
ماذا عن السينما الفلسطينية في المسابقات الرسمية؟
سليم البيك
ضمن مرحلتها الثانية، مع الثمانينيّات، بدأت السينما الروائية الفلسطينية مشوار المرحلة من قمّتها، قبل أن تنزل ثم تتواتر في مستوياتها صعوداً وهبوطاً. وهذا كلّه انعكس على حضور أفلام هذه السينما في المهرجانات العالمية، وقد تنوّع الحضورُ في مدى أهمية التظاهرات من عدمها، وفي الجوائز الممنوحة.
ما قبل الثمانينيات، كانت للسينما الفلسطينية أنواع ومواضيع وأساليب ومعايير مختلفة عمّا لحقها، وقد انفصلت السينما في مرحلتها الثانية عن الأولى بشكل قطعي، طال التاريخ السياسي والاجتماعي الفلسطيني، ما حتّم أن تدخل السينما الروائية في الثمانينيات مرحلة انتقالية لتشتّتٍ أصاب الفلسطينيين ومؤسساتهم وتنظيماتهم، وبالتالي عملهم السينمائي، فكان الإنتاج السينمائي، والحديث دائماً عن الفيلم الروائي، في مرحلة الخروج من صدمة الشتات هذه، وإلمام الذات، وهو ما كان بانتقال سياقيّ لهذه السينما، في مكانها وأسلوبها وصناعتها ومقاربتها، إلى الداخل مع أوّل فيلم روائي يصنعه فلسطيني، وهو أول فيلمِ مؤلِّف فلسطيني، «عرس الجليل» لميشيل خليفي. لذلك، أبدأ في الحديث عن الحضور الفلسطيني في المهرجانات من هذا الفيلم، وهو بذاته واحد من أبرز ما أنجزه الفلسطينيون في مهرجانات العالم الأساسية، حتى المرحلة الثالثة التي تحلّ مع العام ألفين والمستمرة، بتغييرات طفيفة، حتى اليوم. أركّز الحديثَ هنا في الحضور ضمن المسابقات الرسمية، وفي مقالة لاحقة أتناول الحضور ضمن التظاهرات الموازية لتلك المسابقات، من الثمانينيات حتى اليوم.
المسابقة الرسمية الدولية الوحيدة التي نال الفلسطينيون جائزتها الأولى، كانت مع فيلم «عرس الجليل» الذي نال جائزة «الصَّدفة الذهبية» في مهرجان سان سيباستيان السينمائي عام 1987. ما جعل الدخول الفلسطيني إلى مجالات المهرجانات، وإن متأخّراً، من باب واسع، بنيل الجائزة الأولى للمسابقة الرسمية لأوّل فيلم لفلسطيني، لمهرجانٍ من المستوى التالي لمهرجانات العالم الثلاثة الأولى (كان وبرلين و البندقية).
من بعد هذا الفيلم بدأت تصل الأفلام الفلسطينية إلى المسابقات الرسمية، بحضورين أساسيين أوائل العقد الأول من الألفية، ثم بندرةٍ وبمستويات مختلفة لهذه المسابقات، مع استقرار للحضور ضمن تظاهرات موازية. عام 2002 دخل الفلسطينيون مع إيليا سليمان بفيلمه الثاني المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي بفيلم «يد إلهية» ليعود سليمان إلى المسابقة الرسمية ذاتها بفيلميه اللاحقين، «الزمن الباقي» عام 2009 و«إن شئت كما في السماء» عام 2019. وهو أفضل حضور للفلسطينيين في المهرجانات العالمية، لمكانة مهرجان كان السينمائي على رأس الأحداث السينمائية في العالم. لكن حضور سليمان في المهرجان الفرنسي كانَ في أفضل حالاته في أول مرّة له، إذ نال فيلمه عام 2002 جائزة لجنة التحكيم، وهي من أرفع جوائز المهرجان. وقبل ثلاثتها وصل فيلمه الأول «سجل اختفاء» إلى المسابقة الرسمية لمهرجان روتردام السينمائي عام 1997.
للأفلام الفلسطينية ذكرٌ دائم في التظاهرات الموازية سيكون لها مجال نقاش آخر. الأهم يبقى التموقع ضمن أفلام المسابقة الرسمية، وتحديداً للمهرجانات الثلاثة الكبرى. من بعد «يد إلهية» في مهرجان كان، دخل الفلسطينيون مهرجان برلين السينمائي بمسابقته الرسمية عام 2005 مع فيلم «الجنة الآن» لهاني أبو أسعد. وكان الفيلم قد حقّق حضوراً لافتاً عام 2006 بوصوله إلى ترشيحات الغولدن غلوب ونيله جائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية، وبترشّحه من بعدها لجوائز الأوسكار عن الفئة ذاتها. وهو الوصول الوحيد فلسطينياً في الحفلَين الأمريكيين. لكن حال أبو أسعد في المهرجانات تراجع من بعده، لينضم إلى غيره من المخرجين الفلسطينيين في اقتصار حضورهم على التظاهرات الموازية.
ليست المشاركة في المسابقات الرسمية إشارة لا نقاش فيها حول أهمية الفيلم من عدمها، وإن كانت اعترافاً دولياً من مبرمجي هذا المهرجان أو ذاك، بأهمية الفيلم، لكن ضمن سياقه وقبوله السياسيين، ما جعل لفيلم «الجنة الآن» وإن كان فيلماً جيّداً، حضوراً أكثر مما استحق، بفعل موضوعه ومقاربته الملاصقين لانتفاضة الأقصى. لكن أفلاماً أخرى وصلت إلى المسابقات الرسمية دون مسوّغات لا شكلاً ولا مضموناً، كفيلم «عيد ميلاد ليلى» لرشيد مشهراوي في مهرجان سان سيباستيان السينمائي عام 2008، رغم الفرق الشاسع فنياً وسردياً بينه وبين «عرس الجليل» الذي شارك قبلها بعقدين في المسابقة ذاتها، وفيلم رديء آخر هو «تناثر» لتوفيق أبو وائل، الذي شارك ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان لوكارنو السينمائي عام 2011. وفي المهرجان ذاته عام 2017، شاركت آن ماري جاسر بفيلم ممتاز هو «واجب» بعد مشاركات لها بتظاهرات موازية لفيلميها السابقين. يليه فيلم «التقارير حول سارة وسليم» لمؤيد عليان، في مسابقة مهرجان روتردام السينمائي عام 2018. وهو مثال على المقولة السياسية المتدنّية والمهادِنة حين تكون في فيلم فلسطيني عادي يصل هنا أو هناك، غربياً، بفضلها.
ليست المشاركة في المسابقات الرسمية في مهرجانات المستوى الثاني، ما لم تكن بنيل جائزة تمنح الفيلم حضوراً يفوق المشاركة، تفوّقاً بحد ذاته، فتظاهرات موازية في مهرجانات كبرى، كـ«نظرة ما» في مهرجان كان السينمائي تحديداً، يمكن أن تفوق غيرها أهمية. بعض أهم أفلام الفلسطينيين مرّت من هناك ومن تظاهرات موازية أخرى. وهذا كلّه يشير إلى الفيلم ويمنحه نقاطاً ضرورية لتقييم مستحَق له، لكن المشاركة والجوائز لا تحصر رأياً وتقييماً لأي فيلم، فلكل ذلك ظروفه ومحفّزاته الذاتية والموضوعية التي قد تخدم فيلماً ما في لحظة سياسية/اجتماعية/ثقافية ما، تختاره مجموعة من المبرمجين أو المحكّمين للعرض أو للجائزة، استحقّ الفيلم ذلك أم لم يستحق، كان أعلى من غيره من المنافسين الدوليّين في المسابقة الرسمية، أم لم يكن.
كاتب فلسطيني سوري