الصحافه

صحيفة عبرية: محمود عباس أمام حقل ألغام متفجر.. وإسرائيل ترى في خطاب هنية “توسلاً”

صحيفة عبرية: محمود عباس أمام حقل ألغام متفجر.. وإسرائيل ترى في خطاب هنية “توسلاً”

إزاء الاضطرابات في حركة فتح تصعب رؤية محمود عباس يتولى المسؤولية عن قطاع غزة. لدى موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، بشرى. “نريد أن نكون جزءاً من م.ت.ف. وقد قلنا إننا سنحترم التزامات م.ت.ف. للإسرائيليين حقوق، لكن ليس على حساب الآخرين… يجب التمسك بالموقف الرسمي وهو أن م.ت.ف تعترف بحق إسرائيل في الوجود”، قال في مقابلة مع موقع “مونيتور”. في أوقات أخرى، كان تصريح كهذا سيعتبر انعطافة، وانقلاباً في رؤية حماس التي لا تعترف بإسرائيل. ولكن الذاكرة تدل على أن “الأوقات الأخرى” كانت في السابق، وأنها ليست المرة الأولى التي يلقي فيها أبو مرزوق “قنبلة”، يتبدد صداها في فترة قصيرة. ففي أيلول 2014 قال: “من ناحية دينية، لا عيب في إجراء مفاوضات مع الاحتلال، فكما نجري المفاوضات بالسلاح نجريها بالحديث”. وفي مقابلة مع شبكة “القدس” قال في حينه إنه “إذا بقي الوضع على حاله فستضطر حركة حماس إلى سلوك هذا الطريق، التفاوض مع إسرائيل، لأنه طلب شعبي في كل قطاع غزة”.

خلال فترة قصيرة، نشر نفي قاطع من قبل حماس، التي قالت إن موقفها القاطع هو أنه لا يجب إجراء المفاوضات مع العدو الصهيوني. جهات رفيعة في حركة فتح، العدو اللدود لحماس، أوضحت بأن أقوال أبو مرزوق هدفت إلى المس بالسلطة الفلسطينية وم.ت.ف وطرح حماس كمحاور محتمل، وبهذا تقويض مكانة م.ت.ف بصفتها الممثل الحصري للشعب الفلسطيني.
بعد ثلاث سنوات، في 2017، نشرت حماس ميثاقها المعدل الذي جاء فيه أن “إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران 1967 هي صيغة وطنية متفق عليها ومشتركة”، مرة أخرى بشرى غير مسبوقة. ولكن قيل في السطر التالي “لن نتنازل عن أي شبر من أرض فلسطين مهما كانت الظروف والشروط والأسباب والضغوط، ومهما طال الاحتلال”. يمكن فعلياً سماع التفسير الذي يعتبر أقوال أبو مرزوق دليلاً قاطعاً على أن حماس تعترف بالخسارة، ولا ترى أي مخرج عدا الاعتراف بدولة إسرائيل، أو على الأقل تقديم نفسها كجهة مستعدة لأن تكون شريكة في أي عملية سياسية ستبدأ في اليوم التالي للحرب في غزة.
هذا التفسير سمع هذا الأسبوع بعد أن حذر إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، بأن “أي اتفاق في غزة بدون حماس هو وهم وسراب”. وقد كرر ذلك ثلاث مرات. ووجدت إسرائيل في ذلك دليلاً واضحاً على الاعتراف بهزيمة حماس، الهزيمة التي تجبر هنية على “التوسل” من أجل إنقاذ حماس قبل أن يسرق أحد القطاع من السنوار. حتى الآن، لم يسمع رد هنية أو رد قادة كبار في حماس على أقوال أبو مرزوق، ومن غير المعروف إذا كانت تعكس موقف هنية أو السنوار، الذي بينه وبين هنية خلاف عميق بدأ قبل الحرب، أو إذا كانت قيادة فتح مستعدة أصلاً لاستئناف المحادثات مع حماس لتشكيل جسم سلطوي موحد.
تصريحات قادة حماس لا تستهدف الأذان الإسرائيلية، وحماس ليست ولا يجب أن تكون شريكة في المفاوضات مع إسرائيل على حل قضية غزة. أقوال هنية وأبو مرزوق موجهة إلى ساحة الحوار السياسي الفلسطيني الذي يتراوح بين قطبين: الأول يمثله محمود عباس الذي قال في مقابلة مع وكالة “رويترز”: “أنا مع المقاومة غير العنيفة. أؤيد المفاوضات التي تستند إلى مؤتمر دولي ورعاية دولية، التي تؤدي إلى حل يحصل على الحماية من دول العالم لإقامة الدولة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية وشرقي القدس”. وفي الوقت نفسه، أكد أن “م.ت.ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”. أي أنه إلى حين يتم الاتفاق على غير ذلك، فحماس و”الجهاد الإسلامي” ليستا أعضاء في م.ت.ف. وإذا رغبتا في الانضمام، عليهما تلبية شرطين أساسيين: المقاومة غير العنيفة، وتبني الاتفاقات التي وقعت عليها م.ت.ف مع إسرائيل. القطب الثاني يمثله كبار قادة فتح، مثل جبريل الرجوب ومروان البرغوثي وناصر القدوة وحمادة فراعنة، هذا إذا أردنا الإشارة فقط إلى بعض أعضاء هذه الكتلة التي تطالب منذ فترة طويلة بإجراء الإصلاحات في بنية م.ت.ف وضم حماس، وبالأساس إنهاء ولاية محمود عباس، التي تجاوزت إطارها القانوني.
قبل سنتين كان يبدو أنها عملية تنضج عندما أعلن محمود عباس عن إجراء الانتخابات للرئاسة والمجلس التشريعي. ولكن في حينه، أدرك أن جيلاً جديداً يقف أمامه، ليس بالضرورة جيلاً شاباً. معظم الأعضاء في هذه الكتلة تتراوح أعمارهم بين الستين فما فوق، لكنهم يستندون إلى الجيل الشاب، المحبط واليائس، من الفلسطينيين الذين لا يرون أي أفق سياسي تحت ظل حكم السلطة الفلسطينية. أحد المرشحين البارزين، وهو ناصر القدوة، ابن شقيقة ياسر عرفات والذي شغل منصب وزير الخارجية، قام محمود عباس بطرده من صفوف اللجنة المركزية بعد الإعلان عن نيته تشكيل قائمة مستقلة ستتنافس في الانتخابات أمام قائمة فتح “التقليدية”.
القدوة يستمر في زيارة محمود عباس والقاعدة المخضرمة في الحركة. مؤخراً، في مقابلة مع شبكة “ام.بي.سي مصر”، أوضح بأن “الإصلاحات في القيادة الفلسطينية ليست طلباً أمريكياً أو إسرائيلياً، بل طلب لأغلبية ساحقة من الفلسطينيين. الإصلاحات، حسب قوله، يجب أن تعتبر حماس شريكة في القيادة الفلسطينية. “على الحكومة الفلسطينية الحالية الحفاظ على وجود حماس واحترامها، وأن تكون منفتحة تجاهها، لأن أغلبية الفلسطينيين تريد حكومة فلسطينية تحافظ على كرامة المواطن الفلسطيني”.
أقوال مشابهة قالها جبريل الرجوب في مقابلة مع الصحيفة التركية “ديلي صباح”: “موقفنا بخصوص مستقبلنا يتركز في المقام الأول على وحدة أراضي فلسطين التي احتلت في 1967. وفي المقام الثاني على اتفاق بين جميع الفصائل الوطنية، من بينها حماس، لتشكيل حكومة وحدة وطنية تعالج مهمات محددة لفترة زمنية محددة وتكون مسؤولة عن توفير الغذاء وإعادة الإعمار وتقديم الخدمات. وستكون المسؤولة عن كل الأراضي الفلسطينية، وتعدّ الشعب الفلسطيني للانتخابات. هذه هي الخطوة الأولى في بناء الشراكة (بين الفصائل)”.
حقل ألغام
هذه المواقف بعيدة عن موقف إسرائيل الذي يطرحه نتنياهو، والذي يرفض نقل السلطة في غزة للسلطة الفلسطينية ببنيتها الحالية، وبالأحرى إذا انضمت إليها حماس و”الجهاد الإسلامي” وفصائل أخرى. هذا الموقف يستبعد أيضاً خطة الرئيس الأمريكي الذي يعتقد أن “سلطة مجددة”، بدون تفسير قصده، هي التي يجب أن تحكم في غزة. ولكن الرئيس الأمريكي أيضاً، الذي يستبعد مشاركة حماس في أي بنية سلطوية في غزة أو في “المناطق” [الضفة الغربية] بشكل عام، يعتقد أنه لن يكون هناك أي مانع لإجراء الانتخابات في “المناطق”؛ الانتخابات تعني أن حماس يمكنها المشاركة فيها وربما الفوز أيضاً.
لكن حتى إقامة سلطة فلسطينية جديدة بدون انتخابات كما يقترح الرجوب، كمرحلة أولية قبل تولي المسؤولية عن إدارة القطاع، تحتاج إلى مفاوضات وتفاهمات مع حماس ومع فصائل أخرى. من يعتقد أن الحل يكمن في إطلاق سراح مروان البرغوثي – حسب استطلاع أجراه معهد خليل الشقاقي والذي نشرته عميرة هاس حصل على دعم بنسبة 51 في المئة (مقابل الـ 34 في المئة التي حصل عليها قبل الحرب) كخطوة لتشكيل قيادة فلسطينية جديدة – عليه الانتباه إلى أقوال قالها في بيان أرسله لوسائل الإعلام في 8 كانون الأول الحالي من السجن، الذي دعا فيه كل فلسطيني للمشاركة في “معركة التحرر” الجارية الآن. يجب تحويل كل بيت فلسطيني إلى معقل للثورة، وكل شخص إلى جندي في ساحة المعركة. علينا التوحد والإثبات لكل العالم بأننا قوة لا يمكن كسرها في معركة البطولة المتواصلة التي خلقتها المقاومة (القصد حماس)، التي تدشن فيها مرحلة جديدة من تاريخ أمتنا، كتب في البيان.

الانتقال إلى التوصيات المطلوبة في البيان، التي تحيي الذكرى السنوية لبداية الانتفاضة الأولى، يتحدث البرغوثي هنا أيضاً عن الدمج الضروري بين كل الفصائل والتيارات الفلسطينية. البرغوثي، الذي هو أحد من صاغوا “وثيقة الأسرى” في 2006، التي وافق فيها ممثلو الفصائل الفلسطينية الذين كانوا في حينه في السجون الإسرائيلية على انضمام حماس لـ م.ت.ف وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، لم يتنازل في أي وقت عن الوحدة الوطنية، حتى عندما عرض في 2016 خطته لإجراء حوار وطني حول إقامة قيادة جديدة لـ م.ت.ف وإجراء انتخابات، التي حسب نتائجها سيتقرر نصيب كل فصيل وكل حركة في جهاز السلطة.
منذ ذلك الحين، كانت عشرات اللقاءات والحوارات بين فتح وحماس، بشكل مباشر أو بوساطة مصر وقطر وتركيا وجهات أخرى، ولكن بدون أي نتائج عملية. المحاولة الأخيرة لتشكيل وحدة بين الفصائل كانت في تشرين الثاني الماضي في مصر في لقاء استثنائي بين إسماعيل هنية وناصر القدوة، إضافة إلى ممثلين آخرين. الأمر المهم هو أنه في حين أن هنية هو الممثل الأعلى الذي يمكن لحماس أن ترسله لهذا اللقاء، فالقدوة لا يمكنه الادعاء بأنه يمثل فتح. يبدو أن مصر، التي دعت الأعضاء والتي بذلت الجهود الكبيرة لإجراء مصالحة فلسطينية داخلية، بدأت تستعد لليوم التالي و”هندسة” تشكيلة القيادة الفلسطينية الجديدة، ربما من خلال الاعتراف بأن زمن عباس قد انقضى، وهي تفحص قوة الجيل القادم في حركة فتح.

إزاء الهزة التي تمر بها قيادة فتح الآن تصعب رؤية كيف يمكن لمحمود عباس والسلطة الفلسطينية، حتى لو غيرت إسرائيل موقفها، تحمل المسؤولية عن إدارة قطاع غزة، لو بشكل مؤقت. العملية الحاسمة التي يمكنها اختراق الطريق المسدود قد تكون الإعلان عن عقد مؤتمر دولي لمناقشة مستقبل فلسطين وحل الدولتين. هذا الإعلان قد يلبي الشرط الأساسي الذي وضعه محمود عباس، ويلبي طلبه الذي يقول إن تحمل المسؤولية عن غزة سيتم فقط في إطار النقاشات حول حل سياسي شامل. يصعب اليوم وصف تحقق هذه الخطوة، لكن حتى لو حدثت معجزة، فإن السؤال الذي سيطرح هو: هل سيتمكن عباس من التغلب على حقل الألغام المتفجر الذي ينتظره في م.ت.ف، وبشكل خاص في فتح، حيث يرون في الحرب فرصة لإحياء الحركة بدونه؟
تسفي برئيل
هآرتس 15/12/2023

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب