الأسلحة وباء يصنعه البشر
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
الحرب صارت مهزلة …. والسياسة أصبحت مسخرة … والانسانية شعارت جوفاء ساذج من يصدقها … كفى … باعوا أحلام الناس وآمالهم بمعسول الكلام، وأشتروا بأبخس الأثمان أشباه رجال وسفلة … شذاذ آفاق وصياع، ولصوص منحطون، (فهناك نوع رجولي من اللصوصية) كل شيئ عندهم مباح، لم يتركوت صحنا إلا ولوثوه ونجسوه … وحين أكتشف الناس غشهم، لم يحفلوا ولم تتعرق جباههم، لأن لا جباه لهم، والتعرق في كل الاحوال دليل عافية البدن والنفس .. وهؤلاء غادرهم الحياء والناموس وغادروه .. ألم يقل الشاعر ” آه كم رأيت وجوهاً فر الشرف من جباهها ” كان يقصدهم … هم …من هم ..؟ يعرفون أنفسهم …
الصواريخ ألغت نظرية الحدود الآمنة، وجعلتها أضحوكة، والطائرات المسيرة، الزهيدة الثمن، السهلة في الانطلاق والأنقضاض والقتل والدمار، ساوت (لحد ما) بين الثري والفقير، وبين الشجاع والجبان. صار حتى طلاب الثانويات يصنعونها، حتى الحرب التي قال عنها الشاعر زهير بن أبي سلمى : ” وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم “، أي علمتم وذقتم تفضل وشاهد ما فعلوه في العراق وأفغانستان ..!.
السلاح الفردي (RBG7) البديع، الزهيد الثمن(عشرات الدولارات) لايزيد وزنه عن 2 كغم، يقلب في نسخه الحديثة، الدبابة (50 طن) يتراوح سعره بين سعره 10 / 15 مليون دولار، ويحرقها كالتنور، ويحيل قلعة من التكنولوجيا إلى كومة خردة تباع بعشرة فلوس ..!
الحرب تقتل البشر، لا تدع فرصة للحوار الهادئ، أنتهى وأغلقت النوافذ والأبواب، الحرب تدمر الاشياء الجميلة، وحروب اليوم إن تطورت، إنما بهدف قتل المزيد، وتدمير أعمق وأشمل، وموت أنفار لم يعد أمرا يهز الوجدان، وجائحة كورونا حصدت من الأرواح نحو 10 ملايين البشر خلال ثلاث سنوات، أي بما يقرب من حجم الخسائر في الحرب العالمية الأولى ..!
جيد أن كافة الاطراف يدركون بوعي، أن أستخدام الاسلحة النووية ينهي الحرب (ربما) ولكنه لن يبقي ما يستحق التفاوض عليه، الاطراف المتقاتلة، وحتى المتفرجون … لذلك سيبقى أستخدامه كخيار أخير، وفق نظرية ” علي وعلى أعدائي يا رب ” الطرف المبتدء بأستخدامها يصل إلى قناعة أن مواصلة الحرب لم تعد ممكنة بالمطلق، وأنه على شفير هاوبة النهاية . والدول التي تمتلك أسلحة نووية (وهي مجموعة كبيرة ومتدرجة في قوتها) تضع لنفسها دستور أستخدامها، وتعلنها على الأرجح وتطلق عليها ” العقيدة النووية ” (Nuclear doctrine) وتعلن فيها حدود أستخدام السلاح النووي، وهي بذلك (الدول التي تمتلك النووي) تعلن عن سياسة أستخدامها، وهو قرار سياسي أكثر مما هو عسكري.
الاسلحة النووية التي كان أفتتاح عصرها يوم ألقىت الولايات المتحدة بقنبلتها الذرية على هيروشيما وناغازاكي اليابانيين في 6 ــ9 / آب / 1945 ظلت أحتكاراً أمريكيا حتى عام 1949 حين أجرى الاتحاد السوفيتي أو تجربة للسلاح النووي، ثم توالى عدد الدول التي أعلنت عن أمتلاكه حتى بلغ عددها 9 دول وهي : روسيا والولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا، والصين والهند والباكستان، كوربا الديمقراطية، (الكيان الصهيوني).
وأمتلاك السلاح النووي وأدامته والاحتفاظ به بوضع الجاهزية على مدار الأيام والساعات، بل الدقائق، ليس من الأمور السهلة، أبتداء بخزنة في وضع آمن، وجاهزية دائمة، وكذلك وضع السلاح الناقل، طائرة من نوع بوسعها حمل وقذف القنبلة الذرية، أو صاروخ ذو رأس نووي. وأخيرا أستعداد الطاقم البشري الكفوء جداً، فالامر لا يحتمل أقل هفوة …
والامر على جديته العالية، إلا أنه ينطوي على مفارقات في ثناياها شيئ من السخرية … ترى هل البشر مبتلون بأمراض عصبية تحول دون التفكير السليم …؟ لا …. العقل البشري راق جداً، ولكن العقليات النازعة نحو الهيمنة وفرض الرأي بالقوة، الرافضة للحلول السلمية … ويفتقرون للشجاعة … الحرب ليس شجاعة، إنه ضرب من هروب من مواجهة حتميات الحياة .. السلام جميل، ورائع، وظلال وخضرة … ولكن شجاعة أيضاً، أن تقبل بالحياة لنفسك وللآخرين، أن تقنع بما لديك ولا تتطلع لما في مائدة الغير، يحق للآخرين الحياة كما تحق لك …. الأمان والصحة نعمتان بشر بها الرسول الناس .
الصناعة النووية علم، والخدمات السلمية التي تقدمها الطاقة النووية كبيرة جداً، ولكن كل هذه العلوم والحكمة والجبروت، والعمل المضني لسنوات، يقضي عليها رجلان يتفاوضان على طاولة مفاوضات، وأمامهما كوب من القهوة … يتفاهمان، أن السلاح النووي بات عبئاً، ويهدد بخطورة قاتلة يمكن أن تبيد البشرية كلها في دقائق، يتفق وفدان لا على إلغائها …. بل تقليصها … وفي هذا نفتح فتحة صغيرة للأمل ….. رجلان (أو وفدان) يتفاوضان، ويلقيان بمئة أو خمسمائة رأس نووي في مكب النفايات …..! ونزع السلاح النووي سيكلف أموالاً طائلة، فوق الأموال التي أنتجتها، أما كان من الأفضل وضعها في مستشفيات تخفف من ألام الناس، وتعيد بعضهم للحياة ..وتضع البسمة في وجوههم …!
أيها الناس … أحبوا بعضكم … وتسابقوا في خدمة بعضكم… الحياة جميلة، أسمعوا الكلمات الداعية للخير والأمان … قتل منا الآلاف، بل مئات الألوف … ولم يتغير شيئ … لا تسمعوا حديث من يدعوكم للشر والقتل والدمار .. فهؤلاء أناس معوقون والعياذ بالله …!