مقالات
قوات الدعم السريع من متواليات الحروب إلى الأجندة السياسية: قراءة في البرنامج السياسي كتب: أحمد محمود أحمد
كتب: أحمد محمود أحمد -السودان

قوات الدعم السريع من متواليات الحروب إلى الأجندة السياسية: قراءة في البرنامج السياسي




#الهدف:أراء حرة
كتب: أحمد محمود أحمد
منظور عام
لقد نتج تكوين قوات الدعم السريع نتيجة للخلل البنيوي في تطور الدولة السودانية وتشابكات السياسة مع القبيلة تاريخيا، وقد سعى نظام الانقاذ في صراعه مع مكونات السودان المختلفة لتوظيف القبيلة في هذا الصراع وتحويل أفرادها لمقاتلين محترفين، والهدف الأساسي هو دعم النظام من أجل ضمان بقائه ومواجهة الخصوم ومن هنا برزت كلمة الدعم مردوفة بالسريع، ولكن وضمن لحظة تحول جوهري أتخذ قائد هذه القوات موقفاً رفض فيه الوقوف مع النظام في مواجهة الجماهير ابان ثورة ديسمبر، ولكنه لم يذهب الى الآخر في خط هذه الجماهير وأصبح جزءً من اللجنة الأمنية التي أعاقت مسارات الثورة وبأشكال مختلفة، وتطور موقف قائد الدعم السريع عندما اتخذ موقفاً ايجابياً ضد انقلاب البرهان، وذهب بإتجاه بنود الاطاري والذي أدى الخلاف حوله وبشكل ظاهري الى إشعال الحرب ودخول السودان في النفق المظلم، ومن هنا يجب طرح السؤال المهم وهو: هل يحق لقوات الدعم السريع أن تكون جزءً من المشهد السياسي القادم وجزءً من العملية السياسية، وهل يحق لها التحول الى حزب سياسي لديه برنامج يتحرك عبره وسط القطاعات الشعبية؟ في تقديري يحق للدعم السريع ذلك ولكن تحت الاشتراطات التالية:
1- بعد أن تتوقف الحرب لا بد من محاسبة كل الأطراف التي تورطت فيها، وبالتالي ضرورة الاعتذار للشعب السوداني وتعويضه نفسياً ومادياً فيما أحدثته هذه الحرب.
2- يجب ادماج قوات الدعم السريع في الجيش أو حلها حتى لا يكون مظهر السلاح هو المتحكم في العملية السياسية.
3- البحث في مصادر ثروات الدعم السريع وأنشطته المالية واخضاعها لسلطة الدولة، في حال توفر هذه الشروط يمكن أن تتحول قيادات الدعم السريع نحو العمل السياسي الحزبي، ولكن الإشكالية هنا ترتبط بمن الذي يستطيع تطبيق تلك الشروط وقد تحولت قوات الدعم السريع الى قوى تفرض وجودها عبر السلاح، وبالتالي فتحولها لحزب محكوم بالطريقة التي ستنتهي بها الحرب ودور الفاعلين السياسيين بعد الحرب.
قراءة في البرنامج
لقد أصدرت قوات الدعم السريع يوم الأحد المواقف 27 اغسطس 2023م رؤيتها تجاه قضايا الحل الشامل وتأسيس الدولة السودانية، وهذه نقلة تعتبر لافتة من قوات كانت مهمتها القتال وحمل البندقية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل قوات الدعم السريع مؤهلة لهذه المهمة؟ وللأجابة على هذا السؤال فإننا نقول أن نشأة وتطور أي قوى هي التي تحدد طبيعة فهمها وادراكها لتعقيدات الواقع وبالتالي مقدرتها علي تشخيص هذا الواقع وتقديم الحلول له. كما أن طبيعة العلاقات الداخلية والتراتبية التنظيمية هي التي تحدد طبيعة هذه القوي وعلاقة أفرادها مع بعض، والتي يجب أن تعتمد على أسس وامكانيات الأفراد المبنية على الكفاءة والوعي والقدرة على الاسهام في تطوير عمل هذه القوى، وانتفاء التحيزات الأسرية و القبلية والجهوية وأياً ما كانت طبيعتها، والأهم هو طبيعة علاقة هؤلاء الأفراد مع الجماهير وفق المباديء التي تشربوها داخل التنظيم، وفي واقع الأمر فأن نشأة وتركيبة قوات الدعم السريع لا تؤهلها للتنظير لحل شامل لقضايا السودان بحكم أن تكوينها هو تكوين قبلي، ولم تنشأ كحركة تحررية تدافع عن مباديء محددة، إنما ارتبط تكوينها بأكثر القوى تخلفاً داخل المجال السياسي السوداني وهم الأخوان المسلمون، وهو ما أطلق عليه هنا التقاء البدائية المؤدلجة بالبداوة الطامحة، وبالتالي تحويل هذه البداوة الى دائرة الحروب الشاملة وتحويلها الى المدن ضمن نقلة غير طبيعية شوهت من طبيعة هذه البداوة لأنها دخلت هذه المدن عبر البندقية، وضمن حركة نظام قطعت الجماهير الصلة به وأسقطته عبر ثورة كبيرة ولقد كشفت الحرب الدائرة اليوم إن تلك النقلة كانت ضد المجتمعات الحضرية وضد أهل البادية، ولهذا فالخطأ هو خطأ من أحضرهم وأدخلهم في تشابكات المدينة دون التأسيس لهذا الانتقال وفق أداة التعليم والتنمية، وتلك نظرية تخريب المجتمعات، ووفق هذه القراءة وعندما نحاول أن نقرأ هذه الوثيقة التي أصدرتها قوات الدعم السريع فهي لا تجد مرتكز تسطيع عبره تشخيص حتى طبيعة الحروب في السودان والتي هي جزء من متوالياتها، ولنقرأ معاً هذا التشخيص الذي قدمته هذه القوات عبر الورقة قيد البحث حيث تقول (إن الحرب التي أندلعت في الخامس عشر من أبريل الماضي ليست سوى انعكاس لأزمة الحكم المستفحلة في السودان منذ الأستقلال وهي بذلك امتداد لحروب السودان التي حاولت فيها فئات أو جماعات من أطراف السودان تغيير السودان الى الأفضل سلماً، لكن قادة الدولة الذين ظلوا باقيين ومستمرين في الحكم بالقوة واجهوهم بالعنف) وهنا نحن أمام قراءة تطلق الأحكام هكذا ودون تحديد ماهية الفئات أو الجماعات من الأطراف والتي حاولت تغيير السودان الى الأفضل عبر الحروب وبعد أن جربت الوسائل السلمية؟ المعروف ان هناك جماعات من الأطراف قد حملت السلاح لتغيير الأنظمة الحاكمة عبر الحرب، ولكنها فشلت وتم تغيير هذه الانظمة سلمياً عبر حركة الجماهير في الشارع، وبالتالي فهذا الميل لجماعات الأطراف أو الهامش هي محاولة لإعطاء الدعم السريع مشروعية التغيير انطلاقاً من ذلك التشخيص المرتبط بالمجموعات الإقليمية وبكونها تقع في دائرة قوى الهامش. هذا التحليل به خطأ منهجي يؤكد ما قلته سابقاً ان نشأة وطبيعة أي قوى يحدد طبيعة تفكيرها وتحليلها للواقع، والقراءة الصحيحة من وجهة نظري أن هذه الحرب تختلف عن سابقاتها بكونها تقودها قوى مؤدلجة وليست اقليمية، وقد احتكرت السلطة لثلاثة عقود والآن تسعى للعودة لهذه السلطة عبر الحرب وعبر استغلال المؤسسة العسكرية، أم الطرف الذي تحاربه وهي قوات الدعم السريع لم تظهر على الساحة ضمن مطالب اقليمية انما تم تكوينها من اجل مصلحة الأخوان المسلمين وتمسكهم بالسلطة، ولكن قد تعارضت المصالح مما يدفعنا الى القول هنا ان هذه الحرب هي حرب المصالح وتأمينها عبر السيطرة على السلطة وهي تعبر عن حرب المنظومة الواحدة التي تعارضت مصالحها بالرغم من شعارات الديمقراطية والدولة المدنية التي تطرحها قوات الدعم السريع، كما أنها حرب تدور رحاها داخل العاصمة بين من هم في السلطة مع اضافة من كانوا في السلطة ويقاتلون لأستعادتها.
طبيعة البرنامج: البرنامج المطروح من قبل الدعم السريع يستمد حيثاته ومن حيث المفهوم من قوى الهامش، ومن حيث المباديء السياسية من النص الاطاري وهذا ما نحاول إثباته هنا، لكن قبل الذهاب نحو ذلك فلا بد من تثبيت النقاط الإيجابية في هذا البرنامج وهي كالآتي:
أولاً: الحديث عن نظام الحكم يجب ان يكون ديمقراطيا ومدنياً
ثانياُ: ربط السلام بتحقيق العدالة الأجتماعية وبضرورة وقف الدولة للعنف البنيوي الذي تمارسه ضد المواطنين.
ثالثاً: تطبيق مبدأ محاربة الكراهية وتعزيز التعايش السلمي.
رابعاً: الحديث حول قومية القوات المسلحة وتصفية الوجود الحزبي داخلها دون الاشارة لضرورة تجريد هذه المؤسسة من منظومتها الاقتصادية وتعاملاتها المالية كما أشار الى ذلك نص الاتفاق الاطاري، ووفقاً لما ورد في هذا البرنامج يمكن قراءته علي مستويين:
على مستوى المفاهيم،
وعلى مستوى السياسة
أولاً: على مستوى المفاهيم: عند النظر لبرنامج الدعم السريع وفي هذه الوثيقة واستناداً لورقة عزت الماهري قبل فترة فأنه ومن الواضح إن الدعم السريع يتبنى مفاهيم الهامش، ونلحظ في هذه الوثيقة كلمة الشعوب السودانية والحديث عن الأطراف أو الهامش عند تحليل طبيعة الحروب في السودان، والحقيقة ليست هنالك اشكالية حول الحديث عن الأطراف والهامش، لكن من الضروري معرفة ما هي حدود هذا الهامش، وما هي طبيعة الصراع في السودان، كما ان كلمة الشعوب السودانية تحمل دلالات تشير إلى أن هنالك شعوب سودانية ذات خصائص متفردة ومنفصلة تنعدم معها المشتركات الثقافية، وهذا الطرح قد روجت له الحركة الشعبية والتي كانت ترمي الى القول إن هنالك شعوب أصلية في السودان لها خصائص تختلف عن الشعوب الوافدة حديثا والمقصود هنا العرب أو (الجلابة) والذين يسيطرون على السلطة والثروة، وهذا المفهوم ينفي تلقائياً أساس الوحدة الوطنية والتي تقوم على مفهوم الشعب الواحد الذي لديه مشتركات بالرغم من التنوع في السودان، ولهذا فدلالة شعوب التي تبنتها الحركة الشعبية والحركات المسلحة الأخرى تحمل فكرة انقسامية يكون المهمشون فيها هم الشعوب الأصلية، والآخرون هم مجرد عابرين قد انتزعوا السلطة والسيطرة من هذه المجموعات وبالتالي نفي ثقافة هذه المجموعة التي تسيطر على السلطة وكما تفعل حركة عبد العزيز الحلو في دولتها الجديدة في كاودا، ولكن بالضد لذلك وعند انفصال الجنوب ظهرت هناك مشتركات ثقافية واجتماعية بين الجنوب والشمال لم يتصورها حتى الذين خططوا للانفصال، ومن هنا فان مجاراة قوى الهامش في هذه المفاهيم ربما يؤدي إلى قراءة الواقع ضمن رؤية تهمل دور السلطة في التهميش والذهاب لادانة المجموعات في دائرة ما يطلق عليه المركز، وهو الاطار الذي يضع قوات الدعم السريع نفسها ضمن هذه المجموعات وضمن مفهوم العروبة-اسلامية التي ينتقدها اصحاب نظرية الهامش وتحميلها كل سلبيات الماضي والحاضر.
ثانياً: المستوى السياسي:
لقد أهمل البرنامج السياسي للدعم السريع قضايا مهمة مثل قضية التعليم وعلاقة الدين بالسياسة والمؤتمر الدستوري وعلاقات السودان الخارجية، وقضايا حقوق الانسان، وقد تحدث عن قضايا شائكة مثل مسألة الفيدرالية والتي قد طرحت من قبل وفي بنود الإتفاق الاطاري، وخطورة الفيدرالية في البلدان غير المستقرة وليس لديها دستوراً دائماً وديمقراطية مستدامة يمكن ان تتحول إلى انفصالات اقليمية، ولهذا فان الحكم اللامركزي والمرتبط بالحكم الذاتي لبعض الأقاليم يبدو أنه هو الحل الأمثل للسودان، والذهاب نحو الفيدرالية قد يكون مكلفاً اذا ما حدث أي انقلاب في المركز والذي من شأنه ان يقود الى انفصالات متعددة، ولهذا فاذا لم يتم ابعاد العسكر والمجموعات المسلحة عن السياسة تماماً وترسيخ المباديء الديمقراطية والدستورية فلا يمكن الحديث عن حكم فيدرالي، وبالتالي يبدو طرح الفيدرالية أقرب إلى المناورة السياسية منه إلى جدوى الفيدرالية نفسها لتوصيل فكرة قوى الهامش.
خاتمة: لقد أصبحت قوات الدعم السريع قوى لا يمكن الاستهانة بها وبالذات من خلال هذه الحرب، ولكن ما أفرزته هذه الحرب يشير إلى أن هذه القوات قد ارتكبت أخطاء عديدة في حق المواطنين وهذا أمر قد يعيق علاقتها مع الجماهير مستقبلاً، ولهذا فالقضية ليست في البرنامج لكنها تكمن في الحاملين لهذا البرنامج ومدى وعيهم بطبيعة التغيير وعلاقتهم بالقاعدة الشعبية.