خسائر الامريكان والحلفاء في العراق
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
عودة لموضوعة الحرب الغير عادلة على العراق واحتلاله ورغم مرور نحو 20 عاماً على الحرب الظالمة الغادرة، :
أصدرت صحيفة نيويورك تايمز عدداً خاصاً تم تكريسه بأكمله لموضوع واحد استغرق جميع صفحات العدد ، الأمر الذي يحدث لأول مرة في تاريخ هذه الصحيفة العريقة التي تعتبر قدوة للصحافة الجادة.
” يقدم موقع عالمي (صحيفة نيويورك تايمز) حصيلة بالأرقام الموثقة للخسائر البشرية والمالية التي سببها العدوان الأميركي على العراق بحجج كاذبة، فقد قتل من العراقيين مليون و 455 ألفاً و 590 شخصاً، ومن العسكريين الأميركيين 4801 جندي وضابط، ومن حلفاء العدوان الآخرين 3487 عسكرياً، ويضيف الموقع إن الكلفة المالية للحرب على الغالب والمغلوب بلغت تريليون و 705 مليارات و 856 مليون دولار ” .
الرابط منقول من صحيفة الكاردينيا الالكترونية
الجيد في الموضوع أن الأمريكان صاروا يدركون أن الحرب والعدوان على العراق كان كارثة العصر، ويصعب تقدير مدى أضرار الولايات المتحدة، في خطأ يتواصل وسوف يبقى راسخاً على مدى التاريخ، مع العلم أن المصادر الأمريكية الرسمية تواصل التضليل وتختصر أعداد القتلى الأمريكان، وإاليكم دراسة قمنا بها عن الخسائر الأمريكية، ومع أننا بحثنا في الكثير من المصادر، إلا أننا على ثقة أن هناك الكثير من الحقائق ما تزال مخفية، ويحرصون على إخفاءها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحقائق في هزيمة الأمريكان في العراق
الحقيقة الناصعة هي الولايات المتحدة لحقت بها هزيمة لا يمكن نكرانها وإخفائها خلف أفلام سينمائية، وصور وأعمال تلفيقية، فهي كبيرة بدرجة لا يمكن تغطيتها، خسارتها حرب العراق طرحت مفاهيم سياسية جديدة.
ومن بين الخسائر، هناك المنظورة منها البشرية بالأفراد، المادية منها بالنفقات والعتاد والمعدات (tangable cast). أما الخسائر غير المنظورة (intangable cast) فهي تلك المتعلقة بالمكانة السياسية والمعنويات والهيبة والتأثيرات النفسية والأخلاقية، والرعاية الاجتماعية، للمتضررين من هذه الحرب، سواء كانوا مشاركين فعليين فيها، أو بصفة غير مباشرة، كعائلات العسكريين المشاركين .
ومن المعروف بأن العسكري عندما يقتل في ميادين الحرب، تنال أسرته تقاعداً، وينتهي الأمر عند هذا الحد تقريباً، أما أولئك الذين تلحق بهم جروح في المعارك، وأسوءها تلك التي تجعل من المصاب مقعداً، ففي هذه الحالة فهو ينال أمتيازات إضافية وعلاجاً مستديماً ويكلف الدولة نفقات طائلة.
وقد حاولت الإدارة الأمريكية إخفاء أو تقليص حجم الحقائق، على الشعب الأمريكي أولاً للحفاظ على المعنويات، وفي الخارج أيضاً لتجنب عقدة تصيب أوساط القرار السياسي الأمريكي. واعتمدت الولايات المتحدة في ذلك على جهاز إعلامي دولي تمتد جذوره في أصقاع المعمورة، في احتكارات دولية عملاق، وأخرى تفرض عليها تأثيراتها السياسية، في الخلاصة، يلعب الجانب الإعلامي دوراً مهماً للغاية، وتحرص الإدارة الأمريكية وذلك ما دأبت عليه منذ الحرب الفيثنامية، بإخفاء وتقليص الخسائر في الأرواح والمعدات وذلك بأتباع أسلوب:
1. اعتبار نسبة مهمة من الخسائر أنهم قضوا بحوادث وليس بتأثير نيران (العدو).
2. والخسائر بالمعدات تنسبها إلى أعطال ميكانيكية فنية.
3. صياغة الأخبار والتحليلات بطريقة توهم المتلقي بأنه يقرأ أو يشاهد أو يسمع الحقيقة فقط.
وفي حرب العراق مورست هذه السياسة بشكل مكثف ومتنوع أكثر من ذي قبل بكثير، إذ ضغطت السياسة الخارجية الأمريكية بتأثيراتها على أجهزة الإعلام في العالم، بما في ذلك أجهزة الإعلام في الوطن العربي بعدم نشر أنباء عن فعاليات المقاومة العراقية ضد الاحتلال في العراق ، فحاولت جهد إمكانها التقليل من شأنها، وعدم نشر الأنباء عن عملياتها والخسائر الأمريكية، والغاية هي عزل المقاومة العراقية من محيطها العراقي والعربي.
وفي الحرب العراقية كان هناك نوع جديد من الخسائر، استبعدت عن الأرقام الرسمية وذلك:
1. الخسائر في صفوف الفرق الأمنية من المرتزقة.
2. عمل ضمن القوات المسلحة الأمريكية مجندون من دول أجنبية بإغراء الراتب، ومنحهم الجنسية الأمريكية أو البطاقة الخضراء للإقامة (Green Card).
وهذه المعطيات التي أسسنا عليها تحليلنا، اعتمدنا فيها على المصادر الأمريكية وهي مصادر رغم نزاهتها النسبية، إلا أن البحوث والتقارير الأمريكية يستحيل عليها رصد وإحصاء كافة الخسائر بدقة، ناهيك عن صعوبة حصر وإحصاء خسائر الجيوش الحليفة التي عملت مع الولايات المتحدة في حرب العراق منذ 1991 / 2003 / 2008 فصاعداً.
ومن الخسائر السياسية غير المنظورة، هو أن القدرات العسكرية الأمريكية أصبحت معلومة، ولأمد بعيد سوف تفقد العسكرية الأمريكية القدرة على إقناع نفسها أو حلفاءها بكسب الصراعات العسكرية رغم التفوق التقني الهائل.
يضاف إلى ذلك تراجع كبير في المعنويات وأخلاقيات الجيش الأمريكي، ولا سيما بعد كشف فضائح سجن أبو غريب والتعذيب في السجون السرية الأمريكية، ومعتقل غوانتنامو، وتراجع سمعة الولايات المتحدة في العالم، والكراهية لمواقفها وأبرز ذليل على ذلك حصولها على أقل الأصوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة في معظم المشاريع التي تتبناها أو التي تقف خلفها.
الخسائر البشرية :
غير أن اشتداد المقاومة وتضخم الخسائر البشرية من القتلى، والمنتحرين، والمعوقين والجرحى، وتصدي لجان ومؤسسات بحثية أمريكية في التقصي عن حقائق المعركة في العراق، بدأت تتسرب أرقام وإحصاءات غير تلك التي ينشرها إعلام القوات المسلحة الأمريكية، التي تحاول التأكيد على الأرقام الرسمية والتي لا تناهز الخمسة آلاف قتيل تقريباً، رغم شيوع الحقائق عن القتلى من المرتزقة ضمن الشركات الأمنية الأمريكية، وأشهر تلك البلاك ووتر (Black Water) ، وقد دشنت الولايات المتحدة هذا الضرب من استخدام قوات المرتزقة في حرب العراق بأساليب وتشكيلات جديدة. وهم يقومون بأعمال وعمليات عسكرية تضاهي أعمال القوات الخاصة، وفي استخدام أعتدة متوسطة وثقيلة بما في ذلك الطائرات المروحية، وبقيادة ضباط مرتزقة محترفون. وفرق أمنية أخرى تختص بأعمال حماية الشخصيات والأبنية الحساسة، وأخرى تعني بأعمال الخدمات من طهي وتنظيف وما شابه، وقد بلغ العدد التقريبي لهؤلاء 160 ألف مرتزق.
وبأعتبار أن الحرب الأمريكية على العراق هي حرب متعددة المراحل سياسياً وعسكرياً، أبتدأ المكشوف منذ عام 1990 ، وتواصل إلى ما بعد عام 2003 أي بعد احتلال العراق. وتواصلت الحرب السرية إلى أن أرغمت على إعلان الانسحاب. ونأخذ الأرقام التي تنشرها الولايات المتحدة كخسائر في الأفراد والمعدات كأحد المصادر، ولكن بأعتبار أن الحرب التي تواصلت لم تكن حرب نظامية، فلها جوانبها الخفية التي ما تزال طي الكتمان، لذلك فإن هذا الملف سيبقى مفتوحاً، حتى يتيسر للعراق سلطة وطنية تجري تحقيقات دقيقة لخسائر الطرفين في الأرواح والنفقات.
وعادة هناك أساليب علمية لحساب المعدلات، ومن تلك أعتبار المعدل( نسبة 1/7) أي قتيل واحد مقابل كل سبعة جرحى. وطبقا لعدد الجرحى المسجلين لأغراض الرعاية والتعويض في وزارة المحاربين القدامى الأمريكية البالغ عددهم 224 ألف جريح، يكون حاصل قسمة هذا الرقم على نسبة الجرحى إلى القتلى، يكون بين أيدينا رقم آخر للخسائر الأمريكية، وهو: 32 ألف جندي قتيل 224000÷ 7 = 32000
وبالاستعانة بجملة من الحقائق والإحصاءات التي أجرتها مؤسسات ومعاهد بحث أمريكية غير حكومية أو شبه رسمية، في إطار حسابات الخسائر الأمريكية، ومن خلال تفاوتها الطفيف أو الكبير، نتأكد من حقيقة واحدة، أن المصادر الرسمية الحكومية لم تكن صادقة بنشرها الأرقام والمعطيات. وهذا بالطبع له هدف واحد وهو إخفاء أبعاد الهزيمة المنكرة التي تلقوها في وادي الرافدين.
ولعل في مقدمة هذه المصادر تقرير لجنة بيكر ــ هاملتون وهو أول تقرير أميركي محترف رصين تضعه لجنة مستقلة من الكونغرس استعانت بـ183 خبيرا عسكريا ومدنيا، وتعترف لأول مرة بأن معدل الهجمات في أكتوبر/ تشرين الأول 2006 قد بلغ 180 هجوما يوميا وبخسائر 102 قتيل لنفس المدة. وفي الإطلاع على تقرير أميركي آخر لا يقل أهمية يشير إلى حجم آخر من الخسائر، وهو تقرير مكتب المحاسبة الأميركي (G. A.O) الصادر بتأريخ 23 يوليو/ تموز 2008 عن الحرب في العراق، وينص التقرير على إجمالي الهجمات التي نفذتها المقاومة العراقية بـ 164 ألف عملية قتالية أعتبرها التقرير مهمة وعنيفة) مع إشارة في نفس التقرير إلى أن هذه الأرقام لم تشمل الهجمات شرق وجنوب البلاد).
وإذا أضافنا 300 جندي أميركي قتلوا خلال فترة الحرب (لغاية أبريل/ نيسان2003 ) وكذلك القتلى من مرتزقة الشركات الأمنية البالغ عددهم 1315، يكون الرقم الإجمالي لقتلى الجيش الأميركي في العراق 32000 + 1615 = 33615 قتيل حتى 2008، ولا تذكر المصادر الرسمية الأمريكية أرقام دقيقة لعدد القتلى الذين قتلوا “في حوادث غير قتالية ” كما تذكر التقارير الأمريكية غالباً، أو المنتحرين أو عدد الجرحى الذين ماتوا في المستشفيات الألمانية والذين لا تنص التقارير الرسمية الأمريكية على أعتبارهم قتلى في قوائم خسائر الحرب.
ومصدر آخر: يستفاد من ملخص لدراسة قام بها أستاذ الاقتصاد في جامعة جنوب كاليفورنيا (University of South Carolina)، ن، كامرانيProf. Nake, Kamrany)) وزميله بالجامعة م. تافت) Michael Taft) جاءت في صحيفة هافنغتون الأمريكية (The Huffington Post) أن: حرب الولايات المتحدة في العراق أوقعت من الخسائر البشرية ما يفوق الرقم المعلن (خمسة ألاف عسكري) من الرجال والنساء، وبلغ عدد الإصابات حوالي 40 الف إصابة بدرجات متفاوتة من الإعاقة، وما يستلزم من العلاج الطبي والنفسي البعيد المدى، وفقدان القدرة على العمل. وقد أعتمد الباحثان في إعداد دراستهما على الاحصاءات التي تنشرها وزارة الدفاع الأمريكية، وبيانات الجيش، ولكنهما أشارا إلى أن الأرقام الحقيقية تتجاوز تلك الرسمية المعلنة بكثير, إذا أن الأرقام قد تجاوزت ال 30 ألف قتيل، على مدى السنوات الثمانية، على أيدي المقاومة العراقية.
الخسائر المادية :
في دراسة النتائج النهائية للحرب الامريكية على العراق، رغم أن الحديث عن إحصاءات وأرقام تامة هو أمر تكتنفه صعوبات عديدة، منها أن المصادر الحكومية لا تتحدث عن ذلك بشفافية تامة، بل تعد إلى إخفاء الكثير منها تحت مسميات وبنود عديدة، ومن جهة أخرى، فالرئيس الأمريكي يريد أن يضرب مثلاً على سوء الحالة المالية في بلاده وضرورة شد الأحزمة، أعاد إلى الخزينة 5% من راتبه (400 ألف دولار سنوياً)، تضامناً مع الموظفين الذين عليهم أن يتمتعوا بإجازاتهم ولكن من دون راتب.
ولكن الخسائر المادية لا تقل أهمية فيال حسابات النهائية، إن لم تكن أكثرها أهمية لا سيما في بلد يعد متربول الرأسمالية العالمية، كالولايات المتحدة الأميركية، حيث تعتبر الأرباح أو الخسائر مقياساً للعمل السياسي والاقتصادي. وفي بلد يلعب فيه الموقف في السوق في مقدمة الاعتبارات، فبعد أن كانت كلفة الحرب شهريا 4.4 مليارات دولار سنة 2003، ارتفعت عام 2008 لتصل 12 مليارا شهريا.
وبموجب أكثر المصادر رصانة، يمكننا أن نستخدم تقرير اللجنة الاقتصادية المشتركة التابعة للكونغرس الأمريكي، وكذلك الدراسة المهمة التي أجرها ونشرها كل من البروفسور جوزيف ستيغليتز عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، والدكتورة ليندا بيلميز الأستاذة في جامعة كولومبيا، والوثائق الرسمية وبمعاونة جمعية المحاربين القدامى التي يسرت للبحث في هذه الوثائق، أن الكلفة الإجمالية لاحتلال العراق قد بلغت 1.8 تريليون دولار، حيث تضمنت الكلفة المخصصة رسميا لتغطية العمليات ومنها أجور العنصر البشري بفئتيهم الجنود والمرتزقة إضافة إلى كلف العتاد الحربي والمعدات العسكرية (الدبابات ومركبات القتال المصفحة والشاحنات والطوافات وطائرات القتال) التي أصبح 50% منها خارج الخدمة والبقية بحاجة إلى إعادة تأهيل أو صيانة لمدة خمس سنين، كما يشير إلى ذلك تقرير بيكر هاملتون في توصيته رقم 48.
وفي عودة إلى بحث الأستاذين في جامعة جنوب كاليفورنيا (University of South Carolina)، ن، كامرانيProf. Nake , Kamrany)) وزميله بالجامعة م. تافت) Michael Taft) الذي جاء في صحيفة هافنغتون الأمريكية (The Huffington Post) في مجال التكاليف المالية، أن الدين القومي الأمريكي بلغ 14 ترليون دولار، وأعتبرا أن ما نسبته 7,5% من الديون إنما هي سبب مباشر ومن نتائج الحرب على العراق.