتهم الخانقة وإعادة التوازن إلى ماليتهم العامة، بل لأن صناديقهم الخاصة سيعاد ملؤها من المال العام مرة تلو الأخرى دون استيحاءٍ أو خجلَ، لأن الذين “استحوا ماتوا”، وإلا ما هو مبرر إلغاء الهيئة الناظمة للنفط، وعدم تشكيل هيئة ناظمة للكهرباء والاستماتة في التحكم بالصندوق السيادي كما إنشائه والتمسك بوزارة النفط والطاقة والوزارات ذات الصلة بخدمات النفع العام.
فكيف للناس أن تثق بهكذا منظومة، وهي كانت تطالب بتسييل احتياط الذهب!. ولو لم يكن هناك قانون يحظر التصرف به إلا بموجب قانون، لكان هذا الاحتياط ذو الأثر النفسي المطمئن، قد تم السطو عليه وأصبح مصيره كمصير الاحتياط النقدي في مصرف لبنان وأيضاً أموال المودعين.
إن كثيرين يرون ورغم الحاجة الوطنية والشعبية لمردود إنتاج النفط والغاز، أن بقاء النفط والغاز دون استخراجهما هو أفضل من استخراجهما، لأن حاصل الإنتاج لن يوظف توظيفاً وطنياً، بل سيذهب إلى جيوب المتنفذين في السلطة. وهذا ما سبق وحذر ومنه رئيس المجلس النيابي السابق المرحوم حسين الحسيني وهو كان صاحب اليد الطولى في إصدار قانون عدم المس باحتياط الذهب وتسييله، عندما كان أعلن أكثر من مرة، بأنه الأفضل للبنان ان لا يستخرج نفطه وغازه حفاظاً عليهما من النهب والاستيلاء على مردوده، لأنه لا ثقة بهكذا طبقة حاكمة. فعندما يكون أطراف المنظومة الحاكمة، لصوصاً، وكل واحد منهم يمارس النهب على طريقته الاحترافية الخاصة به ووفق ما هو متوفر له من إمكانات وتسهيلات مشرّعة أو تمارس بحكم الأمر الواقع، يكون الخوف مشروع من السطو على الثروة الوطنية.
فمن يسطو على أموال المودعين وهي أموال خاصة ومن يفتح الزواريب الخلفية ليتسرب منها المال العام، لا يكون محط ثقة عامة مؤتمنٍاً على المال العام. وهذه سمة لا تقتصر على طبقة الحكم في لبنان وحسب، بل تنطبق على كل من يفتقر إلى أوليات شروط الانتماء الوطني كما أوليات الإحساس بشعور المواطنة. فمن لا يكون مؤتمناً على الحق الخاص كما الحق العام، لا يكون مؤتمناً على ثروة وطنية ولا على سيادة وطنية، وكل ما عنده مستباح خدمة لمصالحه الخاصة، أو خدمة لمشغليه من خارج حدود الانتماء الوطني. وهذا بحد ذاته ذروة الفساد السياسي الذي يؤدي تماديه إلى تحلل بنية الدولة وإعادة الناس في إدارة حياتهم إلى مرحلة ما قبل قيام الدولة حيث تنتظم إدارة الحياة العامة على الأسس الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية والإثنية والجهوية، وعندها يبطل الشعب أن يبقى شعباً، ويبطل الاجتماع السياسي يدار بواسطة إدارة باتت تعّرف بالدولة.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإنه قبل احتلال العراق، سألت إحدى الصحفيات نائب رئيس وزراء العراق طارق عزيز، ماذا تقول عن الذين حضروا “مؤتمر المعارضة العراقية آنذاك”، فأجابها أنهم مجموعة لصوص، وهذا ما أثبتته الوقائع بعد احتلال العراق نتيجة الغزو الأميركي. وكما في العراق، فإن لبنان تحكمه مجموعة لصوص سطو ا على مقدراته ونهبوها على عينك يا تاجر. ومثل هؤلاء لا حل معهم إلا بطردهم من السلطة كما طرد السيد المسيح لصوص الهيكل. إن حكام لبنان هم لصوص هيكلٍ، لا يمكن للحياة العامة أن تستقيم معهم ولا يمكن لدولة القانون أن تسود، إلا بطرد لصوص هذه المنظومة وإسقاط دولة الأمر الواقع وتطبيق العدالة الانتقالية بحقهم، كما تطبيق مبدأ المحاسبة والمساءلة والتجريم لكل من ارتكب جرماً بحق لبنان على مستوى أفراده أو جمعه، كالجرم الذي ارتكب في الرابع من آب، وما هو مقدر لان يرتكب بحق ثروة لبنان من النفط والغاز من لصوص الهيكل وحيتان المال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب