ومضات : القبة الحديدية الفلسطينية
ومضات : القبة الحديدية الفلسطينية
د. صبري صيدم
لم يكتب التاريخ المعاصر ولا مسيرة القدر أن يكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة بعد، خاصة بعد أن ابتلاهم الله بأعند وأطول احتلال خلال العقود الطويلة الماضية. وعليه فإنهم لم يمتلكوا سلاحاً للجو، ولا صواريخ عابرة للقارات، ولا حاملات للطائرات، ولا قنابل نووية، ولا أسلحة جرثومية، أو كيميائية ولا حتى قبة حديدية كما تمتلك إسرائيل، ومع ذلك فإن الفلسطينيين يمتلكون نسخة أخرى من القبة الحديدية، لا تزرع الموت والدمار والردع والترهيب، بل تلك المكونة من الصمود والثبات والتلاحم، والإرادة والتفاني في حب الأرض والدفاع عنها.
قبة حديدية مشهود لها بتاريخ طويل من النضال والكفاح، وقدرة عالية على صد الهجمات على الهوية والانتماء، ومحاولات الاحتلال الدؤوبة لكسر الشعب الفلسطيني وهزيمته وطرده وتهجيره. قبة، عمدت بدماء الشهداء ومعاناة الأسرى والجرحى، خلال رحلة عذاب طويلة ومتواصلة، قبة، تحدت المؤامرات والاجتياحات والاعتقالات والانتهاكات والاعتداءات.. قبة، لا تحميها الصواريخ بل سلاح الإرادة، المصر على مقارعة الغاصبين ورفض كل محاولات الشطب والتهميش والتنكيل. قبة تجددت كفاءتها مع نضوج أبنائها وتفوقهم على آبائهم بالارتباط بجغرافية الوطن، ورفضهم للذل، ومحاولات مصادرة حياتهم ومكوناتها، والدفع بهم إلى المنافي والشتات، وهو ما جعل الفلسطينيين يسجلون في تاريخهم أسمى معاني العزة والكرامة، فلم يبق بيت من بيوتهم إلا وقدم الكثير على مذبح الحرية من شهداء وأسرى وجرحى.
القبة الحديدية الفلسطينية تحتاج إلى التحصين بالحكمة والعقل حتى تمتلك القدرة على فرض وجودها، من دون منة من أحد على أحد، أو استعلاء طرف على آخر، أو تفرد أحد على حساب الآخر
لكن القبة الحديدية الفلسطينية تحتاج في ما تحتاجه إلى التحصين والتمتين في مواجهة رياح التواطؤ والمؤامرة والخذلان، فصواريخ الاحتلال كما حجارة مستوطنيه لا تميز بين فصيل وآخر، وإنما تستهدف الهوية، تجسيداً لمقولة صهيونية عنصرية مفادها: أن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت، وتعتبر، وكما قال وزير دفاع حكومة المتطرفين الصهاينة، إن الفلسطينيين إنما هم «حيوانات بشرية»، بينما قال وزير آخر بأن على حكومته أن تلقي قنبلة نووية على غزة! هؤلاء لم يشيروا في كلامهم إلى حزب أو حركة أو فصيل، وإنما إلى الفلسطينيين جميعاً، لذلك وفي أوج المعركة فإن الدفاع عن الهوية والبقاء ومشاريع التهجير يعني أن الكل الفلسطيني مستهدف، وأن الحرب ليست على فصيل بعينه، بل على الجميع، وأن المناكفات السياسية والتنمر الحزبي، يجب أن يوضع جانباً في خضم المعركة وذلك في مقابل مواجهة بركان الاحتلال وأدوات قتله وتدميره. فالخسارة في الأرواح والأرزاق والمباني والممتلكات، وما يترتب على الجريمة من أهوال يتحمله الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس وفي كل مكان، لذلك كلنا في الهم شرق، وهو ما يعني تحييد الخلافات الداخلية في مواجهة الجرائم المتواصلة والاجتياحات والاعتقالات والقصف والتدمير والتنكيل في غزة والضفة الغربية، فأبطال الميدان وفرسانه ومن هم أكرم منّا جميعاً والذين ينتمون لمشارب مختلفة، إنما هم فلسطينيون، لذلك فإن هذا الكل مطالب بالاضطلاع بمسؤولياته، خاصة أن فرقاء الأمس في المشهد السياسي الإسرائيلي على اختلاف مشاربهم، توحدوا بعد أن هدد شرخهم وجود الدولة وبقاؤها، إلا أنهم عادوا في زمن المواجهة والخطر فتوحدوا وتناسوا جراحاتهم، وشكلوا مجلساً للحرب وأطلقوا النار على فلسطين الهوية والإنسان.
وعليه فإن القبة الحديدية الفلسطينية تحتاج إلى التحصين بالحكمة والعقل حتى تمتلك القدرة على فرض وجودها، من دون منة من أحد على أحد، أو استعلاء طرف على آخر، أو تفرد أحد على حساب الآخر. القبة الحديدية الفلسطينية هي خيمتنا الجامعة التي تنتظر منا العقل لفرض شروطنا بالحرية والاستقلال على أرضية القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، فهل تصل الرسالة؟ ننتظر ونرى!
كاتب فلسطيني