تحقيقات وتقارير

الأردن: كيف قرأ المسؤولون في الدولة «الطوفان»؟

الأردن: كيف قرأ المسؤولون في الدولة «الطوفان»؟

بسام البدارين

عندما يتعلق الأمر بالقضايا الكبيرة والأساسية يفترض أن لا نرصد كمواطنين أردنيين أو حتى كمراقبين تلك المسافات والمساحات التي تكشف التباين بين فهم المسؤولين التنفيذيين أو تفضح التناقض ما بين النظرية أو الموقف الرسمي وبين ما يفعله أو يمارسه الموظفون.
تلك بكل حال مساحات اعتدنا عليها وعايشناها مرارا وتكرارا في قضايا مثل الانتخابات ونزاهتها والإصلاح السياسي والوصفات الاقتصادية والأعمال البلدية وحتى في قضايا أكثر أهمية مثل مفاهيم الأمن والاستقرار والأوراق النقاشية وأحزاب الأنابيب.
اعتاد الأردني عموما عندما يراقب المسؤولين السياسيين والتنفيذيين حصرا ورموز الحكومات على التكيف مع مقولة الأفلام المصرية: «أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب».
طوال سنوات لا بل عقود تكيف المزاج العام والأهلي مع تلك التناقضات، وجازف المواطن عموما بمواقفه ومشاعره حرصا على مؤسساته وهو يحتمل نتائج وتداعيات الفارق ما بين النظرية والتطبيق والهوامش ما بين القول والفعل، خصوصا عندما يمارس موظفون في الهرم الإداري كل أصناف التلاعب والتضليل أو عندما تسترسل حكومة ما في السحب من رصيد النظام والدولة. تكيف الجميع وتعايشوا طوال سنوات مع تلك المشكلة الإدارية المستعصية.
لكن لا يصلح التكيف الآن ولا يمكن التوهم بأنه يصلح في القضايا الكبيرة والمفصلية مثل دلالات وتأثيرات ونتائج العدوان الإجرامي على أهلنا في قطاع غزة ومثل المصالح الوطنية العليا ولا تصلح الدفاتر القديمة في إدارة قواعد الاشتباك مع ما يفعله الجار السفاح بنا وبشعبنا الفلسطيني.
نقول ذلك ونحن نرصد عشرات القصص التي تجتهد الحكومة في الامتناع عن توضيحها وتصبح مادة دسمة لاحقا للتشكيك بالمواقف الرسمية إزاء العدوان الإسرائيلي كما تتحول إلى مادة تغذي السلبية التي يشكو منها دوما الجميع، مع أن الموقف الرسمي الأردني وتحديدا المرجعي تجاوز مرحلة الاتجاه المعاكس للعدوان وتفعيلاته لصالح الاشتباك العلني مع هذا العدوان.

علينا في مواجهة دلالات العدوان الإسرائيلي الحالي أن نكون على قلب رجل واحد فعلا، وأن نتحدث بنفس اللهجة واللسان ولا بد من توقف الألاعيب الإعلامية والبيروقراطية

أحد الأصدقاء المناكفين بطبيعتهم زودني بمادة أمريكية منشورة تتحدث عن استخدام الأمريكيين للأراضي الأردنية في إرسال ذخائر للإسرائيليين.
شخصيا لا أشتري هذه الرواية، والمؤسسات المعنية سبق أن أوضحت الموقف لكن ثمة هوامش في القصص والسرديات تسمح بثغرات بسبب غياب المعلومات مع أن للدولة طبعا دوما مصالحها.
علينا في مواجهة دلالات العدوان الإسرائيلي الحالي أن نكون على قلب رجل واحد فعلا، وأن نتحدث بنفس اللهجة واللسان ولا بد من توقف الألاعيب الإعلامية والبيروقراطية، وضروري جدا أن لا تسمح الرواية الرسمية بأي تضليل بمرحلة صعبة مثل المرحلة الحالية لا بل المصارحة والمكاشفة الوطنية العامة والتفصيلية هي التي تحرم من يصطادون في المياه العكرة داخل وخارج البلاد من ذخيرتهم وتسريباتهم.
لا مزاودة على الموقف الرسمي الأردني فهو علنا وبوضوح وسرا أيضا مشتبك مع العدوان. ولا مزاودة بالمقابل على مشاعر الناس ومواقفهم فهي بصورة واضحة مع خيارات المقاومة وعلى من يتولى إدارة الشأن العام للأردنيين أن يهتم قليلا بإنتاج التوازن ما بين متطلبات وظيفته ودوره ومسؤولياته وما بين إظهار الاحترام لكلمة الشعب.
وعكس الاحترام خطير جدا وحساس للغاية مادام كل أردني يشعر اليوم بأن أطفاله هم المهددون غدا بالحرب والتفجير وتقطيع الأشلاء الذي يتعرض له أطفال غزة اليوم.
فاجأني رئيس وزراء سابق كنا نعتبره دوما من المحظيين والمحظوظين عندما قال: 3 أسابيع على العدوان الإسرائيلي ونحن في الاشتباك ولم يتصل بي أي من المسؤولين ولم تصلني ولا قصاصة ورق تتحدث عن موقفنا حتى نتبناه جميعا. لم يتصل أحد بأحد في الهرم النخبوي العميق الذي يتعاطى الشأن السياسي.
صدرت مواقف رسمية ومرجعية لكن لم تعقد اجتماعات ولم تشرح توجيهات، ولم يكلف رمز مهم في المجتمع بشيء محدد، وأغلب التقدير أن الجماهير التي تحتج في الشارع لم يزودها أحد من أبناء السلطة والمسؤولين والطبقة بإجابة على سؤال محوري في غاية الأهمية الآن: كيف قرأ عقل الدولة طوفان السابع من أكتوبر وما بعده؟
مؤلم جدا بيروقراطيا أن الحلقات الوسيطة لا تعلم شيئا عما يجري وليست مزودة بأي تقديرات أو معلومات أو توجيهات، ومؤلم أكثر أن مؤسسات الإعلام الرسمي وأذرعه تركت للاجتهاد الفردي، وأن مؤسسة مثل مجلس النواب تستيقظ بعد غفلة 3 أسابيع، ومعها على الأرجح مؤسسات أخرى لأن الحكومة نامت عمليا في تلك الفترة والمؤسسات لا قراءة محددة لها.
هذا الوضع المربك هو الذي تنتج عنه السلبية والشائعات. هذا الوضع المربك هو الذي يغذي التشكيك ويسمح بحكاية هنا أو معلومة مضللة هناك بأن تتحول إلى مادة سلبية جراء هوامش الاجتهاد الفردي ميدانيا عند البيروقراطيين.
ببساطة احتملنا ذلك في العديد من القضايا سابقا، لكن المسألة أخطر وأهم الآن ولا بد من الثورة على تلك النمطية في الإدارة وإلا الثمن يرتفع.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب