مقالات

الشرق العربي : من الصراع الأوروبي الى الصراع الآسيوي بقلم الاستاذ الدكتور وليد عبد الحي

بقلم الاستاذ الدكتور وليد عبد الحي

الشرق العربي : من الصراع الأوروبي الى الصراع الآسيوي
بقلم الاستاذ الدكتور وليد عبد الحي
تشكلت الوحدات السياسية في المشرق العربي خلال القرن العشرين نتيجة تفاهمات وتقسيمات ومناورات بين الدول الاوروبية (منذ الثورة العربية الكبرى وصولا لهزيمة الدولة العثمانية ، سايكس بيكو ، وعد بلفور ، ،اقامة اسرائيل …الخ)، ولا يمكن فصل الخريطة الجغرافية ولا الوقائع السياسية في هذه المنطقة عن هذا التنافس الأوروبي الانجليزي الفرنسي الايطالي الألماني…الخ.
وفي الفترة المعاصرة ثمة دولتان آسيويتان متجاورتان و صاعدتان اقتصاديا وتكنولوجيا من ناحية وبينهما من ناحية ثانية إرث عداء تاريخي تخلله اشتباكات عسكرية منذ حوالي أكثر من ستة عقود وتكرر ولو بحدة اقل منذ 1962 وعام 1967 و1987 و2018 و 2020، ويتمركز هذا الصراع حول مناطق حدودية في التيبت وحول التنافس بينهما في بحر الصين الجنوبي وسياسات التحالف لكل منهما ضد الآخر، ناهيك عن التنافس الاقتصادي .
في عام 2013 أعلنت الصين عن مبادرتها “الحزام والطريق ” لربط تجارتها وتوسيع علاقاتها مع اوروبا عبر المرور في اوراسيا والشرق الاوسط، وجعلت من باكستان بوابة لها في هذا المشروع الذي سيربط عبر الموانئ والسكك الحديدية الصين مع باكستان وبحر العرب مرورا او تماسا بأغلب الجغرافية العربية بخاصة المشرقية منها، وفي فترة منتصف التسعينات كنت قد نبهت في دراسة لي الى تفكير صهيوني لإيجاد بدائل لقناة السويس( البحث منشور في مجلة الفكر المعاصر).
وفي هذه الأيام يجري التوقيع على مشروع سعودي هندي مواز اطلقوا عليه اسم ” الممر الاقتصادي” يستهدف ربط الهند والسعودية والامارات والاردن واسرائيل وصولا الى اوروبا عبر الموانئ والسكك الحديدية والكابلات ..الخ.
هذه الصورة تطرح عددا من الاسئلة:
أ‌- هل المشروع الهندي هو “عرقلة ” للمشروع الصيني في ظل التنافس بين البلدين اقتصاديا وفي ظل النزاعات التي اشرت لها بينهما، مع ملاحظة ان السياسة الهندية في ظل حكم حزب جاناتا الهندوسي اصبح اكثر ميلا للسياسات الامريكية خلافا لما كانت عليه السياسة الهندية في فترة حكم حزب المؤتمر ،مع الاشارة الى ان حوالي 26 حزبا هنديا تحالفوا مؤخرا لمواجهة حزب جاناتا في انتخابات الشهور الاولى من عام 2024 القادم . ولعل التأييد المباشر لكل من جو بايدن الرئيس الامريكي وبنيامين نيتنياهو للمشروع الهندي يعزز الهواجس التنافسية لا سيما ان الهند هي الزبون الاول في اسواق الاسلحة الاسرائيلية ومنذ فترة بدأت مع عام 2014 بعد سيطرة جاناتا، وهنا قد يكون المشروع خطوة لتوسيع التطبيع السعودي الاسرائيلي عبر غطاء هندي من ناحية ومزاحمة امريكية لتعطيل المشروع الصيني من ناحية ثانية.
ب‌- كيف ستوفق السعودية بين ترابطها مع الهند ومع الصين في حالة نشوب نزاع حاد بين العملاقين الآسيويين،؟
ت‌- هل تنافس المشروعين سيجعل الوصول الى قرارات استراتيجية في البريكس وشنغهاي اكثر تعقيدا بل قد يشلهما في ظل التباينات الصارخة بين القوى الكبرى في هذا التكتل ؟ وهل كان ضم دول “غربية الهوى” محض صدفة ام جزء من مخطط ؟
ث‌- ما هي احتمالات وقوع ضرر على مكانة قناة السويس إذا تم عبور المنطقة عبر سكك حديدية من ايلات الى حيفا او الى حيفا مباشرة ليتجاوز القناة؟ فالدراسات الهندية الأولية للمشروع تشير إلى أن المشروع يختصر الفترة الزمنية لنقل البضائع من حيفا الى اوروبا ما بين ٨ الى ١٢ يوم، وهو ما يهدد المصدر الثالث للدخل المصري بعد تحويلات العاملين في الخارج والسياحة .
ج‌- يعيش حوالي تسعة ملايين عامل هندي في دول الخليج( وهو عدد يفوق عدد سكان اي دولة من مجلس التعاون الخليجي باستثناء السعودية)، كما ان عدد الشركات والموظفين الصينيين في دول الخليج لا يقل عن 2.5 مليون نسمة، وهو ما قد يكون موضع اضطرابات بين الطرفين في حال اشتداد التنافس والتنازع.
ترى هل ستجد الدول العربية بخاصة الخليجية او التي يمر منها الطريقان(الهندي والصيني) او احدهما امام ضرورات الاختيار بين العملاقين؟ وماذا عن مواقف الهنود التسعة ملايين اذا اتخذت دولة عربية موقفا مناقضا للموقف الهندي؟
ولكن هل سيتوفر الذكاء الدبلوماسي بين دول الخليج لمنع تمدد النزاع بين العملاقين الآسيويين الى الساحة العربية ؟ وكيف ؟
ح‌- وماذا لو بدأت الدولتان (الصين والهند) في عسكرة وجودهما في مرحلة لاحقة واذا تصاعد الخلاف والتنافس بينهما؟ هل سيتم اقامة قواعد هندية او صينية في دول الخليج او باكستان بل قد يتم جر دول القرن الافريقي من جيبوتي حتى السودان؟
خ‌- اخيرا هل هناك مراكز خبراء ومستشارين في دول الخليج يضعون الخطط المدروسة ام ان الامر مجرد آذان تصغي لمن يسعى لاجهاض التوسع الصيني اولا؟
قال أينشتاين: ما اسهل الفيزياء وما اعقد السياسة….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب