دراساتمقالات

في الذكرى الثالثة والأربعون … للحرب الإيرانية العراقية: حقائق تاريخية.. قانونية.. سياسية بقلم الدكتور  فهمي فؤاد القيسي- اكاديمي وسفير سابق

بقلم الدكتور  فهمي فؤاد القيسي- اكاديمي وسفير سابق

في الذكرى الثالثة والأربعون …
للحرب الإيرانية العراقية: حقائق تاريخية.. قانونية.. سياسية
بقلم الدكتور  فهمي فؤاد القيسي- اكاديمي وسفير سابق
بعد سقوط نظام الشاه ومجيء السلطة الجديدة في إيران، وجهت الحكومة العراقية مذكرة رسمية إلى الحكومة الإيرانية، سُلمت من قبل القائم بأعمال سفارة العراق في طهران بتاريخ (13 فبراير/ شباط 1979) إلى (أمير عباس انتظام) نائب رئيس الوزراء الإيراني لشؤون العلاقات.
وقد أوضحت المذكرة أعلاه سياسة العراق الثابتة في إقامة أوثق الصلات الأخوية وعلاقات التعاون مع الشعوب المجاورة للعراق وخاصة إيران، على أساس احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وأعربت المذكرة عن عطف العراق وتأييده للنضال الذي تخوضه الشعوب الإيرانية في سبيل الحرية والتقدم واعتزازه بما حققته الشعوب الإيرانية من نصر.
ووجه رئيس جمهورية العراق في (15 أبريل/ نيسان 1979) برقية إلى (خميني) بمناسبة إعلان الجمهورية الإسلامية هنأه فيها بهذه المناسبة وعبّر عن رغبة العراق في أن يفتح النظام الجمهوري الجديد فرصاً واسعة لخدمة الشعب الإيراني الصديق وبما يعزز دور إيران لخدمة السلام والعدل في العالم وإقامة أوثق علاقات الصداقة والجيرة مع الدول العربية عموماً والعراق بشكل خاص.
وقامت الحكومة العراقية بتوجيه الدعوة إلى (مهدي بازركان) رئيس الحكومة الإيرانية المؤقتة لزيارة بغداد وإجراء المفاوضات حول العلاقات الثنائية وأسس التعاون المشترك، وجددت الدعوة المذكورة بتاريخ (2 أغسطس/ آب 1979) من قبل نائب رئيس مجلس قيادة الثورة برسالة وجهت بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وقد سلمت الرسالة إلى (بازركان) نفسه من قبل السفير العراقي في طهران بتاريخ (25 أغسطس/ آب 1979).
وأكد الرئيس صدام حسين (رحمه الله) في لقاءين له مع وزير خارجية إيران الأسبق (إبراهيم يزدي) على هامش مؤتمر قمة (هافانا) لبلدان عدم الانحياز عام (1979) رغبة العراق في إقامة علاقات التعاون وحسن الجوار، معرباً عن استعداده لإجراء لقاء مع القادة الإيرانيين بغية معالجة وحل المشاكل التي طرأت في علاقات البلدين، بالطرق السلمية، وأكد وزير خارجية العراق هذا التوجه أيضاً في لقائه مع وزير خارجية إيران في (سبتمبر/ أيلول 1979) في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
وعندما تولى رئيس الجمهورية الإيرانية الأسبق (أبو الحسن بني صدر) منصبه الجديد قام سفير العراق في طهران بتاريخ (20 فبراير/ شباط 1980) بزيارته بتكليف من رئيس جمهورية العراق لنقل تهانئه الشخصية إليه بهذه المناسبة.
بالمقابل، لم ترد الحكومة الإيرانية على المذكرة العراقية المسلمة بتاريخ (13 فبراير/ شباط 1979) وأجاب خميني على برقية رئيس جمهورية العراق بأسلوب يتنافى مع أصول المجاملة الواجبة لرؤساء الدول، ولم تلب الدعوة الموجهة إلى رئيس الحكومة الإيرانية المؤقتة لزيارة العراق.
ثم بدأ القابضون على السلطة في طهران من رجال الدين والسياسة، بصفتهم الرسمية والدينية، في إطلاق التصريحات المعادية للعراق بوجه خاص، والأقطار العربية في منطقة الخليج العربي عامة، وقد تناولت التصريحات المذكورة أموراً شتى شملت أنظمة الحكم وطبيعتها وسياساتها، وعلاقاتها الإقليمية والدولية، وتركزت محصلتها النهائية في بلورة اتجاه (تصدير الثورة الإسلامية) إلى الأقطار المجاورة.
إن اتجاه السلطة الحاكمة في إيران لتصدير الثورة الإسلامية لم يقف عن حد التصريحات، بل تجاوز ذلك إلى السعي لنقلها إلى الواقع الفعلي، وعلى الأخص ضد العراق، وقد تم ذلك، حسبما أشارت به وسائط الإعلام الإيرانية، تحت الإشراف المباشر لقادة السلطة الإيرانية.
ففيما يتعلق بالعراق، جمع في (قم) بمعرفة خميني ورعايته الحزب الطائفي (حزب الدعوة) للإطاحة بنظام الحكم في العراق من خلال ارتكاب أعمال الإرهاب، وجندت الحكومة الإيرانية للحزب المذكور وسائل الدعم المادي والمعنوي والإعلامي لتمكينه من تحقيق أغراضه، وقد كشف هذه المعلومات أحد قادة هذا التنظيم الدموي، وهو (عبد الأمير حميد المنصوري) متطرقاً بالتفصيل لوقائع مؤتمر تنظيم حزب الدعوة الذي عقد في (قم) وأساليب عمله وأهدافه النهائية.
وقام العراق بنشر هذه المعلومات بمذكرة أرسلت بتاريخ (6 مايو/ مايس 1980) إلى كل من:
1. السكرتير العام للأمم المتحدة 5. رئيس منظمة الوحدة الأفريقية
2. الأمين العام للجامعة العربية 6. رئيس مجموعة دول عدم الانحياز
3. رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي 7. رئيس المجموعة الأوروبية
4. رئيس منظمة دول آسيان 8. رئيس منظمة الدول الأمريكية
وبالفعل شهد العراق عموماً، وعلى الأخص في مناطقه الوسطى والجنوبية في النصف الأول من عام (1980) أعمال الإرهاب والتخريب التي قام بها متسللون من إيران ومقيمون إيرانيون في العراق، وأناس من أصول إيرانية، والتي ذهب ضحيتها العديد من القتلى والجرحى من الأبرياء ومن بينهم النساء والأطفال، وكانت تلك الأعمال ترتكب بتوجيه علني من الإذاعات الإيرانية التي بلغت حد إرشاد السامعين بطرق صناعة القنابل المحلية، كما شملت تلك الأعمال الإجرامية إلقاء القنابل على التجمع الطلابي في (جامعة المستنصرية) بتاريخ (1 أبريل/ نيسان 1980) والذي راح ضحيته العديد من القتلى والجرحى من الطلبة الأبرياء، وإلقاء القنابل من المدرسة الإيرانية في (الوزيرية) ببغداد على موكب تشييع شهداء الحادث بتاريخ (5 أبريل/ نيسان 1980) والذي أسهم فيه عدد من الموظفين الإيرانيين من معلمي المدرسة الإيرانية، والجدير بالذكر أن قوات الأمن العراقية قد ألقت القبض في جميع هذه الحوادث على إيرانيين متلبسين بجرمهم ، واستولت على كميات كبيرة من الأسلحة والأموال كانت سلطات الحكومة الإيرانية قد وضعتها تحت تصرف الإرهابيين والمخربين المذكورين.
وبصورة موازية لهذه الأعمال التي ارتكبت داخل العراق، تعرضت سفارة العراق في طهران إلى العديد من أعمال الاعتداء والاستفزاز والتهديد بالحرق والاحتلال، ونظمت مئات المظاهرات ضد العراق تحت نظر وسمع السلطات الإيرانية، وقد وجهت وزارة الخارجية العراقية والسفارة العراقية في طهران عدة مذكرات احتجاج للحكومة الإيرانية حول هذه الاعتداءات.
وتعــرضت كذلك قنصليــة العــراق في مدينـة (المحمــرة) إلى الهجــوم عدة مــــرات في
(11 و 26/10/1979) و (1 و 7/11/1979) وحُطّمت أبوابها وشبابيكها واعتدي على موظفيها وحراسها وسجلاتها، كل ذلك من أجل اتخاذ مبررات لغلقها، وقد احتجت الخارجية العراقية على ذلك بتاريخ (5/12/1979) وقامت السلطات الإيرانية بتسفير العاملين في القنصلية بتاريخ 11/1/1980) وبعد أن عاملتهم معاملة قاسية.
والجدير بالذكر أن السلطات الإيرانية اعتدت أيضاً على المدارس العراقية في إيران وأغلقتها جميعاً وعمدت إلى تسفير معلميها، ولم ينجُ من الاعتداءات حتى مكتب الخطوط الجوية العراقية في طهران.
لقد أدت هذه الأعمال والتصرفات وغيرها بطبيعة الحال إلى توتر العلاقات بين البلدين، ومع بدء التوتر المذكور ، ازداد الوجود العسكري لإيران في الأراضي العراقية التي كانت إيران قد تجاوزت عليها خلافاً للاتفاقيات الحدودية النافذة بين البلدين، والتي أملت اتفاقية الجزائر في (6 مارس/ آذار 1975) إعادتها للعراق بحكم الاتفاقيات المعقودة بين الدولتين، وأصبحت الأراضي العراقية المشار إليها مصدراً لأعمال مسلحة إيرانية ارتكبت داخل المناطق الحدودية العراقية وأراضي العراق الأخرى، فمثلاً بلغت حوادث خرق الأجواء العراقية من قبل سلاح الجو الإيراني (249) حادثاً للفترة من (فبراير/ شباط 1979) ولغاية (سبتمبر/ أيلول 1980)، وبلغ عدد حوادث إطلاق النار على المخافر الحدودية العراقية والهجوم عليها والقصف المدفعي وعرقلة الملاحة في شط العرب، وقصف الأهداف المدنية ما مجموعه (244) حادثاً للفترة من (يونيو/ حزيران 1979) ولغاية (سبتمبر/ أيلول 1980).
وأطلقت النار على الطائرات المدنية (3) مرات في الفترة من (أغسطس/ آب 1980) ولغاية (سبتمبر/ أيلول 1980) وأجبرت إحداها بالقوة على الهبوط في داخل إيران، وتم قصف المنشآت الاقتصادية (7) مرات للفترة من (يناير/ كانون الثاني 1980) ولغاية (سبتمبر/ أيلول 1980) ومن ضمنها منشآت بترولية، وقامت الحكومة العراقية بتثبيت هذه الحوادث بمذكرات رسمية وجهت إلى الحكومة الإيرانية بلغ عددها (293) مذكرة.
بدأت القيادة الإيرانية واستمراراً لحملتها الإعلامية الواسعة ومنذ يوم (4/9/1980) بالتحرش بالمدن والقصبات العراقية الحدودية وقصفها بالمدفعية، والتحرش بالسفن في الخليج العربي وشط العرب، وفرض رفع العلم الإيراني فوق السفن العراقية وتحريض ما يسمى (حزب الدعوة) لإشعال نار الفتنة الطائفية وللقيام بتفجيرات داخل المدن والعاصمة (بغداد)، وقيام طائراتها بالإغارة على عدد من المنشآت العراقية حيث تم إسقاط إحدى الطائرات الإيرانية بتاريخ (11/9/1980) وأسر قائدها الملازم أول طيار (علي حسن لشكري) الذي احتفظت به القيادة العراقية إلى عام (1997) على أنه دليل إثبات على بدء الحرب من قبل الجانب الإيراني، وكذلك إسقاط الدفاعات العراقية في قاطع ميسان الطائرة الإيرانية (من نوع فانتوم 4) يوم (7/9/1980) الذي كان يقودها النقيب الطيار (علي حسين نعمتي) الذي قتل بعد أن قذف نفسه من طائرته بسبب ارتطام جسده في هيكل الطائرة، وأعيد جثمانه إلى إيران عام (1991) تحت إشراف المراقبين الدوليين في ظهر يوم (7/9/1980)، قامت الخارجية العراقية باستدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بغداد وسلم مذكرة أبدت ما يلي:
(لقد ثبت لدى الحكومة العراقية تجاوز القطعات العسكرية الإيرانية واستمرار تجاوزها على مناطق متعددة من الإقليم العراقي حسب خط الحدود الدولية للجمهورية العراقية ومنها على سبيل المثال لا الحصر منطقة (زين القوس) ومناطق أخرى خلافاً لمعاهدة الحدود وحسن الجوار المعقودة بين البلدين عام (1975) والقوانين والأعراف الدولية وعلاقات حسن الجوار، لذا يتطلب الأمر إبلاغ حكومتكم بإزالة هذا التجاوز فوراً بسحب قطعاتكم العسكرية من المناطق المتجاوز عليها).
لقد تحملت القيادة العراقية كل ذلك بصبر وحكمة ومسؤولية عالية بهدف منع تطور الوضع إلى ما هو أسوء، ويبدو أن القيادة الإيرانية ـ مع الأسف ـ قد فسّرت صبر القيادة العراقية بالضعف والخوف والتردد مما جعلها تتمادى وتستمر بالتجاوزات والخروقات وقصف المدن والقصبات والاستفزازات في المياه الإقليمية والدولية وإشعال نار الفتنة بين الشعب العراقي.
ولما تأكدت القيادة العراقية من عزم وإصرار النظام الإيراني في إلحاق الضرر بالعراق وإشعال الفتنة الطائفية فيه والتصميم على إسقاط القيادة العراقية قولاً وعملاً، لذا أعلنت الحكومة العراقية بتاريخ (17/9/1980) قرارها باعتبار (اتفاق الجزائر) الذي عقد في (6/3/1975)، وجميع الاتفاقات التي وقعت في ذلك العام والتي استندت عليها ملغاة، وطلبت من الحكومة الإيرانية إلى قبول الوضع الجديد والتصرف بعقلانية وحكمة إزاء ممارسة العراق لسيادته وحقوقه المشروعة في كامل إقليمه البري والبحري في شط العرب تماماً كما كان عليه الوضع قبل اتفاق الجزائر.
بتاريخ (22/9/1980) قامت القيادة العراقية مضطرة بالرد بقيام عشرات الطائرات بقصف معظم المطارات الإيرانية، بوقت واحد رافقه دخول الجيش العراقي بعمق (10) كيلو متر داخل أراضي إيران على طول خط الجبهة بهدف إبعاد المدفعية الإيرانية عن المدن والقصبات الحدودية.
في (10/11/1980) أكد الرئيس صدام حسين (أنه في الوقت الذي يكون فيه المسؤولون الإيرانيون في وضع يمكنهم من أن يعترفوا بحقوقنا سوف ننسحب من أراضيهم، ونحن نحترم الطريق الذي اختاروه وعليهم أن يحترموا الطريق الذي اخترناه في الحياة).
وشعوراً من القيادة العراقية بالمسؤولية لوقف نزيف الحرب فقد وافقت على جميع قرارات مجلس الأمن الدولي من أول قرار صدر بتاريخ (28/9/1980) تحت الرقم (479) الذي دعا فيه إيران والعراق إلى الوقف الفوري لاستخدام القوة وحل خلافاتهما بالوسائل السلمية والقرارات اللاحقة الصادرة من مجلس الأمن وهي: القرار (514) في (12/7/1982) ، والقرار (522) بتاريخ (4/10/1982)، والقرار (552) بتاريخ (1/6/1986)، والقرار الأخير (598) بتاريخ (20/7/1987)، بينما رفضت القيادة الإيرانية كل قرارات مجلس الأمن.
والجدير بالذكر أن القيادة العراقية قد وافقت على كل المبادرات والنداءات الدولية، بينما رفضت القيادة الإيرانية كل المبادرات، بل وضعت شروطاً تعجيزية لوقف إطلاق النار وهي إسقاط النظام العراقي الذي تصفه بالكافر والعميل للغرب وإحلال نظام يحكم العراق على غرار النظام في إيران ومحاكمة القيادة العراقية باعتبارهم هم المعتدين ودفع التعويضات ، حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة (ديكويلار) ومن خلال شاشات التلفزيون كان دائماً ينصح القيادة الإيرانية بقبول وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.
واهتماماً من الرئيس صدام حسين وشعوراً منه بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية فقد وجه عدة رسائل للقيادة والشعوب الإيرانية خلال سنوات الحرب لتذكيرهم وتبصيرهم بمآسي وخطورة استمرار الحرب ونزيف الدم والدمار اليومي الذي هو ليس من مصلحة البلدين والشعبين ورغبة العراق بالسلام.
وتأكيداً على تمسك القيادة العراقية بالحل السلمي فقد قامت بالمبادرة بإيقاف الحرب من طرف واحد في المناسبات الدينية كشهر رمضان المبارك والأعياد وعاشوراء وغيرها بهدف إتاحة الفرصة المناسبة للقيادة الإيرانية لوقف الحرب.
لقد كانت القيادة العراقية واضحة مع شعبها والشعوب الإيرانية والعالم في السر والعلن في أقوالها وأفعالها ، بينما كانت القيادة الإيرانية تتعامل بوجهين فهي تصف أمريكا بالشيطان الأكبر لكسب تأييد الشعوب الإيرانية والعربية والإسلامية ، بينما كانت هناك علاقات بالسر مع أمريكا وإسرائيل وتتزود بالأسلحة وقطع الغيار الأمريكية فيما يسمى بفضيحة (إيران كونترا) لأن معظم أسلحة إيران ومنذ زمن الشاه هي أمريكية الصنع ، بينما أسلحة العراق جميعها من الاتحاد السوفيتي وفرنسا ، وقد اعترف بذلك (الحسن بني صدر) رئيس إيران الأسبق ، وقال بأن (خميني) كان يعلم بذلك وقال له سنتعاون مع الشيطان لإسقاط النظام العراقي.
ووجدنا من المفيد أن نشير أنه في السنة الثانية للحرب (1982) واستجابة لدعوات بعض الدول والمنظمات العربية والدولية بهدف إقناع القيادة الإيرانية بالحل السلمي ولإثبات حسن نية القيادة العراقية وتمسكها بالحل السلمي انسحبت القوات العراقية من جميع الأراضي الإيرانية إلى داخل حدودها حسب (اتفاق الجزائر) رغم ما يمثله ذلك من خطورة على المدن والقصبات العراقية الحدودية بسبب وقوعها تحت مرمى نيران المدفعية الإيرانية، وبدلاً أن ترد القيادة الإيرانية على مبادرة العراق الحسنة بالمثل ، قامت القوات الإيرانية وبكل حقد ووحشية بقصف المدن والقرى الحدودية بالمدفعية بشكل يومي لأنها أصبحت قريبة من مرمى المدفعية الإيرانية، كما بدأت تقوم بهجمات بأعداد كبيرة بما يسمى بالموجات البشرية بهدف خرق الحدود العراقية واحتلال أجزاء منه خاصة المناطق الجنوبية في البصرة وميسان، واستمرت بقصف المدن والهجوم بالموجات البشرية حتى استطاعت احتلال (شبه جزيرة الفاو) على الخليج العربي عام (1986) وأطلقت عليها اسم (الفاطمية).
كما قامت القوات الإيرانية في عام (1985) بعمل خطير حيث قصفت العاصمة بغداد وغيرها لأول مرة بصواريخ (سكود) التي هي الأكثر تدميراً من المدفعية والتي سميت في حينها بـ(حرب المدن) والتي بدأتها بالفعل القيادة الإيرانية لأن المدن العراقية كما ذكرنا معظمها ومنها العاصمة بغداد تقع ضمن مدى الصواريخ الإيرانية وكان ضمن ما شمله القصف الوحشي (مدرسة بلاط الشهداء) في منطقة الدورة في بغداد والتي راح ضحيتها عشرات الأطفال.
ولأن القيادة العراقية لا تستطيع الرد بالمثل بسبب أن معظم المدن الإيرانية ومنها (طهران) التي تبعد (600) كيلومتر عن الحدود و (أصفهان) و (شيراز) وغيرها بعيدة عن مرمى صواريخ سكود، واكتفت بالرد من خلال القصف بالطائرات (رغم خطورته على حياة الطيارين) التي احتفظ بها العراق واستنفذتها إيران خلال الأشهر الأولى للحرب من خلال إسقاطها من قبل القوات العراقية ، وحذرت القيادة العراقية إيران من جريمة قصف المدن ، وقدمت عدة مذكرات بذلك للأمم المتحدة والجامعة العربية وإنها سترد على تلك الاعتداءات في الوقت المناسب.
استطاعت المؤسسات الصناعية العسكرية العراقية وفي الأشهر الأولى من عام (1988) من تطوير صواريخ (سكود) بزيادة مداها إلى صواريخ الحسين (300) كيلومتر والعباس (600) كيلومتر وغيرها، وقامت القوات العراقية بمفاجئة الإيرانيين بالرد العنيف بعد الصبر حيث دكت الصواريخ العراقية معظم المدن الإيرانية ومنها العاصمة طهران والتي سقط عليها لوحدها (160) صاروخاً مما جعل سكانها البالغ عددهم أكثر من (😎 ملايين شخص آنذاك أن يتركوها إلى الضواحي والجبال وبدأت معنويات الإيرانيين تنخفض وتصل إلى حالة الإحباط.
في نفس الوقت أكملت القوات استعداداتها للقيام بتحرير الأراضي العراقية التي احتلتها القوات الإيرانية، فقامت بتحرير (شبه جزيرة الفاو) بتاريخ (16/4/1988) خلال (36) ساعة وبعدها تحرير (الشلامجة) و (نهر جاسم) وجزيرة (أم الرصاص) والقرى والقصبات الأخرى حتى أن القوات الإيرانية من شدة تدني معنوياتها واحباطها هربت من قرية (حلبجة) التي كانت مسيطرة عليها. ودخلت القوات العراقية مرة ثانية إلى داخل الأراضي الإيرانية بأعماق مختلفة على طول الحدود الدولية مع إيران، وكان بإمكانه أن تدخل إلى أي عمق، وهذا كان رأي معظم القادة العراقيين في أن تستمر القوات العراقية حتى إسقاط نظام الحكم في إيران، إلا أن الرئيس صدام حسين أمر بإيقاف تقدم القوات العراقية داخل العمق الإيراني، وقال نحن أصلاً لم نرغب في الحرب وإنما اضطررنا لها ولا نريد لها أن تستمر يوماً واحداً، وإسقاط النظام الإيراني مسؤولية إيران.
بعد تمكن العراقيون من تطوير صواريخهم وقصف معظم المدن الإيرانية، بما في ذلك طهران وتمكنهم من تحرير جميع أراضيهم من القوات الإيرانية بل ودخول القوات العراقية داخل العمق الإيراني إلى ما كانت عليه قبل انسحابها منها عام (1982)، أصاب القيادة الإيرانية الإحباط واليأس، فقررت مضطرة وقف الحرب وقبول قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم (598) الصادر في عام (1987)، والتوقف عن إطلاق النار على الأراضي العراقية، وأعلنت القيادة العراقية قبولها بذلك بشرط أن يكون للعراق الحق في إطلاق آخر قذيفة وأن لا ترد إيران عليها وخلافه ستستمر الحرب، ورضخت القيادة الإيرانية لهذا الشرط (وكان هدف القيادة العراقية من هذا هو إيضاح للشعبين العراقي والإيراني والعالم بأن إيران هي التي بدأت الحرب والعراق هو الذي أنهاها وهو الذي انتصر فيها)، وقد قال حينها خميني (الذي كان مصراً على الحرب حتى إسقاط القيادة العراقية) بأنه يتجرع السم لقبوله وقف الحرب مع العراق!، بينما عمت الفرحة الشعب العراقي والقيادة العراقية لقبول إيران وقف إطلاق النار وتوقف الحرب.
أرسل الرئيس صدام حسين رسالة بعد توقف إطلاق النار ووفاة (خميني) يسمي فيها الزعيم (خامنئي) الأخ الأكبر ويأمل منه أن يتم البدء بصفحة جديدة بين الشعبين الجارين المسلمين مبنيه على روح التسامح الإسلامي.
وبعدها سمحت السلطات العراقية بقيام الزوار الإيرانيين بزيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف وغيرها، وكانت القيادة العراقية أول المبادرين في إرسال طائرات خاصة لمساعدة منكوبي الزلزال الكبير الذي وقع شمال إيران عام (1989).
قامت القيادة الإيرانية بسلسلة من الاعتداءات بعد وقف إطلاق النار في (20/8/1988) وأثناء العدوان الثلاثيني على العراق في شهر (يناير/ كانون الثاني 1991) بالوقوف مع من تصفه بالشيطان الأكبر (أمريكا) بإدخال أعداد من حراس الثورة وقوات مسلحة معارضة داخل العراق مستغلة انسحاب القوات العراقية من الكويت، وكذلك استغلالها فترة الحصار الظالم على العراق في القيام بسلسلة من اعتداءات على المدن والقرى العراقية وقصف قواعد (منظمة مجاهدي خلق) الإيرانية المعارضة داخل الأراضي العراقية بالصواريخ والإغارة عليها بالطائرات ودعم المخربين للقيام بتفجيرات في بغداد والمدن الأخرى.
امتنعت القيادة الإيرانية من إعادة (الطائرات العراقية) التي أرسلت أمانة إلى إيران وبموافقتها أثناء العدوان الثلاثيني على العراق عام (1991) بعد انتهاء العدوان وتوقف الحرب.
وأخيراً تعاونت القيادة الإيرانية مع عدد من تصفه بالشيطان الأكبر مرة أخرى (القوات الأمريكية) والقوات البريطانية في (غزو العراق) وإسقاط الحكومة والقيادة العراقية في (9/4/2003) حسب تصريح نائب الرئيس الإيراني (الابطحي)، الذي قال لولا تعاون إيران لما استطاعت القوات الأمريكية والبريطانية احتلال العراق، كما قامت القوات الإيرانية بإدخال عناصر من الحرس الثوري والمعارضين في العراق وإثارة الفوضى والقتل والطائفية والاعتراف بالحكومة العميلة في العراق والتعاون معهم (الذين هم أصلاً كان معظمهم في إيران ومدعومين منها).
يتبين مما تقدم أن القيادة الإيرانية هي السبب في بدء الحرب والإصرار على استمرارها لمدة (😎 سنوات، وهي تتحمل كامل المسؤولية الدولية فيها وعلى رأسها التعويضات، وأن القيادة العراقية لم تكن تريد هذه الحرب أن تبدأ ولا في استمرارها حتى لا تشغلها عن دورها القومي وطموحاتها التنموية والنهضوية وحاولت وبكل صبر وحكمة وبمنتهى المسؤولية أن تمنع هذه الحرب أو توقفها، ولكنها فشلت بسبب الإصرار والتعنت الإيراني مما اضطرها إلى خوض الحرب وإدارتها بكل قدرة وشجاعة وصبر والخروج منها منتصرة رغم كل التضحيات والخسائر.
والذي يرى الآن جلياً، بتعاون النظام الإيراني مع الإدارة الأمريكية في تسهيل احتلال العراق وتدميره وزرع الطائفية وتقتيل وتهجير أبناءه.
لذا فإن النظام الإيراني يتحمل كل المسؤولية والتعويضات مع الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية وكل من شارك معهم في جميع الجرائم والاعتداءات والتدخلات بالشؤون العراقية ما بعد الحرب مع إيران وحتى احتلال العراق في (9/4/2003) وما بعدها.
التحميل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب