تبديد الوهم..منطقة القبائل
بقلم محمد جربوعة -الجزائر
………
سأفاجئ اليوم كثيرا من الناس بهذا المنشور الذي سينقض الكثير من المسلّمات التي تناقلها الناس دون أن يُعملوا فيها تفكيرا..
والكارثة أنّ هناك من بنى نضال عمره ويقينيات حياته على هذه الأوهام التي يجب أن تُبدّد وتلاشى..
إنّني لا أكتب لجماعة (وجدنا آباءنا لها عابدين)..بل أكتب للذين يناضلون لأجل تحرير الحقيقة وإخراجها من الأوهام والخرافات.
إنّ هذا المقال الذي سيقلب الكثير من المسلّمات رأسا على عقب، سيكون مرشدا لفهم الكثير من الأمور.
……………….
دأب الكثير من الناس على القول (هناك أقلية تحكم الجزائر)، وهم يقصدون بذلك (قبائل زواوة)..
اليوم، سأفكك المشهد تفكيكا دقيقا، لتظهر الصورة واضحة لا لبس فيها..
أولا:
لنفهم المشهد بوضوح، لا بد من تجاوز الكتلة الصماء المسماة (القبائل)، للوصول إلى تفاصيلها ومكوناتها.
هذه الكتلة المسماة القبائل مكونة من ثلاث طبقات اجتماعية، وهي:
القبائل الأحرار، والمرابطون، وأكلان.
أ- القبائل الأحرار: وهي في مجملها قبائل من صنهاجة وكتامة وزناتة، ومزيتة، كعرش آث يعلا، وبنو بترون، وإملاحن، وآث إسماعيل.
وهذه القبائل في مجملها عربية، فمزيتة فخذ من بني جابر بن بغيض بن ريث بن غطفان، وصنهاجة وكتامة انعقد شبه إجماع على أنهما من حمير، وهكذا.
ب- المرابطون:
ت- وهم نخبة بلاد القبائل الثقافية والسياسية، وهم في الغالب أشراف هاشميون، سكن أجدادهم منطقة القبائل للإمامة وتعليم القرآن والفقه وصلاة التراويح.
ومن هؤلاء:
– السياسي الحسين آيت أحمد، وخليدة مسعودي، وسيدي السعيد
– عبد المجيد سيدي السعيد، رئيس اتحاد العمال.
– كمال سيدي السعيد، مستشار الرئيس تبون.
– أحمد أويحى، رئيس الحكومة السابق.
– خليدة مسعودي، وزيرة الثقافة سابقا.
– عمارة بن يونس، الوزير.
– معطوب الوناس، المغني.
– آيث منقلات، المغني.
– در آيت عمران محند أول رئيس (محافظ) للمحافظة السامية للأمازيغية.
ورغم أني لا أحب الخوض في أمور مؤسسة الجيش، لكني سأذكر بعض كبار الضباط والجنرالات من العرب المرابطين:
– الجنرال محمد تواتي.
– الجنرال السعيد باي.
– الجنرال حسين بن معلم.
– الجنرال جوادي.
– الجنرال الوناس.
– الجنرال رشيد عيسات .
ومن التقاليد في بلاد القبائل أنّ القبائل الأحرار من كتامة وصنهاجة وغيرهما، لا يستطيعون الزواج من بنات المرابطين القرشيين.
وهناك الكثير من الأسماء التي لا يمكن استحضارها وذكرها جميعا.
ث- أكلان: وهؤلاء من الأسرى الذين استقدمهم العثمانيون من دول هاجموها مثل بلغاريا وصقلية وغيرهما..
………………………….
المعركة الوهمية:
إنّ الملاحظ أنّ أقوى الطبقات الثلاث من القبائل هي طبقة المرابطين، التي تنتمي كما ذكر آيت أحمد في مذكراته إلى الزوايا الدينية وإلى عائلات متدينة ومرابطة.
فإذا رجعنا إلى الوهم الذي ترسمه الكثير من الجماعات وهو (الصراع العر//قي)، واستئثار أقلية غير عربية بالنفوذ مقابل تهميش الأكثرية العربية، سنجد أنفسنا أمام سؤال كبير:
ما هي هذه الأقلية التي تستأثر بالنفوذ؟
إننا لا نجد النفوذ في العادة في طبقة (أكلان) والتي من التقاليد القديمة أنها تقوم بممارسة المهن مثل الحدادة والجزارة وغيرهما، وأنها لا تستطيع الزواج حتى من القبائل الأحرار، فما بالكم بالمرابطين..
إذن فهذه الأقلية المقصودة هي خليط أغلبه من المرابطين القرشيين العرب، معهم قليل من القبائل الأحرار من قبائل حمير.
إن قبيلة بني دوالة التي منها معطوب الوناس، ترجع في أصولها إلى (آث عيسى) التي هي فرقة من بني سيدي عيسى الذين قرب بوسعادة، وهم أشراف قرشيون..
أما قبيلة سيدي علي أوموسى التي منها خليدة تومي، فهي من الأشراف الأدارسة.
وقبائل نزليوة أغلبها من الهاشميين الأشراف.
– فآيث راشد، الذين وفدوا على منطقة القبائل سنة 1700م، من ايونوغن، من الأشراف.
– وآيث سالم من ايونوغن، من الثعالبة من المعقل من بني جعفر بن أبي طالب.
– وزخفاوة من بني حمزة الهاشميين الذين حكموا البويرة ومناطق من البيبان.
وهكذا..
وعليه، فإنّ هذه النخبة التي درج الناس على تسميتها بالقبائل، هي في الحقيقة نخبة عربية.
لكن، لا بد هنا أن نقول إنّ هذه النخبة العربية المرابطية القرشية في القبائل، أغلبها أخوالها من القبائل الأحرار، لكون المرابطين كانوا يكثرون الزواج من القبائل الحميرية.
……………..
المازيغ تبع لقريش:
الكسيليون وأصحاب الفكر المازيغي يظهرون كرههم للعرب، لكنهم لا يمكن أن ينكروا أنهم حتى في المشروع المازيغي أتباع للنخبة العربية، فمعطوب الوناس رمز المازيغية، شخص عربي، وكذا آيث منقلات الذي يظهر كرهه للعرب، وكذا كل النخبة السياسية التي ارتبط أغلبها بمشروع بوتفليقة وبفتح الباب لمشروع فرنسا وللمشروع الفاطمي.
إنّ هذه المعطيات تجعلنا أمام خلاصة هامة، وهي:
(النخبة التي تقود الفكر المازيغي هي نخبة عربية).
وهنا تسقط فكرة (الفينيقية) التي بنت صراعها مع (القبائل) على فكرة (العر//ق)…
……………..
الشعوبية:
يقول المثل: (دود الخل منه فيه)..
إنّ مشكلة العرب منهم وفيهم، وهي مشكلة الشعوبية.
إنّ الذين يوالون إيران ومشروعها، والذين ساندوا المشروع الشيعي الفاطمي وغيره، هم في الغالب هاشميون من قريش، كما أن الذين تبنوا فكرة (المازيغية) هم في الأغلب نخبة عربية هاشمية..ومعها منتسبون إلى قبائل عربية حميرية قحطانية.
وهنا نخلص إلى أنّ مشروع المازيغية ليس مشروعا (عر//قيا) ضد العرب، بل هو مشروع (عربي مستعجم) شعوبي حاقد على العرب وعلى الثقافة العربي، انطلاقا من مشروع ثقافي فرنكوفيلي أو فاطمي شيعي.
لذلك قلتُ قبل هذا إنّ الذين تعصبوا لكسيلة إنما يتعصبون له من منطلق الحقد على الأمويين في إطار الصراع التاريخي بين آل البيت والأمويين.
وأحمد أويحيى وخليدة تومي وعمارة بن يونس وعبد المجيد سيدي السعيد، يصطفون لذلك مع المشروع الفاطمي وهو ما صرح به أويحيى يوما ولم يفهم الكثير قصده.
إنّ القبائل واجهة وهمية، تخفي خلفها مشروعا عربيا مستعجما، حاقدا على العرب، وهو بذلك مشروع شعوبي.
………………………
قبائل وقبائل:
فإذا ظهر أنّ الصراع الذي يأخذ عنوان (العرب والمازيغ) هو في الحقيقة صراع بين (نخبة عربية مرتبطة بفرنسا أو الفاطمية)، وبين أغلبية عربية بسيطة وهامشية..
وكان طبيعيا أن يكون النفوذ للنخبة العربية المستعجمة، على الأكثرية العربية البسيطة والهامشية.
وهنا لا بد من بيان أنّ هذه النخبة المرابطية التي في منطقة القبائل والتي تحمل وتقود المشروع المازيغي، ليست وحدها الشعوبية، بل إن أغلب العرب في كل مناطق الجزائر ومنها المناطق الداخلية والولايات المعدودة عربية، شعوبيون حاقدون على العرب والعربية، ومشايعون للمشروع الفاطمي والفارسي، أو المشروع الفينيقي العجمي الحامي..لذلك فهم يناوئون كل من يرفع المشروع العربي..
وبهذا، فإنه لا فرق أبدا بين عربي هاشمي من تيزي وزو يعادي العروبة ويصطف مع المشروع الفرنكوفيلي، وبين إدريسي هاشمي قرشي من الجلفة يعادي العروبة أيضا ويصطف مع المشروع الفارسي.
مع العلم، أن المشروع الفاطمي استطاع أن يجمع الكثير من نخبة المرابطين في مناطق زواوة، ونخبة العرب ومثقفيهم من ولايات أخرى..
من سيقتنع أن النخبة المثقفة التي اجتمعت في العاصمة من ولايات ومدن عربية داخلية وصحراوية، والتي سلخت جلدها لتدفع عقدة النقص، هي أقل طعنا في العروبة من النخبة المرابطية المازيغية..؟
النخبة الثقافية العربية في النازحة إلى العاصمة هي يحارب العروبة والإسلام والقيم..
والفرق بينها وبين نخبة تيزي وزو العربية، أنها مجرد متملق لها…وأغلب المثقفين كانوا يمسحون حذاء المرابطية خليدة تومي لترضى عنهم…
لا يجب على العربي ان يقع في الوهم، فيعادي نخبة عرب زواوة القرشيين ويرضى عن نخب أخرى عربية تمارس الطعن في المقدسات والصحابة والاسلام باسم الثقافة وحرية التعبير وباسم دعم المشروع الايراني انطلاقا من كذبة دعمه لفلسطين…
……………………….
خلاصة:
لا يجب الاهتمام بمجموعات من (أكلان) من أحفاد الأسرى الذين جلبهم العثمانيون من الدول الأوروبية ومنها بلغاريا ومناطق الجبل الأسود من الوندال..ممن يظهر أكثرهم في مناسبات وهم يلبسون الجلود ويضعون القرون ويزحفون..
هؤلاء من طبقة هامشية، تحركها طبقة نخبوية أعلى هي طبقة (العرب) سواء من النخبة الأولى المرابطية، أو النخبة الثانية الحميرية من صنهاجة وكتامة ومزاتة.
إنّ المشروع المازيغي لا يمثل شيئا دون العرب المرابطين الذين حملوه..
لذلك، تبدو مقاربة الفينيقيين وغيرهم في الانطلاق من ثنائية الصراع العر//قي بين العرب والمازيغ، مقاربة وهمية لا وجود لها في الحقيقة..
إنّ أهم القبائل التي صنعت تاريخ منطقة القبائل كبني عباس والمقرانيين وغيرهم، هي قبائل عربية مرابطية قرشية، ذلك لأن أبناء هذه الأسر كانوا هم النخبة المتعلمة التي تحفظ القرآن والمتون في الوقت الذي كان فيه غيرها في مناطق القبائل، إما تلميذا عندها في الكتاتيب، أو بعيدا عن طلب العلم والدراسة.
وكان طبيعيا أن تظهر هذه النخبة من الزوايا المرابطية التي انتشرت في القرن السابع الهجري وقبله وبعده، لتكون هي السلطة العلمية والدينية لتلك المنطقة.
………………….
مخرج:
إن المشروع العربي لا يفرق ولا يجب أن يفرّق بين عربي قرشي يعادي العروبة باسم المازيغية أو الفرنكوفيلية ، من تيزي وزو، وعربي إدريسي من البوازيد أو أولاد نايل، يعادي العروبة اصطفافا مع الفاطميين أو إيران أو الفينيقية الحامية العجمية.
إنّ الصراع بين الفينيقية والمازيغية، صراع على الأقدمية التاريخية، لا يعنينا في شيء..وهو اليوم يأخذ شكلا آخر وهو الصراع بين ظهير فرنسي وآخر تركي.
وإنّ الصراع بين الأغلبية العربية والنخبة المرابطية المازيغية، هو صراع على الثروة، فالأغلبية العربية ترفع شعار المظلومية، وترى أن الأقلية المازيغية استأثرت دونها بالنفوذ..وهذا صراع غير متكافئ، لأن النخبة العربية التي تقود المشروع المازيغي، تبني فكرها للنفوذ على الحصول على السلطة السياسية، بينما الأغلبية العربية تبني فكرها على (الحق في الحصول على الخبز والمسكن والعمل)..
وهنا يظهر تقدّم الأقلية على الأغلبية.
إنّ الأغلبية لا تطالب بالسلطة، بل بالخبز والمعيشيات، ولو أنك أردت أن تفهمها أن الحصول على الامتيازات يمر عبر السياسة، وطالبتها بتنظيم نفسها والمشاركة في الانتخابات، لما استطعت إقناعها، لأنّها تريد الحصول على الخبز والسكن والوظيفة دون نضال سياسي..
وعليه، فهذه الأغلبية لا تعنينا بصراعها ولا بمطالبها.
إنّ الذي يعنينا هو تيار عربي له رؤيته الخاصة المبنية على المشاركة السياسية والتنفذ السياسي، وهو تيار يستخلص مناضليه من الأكثرية العربية في الولايات الداخلية، كما يستخلصها من عرب النخبة في مناطق القبائل..
ما الفرق بين النخبة المرابطية العربية المازيغية، وجماعة الإخوان الشعوبية، والجماعة الفينيقية، والنخب المنتسبة إلى الأغلبية التي تشايع المشروع الإيراني، والنخب العربية الفرنكوفيلية؟
قبيلة بني هاشم للأسف، استعملها المستعملون في دعم الفاطميين باسم آل البيت، من خلال التصوف كمدخل..
واستعملها العثمانيون والفرنسيون ظهيرا بناء على مكانتها في المجتمع..
وكانت هي من قادت المشروع المازيغي..
هذا التخبط التاريخي أحدث كدمات في جسم الأمة العربية الإسلامية.
فهل يظهر من أبنائها من يعيد الأمور إلى نصابها عبر تصحيح الموقف والاصطفاف؟
لا يمكنك أن تكون مستوعبا لعناصر النضال، وأنت لم تحسن قراءة الموجود..