الصحافه

إيكونوميست: ماكرون يسحب سفيره وقواته بعد تلقيه ضربة واعترافه ضمنيا ببقاء العسكر

إيكونوميست: ماكرون يسحب سفيره وقواته بعد تلقيه ضربة واعترافه ضمنيا ببقاء العسكر

إبراهيم درويش

 

نشرت مجلة “ايكونوميست” تقريرا تساءلت فيه عن القرار الأخير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقف التعاون مع دولة النيجر، بما في ذلك سحب السفير والجنود الفرنسيين ووقف التعاون العسكري.
وأضافت أنه عندما قام جنود من الحرس الرئاسي في النيجر في 26 تموز/يوليو باعتقال الرئيس محمد بازوم والإطاحة به، والذي كان من المفترض أنه تحت حماية فرنسا وحليفها، تمسكت باريس بموقفها من الانقلاب، وأنها لن تستجيب لأوامر المجلس العسكري الجديد.

كان قرار مغادرة النيجر، الذي أعلنه المجلس العسكري بعد إعلان ماكرون، “لحظة تاريخية” بالنسبة إلى سيادة البلاد.

وعليه، فقد رفضت سحب سفيرها عندما وضع الانقلابيون مهلة لمغادرته مع جنودها البالغ عددهم 1500 جندي، والمتمركزين في البلاد. وتمسكت القوة الاستعمارية السابقة بموقفها، مشددة على مبادئ الديمقراطية.
وزاد ماكرون بأن محمد بازوم، رئيس النيجر تحت الإقامة الجبرية، قد تم انتخابه ديمقراطيا، وبالتالي فإن فرنسا لا تعترف بسلطة غير سلطته.
إلا أن ماكرون، تراجع في قرار مفاجئ في 24 أيلول/سبتمبر، وأعلن أنه لن تتم مغادرة سفير فرنسا، سليفان إيتي، إلى باريس فحسب، بل وجميع القوات الموجودة في النيجر بحلول نهاية العام. وأعلن أن فرنسا ستضع حدا للتعاون العسكري الثنائي مع النيجر.
وبرر ماكرون تحوله بالقول إن السلطات الجديدة “لم تعد ترغب في مكافحة الإرهاب”.
وأشارت المجلة إلى أن فرنسا قادت في الفترة ما بين عامي 2013 و2022 عملية ضد الجهاديين في دول الساحل، بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، بناء على طلبها. وبدعم من دول أوروبية أخرى، بما فيها بريطانيا وإستونيا والسويد، بلغ عدد أفراد العملية في ذروتها أكثر من 5000 جندي فرنسي. وفي العام الماضي، قررت فرنسا إنهاء عملية “برخان” كما أطلق عليها، والانسحاب من مالي بعد أن قام القادة العسكريون هناك بانقلاب عسكري ثان، واستعانوا بمرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية.
وانسحبت القوات الفرنسية إلى ما بدا آنذاك أنه استقرار نسبي في النيجر المجاورة، حيث تحتفظ فرنسا بقاعدة عسكرية مزودة بطائرات مقاتلة ومسيرات من طراز ريبر.
وتعلق المجلة أن ماكرون لديه وجهة نظر بشأن مكافحة الإرهاب. فقد برر المجلس العسكري في النيجر انقلابه في تموز/يوليو بأنه رد على تزايد انعدام الأمن. وفي الواقع، تصاعد العنف السياسي منذ أن تولى قادة الانقلاب السلطة. وبحسب “مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة والأحداث”، وهي مجموعة بحثية مقرها في أمريكا، ارتفع العنف السياسي بنسبة 42% في الشهر الأول من الحكم في ظل المجلس العسكري في النيجر مقارنة بالشهر السابق. على النقيض من ذلك، في الأشهر الستة الأولى من عام 2023، عندما تولى بازوم منصبه، انخفض بنسبة 39% مقارنة بالأشهر الستة السابقة.

إيكونوميست: القرار الفرنسي بالانسحاب يشكّل اعترافا بأن المجلس العسكري لن يتزحزح ويُستبعد التدخل العسكري ضده، وإدراكا مؤلما لتعرض نفوذ باريس لضربة شديدة

وتقول المجلة إن القرار الفرنسي بالانسحاب من النيجر يدور حول ما هو أكثر من ذلك بكثير.
فهو يشكل جزئيا اعترافا عمليا بأن المجلس العسكري لن يتزحزح، وأن دول المنطقة، على الرغم من تهديداتها، من غير المرجح أن تتدخل عسكريا ضده. ويمثل القرار أيضا إدراكا مؤلما ومترددا في باريس بأن نفوذها في القارة قد تعرض لضربة شديدة.
وفي نظر جيل من الشباب النيجريين، ويرجع ذلك جزئيا إلى نجاح حملات التضليل الروسية، فإن فرنسا باتت الآن المشكلة وليست الحل.
وفي عام 2013، تم الاحتفاء بفرانسوا هولاند، سلف ماكرون، في باماكو، عاصمة مالي، بعد أن أرسل قوات فرنسية لصد توغل جهادي. واليوم تلوح الجماهير بالأعلام الروسية، وتطالب فرنسا بالخروج.
والحقيقة غير المريحة هي أنه على الرغم من إشارة الفرنسيين إلى نجاحاتهم التكتيكية في منطقة الساحل، فإن الصورة الأوسع منذ عام 2013 هي صورة انتشار العنف السياسي. وقد امتد هذا بسرعة إلى الدول الساحلية في غرب إفريقيا. وعلى عكس القوى الاستعمارية السابقة الأخرى، تحتفظ فرنسا بوجود عسكري قوي في القارة، والذي يتكون من أربع قواعد دائمة أخرى: في جيبوتي والغابون وساحل العاج والسنغال. وهذا يجعلها هدفا جاهزا لإلقاء اللوم عليه واتهامه بالاحتلال الاستعماري الجديد.

كان قرار مغادرة النيجر، الذي أعلنه المجلس العسكري بعد إعلان ماكرون، “لحظة تاريخية” بالنسبة إلى سيادة البلاد.
ويلقي ثقل تاريخ فرنسا بظلال طويلة من الشك على أنشطتها الأوسع في القارة. وفي خطاب تاريخي ألقاه في بوركينا فاسو عام 2017، قدم ماكرون خططه لإعادة ضبط العلاقات الفرنسية الإفريقية. وأن فرنسا ستطوي صفحة “الفرانكفريقية”، وهي شبكة من الروابط المريحة بين باريس والزعماء الأفارقة الناطقين بالفرنسية، والتي أبقتهم في مناصبهم، وتدفقت الصفقات التجارية شمالا.
وللتأكيد على هذه النقطة، أعاد أعمالا فنية منهوبة احتفظت بها المتاحف الفرنسية، وطلب الصفح عن الدور الذي لعبته فرنسا في الإبادة الجماعية في رواندا. ومع ذلك، فإن هذا النهج الجديد، إلى جانب ماضيها الاستعماري، يعني أن فرنسا ملتزمة بمعايير لا تنطبق على القوى الخارجية الأخرى، بما في ذلك روسيا والصين وتركيا.

وأمريكا أيضا لا تجتذب إلا القليل من المعارضة. وهي تدير قاعدة للطائرات المسيرة خارج أغاديز في النيجر، وقد قررت بهدوء البقاء على الرغم من تغير النظام، من دون احتجاجات تذكر.
وفي النهاية، لم يكن لدى فرنسا خيارات جيدة في النيجر. ولو بقيت قواتها ودبلوماسيوها على الرغم من مطالب المجلس العسكري، لكان من الممكن أن يعجل ذلك بمواجهة سيئة. ومن خلال المغادرة، على حد تعبير فرانسوا هيسبورغ من مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية في باريس، “لقد تم تحدي فرنسا [وكشف هشاشتها]، والتي يمكن أن ندفع ثمنا باهظا مقابلها في المستقبل”.
وبالنسبة إلى فرنسا، فإن إعادة النظر بشكل جدي في سياستها تجاه إفريقيا واستدامة وجودها العسكري في القارة أصبحت الآن أمرا في محله. وبالنسبة إلى شعب النيجر فإن العواقب المحتملة لهذا الحدث المؤسف هي زيادة العنف السياسي سوءا.

لندن – “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب