مجلس الأمن القومي يندد بمحاولات تصفية القضية الفلسطينية… ويطالب بتوصيل المساعدات الإنسانية للقطاع

مجلس الأمن القومي يندد بمحاولات تصفية القضية الفلسطينية… ويطالب بتوصيل المساعدات الإنسانية للقطاع
القاهره / حسام عبد البصير
ما زال الشعور بالفخر للانتصار الفلسطيني المبهر الذي أحرزه رجال المقاومة على الجيش الإسرائيلي يلقي ظلاله على مختلف المحافظات المصرية، ولم تخل مدينة أو قرية من تجمعات لمواطنين، سواء على المقاهي أو بين المزارعين في الحقول، إذ فرض الحديث عن بطولات المقاومة الفلسطينية ظلاله على الجميع، فيما تتزايد المطالب بضرورة فك الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، وعززت المظاهرات التي شهدتها أكثر من مدينة مصرية وفي مقر نقابة الصحافيين وسط القاهرة، من عودة الإحساس بأهمية الحراك الشعبي والوعي الجماهيري بالنسبة لقضية العرب الأولى. وخلال الساعات الماضية ترأس الرئيس السيسي، اجتماع مجلس الأمن القومي. وأبرز الاجتماع عن استعداد مصر للقيام بأي جهد من أجل التهدئة وإطلاق واستئناف عملية حقيقية للسلام، وكذلك التأكيد على أن أمن مصر القومي خط أحمر، ولا تهاون في حمايته. كما قرر المجلس قيام مصر بتوجيه الدعوة لاستضافة قمة إقليمية دولية من أجل تناول تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية. وفي السياق ذاته وجه المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب رسائل إقليمية ودولية بشأن الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خلال الجلسة العامة لمجلس النواب، وأكد أن القضيةَ الفلسطينيةَ كانتْ وما زالتْ قضيةَ مصر، فارتباطُ مصرَ بقضيةِ فلسطينَ هوَ ارتباطٌ راسخٌ تمليهُ رابطةُ الدمِ معَ شعبِ فلسطينَ الأبيِ، واعتباراتُ الأمنِ القوميِ.
وبينما طغت الأفراح بالحرب التي كسرت هيبة الجيش الإسرائيلي على القضايا الجماهيرية، وفي مقدمتها الغلاء قامت الحكومة بمحاولة بائسة للتصدي لارتفاع الأسعار، إذ أعلن مجلس الوزراء مبادرة تتضمن شراء 4 سلع بمئة جنيه إذ يتراوح سعر كيلو الأرز المعبأ ما بين 27 لـ29 جنيها، وكيلو الدقيق بسعر 23.75 جنيه، والمكرونة بـ23.25 جنيه، واللبن السائب 24 جنيها. وتضمنت المبادرة الحكومية سلعا أخرى منها الشاي بأنواعه المختلفة، إذ يتراوح سعر العبوة الـ40 غراما، ما بين 8 لـ11 جنيهات. وفي حال قرر الفرد تناول وجبه للغداء فعليه الاختيار ما بين الأرز أو المكرونة أو الدقيق، إذ أنه في حال شراء أي من السلعتين الأساسيتين سيدفع مبلغا أقصاه 50.75 جنيه.. أما وزير التموين فأصدر قرار للسيطرة على السكر: “تلتزم الشركات والمنشآت كافة التي تقوم بتعبئة السكر الحر غير المربوط على البطاقات التموينية بأن تدون في مكان ظاهر على العبوات المعدة للبيع باللغة العربية وبخط واضح تصعب إزالته أو محوه في ظروف التداول العادية، اسم وعنوان جهة التعبئة، الوزن الصافي، سعر البيع للمستهلك، تاريخ الإنتاج، مدة الصلاحية”. ومن أخبار الاكتشافات الأثرية: أعلنت وزارة السياحة والآثار عن كشف أثري جديد عبارة عن برديات وتوابيت ومجموعة من الأواني النوبية وتماثيل خشبية للآلهة إيزيس والإله جيحوتي وصندوق به تمثال للإله أنوبيس والعديد من اللقي الأثرية، عثر عليها أثناء عمل البعثة المصرية في منطقة الغريقة في مركز ملوي في محافظة المنيا. وتشتهر منطقة الغريفة في المنيا باكتشافاتها وكنوزها الأثرية، أبرزها اكتشاف 35 مقبرة و90 تابوتا و10 آلاف تمثال، بالإضافة إلى وجود مقابر كهنة الإله جحوت.
النازية كما ينبغي
العالم الذي يراقب سلوكه جلال عارف في “الأخبار”، بدأ يستفيق من الصدمة، ويدرك حجم حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين الآن. الهجمة الإعلامية التي شنتها الصهيونية، وتأييد الحكومات الغربية وعلى رأسها أمريكا، الذي تمت ترجمته على أنه تصريح بالقتل والإبادة لشعب فلسطين أصبح محل تساؤل عند الشعوب في أمريكا وأوروبا، بعد أن انكشفت حقيقة كل الأكاذيب التي ابتلعها رؤساء مثل بايدن ثم نفاها – بعد ذلك- البيت الأبيض، والتي نشرتها كبريات الصحف العالمية ثم تراجعت عنها، ولم يعد يرددها مع نتنياهو ووزرائه الوزير الأمريكي بلينكن، ربما لأنه ما زال- كما يقول – متأثرا بحكايات زوج أمه عن الهولوكست، محذرا من تكراره. مع أنه لو أنصف للحقيقة لأدرك أن إسرائيل التي تدعمها أمريكا بكل إمكانياتها، لم تتوقف عن ارتكاب الممارسات «النازية»، ضد شعب فلسطين وضد كل الشعوب العربية على مر السنين.. بدءا من مجازر «ديرياسين»، و«كفر قاسم» وحتى حرب الإبادة الحالية، مرورا بآلاف من جرائم الحرب التي لا تمنع محاكمة مرتكبيها من قيادات إسرائيل إلا «الفيتو» الأمريكي. الرأي العام العالمي بدأ يتحرك في مواجهة «حرب الإبادة»، التي تشنها إسرائيل. وعواصم العالم بدأت تشهد المظاهرات ضد جرائم إسرائيل وأيضا ضد الحكومات الغربية التي تحمي إسرائيل، وهي ترتكب جرائمها.. بالبوارج وحاملات الطائرات، وبالدعم بالسلاح لقتل الفلسطينيين، ثم بتصوير الأمر على أنه «دفاع عن النفس»، وليس جرائم ضد الإنسانية، من احتلال يمارس النازية في أبشع صورها. والسؤال الآن: هل جاءت أساطيل أمريكا وتابعتها البريطانية لدعم حرب الإبادة الإسرائيلية، أم للمشاركة في مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية، ودعم إسرائيل في محاولتها تهجير سكان غزة إلى سيناء، وهو المخطط الذي يرفضه شعب فلسطين، كما رفضته بحسم مصر التي تعرف جيدا كيف تمنع مثل هذه الجريمة مهما كانت الضغوط، والتي يعرف الجميع أنها لا يمكن أن تفرط في شبر واحد من أرض سيناء، ولا من حق شعب فلسطين في الحصول على كل حقوقه المشروعة وأرضه المحتلة ودولته المستقلة وقدسه الأسيرة، التي لن تكون إلا فلسطينية عربية. المخاطر شديدة، والجنون الإسرائيلي لا بد أن يتوقف، والولايات المتحدة ينبغي أن لا تتحول إلى شريك لإسرائيل وهي تمارس أحط أساليب النازية مع الشعب الفلسطيني. البوارج الأمريكية لن تأتي بالسلام.. لا للمنطقة ولا لأمريكا نفسها. إيقاف حرب الإبادة ثم فتح الباب أمام الحل السياسي العادل هو وحده من ينقذ الجميع.
عداء قديم
ما نراه الآن في فلسطين يذكّر رفعت رشاد في “الوطن” بتلك الممارسات العدوانية الغربية على تلك الشعوب وما فلسطين إلا بداية لالتهام البلدان العربية واحدة وراء الأخرى، كما حدث مع الثور الأبيض ثم الثور الأحمر فالأسود، فانتهت الثيران وأكلتها الوحوش. ليست فلسطين سوى بداية لالتهام الثروات الهائلة للدول العربية في منطقة الخليج والسيطرة على الشعوب العربية وجعلها في خدمة الصهيونية. كان العداء الغربي للعرب دائما جزءا من عقيدة الغرب وما الحملات الصليبية ببعيدة، التي استمرت قرونا وكانت تهدف إلى السيطرة واستعمار البلاد العربية، وغلفت أهدافها بحماية الأماكن المقدسة المسيحية في القدس. العداء الغربي يتغذى باستمرار وبشكل متواصل من الرأسمالية العالمية التي تتعطش دائما لضرب ونهب الشعوب الضعيفة، وتستغل في ذلك آلتها الإعلامية المنفردة بمشاعر الغوغاء في العالم، والتي تسيطر عليهم لتحقيق أهداف شركات السلاح وغيرها من الشركات التي تدفع إلى الحرب، لفتح أسواق جديدة لتملأ خزائنها من دماء الشعوب الضعيفة. على الجانب الآخر لا تستطيع الدول الغربية التي جيشت جيوشها لضرب غزة، التي لا تملك سلاحا تواجههم به بينما لا يقتربون من روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية، التي تملك الأسلحة النووية. إن الخطر الصيني أو الروسي على العالم الغربي أكبر بكثير مما يمثله الخطر الفلسطيني، لكن فلسطين ضعيفة وبالتالي تكون لقمة سائغة لن يدافع عنها أحد وهي ستكون القضمة الأولى في الطبق العربي، الذي يسعى الغرب لالتهامه، لكن القوى الكبيرة مثل روسيا والصين ستكون المواجهة معهما خاسرة، وربما تنزل بالغرب الهزيمة فتكون نهاية الحضارة الغربية، هل يدرك العرب ذلك؟ الإجابة لدى العرب بين الشك واليقين.
لن يهاجروا
المؤكد من وجهة نظر رفعت رشاد أن مصر تدرك تلك المخططات وخطورتها ليس على الأمن القومي المصري فحسب، بل على كل الدول العربية التي لطالما تباكت على عودة الأندلس لأوروبا في القرن الخامس عشر بعد حروب خاضها الأوروبيون لمدة أربعة قرون تحت شعار حروب الاسترداد، أي استرداد الأندلس التي ذهبت بلا عودة بسقوط غرناطة، وقارنت بين نكبة فلسطين عام 1948، وضياع الأندلس منذ أكثر من خمسة قرون. كانت إسرائيل وما زالت رأس حربة الاستعمار في المنطقة التي يحلم بها الغرب دائما تابعة له، ومن قبل تأسيس الكيان الصهيوني سيطر اليهود على عقول وقلوب الشعوب الغربية بما يروجه إعلامها، الذي كان دائما متقدما ومتطورا عن الإعلام العربي، وحتى الآن بما جعل الشعوب الغربية تصم آذانها وتغلق عيونها عما ترتكبه إسرائيل من مذابح ضد الفلسطينيين، وهدم بيوته وتشريدهم بينما تنتفض تلك الشعوب “التي تدعي التحضر”، إذا ما ذكرتهم إسرائيل بأفران الغاز وبما فعله معهم هتلر فيرضخون ويركعون صاغرين لكل ما تريده إسرائيل وتمليه عليهم. إن اللحظة فارقة ومصر شعبا وقيادة يدركون ذلك، وليس إلا مؤازرة بعضنا بعضا ومساندة أشقائنا في فلسطين، والشعب المصري كله بلا استثناء، يساند الرئيس السيسي في ما أعلنه عن رفض مصر نزوح الفلسطينيين من غزة وتفريغها لتحتلها إسرائيل، وتنهي بذلك القضية الفلسطينية وتتحمل مصر تبعات ما ترتكبه إسرائيل. إن الشعب الفلسطيني باق في وطنه وأرضه وإن مصر ستبقى مساندة لحقوقه مدركة أبعاد الأمن القومي المصري في هذه المنطقة، ووقوف مصر شامخة ثابتة بشعبها وجيشها سيكون العمود الصلب الذي يشد ظهر الأمة العربية وشعب فلسطين.
تاج رؤوسنا
أعادت عملية طوفان الأقصى التي تابع فصولها باهتمام بالغ محمد الهواري في “الأخبار”، القضية الفلسطينية لكي تتصدر الأحداث العالمية، فالعملية لم تستهدف فقط المستوطنات المتاخمة لغزة، بل استطاع أبناء المقاومة في أسر المئات من الجنود الإسرائيليين ومعداتهم العسكرية ونقلها إلى القطاع وتوزيعهم على نطاق واسع في قطاع غزة، وقتل البعض منهم بأيدي الإسرائيليين في العملية الانتقامية التي قامت بها إسرائيل ضد القطاع. لقد نادى المجتمع الدولي على مدى سنوات طويلة بضرورة حل الدولتين، إذا كانت إسرائيل تسعى للعيش في سلام ووئام مع المجتمع العربي، ولكن قادة إسرائيل قاموا بالتنكيل بالفلسطينيين وتدنيس القدس الشريف والأقصى وعندما قامت المقاومة الفلسطينية بعمليتها طوفان الأقصى، هربوا كالفئران وسادت حالة الذعر كل إسرائيل وبدلا من الاستجابة لصوت العقل وحل الأزمة الفلسطينية سعوا لتدمير غزة والسعي لترحيل أبنائها، وهو ما لن يرضاه الفلسطينيون المتمسكون بأرضهم ويدافعون عنها بأرواحهم ودمائهم. الغريب الموقف الأمريكي والأوروبي مما يحدث في غزة وقطع المساعدات عن الفلسطينيين ودخول أمريكا لدعم إسرائيل في عملياتها الانتقامية بدلا من السعي للتهدئة والتوقف عن القتل والتدمير وحرق غزة.. والله سبحانه وتعالى لا يرضى بهذا الظلم، خاصة قطع الكهرباء والمياه والإمدادات الغذائية والطبية عن أبناء القطاع ممن شاركوا أو لم يشاركوا في أعمال المقاومة في صلف وغرور للاحتلال الإسرائيلي، الذي يجد دعما وتشجيعا من أمريكا والغرب. أليس للفلسطينيين الحق في الحياة والدفاع عن أرضهم المغتصبة.. أليس لهم الحق في العيش بكرامة في أرضهم مثل باقي شعوب العالم.. أم أن العنصرية الإسرائيلية ما زالت تتمسك بالصلف والغرور رغم هزيمتهم في نصر 73 وهزيمتهم في عملية طوفان الأقصى.
عالم منافق
بكل فجاجة، على حد رأي محمد راغب في “الوفد” تخرج أوروبا الضعيفة من الظل، وتنبطح أمام العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وحتى ترضي “واشنطن”، تندفع عواصم، مثل برلين ولندن وروما، من دون حسابات، لا سياسية ولا أخلاقية ولا إنسانية، وتسبق الاتحاد الأوروبى، في الإعلان عن توقف أي مساعدات للفلسطينيين، غير المواقف المتحيزة، التي تبارك لإسرائيل ما ترتكبه من مجازر، في الوقت الذي تدين حق أصحاب الأرض، في أن يدافعوا عن أنفسهم، وهو المنطق الذي تمليه الإدارة الأمريكية على حلفائها، لشرعنة القتل الجماعي وجرائم الحرب، التي يبرع فيها جيش الاحتلال، في كل حروبه على قطاع غزة والضفة الغربية، وآخرها حرب “السيوف الحديدية” الجارية الآن. والسؤال: أين كانت أوروبا، وقت ارتكبت إسرائيل فظائع التطهير العرقي، والتهجير القسري للفلسطينيين، قبل الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، في عام 1948؟ لقد ساندت ومنحت صكوك الاعتراف للكيان الصهيوني، في اغتصاب أرض فلسطين.. وأين كانت أوروبا طوال العقدين الأخيرين، عندما أطلق الجيش الإسرائيلي 7 حروب واسعة، منذ الانسحاب من قطاع غزة، في عام 2005، قتلت فيها آلاف الفلسطينيين العُزل؟ كانت أوروبا حاضرة وتشاهد، لكنها لم تكن تجرؤ على الاعتراض، أو حتى التحدث بموقف متوازن، لئِلا تُغضب أسياد البيت الأبيض، وآخرهم الرئيس جو بايدن، الذي حرك أسطوله البحري، ليشعل حرباّ في الشرق الأوسط. من المهم أن ننعش الذاكرة الأوروبية، وأن ننبش في الضمير العالمي، حيال مجازر دولة الاحتلال، بحق الشعب الفلسطيني، على مدى15 عاماّ، التي بدأتها بعملية “الرصاص المصبوب” على غزة، في ديسمبر/كانون الأول 2008، سقط فيها 1400 شهيد وأكثر من 5 آلاف مصاب، ضحايا لقنابل الفسفور الأبيض واليورانيوم، ولم تكد الأحوال تهدأ، حتى كانت العملية العسكرية “عمود السحاب”، التي شنتها إسرائيل على القطاع، في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، قتلت 177 وأصابت 1200، وبعدها بعامين فقط – 2014- يشن الاحتلال الإسرائيلي، العدوان الواسع “الجرف الصامد”، ويوقع 2322 شهيداّ و11 ألف مصاب، في أطول حرب استمرت51 يوما.
مناضلون للنهاية
واصل محمد راغب رصده لمحطات عديدة من كفاح الشعب الفلسطيني في تصديه لآلة القتل البربري الإسرائيلي في ظل صمت عالمي مخز: تأتي مواجهة الفلسطينيين لقوات الاحتلال، في عملية “حارس الأسوار”، في مايو/أيار 2021، لتعكس تغيرا نوعيا في الأسباب، وكانت على خلفية التوترات الأمنية، في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، أسفرت عن 240 شهيدا و5 آلاف مصاب، ثم كان عدوان “الفجر الصادق”، في أغسطس/آب 2022، انتهت بغارات مكثفة على غزة، أوقعت 10 شهداء.. وهذا العام، ترتكب إسرائيل مجازر “المنزل والحديقة”، في شهر يوليو/تموز الماضي، بغارات جوية وبرية على مخيم “جنين”، أدت إلى تشريد آلاف العائلات، ووقوع قتلى ومصابين من اللاجئين، شمال الضفة الغربية، ويتواصل العدوان، ويستمر استنزاف أرواح الفلسطينيين، كما هو الآن، في حرب “السيوف الحديدية”. ما سبق مجرد فاصل، من جرائم الحرب والإبادة الجماعية، التي يرتكبها جيش الاحتلال، على رؤوس أشهاد المجتمع الدولي، الذي تجبره واشنطن على الموالسة، ولو كان الثمن أرواح الشيوخ والنساء والأطفال، الذين ماتت ضمائر الغرب – أوروبا وأمريكا- لأن تستوفي حقهم في دولة مستقلة، لا تستهوي الإدارة الأمريكية، التي وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سياستها بالفشل، واحتكارها للتسوية، من دون إنهاء الصراع، ولا حتى اهتمام بحقوق الفلسطينيين.. كانت النتيجة، تلك الصفعة التي كسرت بها المقاومة، كبرياء “تل أبيب” وعموم العواصم الغربية، في أكبر هزيمة تاريخية، أوقعت آلاف القتلى والأسرى اليهود، في “طوفان الأقصى”.
لا مفر من الصمود
مقاومة الاحتلال واجب وطني وأخلاقي وديني، يؤديه مَن يرفضون الظلم ويبحثون عن الحرية ويعرفون قيمة الأوطان، وإسرائيل دولة محتلة ومغتصبة لأرض فلسطين وحق شعبها في تقرير المصير منذ النكبة سنة 1948، تابع طارق عباس في “المصري اليوم” ولا تزال حتى اليوم تنكل بالفلسطينيين وتسرق ثرواتهم وتحرق زرعهم وتحاصرهم وتبني فوق أرضهم المستوطنات وتعتدي على أقصاهم وقدسهم وتقتل مقاوميهم وتحاصرهم وتجوعهم وتنشر بينهم الخوف، إما مباشرة أو عن طريق عملاء وجواسيس ممن يوصفون بأنهم أرخص الناس ثمنا وأدناهم كرامة، لكل ذلك، فمقاومة إسرائيل المحتلة ضرورة وواجب لا فصال فيه، وطردها وإلحاق الأذى بها فريضة تقرها السنن والشرائع والمواثيق الدولية. من هنا استحقت إسرائيل الصفعة التي وجهها إليها رجال المقاومة الفلسطينية «كتائب عزالدين القسام» يوم «7 أكتوبر/تشرين الأول» الماضي، والتي نجحوا من خلالها في ضرب مستوطنات غلاف غزة وقتل وإصابة وأسر عدد كبير من الإسرائيليين، وهي خسائر كبيرة لم يحدث أن اكتوت إسرائيل بمثلها إلا في أكتوبر/تشرين الأول سنة 1973 عندما نجح أبطال القوات المسلحة المصرية في توجيه ضربة مباغتة للعدو، مكّنتهم من عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف والقضاء على أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهَر، ومثلما تغيرت الخريطة السياسية، وأُعيدت صياغة أوراق جديدة للعبة في ذلك الوقت، أظن أن الأمر سيتكرر بعد أن حدث ما حدث في أكتوبر سنة 2023. صحيح أن إسرائيل تنتقم لنفسها من الفلسطينيين – بسبب صفعة حماس لها- باتباع سياسة الأرض المحروقة، وتهدم المساكن فوق رؤوس الغزيين، وتمنع وصول الغذاء والماء والكهرباء إليهم وتنتهز الفرصة لكسب التعاطف العالمي إلى جانبها – خاصة الولايات المتحدة – لكنها لن تفلح في النهاية إلا في جر ذيول الخيبة وعض أصابع الندم لأن المقاومة الفلسطينية تتحرك انطلاقا من إيمانها بثوابتها، التي لن تتمكن أعتى أنواع الأسلحة وأحدثها من المساس بها أو القضاء عليها.
قبضة حماس
مَن يتتبع الحروب الأربع السابقة على تلك الحرب الأخيرة على غزة منذ سنة 2008 حتى اليوم سيكتشف ما انتهى إليه طارق عباس أن تلك الحروب كتبت نهايتها المقاومة الفلسطينية، وحددت زمنها بمعاونة قوى إقليمية، أهمها مصر، وفي تقديري أن إسرائيل هذه المرة – رغم تفوقها العسكري عدة وعتادا- لن تستطيع أبدا تحقيق أهدافها المعلنة، المتمثلة في الإجهاز على حركة حماس ونزع أسلحة المقاومين وتهجير الغزيين إلى سيناء، لأن للفلسطينيين أوراقا مهمة ستفرض نفسها عندما تُجبَر إسرائيل على القبول بالتفاوض والتهدئة، لعل أهم هذه الأوراق: أولا: وجود عدد كبير من الأسرى الإسرائيليين في قبضة حماس، منهم جنرالات وقادة كبار في الجيش الصهيوني، الأمر الذي سيُفضى إجباريّا إلى الاتفاق من خلال وسطاء على صفقة تبادل للأسرى من الطرفين، وإذا كانت إسرائيل استطاعت الإفراج عن الأسير الإسرائيلي الجندي جلعاد شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، فإنها الآن قد تضطر للإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح الأسرى اليهود المحتجزين لدى المقاومة. ثانيا: الدعم غير المحدود من جانب إيران للمقاومة الفلسطينية، والمعروف بغزارته وأهميته كمّا وكيفا، سواء على المستوى العسكري أو الاستخباراتي أو الخبراتي، وكانت لإيران بصماتها على بعض العمليات الحربية ضد إسرائيل في المناطق القريبة منها. ثالثا: وجود شبكة أنفاق تُؤَمِّن المقاومة الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة، حيث يمكن الفرار إلى تلك الأنفاق متى أصبحت حياة المقاومين الفلسطينيين في خطر. رابعا: الرفض الشعبي العربي لحصار الفلسطينيين وتعريض حياة المدنيين للخطر، وهو ما يجعل لتلك المقاومة حاضنة تضمن استمرارها والتعاطي معها وتحمل تبعاتها، مهما كانت قاسية.
أصابه الجنون
خرج وزير الدفاع الإسرائيلي بتصريح يؤشر إلى مرحلة متقدمة من مراحل الانفلات العصبي، قال فيه إنه سيتعامل مع الغزاويين مثلما يتعامل مع المخلوقات غير الآدمية، وسيحرمهم من الماء والكهرباء والغاز والإنترنت والتليفونات. البعض كما أوضح الدكتور محمود خليل في “الوطن” فسر ذلك في سياق صدمة الوزير مما حدث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول وما بعده، لكن ظني أن المسألة ليست كذلك، فالصدمة لم تكن أكثر من سياق هيأ له إظهار ما يسكن في صدره نحو بشر لهم مثل غيرهم الحق في الحياة، بشر سلبت منهم أرضهم، ليعيش عليها آخرون، ولا يجدون، عند الدفاع عن حقهم السليب، سوى حمم الطائرات. يظن صانع القرار في تل أبيب أن خنق أهل غزة داخل مدينتهم هو الحل، متناسين أن أهل المدينة يعيشون منذ سنين تحت حصار محكم، ولولا الدور الذي تقوم به مصر في فك الحصار عنهم لتضاعف حجم معاناتهم. هذه المرة يريد الإسرائيلي حصارا من نوع جديد، يدمر فيه كل أدوات الحياة والمعيشة داخل المدينة ليخنق أهلها فيها.. والسؤال ماذا ستكون النتيجة؟ خنق غزة لن يؤدي إلا إلى مزيد من الصلابة في مواجهة المحتل، بل إذا كانت إسرائيل تعاني الآن مما فعلته بها المقاومة على مدار الأيام الماضية، فمعاناتها المقبلة سوف تكون أضعافا مضاعفة، وسوف تدفع أثمانا باهظة لما تفعله، لأنه في اللحظة التي سوف يفلت فيها المخنوق من بين أصابعك سوف تكون أنت بين أصابعه.
حق مشروع
لا يمكن إدانة وسيلة من وسائل المقاومة طالما ظل هناك احتلال، صحيح والكلام لعمرو الشوبكي في “المصري اليوم” هناك تفاوت في أدوات وأساليب المقاومة، تبعا لكل سياق سياسي وظروف كل بلد، إلا أن الحكم على نجاح أسلوب بعينه ونجاعته يكمن في قدرته على تحقيق الاستقلال. والحقيقة أن المقاومة الفلسطينية جربت كل الوسائل والأدوات المدنية والعسكرية، ولم تسفر جميعها عن تحقيق هدف التحرر وبناء الدولة المستقلة. صحيح أن الانتفاضة المدنية والشعبية التي عُرفت بانتفاضة الحجارة في 1987هي التي فتحت الطريق للمسار السياسي واتفاق أوسلو في عام 1993، وحققت حكما ذاتيّا للفلسطينيين وأعادت منظمة التحرير إلى الأراضي الفلسطينية بعد سنوات طويلة من الشتات. وللأسف استمرت إسرائيل في ممارستها الاستعمارية وأجهضت اتفاق أوسلو، بتبني سياسة قامت على توسيع الاستيطان واستمرار إهانة الشعب الفلسطيني عبر حواجز جعلت تنقله من بلد إلى آخر معاناة حقيقية يومية. وجاء اقتحام شارون باحات المسجد الأقصى ليفجر في عام 2000 «انتفاضة الأقصى» التي يمكن اعتبارها أول احتجاج على فشل المسار السياسي، وسقط فيها حوالي 4412 فلسطينيّا في مقابل 1069 إسرائيليّا، ومثلت حالة «هجين» بين الانتفاضة المدنية الشعبية، والعمل المسلح أو الانتفاضة المسلحة، وكانت هي بداية التحول في أساليب المقاومة الفلسطينية من العمل المدني الشعبي إلى الفعل المسلح. ويمكن القول إنه بسبب السياسات الإسرائيلية التي قادها رئيس الحكومة الراحل أرييل شارون واستكملها رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو تبخرت أحلام السلام وحل الدولتين، فشهدت الضفة الغربية تضاعفا في أعداد المستوطنين 7 مرات على مدار 20 عاما، وأصبحت حوالي 40% من أراضي الضفة تسيطر عليها إسرائيل عبر بناء عشرات المستوطنات التي قضت تقريبا على حل الدولتين. وقد أدى هذا الوضع إلى تحول المقاومة نحو المواجهات المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث حدثت مواجهة عنيفة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في 2008 قُتل فيها 13 إسرائيليّا و1400 فلسطيني، كما شهد صيف 2014 خمسين يوما من المواجهات المسلحة قادتها حركة حماس قُتل فيها 73 إسرائيليّا في مقابل أكثر من 2000 فلسطيني. ثم شهد قطاع غزة مواجهات مسلحة بين حركة الجهاد وإسرائيل في 2019 و2022 ثم في شهر مايو/أيار الماضي.
ليست نزهة
ماذا سيحدث بعد اجتياح القوات الإسرائيلية البرية والمدرعةَ قطاع غزة؟ يجيب أحمد رفعت في “فيتو” بالتأكيد سوف يتصدى لها مقاتلو الفصائل الفلسطينية المختلفة وفي مقدمتها حركة حماس، وستحدث مواجهـات عسكريةَ شديدة.. لكن هذا ليس ما يشغل الأمريكيين وطرحوه على الإسرائيليين خلال زيارة بلينكن وزير الخارجية الأمريكي لإسرائيل.. فهم يعرفون أن ذلك سيحدث مثلما حدث في كل مرة اجتاحت فيها إسرائيل القطاع.. ولكن ما يشغل الأمريكيين اليوم هو ماذا سيحدث إذا حقق الإسرائيليون هدفهم المعلن لحربهم ضد القطاع، وهو التخلص من حركة حماس؟ فوقتها سيكون القطاع بلا حكومة توفر الأمن والنظام، وتنظم تقديم الخدمات الأساسية لنحو مليونين من الفلسطينيين يعيشون في القطاع.. وهذا يعني وقوع القطاع في براثن فوضى كبيرة سوف تشكل خطرا على جيران غزة، ومن بينهم إسرائيل ذاتها. وإذا كان اجتياح القطاع لا يعد نزهةَ ويعد عملا مكلفا عسكريا للإسرائيليين، رغم عملية إخلاء القسم الشمالي منه وإزاحة الفلسطينيين قسرا جنوبه، فإن تداعيات ما بعد الاجتياح والإطاحة بحكم حماس للقطاع، دون توفير بديل قوي ومستقر لهذا الحكم سيكون مكلفا أكثر لها، ولن يحقق لها ما تنشده من أمن.. هذا ما ناقشه الأمريكيون مع الإسرائيليين، وطالبوهم بالاستعداد لليوم التالي لاجتياح غزة وليس الاستغراق فقط بيوم الاجتياح واستعدادته والتحضير له بالغارات الجوية والقذائف الصاروخية.. لقد سعت إسرائيل منذ سنوات للتخلص من عبء غزة، ولذلك قررت سحب قواتها منها، واليوم تعود لاحتلالها مجددا، وبالطبع لن تقدر على استمرار هذا الاحتلال بشكل دائم وستحتاج للانسحاب منها مجددا، فهل ستتركها للفوضى والاضطراب الذي سوف تكون مضطرة لدفع ثمنه بالتأكيد، وهذا ما نبه الأمريكيون الإسرائيليين له.. أما ما لم ينبه الأمريكيون الإسرائيليين له فهو ماذا سيحدث إذا أخفق الاجتياح البري لغزة في القضاء على حماس؟
تدمي القلوب
عروسة لعبة (دمية) يبدو أن طفلة تركتها في أحد المجمعات التجارية، دون التمكن من شرائها ليلة الخميس 11 مايو/أيار 2023. هكذا هي كما أخبرنا كارم يحيى في “درب” ملقاة على وجهها ووحيدة مهملة فوق سير ناقل لحركة السلع غادره عامل (الكاشير) قرب نهاية يوم عمل، ومع شح المشترين والغلاء الذي يضرب ملايين المصريين بقسوة، وحتى أبناء الطبقة الوسطى، وفي ظل تدهور العملة المحلية الجنيه المصري وتوقعات المزيد من التدهور والتضخم. ألم يكن من الأفضل أن تنام الصغيرة التي أتصورها وفي أحضانها هذه العروسة مبتسمتين في دفء معا.. لعن الله الأرباح التي هي أهم من الإنسان والإنسانية. واللعنة على خيارات اقتصادية فاسدة معادية لمصالح الطبقات الشعبية وتزيد من المعاناة والحرمان والفقر والاستدانة والتبعية للخارج وفي ظل حكومات غير منتخبة والقمع ومصادرة الحريات والفضاء العام والحق في التعبير والاحتجاج والضغط على المسؤولين ومحاسبتهم ومكافحة الفساد. اللعنة على غياب وتغييب صحف حرة واسعة الانتشار كان بإمكانها نشر هذه الصورة على 8 عمود أسفل الترويسة وفي صدر الصفحة الأولى. اللعنة على حرمان مصر والمصريين من صحافة حرة مهنية منحازة للشعب.
حمرة الخجل
رفضت هيئة اليونسكو طلب الحكومة المصرية تقليص مساحة القاهرة التاريخية المدرجة كتراث عالمي. جاء ذلك كما أوضح فاروق جويدة في “الأهرام”، خلال اجتماع المنظمة الأخير الذي جرى في العاصمة السعودية «الرياض».. أكدت المنظمة ضرورة إشراك الخبراء والمجتمع المحلي في أي قرارات مستقبلية تخص المدينة.. في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، عُقدت جلسة رسمية لليونسكو، للبت في طلبات الدول الأعضاء حول إمكان توسيع النطاق الجغرافي للمدن التاريخية المدرجة على لائحة التراث العالمي، وعلى النقيض من ذلك قدمت مصر طلبا لتقليص مساحة مدينة القاهرة التاريخية والمدرجة كتراث عالمي إنساني.. هذا الطلب حاولت القاهرة تمريره تحت اسم «تعديل طفيف لحدود القاهرة التاريخية» ـ إذ تشير الخريطة الأحدث المقدمة من جانب الحكومة المصرية إلى رغبتها في تعديل حدود المدينة، وخروج أكثر من نصف مساحتها من لائحة التراث العالمي، خصوصا جزء كبير من منطقة جبانات القاهرة التاريخية، مع إخراج حي بولاق التاريخي بشكل كامل من لائحة اليونسكو ـ وهو أحد أحياء القاهرة، الذي يعود تاريخ إنشائه للعصور الوسطى.. جاء الاقتراح الجديد كرغبة في تعديل خرائط مدينة القاهرة القديمة، التي تم تقديمها عام 2008 لليونسكو من جانب الحكومة المصرية، وفي عام 2010 تم اعتمادها من جانب اليونسكو، وعلى إثرها جرى تحديد حدود القاهرة التاريخية.. وخلال عام 2020 تقدمت الحكومة المصرية بطلب جديد لتعديل وصفوه بالـ«طفيف» لحدود القاهرة التاريخية، واستبعاد مناطق تاريخية عتيقة بشكل كامل. والسؤال هنا على أي أساس تقدمت الحكومة بهذا الطلب الغريب الذي يهدد واحدة من أكبر العواصم في العالم، خاصة أن هناك ضوابط دولية تحكم مساحات وحدود الأماكن الأثرية في العالم.. كان ينبغي قبل أن يصدر هذا القرار أن تعرض القضية على خبراء الآثار في مصر وأن تخضع لدراسات عميقة حول أضرار مثل هذا القرار.. إن الغريب في الأمر أن يتم تقديم طلب بالعبث والتغيير في حدود القاهرة التاريخية ثم يرفض من اليونسكو، من دون أن تشير الحكومة إلى أي شيء حول هذه القضية ولا أدري من كان وراء هذا الطلب.. هل هي الحكومة أم وزارة الآثار أم مؤسسات أخرى لا علاقة لها بالقضية؟ إن ما حدث في المناطق التاريخية التي تعرضت للهدم، ومنها المدافن التاريخية وبعض المساجد والأماكن التراثية، يؤكد أن الهدف لم يكن إعادة تخطيط الشوارع، أو المحاور والطرق، ولكنه محاولة لهدم جزء من تراث مصر الحضاري والثقافي.
«القدس العربي»: