دراسات

التهجير القسري من غزة والضفة لتنفيذ مشروع”الشرق الأوسط الكبير” إنهاء لهوية الأمة العربية بقلم الدكتور حسن شاكر

بقلم الدكتور حسن شاكر -العراق

التهجير القسري من غزة والضفة لتنفيذ مشروع“الشرق الأوسط الكبير” إنهاء لهوية الأمة العربية

بقلم الدكتور حسن شاكر

مقدمة

بدا العقد الأخير من القرن العشرين حافلاً بإحداث مروعة متسارعة متنوعة ، إذ إنهار الإتحاد السوفيتي السابق وإنفرط المعسكر الشرقي الذي كان منتظماً في حلف وارسو، مما ولّد فراغاً في القوى وخللاً في التوازنات وانفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة وأصبحت القطب الأوحد في العالم وبدأت تخطط لرسم معالم نظام عالمي جديد، على أنقاض النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الأولى، حيث اتفقت دول الحلفاء فيما بينها لتقاسم ممتلكات الدولة العثمانية، فبدأت بريطانيا وفرنسا تفكران بالسيطرة على بلاد الشام والعراق وشمال افريقيا وإحكام السيطرة على شبه الجزيرة العربية. وأعادت روسيا التفكير بالتوسع جنوباً على حساب الأقاليم الإسلامية في القفقاس وتركستان الغربية (1) .

 وكان التهجير القسري لتغيير الهوية الطبيعية والتركيبة الديمغرافية والبناء الإجتماعي جزء من أدوات سياسة الهيمنة لتحقيق الاهداف الإستعمارية.

   أن  التهجير القسري للسكان ليس بالظاهرة الجديدة او الفريدة التي تقتصر على دولة بعينها ، فقد وظفت الدول الأوربية تهجير السكان بإعتباره وسيلة من وسائل غزو البلدان الأجنبية ومن الأمثلة على ذلك ؛ ما قام به الشعب الإنكلوسكسوني من تهجير الشعوب الكندية والامريكية الأصلية من ديارها ، ومحاكم التفتيش السياسية الاوربية التي حكمت بتهجير أبناء الأقليات الدينية من أراضيهم وديارهم في مطلع القرن السادس عشر الميلادي (2) ، وعبرت عدد من الإعلانات والمعاهدات الدولية التي صدرت في القرنين التاسع عشر والعشرين عن نقدها لتهجير السكان وترحيلهم عن أوطانهم ، إلا أن هذه المعارضة في الشرعة الدولية لم تتجلّ الا بعد الأفعال الجسيمة التي إرتكبتها ألمانيا النازية ، فوضعت محاكمات نورمبرج التي تلت الحرب العالمية الثانية الأسس القانونية للأحكام التي إندرجت ضمن المادة (49) من إتفاقية جنيف الرابعة 1949 التي إعتبرت نقل السكان وإستعمار الأقاليم الواقعة تحت الإحتلال (جريمة حرب) و (جريمة ضد الإنسانية) ، وتعززت هذه الرؤية القانونية وتوطدت عبر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي صدر بعد مرور نصف قرن على إتفاقيات جنيف الأربعة (3) ، إذ بينت اللجنة الفرعية لمنع التمييز ما يأتي :

 ((يبقى النقل القسري للسكان في جوهره عملاً ذا طابع همجي وقسري ومتعمد … يقوم على نقل السكان الى منطقة معينة أو الى خارجها … بهدف أو لغاية تغيير التركيبة الديمغرافية للأقليم المعني ، ولا سيما في المواضيع التي تؤكد فيها تلك الإيديولوجيا أو السياسة على هيمنة جماعة معينة على جماعة أخرى)) . لذلك ينطوي التهجير القسري على ركن بارز من أركان الإستعمار وهو: (( إخضاع الشعوب لإستعباد الأجنبي وسيطرته وإستغلاله)) (4).

 هدف التهجير القسري والتغيير الديموغرافي لسكان غزة والضفة الغربية

تشكل جريمة التهجير القسري التي يمارسها الكيان الصهيوني بحق شعبنا العربي في الأراضي الفلسطينية المحتلة خطرًا حقيقيًا وداهمًا، إذ تقوم بعملية الجرف في قطاع غزة كما وتنفذ مخططات ترمي إلى الترحيل القسري للتجمعات السكانية الفلسطينية في المناطق الوسطى بالضفة الغربية.

ومنذ يوم 7 أكتوبر 2023 يتعرض السكان المدنيين في غزة للتطهير العرقي والإبادة والتهجير القسري لإفراغ قطاع غزة من سكانها المدنيين وتدمير كل مقومات الحياة بإستخدام أشد أنواع الأسلحة فتكاً بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً ، والمجتمع الدولي يقف متفرجا وكانه عاجز عن إيقاف آلة التدمير العسكرية الصهيونية. كما انكشف وتعرى النظام الإجرامي الإيراني في طهران لمن كان في عينه غشاوة بأن هذا النظام يمكن أن يكون في يوم من الايام مدافعاً عن فلسطين، وها هي إيران بدعم أمريكي و”إسرائيلي” تسيطر على اربعة عواصم عربية دون فعل شيء يذكر لفلسطين، رغم ان الطريق الى فلسطين اصبح أقرب اليها من أي وقت مضى.

 ودخلت الحرب “الاسرائيلية” على غزة اسبوعها السابع عقب عملية طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر 2023 ، مع استمرار القصف “الإسرائيلي” العنيف على الأهداف المدنية داخل قطاع غزة، إذ شن جيش الكيان الصهيوني حرب إبادة على القطاع إستخدمت فيها أسلحة جديدة سوت 60% من المنازل بالأرض اي الاف الوحدات السكنية خلال شهر واحد ونيف. هذه الجرائم خلفت أكثر من (13 ألف) شهيد بينهم أكثر من (5 آلاف) طفل  وأكثر من (40 ألف) جريح.

  ولقد ثبت من الإستراتيجية التي تعتمدها “اسرائيل” ان استهداف المدنيين هو قرار متعمد وممنهج، وتقوم هذه الإستراتيجية على تفعيل قوة نار غير متكافئة مع مصدر التهديد ، وتسوية البنى التحتية للقرى والبلدات بالأرض بهدف تحميل الحاضنة الشعبية لأية مقاومة المسؤولية وكسر موازين القوى العسكرية في الميدان، وهي عقيدة التدمير لأجل التدمير.

 ويمكن ان تؤدي هذه الحرب الى عدد من التداعيات بسبب العمليات العسكرية “الإسرائيلية” واسعة النطاق من القصف الجوي المكثف ونيران المدفعية والعمليات البرية داخل القطاع والتهجير القسري لسكان القطاع الى الجنوب والقتل المتعمد الذي طال الأطفال والنساء والشيوخ وفرض حالة الحصار والعقاب الجماعي على المدنيين وإنتهاك قوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني، وهي إنتهاكات واسعة النطاق تشكل جرائم حرب ضد المدنيين والمواقع المدنية من مساجد وكنائس ومدارس ومشافي ، بدعم غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وكندا ومعظم دول اوربا . هذا الدعم شمل الجانب الإقتصادي والعسكري والإستخباري ، و سيكون لهذا العدوان “الإسرائيلي” أثر كبير على مستقبل القضية الفلسطينية وقطاع غزة وإنعكاس ذلك على الوضع الإقليمي والدول العربية ما لم تتم بلورة مشروع عربي للمواجهة.

ورغم أن لهذه العمليات العسكرية واسعة النطاق والمدمرة والضحايا من الأطفال والنساء والرجال من المدنيين الذين هم في تزايد مستمر قد أعاد الحياة الى الوعي العربي والى قيم العروبة ، ووجهت إهتمام الرأي العام العربي نحو القضية الفلسطينية، لاسيما لدى الشباب العربي وكذلك الراي العام العالمي ، ورغم مطالبة مصر والاردن الوقف الفوري للحرب على غزة ورفض سياسة العقاب الجماعي لسكانها ، واية محاولة للتهجير القسري للفلسطينيين الى الأردن ومصر، الا ان خطر التغيير الديموغرافي ما زال قائما مع استمرار استخدام  ابشع  الوسائل واكثرها اجراما وفضاعة .

 أن الهدف الرئيس لإسرائيل من التهجير القسري لسكان غزة ولاحقاً لسكان الضفة الغربية هو تصفية القضية الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من إستثمار موارده الطبيعية والإنتفاع بها.

وهو غير معزول عن ما جرى ويجري من خطوات لتحقيق مشروع          ” الشرق الاوسط الجديد” الذي هو في حقيقته “اسرائيل الكبرى” ، عبر التغيير الديموغرافي الذي جرى ويجري تنفيذه في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والسودان. والسيطرة على كافة موارد تلك الاقطار الغنية ومنها فلسطين في غزة والضفة.

 حيث يمتلك قطاع غزة موارد طبيعية بمليارات الدولارات تشكل  السبب الاضافي الذي يقف خلف تكالب القوى العظمى عليها في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، على دعم “إسرائيل” في تدمير غزة وتهجير سكانها إذ يقدر إحتياطي النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية بنحو (1.5) مليار برميل من النفط الخام و(1.4) ترليون قدم مكعب من الوقود الأزرق على وفق مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) وتقع هذه الموارد الطبيعية في المنطقة (ج) من الضفة الغربية وساحل البحر الأبيض المتوسط قبالة قطاع غزة.

 ويُعدُّ حقل (غزة مارين) الواقع على بعد 30 كيلومتراً من ساحل غزة بين حقلي الغاز العملاقين (لونيان) و (ظهر) من حقول الطاقة المهمة في الشرق الأوسط، ويقدر مخزون الحقل بأكثر من تريليون متراً مكعباً من الغاز ، وكانت شركة الغاز البريطانية (British Gas) تتولى مهمة التنقيب في الحقل .

  لذا فقد اعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بكل صراحة عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد عملية (طوفان الأقصى)، حيث يقوم هذا الكيان بإستغلال

 الدعم الأمريكي والاوربي له الى أقصى حد ممكن بما يعظّم ويحفظ مكتسباته الحالية والمستقبلية من الحرب .ان الاستراتيجية المعتمدة تهدف الى إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد على وفق قواعد ((الصراع الظاهري ، والتكامل الخفي))،  بين المشروعين العدوانيين الكبيرين في المنطقة وهما : (المشروع الأمريكي الغربي الإسرائيلي) ، و (المشروع الإيراني) ، وذيولها في المنطقة ، والتي ستكون فرادى ومجتمعة على حساب الأمة العربية ، وجوداً وهويةً وحقوق  .

   المبحث الاول : التهجير القسري وتداعياته

 ان معرفة مفهوم جريمة التهجير والتغيير الديموغرافي وتجريم القوانين الدولية لها والاستناد الى ذلك يعد ضرورة قصوى في الدفاع عن اهلنا في فلسطين الابية ضد جرائم الاحتلال الصهيوني وحمايتهم منها  واثارة المجتمع الانساني والراي العام الدولي لوضع حد لهذه الجرائم التي فاقت في بشاعتها كل شئ، وبالتالي تعزيز ودعم القضية الفلسطينية في المؤسسات الدولية من اجل الدفاع عن حقوق شعبنا العربي في فلسطين .

 وعموماً تُعدُّ جريمة التهجير القسري من الجرائم القديمة ،  وستبقى مستمرة ما دام هناك صراع بين البشر على الموارد، والثروة، والسلطة، لكنها كانت قديما بدون عقاب وكان المهزوم يخضع لإرادة المنتصر ومشيئته في كل شيء، غير أن تطور المجتمع الدولي والسعي إلى الحد من الآثار الناجمة عن الحروب، وتخفيف المآسي عن البشرية دفعت المجتمع الدولي، والفقهاء، والقضاء إلى تجريم التهجير القسري عبر تعريفه وتحديد معناه وتسليط الضوء على آثاره المتمثلة بالنزوح واللجوء وصولاً إلى تشريع قانون جنائي دولي يعاقب على هذه الجريمة. وإن الإحاطة بمفهوم جريمة التهجير القسري ومعرفة ماهيته، وأسبابه، وطريقة ممارسته تستوجب معرفة تعريف الفقهاء، والقضاء الجنائي الدولي المؤقت والدائم لها.

 اولاً : التهجير القسري في الفقه القانوني

عرف بعض الفقهاء التهجير القسري بأنه : (نقل السكان المدنيين من وإلى أماكن غير أماكنهم الأصلية ، أو هو إبعاد المدنيين من منطقة محتلة إلى منطقة أخرى ويعتبر الإبعاد داخليا إذا نقل الأشخاص المرحلين إلى موقع آخر في البلد نفسه ) (5) وما بعدها ، بينما يميز بعض الفقهاء بين الترحيل والنقل القسري ويرون أن الترحيل يكون بالنقل إلى ما وراء حدود الدول أما النقل القسري فيتم ضمن إقليم الدولة نفسها (6) . ويرى آخرون أن مفهوم التهجير وتحديد معناه يختلف في حالة النزاعات المسلحة الدولية عن حالة النزاعات المسلحة الداخلية ففي حالة النزاعات الدولية المسلحة يعرّف بأنه : (عمليات النقل القسرية الفردية أو الجماعية وترحيل الأشخاص المقيمين في المناطق المحتلة إلى أراضي سلطة الإحتلال أو الأراضي التابعة لأية دولة أخرى سواء كانت محتلة أم لا بصرف النظر عن الوقائع ) (7) .

 وأما في حالة النزاعات الداخلية فيعرّف بأنه : (إجبار مجموعة من السكان تقيم بصورة قانونية على أرضها وفي ديارها على الإنتقال إلى منطقة أخرى

ضمن الدولة نفسها أو خارجها بناء على منهجية وتخطيط وإشراف الدولة أو الجماعات التابعة لها أو جماعات أخرى أقوى ، في مسعى للتطهير يقوم

 على أساس التمييز العرقي أو الإثني أو القومي أو الديني أو حتى التوجه السياسي في تلك المنطقة التي يتم إبعاد السكان منها) (8) . ومهما إختلفت الآراء في تحديد مفهوم التهجير القسري الا أنه لا يخرج عن كونه عبارة عن سياسة مدبرة لحكومة دولة ما، تهدف إلى إقصاء السكان المدنيين الخاضعين لسلطاتها قسرا خارج حدود وطنهم سواء تم ذلك بصورة مباشرة فردية، أو جماعية، أو زرع مستوطنين بهدف تشكيل بنية ديمغر افية أو فرض واقع سياسي جديد على ذلك الإقليم(9) .

 أن معظم عمليات التهجير تنطوي غالبا على جلب مستوطنين يحلون محل السكان الأصليين الذين تم تهجيرهم ويقطنون في نفس مساكنهم وقد يكون المستوطنون الجدد من نفس البلد أو خارجها الا أنهم يختلفون عنهم في العرق أو الطائفة أو غيرها وبالتالي الإستيلاء على مساكنهم وإشغالها بدون عقد او اذن مسبق (10-14) .

 النبذة  الأولى – التهجير القسري في النظم الأساسية والإتفاقيات الدولية

 بُذلت جهود حثيثة خلال القرن التاسع عشر لعقد العديد من الإتفاقيات الثنائية والدولية، وصدرت التوصيات والإعلانات التي هدفت الى المساهمة في حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية أثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية ( 15) ، والسعي لترسخ القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني تدريجياً.  وتعدُّ جريمة التهجير القسري من أخطر الجرائم التي تواجه المجتمع الدولي الذي عمل على وضع الحلول لها وتقليل آثارها. ويُعدُّ

احترام قواعد القانون الدولي الإنساني إحدى الحلول لتلافي حدوثها ، لإحتوائه على قواعد أساسية توفر الحماية لضحايا التهجير ليس بصفتهم هذه، وإنما بصفتهم مدنيين وفيه أحكام واضحة تمنع التهجير القسري( 16) . وشهدت دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية رغبة وتقدماً واضحاً للإنضمام إلى الإتفاقيات

 

الدولية منها والإقليمية المعنية بحماية حقوق الإنسان، وسادت ثقافة مشروعية حقوق الإنسان واحترامها في أنحاء العالم (17) واخذت حقوق الإنسان طابعاً قانونياً بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، وعُدّت خطوة هامة لتدوين وتطبيق حقوق الإنسان، وخطت نحو تكريس نشوء عهد التنظيم الدولي الذي لم يتبلور بشكل فاعل إلا بعد إنشاء هيئة الأمم المتحدة في 24 إكتوبر 1945، بعد أربعة أشهر من إنتهاء مؤتمر سان فرانسيسكو ، وبعد أن صدّقت على ميثاقها كل من الصين وفرنسا والإتحاد السوفيتي السابق والمملكة المتحدة والولايات المتحدة فضلاً عن غالبة الموقعين الآخرين.

  إلا أن هذا الإعلان لم يُعرّف جريمة التهجير القسري لكن أشار بصورة غير مباشرة في الديباجة التي تؤكد على حقوق الإنسان في الحياة والحرية والكرامة المتأصلة في بني البشر (18) . ونصت المادة (3/1) من الميثاق على أن : (لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة). كما أن إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الملجأ الإقليمي المعتمد بالقرار المرقم 2312 (د/22) في 14 ديسمبر 1967 لم يورد تعريفاً لجريمة التهجير القسري.

 

النبذة الثانية – جريمة التهجير والقانون الدولي لحقوق الانسان

تُعّد إتفاقية جنيف لسنة 1864 الإتفاقية الأولى ذات السمة العالمية لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة بالميدان ، وتم مراجعتها بشكل كبير والإستعاضة عنها بنسخة سنة 1906 ثم تلتها اتفاقية جنيف لسنة

 1929، تناولت الأولى الموضوع نفسه الذي تناولته اتفاقيتي 1864و1906 والثانية تتعلق بمعاملة أسرى الحرب، وأن نشوب النزاعات المسلحة وتطورها منذ سنة 1949 ، لم تعد تضمن الحماية الكافية لجميع الضحايا ولا سيما المدنيين منهم فكان لابد من إكمالها وتطويرها بنصوص جديدة. وفي 8 يونيو 1977تبنى مؤتمر دبلوماسي عقد في جنيف بروتوكولين إضافيين الى إتفاقيات جنيف الأربعة ، الاول تناول حماية ضحايا

 المنازعات الدولية المسلحة والثاني تناول المنازعات الدولية غير المسلحة  والتي تُعدُّ  اللبنة الأولى للقانون الدولي لحقوق الإنسان (19)  .

 وكانت اتفاقيات لاهاي 1899 و1907 الخاصة بإحترام قوانين وأعراف الحرب البرية  قد عُدت تطوراً تدريجياً وأساسياً لتوقيع العديد من الإتفاقيات والبروتوكولات المعنية بحقوق الإنسان فيما بعد  ولكنها لم تورد أي تعريف لجريمة التهجير القسري ، وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها بالقرار 260/ أ(د-3)  وجاء في المادة الثانية منها ما يأتي :

 تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال المرتكبة بقصد القضاء الكلي أو الجزئي على جماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية  بما فيها نقل الأطفال قسراً من جماعة إلى جماعة أخرى . وقد نصت على أفعال يكون ارتكاب أي منها جريمة إبادة، والتهجير قسراً هو أحد الأفعال المرتكبة إذا تحققت الشروط الأخرى لقيام هذه الجريمة أو يمكن اعتبارها إحدى صورها .

 تعريف التهجير القسري في النظم الدولية الأساسية

لا تُعدّ جريمة التهجير القسري للسكان المدنيين مجرد نقل لهم من مكان إلى آخر، فهي جريمة أخطر من ذلك فهي جريمة دولية، إذ يمكن أن تكون جريمة ضد الإنسانية أو جريمة حرب أو جريمة إبادة جماعية، وأهم التعاريف التي وردت في النظم الأساسية الدولية لهذه الجريمة هي الآتي :

 تعريف جريمة التهجير القسري في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ :

قام الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بوضع النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ على الرغم من الصعوبات التي واجهت تشريع القانون الدولي الجنائي، وتحقيق الموائمة بين النظم القانونية المختلفة لهذه الدول، وتحديد الأفعال المراد تجريمها (20).

وعقد في 26 يونيه 1945 مؤتمراً نتج عنه  اتفاق لندن بين ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق والمملكة المتحدة لبريطانيا

 العظمى وفرنسا وانضمت إليه لاحقاً عشرة دول حليفة ، على وفق المادة (5) انضمت حكومات: اليونان، الدانمارك، يوغسلافيا، هولندا، تشكيوسلوفاكيا، بولندا، بلجيكا، أثيوبيا، أستراليا، هندوراس، النرويج، بنما، لوكسمبرغ، هايتي، نيوزيلندا، الهند، فنزويلا، أورجواي إلى الإتفاق (21- 23).

 وحددت المادة (6) من النظام الأساسي لمحكمة نورمبرج اختصاصات المحكمة في محاكمة مرتكبي جرائم دولية ثلاثة جرائم هي :

  • الجرائم ضد السلام
  • جرائم الحرب
  • الجرائم ضد الإنسانية

 وكانت جريمة الحرب أسهل الجرائم تعريفاً وهي أي انتهاك أو مخالفة لقوانين وأعراف الحرب وتشمل على سبيل المثال لا الحصر إبعاد السكان المدنيين من أجل العمل أو القيام بأعمال شاقة أو لأي هدف آخر في البلاد المحتلة ، والقتل وسوء المعاملة لأسرى الحرب وقتل الرهائن وأي عمل لا تقتضيه الضرورة العسكرية. وأما الجرائم ضد الإنسانية فوردت في المادة (6/ج) من النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ وهي تشمل أفعالاً منها النفي أو الترحيل أو أفعالاً أخرى غير إنسانية (24). ويُعدّ مفهوم الجرائم ضد الإنسانية من اهم النتائج المتحققة من إنشاء محكمة نورمبرج (25).

 جريمة التهجير القسري على وفق نظام محكمة طوكيو:

وفي 19/1/1946 صدر قراراً بإنشاء محكمة عسكرية دولية سميت (محكمة طوكيو)، وصدر قرار إنشائها في الاتفاق الذي تم في مؤتمر يوسدام بتاريخ 26/7/1945 واختصاصها لم يختلف عن اختصاص محكمة نورمبرج، وجرى تعريف الجرائم ضد الإنسانية بانها : القتل، الإبادة، الاسترقاق، الإبعاد وغيرها من الأفعال غير الإنسانية، المرتكبة ضد أي تجمع مدني قبل أو أثناء الحرب، أو الاضطهاد القائم على أساس سياسي، أو

 عنصري، وتنفيذ أي جريمة أو متعلق بأي جريمة تدخل في اختصاص المحكمة سواءً كان ذلك الفعل مجرماً أم غير مجرم، في القانون الوطني للدولة المرتكب على أرضها هذا الفعل، القادة المنضمون، المحرضون، المساهمون، والمشاركون في إعداد أو تنفيذ خطة عامة، أو في اتفاق جنائي لارتكاب أيٍّ من الجرائم السابقة؛ بكونهم مسؤولين عن جميع الأفعال التي ارتكبت بوساطة أي شخص في سبيل تنفيذ تلك الخطة) بحسب المادة (5/ج) من النظام الأساسي لمحكمة طوكيو.

  ويتبين من النظامين الأساسيين لمحكمتي نورمبرج وطوكيو أن الإبعاد يُعدّ أحد الأفعال المكونة للجريمة ضد الإنسانية، وهي جريمة دولية وإن لم ينص عليها في القانون الوطني، وهذه نقلة نوعية يفترض ان تكون في احترام حقوق الإنسان.

 التهجير القسري في المحاكم المؤقتة بخصوص يوغوسلافيا ورواندا:

تُعدُّ جرائم الحرب التي تمثل الإنتهاكات الأكثر جسامة للقانون الدولي الإنساني ، من اكثر الجرائم التي تثير الرأي العام الدولي لما تمثله من فضائع مرتكبة بحق الأبرياء المدنيين من بشاعة وعدم الإحترام للقواعد الدنيا في حماية المدنيين.  وعمل المجتمع الدولي على تطوير آلية معاقبة الجناة ،

فتأسست المحاكم الدولية المؤقتة الذي تبع تفكك جمهورية يوغسلافيا الإتحادية السابقة، وما حصل في رواندا في إفريقيا بسبب خلاف عرقي،  فصدر قرار مجلس الأمن المرقم (827) في 25/5/1993 بالموافقة على تأسيس محكمة جنائية دولية مؤقتة لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب الخاصة ، والتي تُعدّ من أهم الإجراءات المتخذة من الأمم المتحدة لقمع تلك الجرائم والتي عُدّت انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني (26) ، إذ ارتكب الصرب جرائم التطهير العرقي والاغتصاب والتهجير القسري وقتل المدنيين البوسنيين (27) .

 وورد في الفقرة (2) من المادة (4) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية المؤقتة الخاصة بيوغسلافيا السابقة ما يأتي: (تعني إبادة الأجناس أي فعل من الأفعال الآتية يرتكب بقصد القضاء كلياً أو جزئياً على جماعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية بوصفها جماعة لها هذه الصفة). كما جاء في الفقرة (2/ه) من المادة نفسها (نقل أطفال الجماعة قسراً إلى جماعة أخرى). وأما المادة (5) فنصت على الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية ومحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الجرائم الآتية :

  • إذا ارتكبت في أثناء نزاع مسلح دولي أو غير ذات طابع دولي وكانت موجهةً ضد أي مجموعة مدنية،
  • أما الإبعاد فورد في الفقرة (د) من المادة (5) من نظام المحكمة الأساسي.

 وأما ما يخص المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا 1994 حيث قامت حكومة رواندا ، بسبب الصراع العرقي بين قبائل (التوتسي والهوتو) الذي نتج عنه انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني بمقتل مليون ونصف مليون شخص وتهجير قسري، باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، الذي شكل لجنة التحقيق في الجرائم المرتكبة في رواندا، على وفق القرار (935) لسنة 1994 مستنداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، وأًصدر المجلس القرار المرقم (955/94) في 8/11/1994، بتشكيل المحكمة الجنائية الدولية برواندا، التي اختصت بالنظر في الجرائم ضد الإنسانية والإبادة

الجماعية والانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف 1949 ومخالفة قوانين الحرب وأعرافها، واستند النظام الأساسي لهذه المحكمة على الأسس التي صدر بموجبها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة التي اعتمدت بالأساس على النظام الأساسي لمحكمة نورمبرج، إذ قامت المحكمة بتجميع القواعد القانونية والإجراءات الواردة  في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، مع بعض الفروق البسيطة فيما يتعلق بالاختصاص الزماني والاختصاص المكاني ، ووردت جريمة االتهجير القسري (الإبعاد) في الفقرة (2) من المادة (2) .

 التهجير القسري في نظام المحكمة الجنائية الدولية

ورد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية  التي حددت المادة (5) من النظام الأساسي اختصاصاتها حيث اقتصرت على أشد الجرائم خطورة (28)  وهي :

1–     جريمة الإبادة الجماعية.

2–     جرائم الحرب.

3–     الجرائم ضد الإنسانية.

4–     جريمة العدوان.

وورد مصطلحي (الإبعاد والنقل القسري) في ضمن الأفعال المكونة للجريمة ضد الإنسانية وذلك في الفقرة (1/د) من المادة السابعة أما تعريف الإبعاد أو النقل القسري فورد في الفقرة (2/د) التي نصت على ما يأتي:

 (ترحيل الأشخاص المحميين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري آخر من دون مبررات يسمح بها القانون الدولي)، ليضع هذا التعريف الأساس القانوني للتهجير القسري (الإبعاد) ويُعدُّ الفعل جريمة ضد الإنسانية يعاقب عليها جنائياً.

 ان جميع الهيئات والمؤسسات والمنظمات العربية والوطنية مطالبة اليوم بعدم السكوت والوقوف موقف المتفرج ازاء جريمة التهجير والتغيير الديموغرافي التي تجري في غزة وبعدها الضفة الغربية في فلسطين ، وبشكل سبقها او موازي لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن والسودان.  بل اثارتها وتجريم الدول التي تقوم بها والاستناد الى تجريم القوانين الدولية لها والتي تم ذكر بعض الامثلة عليها اعلاه، وذلك  لوضع حد لهذه الجرائم والتصدي لما يحاك ضد امتنا العربية من مشاريع استعمارية استراتيجية.

 يتبع لطفاً..

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب